Friday, October 06, 2006

النخب الغربية وإعاقة اندماج مسلمي الغرب


مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
جريدة الحياة، 7 أكتوبر 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص المقال

ملف اندماج الأقليات المسلمة بالمجتمعات الغربية ملف مفتوح ذو أهمية متزايدة في الحياة السياسية والعامة بالبلدان الغربية لأسباب مختلفة على رأسها طبيعة السياسات الدولية الراهنة والتركيز المتزايد على الصراع بين دول غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبعض الجماعات التي ترفع شعارات إسلامية

هناك أيضا عوامل ترتبط بالنمو المتزايد للأقليات المسلمة بالدول الغربية خلال العقود الأربعة الأخيرة والتي شهدت تصاعدا متزايدا لنفوذ جماعات يمينية علمانية وأخرى دينية بأوربا والولايات المتحدة، وهي جماعات تعادي التراث الليبرالي الذي انتشر بالغرب منذ نهاية الحرب العالمية الأولى ووصل لمداه وقمة نفوذه في ستينات القرن العشرين

هذه العوامل المختلفة دفعت البعض لمحاولة تسييس قضية اندماج مسلمي الغرب والنظر لها من منظور أمنى سياسي باعتبارها تهديدا لأمن الغرب ولمصالح بعض الأقليات السياسية كالأقليات الموالية لإسرائيل، وباعتبارها تهديدا للنسيج الثقافي والحضاري بالدول الغربية كما تراه أحزاب اليمين الغربي متزايدة النفوذ

وفي ظل هذا التسييس بات من الصعب أن نقف على دراسات موضوعية تحاول أن تدرس الأسباب الحقيقية التي تشجع أو تعيق اندماج مسلمي الغرب

فالمنطقي أن عملية اندماج أي أقلية بمجتمع ما تخضع لظروف مختلفة بعضها نابع من داخل الأقلية ذاتها وبعضها نابع من داخل المجتمع الجديد المستقبل لها

وبسبب الندرة النسبية للدراسات المعنية بخصائص الأقليات المسلمة بالبلدان الغربية وبسبب التسييس المتزايد لهذه القضية في السنوات الخمس الأخيرة على أقل تقدير، والضعف النسبي لأصوات المسلمين الغربيين القادرة على توضيح صورتهم الحقيقية، تحاول أعداد متزايدة من الدراسات الغربية اليمينية تصوير معوقات اندماج الأقليات المسلمة بالمجتمعات الغربية على أساس أنها معوقات قادمة من داخل تلك الأقليات وتعود إلى خصائص الأقليات المسلمة العقائدية والاجتماعية والسياسية

وبالطبع لا ينبغي لأحد إنكار أن الخصائص الداخلية لمسلمي الغرب تؤثر على استعدادهم للاندماج، ولكن في نفس الوقت يجب إدراك حقيقة بديهية تبدو غائبة أحيانا وهي أن الاندماج عملية تعتمد على طرفين وليس طرف واحد، وهما الأقلية الجديدة الساعية للاندماج، والمجتمعات المستقبلة المرحبة بهذا الاندماج

ومن هذا المنطلق ينبغي تخصيص عدد متوازي من الدراسات للوقوف على موقف المجتمعات الغربية من الأقليات المسلمة القادمة، وخاصة موقف النخب السياسية الحاكمة في تلك المجتمعات، فنفوذ هذه النخب يسمح لها بالتأثير على قدرة الأقليات المسلمة على الاندماج بمجتمعاتها الغربية لأسباب عديدة هامة

فالنخب الغربية لديها القدرة على التأثير على موقف المجتمعات الغربية والرأي العام الغربي من الأقليات المسلمة القادمة ومن الإسلام، كما تمتلك القدرة على صياغة السياسات التي من شأنها التعجيل من هذا الاندماج أو إعاقته

ولو أخذنا الحالة الأمريكية كمثال لوجدنا أن مراكز أبحاث العاصمة الأمريكية واشنطن نادرا ما تركز على دور النخب الحاكمة بأمريكا في تشجيع أو إعاقة اندماج مسلمي أمريكا، وقد يعود ذلك لأسباب مختلفة من بينها أن الثقافة السياسية الأمريكية ترفض بشكل عام تقسيم المجتمع إلى نخب أو طبقات وتنظر لهذه المفاهيم على أنها مفاهيم اشتراكية تتناقض مع الثقافة الرأسمالية الليبرالية والتي تنادي بالمساواة في الفرص أمام الجميع

هذا إضافة إلى أن مراكز الأبحاث الأعلى صوتا بواشنطن واقعة تحت تأثير واضح لليمين الأمريكي، فمركز هريتاج فاويندايشين والذي يعد أحد أعرق مراكز الأبحاث اليمينية بواشنطن والولايات المتحدة عادة ما يروج لندوات ومواضيع شديدة الانغلاق من حيث فهمها للإسلام والمسلمين والأقليات المسلمة، على غرار "صراع مع الغرب: المحفزات الدينية وإستراتيجيات الجهاد"، و"ميراث الجهاد: الحرب المقدسة الإسلامية ومصير غير المسلمين"، و"الفاشية والإسلامية والعداء للسامية"، و"الإستراتيجيات الجهادية في الحرب على الإرهاب"

في المقابل هناك أقلية من الدراسات المنصفة التي حاولت الوقوف على حقيقة موقف النخب الغربية من الأقليات المسلمة، ونشير هنا - على سبيل المثال - إلى دراسة صدرت مؤخرا عن مجلة فورين أفاريز "شئون دولية" في عدد سبتمبر/ أكتوبر 2006 من المجلة تحت عنوان "فرنسا ومسلموها"، وهي من تأليف إحدى محررات المجلة، وتدعى ستيفاني جيري

وتركز الدراسة على فرنسا نظرا للعمق التاريخي لوجود الهجرات المسلمة بها وحجم هذه الهجرات والتحديات التي تواجهها، حيث تذكر المؤلفة في بداية الدراسة أن "علماء الاجتماع الفرنسيين يعتقدون أن اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي تقدم بشكل جيد"، وأن غالبية المسلمين الفرنسيين "يتبنون المعايير الثقافية الأوربية ويدعمون القيم الجمهورية الفرنسية"

ولكنها تعود وتأكد أن اندماج المسلمين في فرنسا يواجه تحديات كبيرة على رأسها "عدم الثقة العميقة في الإسلام" من قبل النخب الفكرية الفرنسية، وكون "الركود الاقتصادي (بفرنسا) ضاعف مشكلات" الأقليات والمهاجرين، كما تؤكد المؤلفة أن "المشكلة الأكبر هي أن الجدل حول كيفية تخفيف الصعوبات التي تواجه اندماج مسلمي فرنسا أصبح جدلا متشددا أيدلوجيا بعد أن تم إختطافة من قبل مفكرين وسياسيين منعزلين عن الواقع"، كما تقول أن "العداء للإسلام في فرنسا ... هو ظاهرة فكرية تدفعها النخب وتنبع من أيدلوجيات عنصرية أكثر من (دواعي) عدم الأمن

وبعد سرد هذه الحجج تبدأ المؤلفة في التعامل معها كل على حدى، حيث تذكر أن النخب الفرنسية تعاني من تحيز تاريخي قديم ضد الإسلام، وأن نسبة البطالة في أوساط المهاجرين المسلمين وصلت خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلى 30% مقارنة بنسبة 10% في أوساط الشعب الفرنسي، وأن الكساد الاقتصادي أوقف الحراك الاقتصادي والاجتماعي بفرنسا لذا وجد المهاجرون أنفسهم محاصرون في نفس المدن الفقيرة التي عاش فيها العمال الفقراء في الستينات لأن الأوضاع الاقتصادية الراكدة منعتهم من الحراك إلى مدن أفضل

لذا ترى المؤلفة أن موقف المهاجرين المسلمين نحو الاندماج في المجتمع الفرنسي أكثر تأثرا بالظروف الاقتصادية والاجتماعية مقارنة بالعوامل الأيدلوجية الدينية

أما المشكلة الأكبر التي تواجه المهاجرين المسلمين في فرنسا - بعد ما يتعرضون له من تمييز اقتصادي واجتماعي - فهي انغلاق الطبقة السياسية الحاكمة أمامهم وعدم سعيها لدمجهم في الحياة السياسية الفرنسية

حيث تشير ستيفاني جيري إلى أن البرلمان الفرنسي الذي يبلغ عدد مقاعده 908 مقعدا لا يضم سوى نائبين مسلمين فقط انضما إليه في عام 2004، كما أن نسبة المسلمين بين القيادات المحلية المنتخبة بفرنسا لا تتعدى 2.4 %، لذا يؤمن نصف الفرنسيين - وفقا لاستطلاعات حديثة - أن "الطبقة السياسية الفرنسية ليست متنوعة بشكل كافي، وأن هناك حاجة لضم مسلمين إلى البرلمان"

وتقول المؤلفة أن الحكومة الفرنسية لم تقدم "عروضا محددة" لعلاج المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المهاجرون المسلمون، كما تشير إلى أن فشل الأحزاب الكبيرة في التعامل مع قضية دمج المسلمين ترك الساحة خالية للجماعات الفرنسية اليمينية المتشددة، لذا تعبر المؤلفة عن خشيتها من أن استمرار التمييز وصمت النخب السياسية وصعود اليمين المتشدد قد تمثل معا عوامل ضغط تدفع المسلمين الفرنسيين للوقوع فريسة الأيدلوجيات المتطرفة

حديث ستيفاني جيري عن موقف النخب الفرنسية من اندماج مسلمي فرنسا قد يدفعنا لمقارنته مقارنة سريعة بحالة أخرى وهي موقف النخب الأميركية من اندماج مسلمي الولايات المتحدة، وذلك على سبيل المقارنة وإثراء البحث، وهنا يجب الإشارة إلى الملاحظات التالية

أولا: بعض النخب الأميركية باتت تلعب دورا متزايدا في إعاقة اندماج المسلمين بالولايات المتحدة، وعلى رأس هذه النخب بعض قيادات التيار الإنجليكي المتدين النشطة سياسيا، حيث أشارت تقارير صحفية ودراسات مختلفة إلى أن قيادات هذه النخب رفضت وصف الرئيس الأميركي للإسلام بعد أحداث 11/9 بأنه "دين سلام" إلى درجة أن بعض هذه القيادات تطوعت للإساءة للإسلام كدين في أكبر وسائل الإعلام الأميركية لضمان عدم النظر إليه إيجابيا من قبل الشعب الأميركي

ثانيا: هناك خط متواصل من التقارير الصحفية والكتابات التي تحدثت عن دور لوبي إسرائيل في تشويه صورة مسلمي أميركا ومؤسساته وقياداته لدى دوائر صنع القرار والرأي العام بالولايات المتحدة

ثالثا: النخب السياسية الأميركية لم تقم حتى الآن بدورها المنتظر في مواجهة موجة العداء للإسلام المتزايدة بالولايات المتحدة، بل أن بعض هذه النخب تنساق أحيانا وراء دعاوى التمييز ضد المسلمين والعرب لتحقيق أهداف سياسية مختلفة كما حدث في حادثة "شركة موانئ دبي" في أوائل العام الحالي

في المقابل يجب الإشارة إلى وجود نقاط ومساحات إيجابية في مواقف النخب الأميركية تجاه دمج الإسلام والمسلمين كما يظهر في موقف فئات متزايدة من النخب الليبرالية الفكرية والأكاديمية المنصفة، وهو أمر نتمنى أن ينسحب على فئات أوسع بالمجتمع الأميركي والمجتمعات الغربية، وقد يتحقق ذلك نسبيا من خلال المطالبة بمزيد من الدراسات الموضوعية المنصفة التي تحاول دراسة موقف المجتمعات الغربية والأقليات المسلمة من قضية الاندماج على قدم المساواة

----

مقالات ذات صلة

صورة الإسلام في أمريكا بعد خمس سنوات على 11/9

مسلمو وعرب أمريكا بين تبعات 11/9 والثورة اليمينية المضادة

الخطاب المسلم الأمريكي السائد

العرب وتحديات الهوية الوطنية بعد 11/9

سبل مكافحة الإسلاموفوبيا في البيئة الأمريكية

No comments: