إسلاموفوبيا أحزاب اليمين الراديكالي الأوربية الجديدة
مقال بقلم: علاء بيومي
الناشر: الحياة، 19 نوفمبر 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص المقال
فهم الأسباب الحقيقية الكامنة وراء نمو ظاهرة العداء للإسلام والمسلمين (الإسلاموفوبيا) في عدد من المجتمعات الغربية بشكل عام والأوربية بشكل خاص خلال السنوات الأخيرة ضرورة لا بد منها لتطوير خطاب إسلامي قادر على التعامل مع الظاهرة الخطيرة وعلاجها
ففهم المشكلة مقدمة ضرورية لحلها، والتوصيف الخاطئ للداء قد يضعف مفعول الدواء أو يبطله كلية
لذا رأينا أن نتعرض في هذا المقال لأحد أهم أسباب صعود ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب خلال السنوات الأخيرة والذي يتعلق بصعود الأحزاب الأوربية اليمينية الراديكالية الجديدة
والواضح هنا أن المعنيين بتتبع ظاهرة الإسلاموفوبيا ومواجهتها عادة ما يرصدون مجموعة مختلفة من الأسباب الرئيسية المحتملة لهذه الظاهرة ومنها أحداث الحادي عشر من سبتمبر والممارسات المتطرفة لبعض الجماعات التي ترفع شعار الإسلام، والبيئة الدولية الراهنة وما تشهده من صراعات مختلفة تضع العالم الإسلامي في قلبها، وتحيز بعض الأوربيين الثقافي والتاريخي الدفين ضد الإسلام والمسلمين
المقال الحالي لا يهمل أهمية الأسباب السابقة الهامة، ولكنه يفضل التركيز على سبب إضافي لا يقل أهمية يتعلق بالتحولات السياسية والاجتماعية الرئيسية التي تمر بها المجتمعات الغربية والأوربية ذاتها، بحكم أن هذه التحولات عميقة وداخلية ومعاصرة وقادرة على التأثير على حياة أعداد غفيرة من أبناء المجتمعات الغربية على مستويات مختلفة، ومن ثم تصبح هذه التحولات ونتائجها أولى بالاعتبار
والذي نقصده هنا بهذه التحولات هي ظاهرة صعود أحزاب اليمين الراديكالي الجديد بالدول الأوربية والغربية، وهنا يرصد كتاب "اليمين الراديكالي: الناخبون والأحزاب في السوق الانتخابي" الصادر عن مطابع جامعة كامبريدج الأمريكية في عام 2005 لبيبا نوريس أستاذة العلوم السياسية بجامعة هارفرد الأمريكية 43 حزبا يمينيا راديكاليا في 39 دولة ديمقراطية عبر العالم، بما في ذلك بعض أكبر الدول الأوربية مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا وهولندا وسويسرا
ويشير الكتاب إلى أن الأحزاب اليمينية الراديكالية تكاد تكون قد تلاشت من البلدان الغربية في الفترة التالية للحرب العالمية الثانية بسبب الويلات التي تعرضت لها البلدان الأوربية على أيادي تلك الأحزاب خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولكن مع مطلع عقد السبعينات من القرن العشرين بدأت تلك الأحزاب في العودة والظهور على الساحة السياسية الأوربية والغربية لأسباب مختلفة، وخلال عقد الثمانينات ازدادت الأحزاب اليمينية الراديكالية قوة، حتى تمكنت خلال السنوات الأخيرة من تحقيق مكاسب كبيرة في الانتخابات التشريعية ببعض البلدان
فخلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2004 تمكنت الأحزاب الراديكالية من الحصول على نسبة 10% من أصوات الناخبين بالنمسا، و13.6% ببلجيكا، و25.5 % بكندا، و12.6% بالدانمرك، و13.2% بفرنسا، و16.3% بإيطاليا، و10.4% بنيوزيلندا، و14.5% بالنرويج، و29.5% بسويسرا
وتشير مؤلفة الكتاب بيبا نوريس إلى أن صعود هذه الأحزاب بالدول الأوربية ارتبطت بمجموعة مختلفة ومعقدة من العوامل مثل قوانين الدول الأوربية الخاصة بالأحزاب وبتمويل الانتخابات وبتمثيل الأحزاب في البرلمان، والتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها تلك الدول خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وفشل الأحزاب اليسارية واليمينية المعتدلة في التعامل مع تلك التحديات بالجدية اللازمة، وتطوير الأحزاب اليمينية الراديكالية الجديدة لقيادات كاريزمية ومؤسسات حزبية جديدة ساعدتها على تحقيق إنجازات غير مسبوقة
خطاب وبرامج الأحزاب اليمينية الراديكالية الجديدة تميزا بثلاثة خصائص أساسية كما تشير دراسة نشرتها مجلة "جورنال أوف بوليتيكال إيدولوجيز" أو جريدة الأيدلوجيات السياسية البريطانية - في عددها الصادر في أكتوبر 2004 - تحت عنوان "ضد التيار: إيديولوجية اليمين الراديكالي الشعوبي المعاصر"
الخصائص الثلاثة هي قبول أحزاب اليمين الراديكالية الجديد بقواعد العملية الديمقراطية القائمة على الانتخابات الحرة وتمثيل فئات الشعب المختلفة بالنظام السياسي القائم، حيث ترى هذه الأحزاب أن الديمقراطية الحقيقية لابد وأن تضمن تمثيل جميع فئات الشعب بغض النظر عن رؤى تلك الجماعات مادامت ملتزمة بالعملية الديمقراطية السلمية
وهنا تقدم أحزاب اليمين الراديكالي الجديدة أنفسها على أنها أحزاب قائمة على تقديم رؤى المواطن الأوربي العادي البسيط بما تحمله من مخاوف بخصوص المستقبل والأجانب ومصير المجتمعات الغربية نفسها في مواجهة التحديات التي تمر بها، وذلك في مقابل النخب السياسة السائدة والتي تنظر إلى تلك القضايا نظرة استعلائية قائمة على الرفض والإنكار كما يرى اليمينيون الراديكاليون الجدد
الخاصية الثانية هو إعلان الأحزاب اليمينية الراديكالية الجديدة عن إيمانها بالمساواة بين البشر والأعراق المختلفة بما ينفي عنها صفة العنصرية بتعريفها التقليدي، ولكن الأحزاب نفسها ترفع - في نفس الوقت - شعار الاختلاف بين الثقافات والتنوع وحق كل أمة وثقافة في الحفاظ على نفسها وهويتها ضد قوى الذوبان المختلفة، وهنا يرفع اليمينيون الراديكاليون الجدد شعار حقهم في الحفاظ على هوياتهم وعلى إنجازات أجدادهم من خلال الحد من الهجرة الرافضة للاندماج أو هجرة الجماعات القادمة من ثقافات مختلفة اختلافا كليا عن الثقافة الغربية الأوربية بشكل يستحيل معه صهر أبناء تلك الثقافات في المجتمعات الأوربية المضيفة
وهنا يأتي دور الإسلام والذي تصوره بعض تلك الأحزاب على أنه مجموعة محدودة وجامدة من المعتقدات التي تتنافي مع الثقافة الغربية وتقف معها موقف النقيض في قضايا محورية هامة يأتي على رأسها الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والحقوق الدينية ومبادئ الفردية والعقلانية
أما الخاصية الثالثة فهي سعي تلك الأحزاب لاستخدام مؤسسات الدولة كأداة لتحقيق رؤيتها السياسية القائمة على غلق الأبواب أمام الأجانب حفاظا على الهوية والثقافة الوطنية، حيث تنادي تلك الجماعات بضرورة الحفاظ على مقاليد الحكم والدولة والاقتصاد في أيادي أصحاب الثقافة الأصلية لضمان سيطرتهم وتحكمهم في مسار أممهم وحماية إنجازات أجدادهم
وبهذا ترفع الأحزاب اليمينية الراديكالية الجديدة شعار المساواة العنصرية مع الأخر والاختلاف الثقافي معه بحكم أن ثقافة الآخر – كما تراها تلك الأحزاب – هي ثقافة بدائية متدنية لا ترتقي لمستوى الثقافات الغربية الأوربية المتقدمة، ومن ثم تضع تلك الجماعات الشعوب الأوربية الأصيلة في موضع الوصاية على المهاجرين الجدد لضمان صهر هؤلاء المهاجرين في الثقافة الأصلية الأم، كما ترحب تلك الجماعات بتقسيم العالم وفقا لحدود ثقافية وحضارية كبرى مختلفة ومتصادمة تماشيا مع رؤيتها القائمة على الاختلاف والتمايز الثقافي
فهم الأبعاد السابقة لظاهرة الإسلاموفوبيا يتطلب نظرة جديدة لأسلوب التعامل معها تقوم على ركائز ثلاثة هامة، الركيزة الأولى هي إدراك الأبعاد الداخلية لظاهرة الإسلاموفوبيا وفهم أن هذه الظاهرة تعكس في جزء منها تطورات هامة تمر بها المجتمعات الغربية وبدون الوعي بهذه التطورات لن نتمكن من مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة
ثانيا: مواجهة الإسلاموفوبيا لابد وأن تتم على مستويين أحدهما سياسي مادي والأخر خطابي معنوي، فعلى المستوى السياسي المادي هناك حاجة لتقوية نفوذ الأقليات المسلمة الأوربية بحكم أنهم مواطنين يستحقون التعبير عن مصالحهم وتمثيلها مثلهم مثل الجماعات التي تعبر عنها الأحزاب اليمينية الراديكالية، كما يجب أيضا تقوية التحالفات السياسية التي تربط الأقليات المسلمة والجماعات الليبرالية واليمينية المعتدلة المنفتحة على قضايا مسلمي أوربا والغرب
ثالثا: فيما يتعلق بالخطاب المسلم المنتظر لمواجهة الإسلاموفوبيا فإن فهم خطاب اليمين الراديكالي الجديد – كما قدمناه في هذا المقال – يفرض على الخطاب المسلم القادر على مواجهته أن يتحلى بعدد من الخصائص التالية وعلى رأسها القدرة على فهم الخلفية الثقافية المتعددة للشعوب الغربية ومواجهة أساطير الأحزاب اليمينية الراديكالية التي تحاول تصوير الشعوب الغربية كمجموعات مغلفة وصماء من البشر والثقافات
هناك أيضا حاجة لتوعية المواطن الغربي بشكل عام بطبيعة الإسلام كدين كبير يمثل حضارة عظيمة تحتوي على تيارات فكرية وثقافية متعددة ومتنوعة
كما ينبغي توعية المواطن الغربي بموقف الإسلام الإيجابي تجاه القضايا الحساسة والتي يعزف عليها اليمين الراديكالي الجديد بشكل مستمر كقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ووضع المرأة وحقوق الأقليات والحريات الدينية
أخيرا هناك حاجة قوية وملحة لرصد الانتهاكات التي يتعرض لها مسلمو أوربا والدول الغربية وكذلك رصد محاولات عزلهم وتهميشهم على المستوى السياسي فالواضح هنا أن اليمين الراديكالي الجديد يتبنى أجندة مزدوجة تقوم على غلق أبواب الاندماج والمشاركة السياسية أمام الأقليات بصفة عامة واتهام الأقليات بعدم القدرة على الاندماج في الوقت نفسها، وهي بدون شك أجندة متطرفة ظالمة ينبغي كشفها أمام المواطن الغربي العادي
-----
مقالات ذات صلة
صعود الإسلاموفوبيا بالمجتمعات الغربية: قراءة في أهم المظاهر والأسباب
النخب الغربية وإعاقة اندماج مسلمي الغرب
صورة الإسلام في أميركا بعد خمس سنوات على 11/9
سبل مكافحة الإسلاموفوبيا في البيئة الأمريكية
No comments:
Post a Comment