مسلمو وعرب أميركا بين تبعات 11/9 والثورة اليمينية المضادة
بقلم: علاء بيومي
الناشر: الجزيرة نت، 10 سبتمبر 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص المقال
تمثل الذكرى السنوية الخامسة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 الإرهابي والتي تحل في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الحالي فرصة هامة للوقوف على أهم خصائص ردة فعل الولايات المتحدة حكومة وشعبا تجاه مسلمي وعرب أميركا (من مواطنين ومهاجرين)، وذلك لأن المسافة الزمنية – خمس سنوات – التي تفصلنا عن الأحداث تعطينا قدرة على المقارنة وتمييز ردود الأفعال الرئيسية عن نظيرتها الهامشية
عصر المد الليبرالي
وإذا كانت العودة إلى الوراء وقراءة التاريخ مفيدتان في فهم ما يجري في الواقع المعاصر، فحري بنا البحث عن جذور أقدم لما يمر به المسلمون والعرب في أميركا من ظروف في الفترة الحالية، وقد يمثل عام 1965 - على وجه التحديد - وعقد الستينات - بشكل عام - نقطة مثالية لسرد قصة الجيل الراهن من مسلمي وعرب أميركا
ففي عقد الستينات دخلت الولايات المتحدة الأميركية مرحلة تاريخية جديدة يمكن وصفها بمرحلة "المد الليبرالي"، والتي ثار فيها المجتمع الأميركي – وخاصة أجياله الشابة – على بعض التقاليد والمؤسسات التقليدية السلبية داخل المجتمع الأميركي، وعلى رأسها مؤسسات العبودية والعنصرية الموجهة ضد السود والأقليات والمهاجرين بالمجتمع الأميركي، والنزعة العسكرية الإمبريالية في السياسية الخارجية الأميركية كما تمثلت في حرب فيتنام
وفي عام 1965 أجرت الحكومة الأميركية تعديلات جوهرية على قوانين الهجرة سمحت بدخول أعداد متزايدة من المهاجرين القادمين من مختلف بلدان العالم – بما في ذلك الدول المسلمة والعربية – إلى الولايات المتحدة والاستقرار فيها، وذلك في جو سادت فيه النزعات الثقافية المنادية بالتعددية واحترام حقوق وحريات وخصوصيات المهاجرين والأقليات وغير الممثلين سياسيا
ويعود لقوانين عام 1965 - والظروف الثقافية والسياسية التي سمحت بسنها - فضل كبير في قدوم واستقرار الجيل الراهن من مسلمي وعرب أميركا وهو جيل يختلف بدرجة كبيرة عن الهجرات العربية إلى أميركا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وهي هجرات غلب على أبناءها الديانة المسيحية، كما أتت إلى الولايات المتحدة في مرحلة تبنت فيها أميركا سياسة أكثر صرامة تجاه دمج الأقليات عرفت باسم "بوتقة الصهر" والتي سادت خلال النصف الأول من القرن العشرين
وفي المقابل جاء مهاجرو الستينيات من بلدان مسلمة وعربية مختلفة ليجدوا بيئة أميركية أكثر احتراما للتعددية الثقافية وللحقوق والحريات المدنية في ظل تطور واضح في وسائل الاتصال والمواصلات سمح للمهاجرين الجدد بالحفاظ على روابط أقوى مع أوطانهم الأم، وقد ساعدت الظروف السابقة مسلمي وعرب أميركا على بناء بنية متزايدة من المؤسسات الثقافية والدينية – تقدر حاليا بأكثر من ألفي مؤسسة – للحافظ على هوياتهم الثقافية والدينية ومصالحهم السياسية والعامة
الثورة اليمينية المضادة
ولكن إذا كان عقد الستينيات قد شهد أوج المد الليبرالي وحركات التعددية الثقافية بالولايات المتحدة فإنه شهد أيضا ميلاد حركات مقاومة يمينية أميركية محافظة سعت تدريجيا لإحداث "ثورة مضادة" ضد "المد الليبرالي" وهو ثورة رأى المتابعون أنها وقعت في أوائل التسعينات فيما عرف باسم "ثورة الجمهوريين" التي وقعت في عام 1994
الثورة اليمينية المضادة لم تكن لتتحقق دون توافر عدد كبير من العوامل الثقافية والسياسية والديمغرافية داخل أميركا وعلى المستوى الدولي، فعلى المستوى الدولي شهد عقد الستينيات هزيمة لأنظمة علمانية واشتراكية عبر العالم – خاصة في الشرق الأوسط – كما بدأت حركات دينية محافظة في الصعود سياسيا وثقافيا عبر العالم – بما في ذلك أميركا - بداية من السبعينات، وفي الثمانينات دخلت الاشتراكية ونموذجها السوفيتي الأهم مرحلة إعياء كبرى توجت بانهيار الإتحاد السوفيتي وانتصار أميركا في الحرب الباردة
وفي الداخل الأميركي ساهم عدد كبير من التغيرات الكبرى في تراجع مكانة اليسار وصعود اليمين تدريجيا على مختلفة الأصعدة، فعلى الصعيد الاقتصادي ساهم التحول من الاقتصاد الصناعي إلى اقتصاد الخدمات واقتصاد المعلومات في تراجع قوة ونفوذ العمال ونقاباتهم والتي كانت تمثل نواة أساسية لتعبئة قوى اليسار الأميركي الجماهيرية والسياسية، كما زادت الفجوة بين الفقراء والأغنياء في أميركا بشكل مضطرد، ففي عام 2005 بلغت ما تمتلكه أغني 20% من الأسر الأميركية نسبة 50.4 % من الدخل الأميركي وهي النسبة الأعلى منذ عام 1967، كما بلغ عدد الأميركيين الذين لا يمتلكون تأمينا صحيا 46.6 مليون أميركي، وفي العام نفسه بلغ متوسط دخل رؤساء الشركات 262 مرة مقارنة بدخل العامل العادي، وذلك مقارنة بـ 24 مرة فقط في عام 1965
على المستوى السياسي ساهمت الفجوة المتزايدة بين الفقراء والأغنياء في زيادة الفجوة بين توجهات النخب السياسية - التي يمولها الأثرياء - وتوجهات غالبية الشعب التي تعجز عن مجاراة إمكانيات ونفوذ الأثرياء، حيث تشير إحصاءات أحد مراكز الأبحاث الأميركية المستقلة المعنية بتتبع تأثير المال على السياسية الأميركية إلى أن 237 ألف متبرع تبرعوا في انتخابات عام 2002 التشريعية بنسبة تقدر بحوالي 83% من مجموع التبرعات السياسية التي جمعت في تلك الانتخابات – والتي تقدر بحوالي 873 مليون دولار أميركي - مع العلم بأن نسبة هؤلاء المتبرعين لا تتعدى أكثر من 0.08 % من مجموع الشعب الأميركي
وعلى المستوى الديمغرافي استقبلت أميركا منذ السبعينات أكثر من 34 مليون مهاجر، كما تمركز الأفارقة الأميركيين والأقليات في المدن الكبرى خاصة في الشمال الشرقي وولايات الغرب الليبرالية مثل كاليفورنيا مما أدى لنزوح عدد متزايد من السكان البيض من تلك المدن واستقرارهم في الضواحي وفي ولايات الجنوب التي شهدت صعودا متزايدا للحركات المسيحية الدينية، والتي اتحدت مع أثرياء الجنوب الذين زادوا غنى ومع قيادات الحزب الجمهوري المحافظة للقيام بثورة ضد قيادات الحزب الديمقراطي والنخب الثقافية الليبرالية التي لم يرض عنها المسيحيون المحافظون
وقادت التطورات السابقة تدريجيا إلى فوز الجمهوريين بأغلبية مقاعد مجلس النواب الأمريكي لأول مرة منذ عقود في عام 1994، كما حقق الجمهوريون سيطرة كاملة على الكونجرس بمجلسيه والبيت الأبيض في عام 2002 حيث بدأ الساسة الجمهوريون في فرض أجندة تبطل ما حققه الليبراليون خلال العقود الأربعة السابقة، وعلى رأس بنود الأجندة المحافظة خفض الضرائب والحد من برامج الرفاهية وخصخصة برامج الضمان الاجتماعي
وعلى المستوى الثقافي قادت الثورة اليمينية المضادة إلى ما أطلق عليه البعض اسم "الحرب المدنية الثانية" والتي هدفت لإبطال إنجازات أجندة الليبراليين المنادية بالتعددية الثقافية، حيث طالب المحافظون تدريجيا بالحد من الهجرات ورفض التعددية الثقافية وفرض التراث الغربي في صورته الإنجلوساكسونية البروتستاتينية، والحد من النقد الذي توجهه الجماعات اليسارية للتراث الغربي التقليدي المحافظ، هذا إضافة إلى الدفع بأجندة المحافظين دينيا على مستويات فكرية وسياسية مختلفة مثل مكافحة الإجهاض ورفض الاعتراف بحقوق الشواذ وتحدي نظرية "النشوء والتطور"
11/9 الأزمة والعدو الجديد
في وقت وصلت فيه أمواج الثورة المضادة ارتفاعات غير مسبوقة، وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لتمنح أصحاب الأجندات الثقافية والاجتماعية والسياسية المنغلقة عاملين هامين إضافيين ساعدا على تقوية مواقفهم المتشددة ضد المهاجرين والأقليات والأجانب بصفة عامة وضد المسلمين والعرب بصفة خاصة
العامل الأول هو الشعور بالأزمة والتهديد والخوف الناتج عن هجمات 11/9 الإرهابية، وهنا يؤكد البعض – مثل ميشيل واكر مؤلفة كتاب "امنعوهم" المتعاطف مع المهاجرين والصادر عن مطابع بابليك أفاريز الأميركية في مايو الماضي – إلى أن الأميركيين عادة ما يسيئون التصرف في أوقات الأزمات، وهي عادة سيئة كررها الأميركيون بشكل متكرر كما حدث ضد المهاجرين الألمان في الحرب العالمية الأولى وضد المهاجرين اليابانيين في الحرب العالمية الثانية
العامل الثاني هو بلورة دور المسلمين كعدو بديل للإتحاد السوفيتي، وهنا يجب الإشارة إلى كتاب الأكاديمي والمفكر الأميركي واسع النفوذ صموئيل هنتينجتون الصادر في عام 2004 بعنوان "من نحن: تحديات الهوية الوطنية الأميركية" والذي عبر فيه صراحة عن اعتقاده بأن الأميركيين يتوحدون بشكل أقوى حول هويتهم الوطنية في أوقات الأزمات وضد الأعداء المشتركين، مؤكدا على إمكانية أن يلعب "الإسلاميون المسلحون" - والذين لم يعرفهم في كتابه بشكل دقيق أو محدد - دور العدو الجديد الذي يوحد الأميركيين ضده
إضافة إلى العوامل السابقة وقعت أحدث سبتمبر/أيلول في فترة كساد اقتصادي أمريكي، وفي وقت صعدت فيه قوى المسيحيين المتدينين السياسية بما يحمله بعض قياداتهم من رؤى سلبية تجاه المسلمين وتجاه الشرق الأوسط تماشيا مع إيمانهم بنبوءات آخر الزمان الإنجليكية، وفي فترة صعود لنفوذ المحافظين الجدد داخل أروقة السياسة الخارجية الأميركية بتركيزهم المبالغ فيه على العالم الإسلامي والشرق الأوسط، وقد ساعدت العوامل السابقة مجتمعة على مضاعفة أثر أحداث سبتمبر/ أيلول 2001 على مسلمي وعرب أميركا
تبعات خمس سنوات
شكلت العوامل السابقة ردة فعل الولايات المتحدة حكومة وشعبا تجاه المسلمين والعرب منذ 11/9 على النحو التالي
أولا: فيما يتعلق بصورة الإسلام والمسلمين توضح الاستطلاعات المختلفة أن مشاعر التمييز والعداء ضد المسلمين تنتشر في نسبة تتراوح بين 20-33% من الأميركيين، وتتراوح النسبة ذاتها بين 25-40% في أوقات الأزمات
ثانيا: على مستوى الحقوق المدنية استمرت حوادث التمييز ضد مسلمي أميركا في ارتفاع بشكل مضطرد، وإن كان أقل في نسبة الارتفاع السنوي مقارنة بالفترة التالية للهجمات، هذا إضافة إلى دخول مؤسسات الدولة الأميركية نفسها سباق المنافسة بين أهم مصادر التمييز ضد مسلمي أميركا
ثالثا: على المستوى السياسي لم تقدم القيادة السياسية الأميركية عروضا محددة للتعامل مع ما يتعرض له الإسلام والمسلمون من تشويه، ففي الوقت الذي حرصت فيه الإدارة على مديح الإسلام كدين والفصل بينه وبين معتقدات الإرهابيين استخدمت الإدارة أوصاف مثل "الإسلاميين الراديكاليين" و"الإسلاميين الفاشيين" ربطت بشكل غير واضح أو محدد - خاصة لدى المواطن الأميركي العادي ضعيف المعرفة بالإسلام - بين الإرهابيين والإسلام
رابعا: على المستوى الاجتماعي دفعت الضغوط السابقة بعض المسلمين للعزلة أو إنهاء "حلمهم الأميركي" طواعية بمغادرة أميركا، كما دفعت البعض للتملص من الإسلام كهوية ومن المسلمين كجماعة وكحركة سياسية
على الجانب الإيجابي يمكن الإشارة إلى الظواهر التالية
أولا: حافظ مسلمو وعرب أميركا ومنظماتهم الرئيسية على خطاب وموقف اندماجي إيجابي رافض للعزلة والتهميش، وذلك في وجه الانعزاليين والمتملصين
ثانيا: بدا واضحا خلال السنوات الخمس الأخيرة أن المسلمين والعرب الأميركيين يقفون في نفس الخندق وتربطهم علاقات وثيقة مع جماعات أميركية ليبرالية دينية وأخرى علمانية كان لها الفضل في ترسيخ التسامح كقيمة أساسية داخل المجتمع الأميركي، وذلك مثل منظمات الأقليات والحقوق والحريات المدنية وجماعات السلام، ويعني هذا أن المسلمين والعرب الأميركيين - إذا توفرت لديهم الموارد الكافية خلال السنوات المقبلة – سوف يشاركون شراكة كاملة مع دعاة التسامح والتعددية بالمجتمع الأميركي في ترسيخ تلك القيم مرة أخرى بالولايات المتحدة
-----
مقالات ذات صلة
ملامح الجيل الأميركي الحاكم
الخطاب المسلم الأمريكي السائد
العرب وتحديات الهوية الوطنية الأمريكية بعد 11/9
سبل مكافحة الإسلاموفوبيا في البيئة الأمريكية
لماذا رفضت وسائل الإعلام الأمريكية إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول؟
No comments:
Post a Comment