Saturday, October 21, 2006

صعود الإسلاموفوبيا بالمجتمعات الغربية: قراءة في أهم المظاهر والأسباب
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 12 أكتوبر 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص المقال

المراجعة السريعة لتكرار ظهور مصطلح الإسلاموفوبيا في بعض أشهر الجرائد الغربية يكشف عن الزيادة المضطرة في استخدامه خلال السنوات الخمس الأخيرة بشكل عام وفي العام الحالي بشكل خاص

استخدام وسائل الإعلام الغربية لمصطلح الإسلاموفوبيا يرتبط في العادة بعدة ظواهر مثل وقوع أو إحباط أحداث إرهابية تستهدف المجتمعات الغربية مما يثير تساؤل الغربيين حول وجود توجهات معادية للغرب وسط الأقليات المسلمة بالبلدان الغربية، وحول توجهات المجتمعات الغربية ذاتها تجاه الإسلام والمسلمين

ويرتبط ظهور المصطلح في آونة أخرى بالجدل الدائر داخل المجتمعات الغربية ذاتها حول طبيعة تلك المجتمعات وهوياتها ومواقف النخب السياسية الغربية من تلك القضايا، وما إذا كانت مشاريع النخب الغربية اليسارية المنادية بالتعددية والانفتاح الثقافي على المهاجرين والأقليات هي مشاريع مفيدة للغرب أم إنها أضرت به كما يرى أصحاب التوجهات اليمينية المنادون بالعودة إلى التراث الثقافي التقليدي للغرب
كما ارتبط استخدام المصطلح بردود أفعال العالم الإسلامي تجاه بعض الإساءات التي تعرض لها الإسلام من قبل شخصيات ومؤسسات غربية مختلفة كما حدث ردا على الرسومات الدانمركية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في أوائل العالم الحالي وردا على تصريحات بابا الفاتيكان في حق الإسلام مؤخرا

ظاهرة الإسلاموفوبيا

شيوع مصطلح الإسلاموفوبيا هو في حقيقته انعكاس لتنامي ظاهرة يبحث لها الغرب عن تسمية، وقد يختلف البعض حول دقة المصطلح، ولكن هناك شعور متزايد بالظاهرة نفسها

ظاهرة الإسلاموفوبيا ترتبط بتنامي المشاعر السلبية تجاه الإسلام والمسلمين في المجتمعات الغربية وتشكيل هذه المشاعر أسسا لانطلاق سلوكيات غربية مجحفة بحقوق الأطراف المسلمة

ظاهرة الإسلاموفوبيا على المستوى الفكري ترتبط بنظرة اختزالية للإسلام كدين وكثقافة حيث تصور الإسلام كمجموعة محدودة وجامدة من العقائد التي تحض على العنف والرجعية والنظرة السلبية للآخر وترفض العقلانية والمنطق وحقوق الإنسان، وهي معتقدات يؤكد المصابون بالإسلاموفوبيا أنها إنعاس مباشر لرسالة الإسلام نفسها كما تظهر في القرآن الكريم وفي سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

وينظر المصابون بالإسلاموفوبيا للمسلمين على أنهم مجموعة واحدة تؤمن بتشدد بالفهم الاختزالي السابق للإسلام، ومنخرطون في حركة سياسية عالمية لفرض هذه الرؤية على الآخرين في حرب حضارية لا تتوقف

وانطلاقا من الرؤى السابقة يرى المصابون بالإسلاموفوبيا أن العداء للإسلام والمسلمين والتحيز ضدهم أمر طبيعي ورد فعل تلقائي على طبيعة المسلمين الشريرة، لذا يساندون التمييز ضد المسلمين وحشد قوى الغرب في حرب ضد الإسلام وأتباعه

وبالطبع تمثل المعتقدات السابقة أساسا لتصرفات تمييزية ضد المسلمين، وقد تأخذ هذه التصرفات صورة المطالبة بسياسات تحد من حقوق وحريات مسلمي الغرب المدنية، أو تخضعهم لمراقبة متزايدة من قبل السلطات الأمنية، وقد تأخذ صورة انتشار لمشاعر سلبية تجاه المسلمين داخل المجتمعات الغربية كرفض العيش بجوار جيران مسلمين ورفض بناء المساجد والمؤسسات المسلمة، وقد تنفجر أحيانا في صورة أحداث عنف وتمييز وجرائم كراهية ضد المسلمين، وهي أحداث توثقها بعض المنظمات المسلمة ومنظمات الحقوق المدنية الغربية

قراءات مختلفة لأسباب الصعود

هناك قراءات مختلفة لأسباب صعود ظاهرة الإسلاموفوبيا خلال الآونة الأخيرة، فهناك قراءة ثقافية ترى أن صعود الإسلاموفوبيا هو انعكاس لمشاعر سلبية عميقة مدفونة في وعي المواطن الغربي ضد الإسلام والمسلمين، وتعبير عن تحيز تاريخي وثقافي ضد الإسلام كدين وضد المسلمين حضارة

هناك قراءة ثانية ترى أن ظاهرة الإسلاموفوبيا هي نتاج لبعض الأحداث الدولية التي أثرت بقوة على العلاقات بين العالم الإسلامي والمجتمعات الغربية خلال السنوات الأخيرة، وعلى رأس هذه الأحداث هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 الإرهابية وما تبعها من هجمات إرهابية - رفع مرتكبوها شعارات إسلامية – ضربت مجتمعات غربية مختلفة مثل أسبانيا وبريطانيا

هذا إضافة إلى بعض المشكلات الثقافية الدولية التي أثرت سلبا على العلاقات الإسلامية – الغربية مثل أزمة الرسوم الدانمركية، وأزمة تصريحات البابا بنديكت السادس عشر، وأزمة الحجاب بفرنسا، وتصريحات بعض القيادات الغربية الدينية والسياسية المسيئة للمسلمين

القراءة الثالثة – وليست الأخيرة – المطروحة في هذا المجال هي قراءة سياسية اقتصادية ترى أن صعود الإسلاموفوبيا خلال السنوات الأخيرة هو انعكاس لبعض التغيرات المجتمعية الكبرى التي لحقت بالمجتمعات الغربية والإسلامية خلال العقود الأخيرة، وعلى رأس هذه التحولات تراجع قوى اليسار الغربي التقليدية والتي سادت خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وصعود وقوى اليمين الثقافي والديني في الغرب والعالم الإسلامي خلال الفترة ذاتها

يعيب القراءة الثقافية لظاهرة الإسلاموفوبيا طبيعتها القدرية، والتي تكاد تفترض أن الخلاف الثقافي بين المسلمين وأبناء المجتمعات الغربي هو خلاف حتمي، وتكاد تعفي المسلمين من مسئولية فهم المجتمعات الغربية وتفاصيل ما يدور بهذه المجتمعات وسبل توعيتها بصورة الإسلام الصحيحة خاصة في ظل تنامي أعداد المسلمين بالدول الغربية، وانفتاح أعداد متزايدة من أبناء تلك المجتمعات على فهم الإسلام والمسلمين، وتنامي قوى العولمة والاتصالات بما يسهل عملية التواصل مع الآخر وتوعيته

ويعيب القراءة الثانية أنها قد تقتصر على الأحداث المادية وتصورها منزوعة عن سياقها وكأنها ولدت لحظيا وليست نتاجا لتراكمات حدثت عبر عقود

لذا تمثل القراءة الثالثة أسلوبا أكثر ديناميكية لفهم أسباب صعود ظاهرة الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية خلال العقود الأربعة الأخيرة، وهي قراءة ترى أن للمسلمين والعرب دورا يمكن أن يلعبوه للتأثير على مسار تلك الظاهرة الخطيرة

نحو قراءة ديناميكية للظاهرة

القراءة الثالثة لأسباب صعود ظاهرة الإسلاموفوبيا تعود بنا إلى أوائل النصف الثاني من القرن العشرين وهي فترة وصلت فيها التيارات اليسارية إلى قمة سيطرتها على المجتمعات الغربية وراحت تنشر أجندتها الناقدة للتراث الغربي التقليدي باعتباره تراثا منغلقا على الذات، وراحت في المقابل تطالب بالانفتاح على الأخر الديني والعرقي والوطني من خلال أفكار وبرامج سياسية ترحب بهذا الأخر في المجتمعات الغربية ذاتها وتضمن له حقوقا ومزايا مختلفة

السيطرة الثقافية لليسار الغربي كانت انعكاسا للسيطرة السياسية لشرائح يسارية بات ينظر لها اليوم على أنها قوى تقليدية متراجعة النفوذ، وعلى رأس تلك القوى الحركات العمالية والمؤسسات النقابية والسياسية المعبرة عنها، هذا إضافة إلى طبيعة السياسات الدولية خلال تلك المرحلة ووجود الإتحاد السوفيتي كدولة عظمى تمثل التيار اليساري وتنشر أفكاره وسياساته عبر العالم بما في ذلك العديد من بلدان العالم الثالث

سيطرة اليسار داخل المجتمعات الغربية وعلى المستوى الدولي والتي تبلورت بنهاية الحرب العالمية الأولى ووصلت إلى قمتها في ستينات القرن العشرين لم تدم طويلا، فمنذ بداية السبعينات شهدت المجتمعات الغربية والساحة الدولية العديد من المتغيرات الكبرى التي أضعفت اليسار وبرامجه

فعلى المستوى الاقتصادي بدأت المجتمعات الغربية في التحول من الاقتصاد الصناعي إلى اقتصاد الخدمات ثم إلى اقتصاد المعلومات كما زاد التنافس الاقتصادي الدولي بين الدول الغربية بعضها بعضا من ناحية، وبين الدول الغربية وبعض القوى الدولية الصاعدة - كبعض بلدان آسيا - من ناحية أخرى

تغير أنماط الإنتاج وزيادة مستوى المنافسة الدولية أثر على المجتمعات الغربية من الداخل حيث أفقد اليسار الغربي تدريجيا الثقل السياسي للعمال كشريحة انتخابية وفكرية، كما عمق من بعض المشكلات الاقتصادية التي ضربت تلك المجتمعات كالبطالة وركود الحراك الاجتماعي وتراجع حجم الطبقة الوسطى

في المقابل تحركت الأحزاب اليمينية الغربية لتحدي قوي اليسار على مستويين، أولهما مخاطبة مخاوف الفئات التي تأثرت سلبيا بالتغيرات الاقتصادية السابقة، وثانيهما نقد أجندة اليسار الناقدة للتراث الغربي التقليدي وتصوير هذه الأجندة على أنها علامة على عدم ولاء اليسار الغربي لمجتمعاته، وعلى تسامح اليسار مع الأقليات والأجانب الذين سرقوا من الغربيين وظائفهم

في المقابل شهدت الساحة الدولية تغيرات كبرى ساهمت في تراجع اليسار الغربي، وعلى رأس هذه التحولات سقوط الإتحاد السوفيتي وفشله كنموذج سياسي واقتصادي، وتعرض القوى اليسارية عبر العالم لتحديات اقتصادية وسياسية مختلفة ومن بينها هزيمة قوى اليسار بالشرق الأوسط مما ساعد بدوره في صعود قوى اليمين بالمنطقة

في ظل هذه البيئة وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي رأتها بعض قوى اليمين الغربية المتطرفة كفرصة لترويج نظرية طرحتها منذ سقوط الإتحاد السوفيتي ترى أن الغرب في حاجة لعدو جديد يتوحد ضده، وأن الإسلام مرشح للعب هذا الدور أكثر من أي وقت مضى خاصة وأن الإسلام دين أجنبي وأن للمسلمين وجود متنامي بالمجتمعات الغربية مما يجعلهم هدفا سهلا للعنصرية الجديدة

دور اليمين الإسلامي

القراءة السابقة لأسباب صعود وانتشار الإسلاموفوبيا بالمجتمعات الغربية مؤخرا ترى أن للمسلمين دورا يمكن أن يلعبوه في مواجهة تلك الظاهرة، وعلى رأس هذا الدور التحالف – على المدى البعيد - مع قوى اليسار الغربي لإحياء الأجندة اليسارية القائمة على نشر قيم العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الآخرين والأقليات

ويكون ذلك عن طريق فهم طبيعة هذه الأجندة وما تعنيه على المستويات المتخلفة والتوفيق الإيجابي غير التلفيقي بين عناصر تلك الأجندة والفكر الإسلامي على مختلف المستويات بما في ذلك المستويات الفكرية والأخلاقية، والواضح هنا أن قوى اليمين الإسلامية هي أقرب من قوى اليسار الغربية في أجندتها السياسية والاقتصادية مقارنة بقوي اليمين، وأن هناك بعض الخلافات الثقافية المتعلقة بقضايا الأسرة والعلاقات الاجتماعية التي تشكل نقاط تعارض بين اليمين الإسلامي واليسار الغربي، وأن علاج هذا التعارض يتطلب مزيد من الفهم من قبل الجانبين

أما على المديين القريب والمتوسط فيمكن للعالم الإسلامي لعب دورا في مكافحة الإسلاموفوبيا على مستويين أساسيين، أولهما تبني بعض البرامج العلمية المنظمة لتوعية المواطن الغربي على نطاق واسع ومدى طويل نسبيا بصورة الإسلام والمسلمين الصحيحة، والواضح هنا أن العالم الإسلامي مازال يفتقر بوضوح لتلك البرامج بعد مرور خمس سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001

المهمة الثانية هو التعاون مع الأقليات المسلمة بالدول الغربية في تأهيل وتدريب أكبر عدد من السفراء المدنيين القادرين على تقديم صورة الإسلام الصحيحة للمواطن الغربي بشكل يومي ومحلي ومؤسسي منظم، فبدون عدد كافي من هؤلاء السفراء وبدون اضطلاعهم بدورهم المنتظر في التواصل مع نظرائهم الغربيين على أرض المجتمعات الغربية ذاتها تكاد تكون مواجهة الإسلاموفوبيا أمرا بعيد المنال إن لم يكن مستحيلا

-----

مقالات ذات صلة

الإستشراق الأسود: الأصول والإشكاليات

النخب الغربية وإعاقة اندماج مسلمي الغرب

صورة الإسلام في أميركا بعد خمس سنوات على 11/9

مسلمو وعرب أميركا بين تبعات 11/9 والثورة اليمينية المضادة

سبل مكافحة الإسلاموفوبيا في البيئة الأمريكية

No comments: