Monday, October 09, 2006

عدم المساواة والديمقراطية الأمريكية

مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر: الرياض، 9 أكتوبر 2006

نص المقال

يرى عدد متزايد من الكتابات الأمريكية المعنية بتفسير العوامل المؤثرة على صناعة القرار السياسي بالولايات المتحدة أن الخطر الأكبر على سياسة ومصالح أمريكا خلال الفترة الحالية لا يتعلق بسيطرة جماعة أو أقلية ما - - كالمحافظين الجدد أو الإنجليكيين أو لوبي إسرائيل - على مقاليد الحكم بالولايات المتحدة بقدر ما يتعلق - بما يسميه البعض - بالفجوة المتزايدة بين الفقراء والأغنياء في أمريكا

وتشير دراسات مختلفة إلى أن الفجوة السابقة في تزايد منذ سبعينات القرن العشرين، وأنها باتت تمثل الخطر الأكبر على السياسة والمصالح الأمريكية بحكم أنها تضع مقاليد صناعة القرار بالولايات المتحدة في يد نخب تميل تدريجيا لعدم الحراك وللانفصال عن اهتمامات ومصالح المواطن الأمريكي العادي وأجندة الطبقات الفقيرة، والتي باتت أكثر عزلة وعزوفا عن المشاركة السياسية الأمر الذي يغذي بدوره الفجوة المتنامية بين الفقراء والأغنياء بأمريكا

وفي هذا السياق رأينا أن نتعرض - في هذا المقال - لنتائج تقرير عالي الأهمية صدر في عام 2004 عن لجنة عمل تابعة للجمعية الأمريكية للعلوم السياسية، وهي أرقى جمعيات أساتذة العلوم السياسية بالولايات المتحدة، حيث أنشأت الجمعية في عام 2001 لجنة عمل مستقلة مكونة من مجموعة مرموقة من أساتذة العلوم السياسية بالولايات المتحدة لدراسة "عدم المساواة والديمقراطية الأمريكية"، وقد خرجت اللجنة المستقلة بتقرير في عام 2004 يسعى لتقييم حالة الديمقراطية الأمريكية في أوائل القرن العشرين وأهم التحديات التي تواجهها

ولعل صدور التقرير عن الجمعية الأمريكية للعلوم السياسية يعطيه أهمية أكاديمية عالية كما يميزه - إلى حد ما - بقدر من الحياد والموضوعية، ومن هنا تنبع أهمية التقرير إضافة إلى نتائجه الخطيرة، والتي نلخصها فيما يلي

- يقول التقرير أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء في أمريكا أعلى منها في غالبية الدول المتقدمة، وأن الدول الغربية سعت لتقليص الفجوة بين الفقراء والأغنياء منذ الحرب العالمية الأولى وحتى نهاية عقد الستينات، ثم بدأت الفجوة بين الفقراء والأغنياء تزيد من جديد - خاصة في أمريكا - منذ بداية السبعينات

- يذكر التقرير أن الشعب الأمريكي أكثر قبولا بعدم المساواة بسبب إيمانه القوي بالثقافة الرأسمالية والتي تنادي بوجود فوارق طبيعية بين الأفراد تقود إلى تفاوت في الثروات، ولكن الشعب الأمريكي يرفض أن عدم المساواة الناجمة عن التمييز وعدم المساواة في الفرص الاقتصادية والسياسية

- الفجوة المتزايدة بين الفقراء والأغنياء في أمريكا تنعكس بشكل واضح على مظاهر المشاركة السياسية وعلى رأسها التصويت في الانتخابات، حيث تقتصر نسبة المشاركة في انتخابات الكونجرس على ثلث الناخبين المسجلين في قوائم الاقتراع الأمريكية، وهي نسبة ترتفع في انتخابات الرئاسة الأمريكية لنصف الناخبين المسجلين فقط

- أغنياء أمريكا ليسوا أكثر نشاطا من فقرائها في مجال التصويت فقط فهم أكثر منهم مشاركة في العمل بالحملات الانتخابية والتبرع المالي لها والاتصال بالسياسيين وتنظيم المظاهرات وعضوية مجالس إدارة الهيئات المحلية وعضوية المنظمات السياسية

- أتت 95% من التبرعات السياسية في عام 2000 من الأسر التي يبلغ دخلها أكثر من 100 ألف دولار أمريكي سنويا، ولا تمثل هذه الأسر سوى 12% فقط من الأسر الأمريكية

- ويقول التقرير أن الفجوة في مستويات المشاركة السياسية بين الأغنياء والفقراء في ازدياد من الستينات، وهي فجوة يصعب علاجها من خلال انتشار أدوات الاتصال الحديثة كالإنترنت، والذي أصبح أداة في يد الأثرياء النشطين سياسيا لكي يزدادوا نشاطا ونفوذا مقارنة بالفقراء غير النشطين

- تراجعت عضوية إتحادات العمال إلى 9% فقط من إجمالي القوى العاملة بأمريكا، وفي المقابل انتشرت جماعات المصالح التي تمثل الأغنياء بشكل رهيب، وحتى جماعات المصالح التي تمثل القضايا العامة كالبيئة تزداد عزلة عن قضايا الجماهير العادية كلما ازدادت انخراطا ونفوذا سياسيا

- الأحزاب السياسية الكبرى بأمريكا تركز في نشاطها السياسي والانتخابي على الوصول إلى الأثرياء والحصول على دعمهم ولا تشغل نفسها كثيرا بالوصول إلى الفقراء وتنشيطهم

- نتيجة لما سبق لا يسمع المسئولون الأمريكيون أصوات المهاجرين والأقليات والفقراء لأنهم محاطين بالأثرياء الذي يدعموهم ويمتلكون جماعات مصالح عالية الصوت

- لكي يحصل السياسيون الأمريكيون على مزيد من الدعم من النخب الثرية باتوا يركزون في سياستهم على تزويد المناطق الثرية بمزيد من الخدمات والمزايا، حتى أن إعادة رسم الدوائر الانتخابية باتت تتم بشكل أكثر تكرار لضمان حصول أعضاء حزب الأغلبية على دوائر أكثر ثراءا وأكثر مساندة لهم، وبهذا أصبح السياسيون هم من يختارون الناخبين وليس العكس - كما يشير التقرير

- سياسات الحكومة الأمريكية قد لا تصب مباشرة في مصالح الأثرياء بقدر ما تحجم عن رعاية برامج ومصالح وأجندة الفقراء مثل قضايا التعليم والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي وهي قضايا لا نشغل النخب الثرية لذا تهملها الحكومة مما يزيد من شعور الفقراء بالعزلة وعدم الرغبة في المشاركة السياسية

نتيجة لما سبق يرى مؤلفو التقرير أن ميراث "ثورة الحقوق" التي اجتاحت أمريكا في الستينات باتت محل تهديد كبير خاصة مع تراجع دخول ومستويات مشاركة السود والفقراء بشكل مضطرد من السبعينات

وهنا يقول مؤلفو التقرير "حكومتنا باتت أقل ديمقراطية، تستجيب بالأساس للمنعمين، ولم تعد أداة قوية لتصحيح العيوب أو لحماية الأغلبية

ويقول مؤلفو التقرير أن مواجهة الأخطار التي تواجهها الديمقراطية الأمريكية في الوقت الراهن يتطلب دور أكبر من الإعلام الأمريكي في التعامل بجدية مع الحياة السياسة ومع المخاطر التي تتعرض لها الديمقراطية الأمريكية

كما تتطلب رعاية برامج سياسية مواجهة نحو الفقراء حتى يشعروا بأن المشاركة السياسية مفيدة لهم ويتخلوا تدريجيا عن عزلتهم، كما تحتاج لدور أكبر لمنظمات المجتمع المدني عبر الولايات المتحدة ودور أفضل للأحزاب الأمريكية في تمثيل مصالح مختلف فئات الشعب ودمجهم في العملية السياسية وعدم الاكتفاء الأناني بالتقرب من الأثرياء

أخيرا نتمنى أن نكون قد شرحنا في هذا المقال بعض التحديات التي تواجه النظام السياسي الأمريكي في الفترة الحالية، وهي تحديات تؤثر بقوة على سياسة أمريكا الخارجية والداخلية على حد سواء، وقد تفسر أحيانا لماذا تنتهج أمريكا سياسات خارجية بعيدة إلى مدى بعيد عن مصالح الشعب الأمريكي والمواطن الأمريكي العادي

------

مقالات ذات صلة

ملامح الجيل الأميركي الحاكم

سياسة أميركا لنشر الديمقراطية بالشرق الأوسط: معضلة الإسلاميين

حكم أميركا: تاريخ الثروة والقوة في دولة ديمقراطية

بعيدا عن المركز: الثورة الجمهورية وتآكل الديمقراطية الأمريكية


أمريكا على مفترق الطرق: الديمقراطية، القوة، وميراث المحافظين الجدد

No comments: