Tuesday, September 27, 2011

سياسي تحت التمرين

مقال بقلم: علاء بيومي، يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدر www.alaabayoumi.com

نص المقال:

البحث العلمي والصحافة الجادة يعلمان الفرد ضرورة التدقيق في الأفكار والصفات، ولهذا أتساءل لماذا نسمي كثير من المصريين الموجودين على الساحة حاليا "سياسيين"؟

هل كل من كتب عدة مقالات أو كتب في السياسة - أو رشح نفسه في الانتخابات، أو خطب عدة خطب في السياسة - يعد سياسيا؟

ما الفرق بين السياسي، والكاتب السياسي، والداعية، والناشط أو القيادي الجماهيري؟

السياسي في أبسط تعريفاته يقوم بأمرين، أولهما تعبئة الجماهير من أجل فعل سياسي معين، مثل الانتخابات أو نقد سياسة بعينها أو بناء حزب، وثانيهما قيادة مؤسسات السياسية والحكم على المستويات المختلفة بداية من المجالس المحلية إلى البرلمان ورئيس الجمهورية.

هذا يعني أن لكي يكون الشخص سياسيا يجب أن يتمتع بعدة قدرات على رأسها القدرة على التعامل مع الجماهير وحشدها وقيادتها، وفهم السياسية ومتطلباته، والقدرة أيضا على اتخاذ القرارات السياسية الصعبة سواء كان في الحكم أو في المعارضة.

وبالطبع ليس كل من يدعي أنه سياسي هو كذلك، وليس كل من يسعى لخوض السياسة ينجح، وليس كل من عمل بالسياسة قادر على الاستمرار.

أقول هذا لأن بلادنا في حالة مخاض كبير، وهناك زيادة واضحة في الرغبة في المشاركة السياسية من قبل أطراف لم تشارك من قبل في السياسية، لذا رأيت أن أطالب الجميع بالتواضع، وأطالب الصحافة والإعلام بالأساس بالتريث قبل إطلاق الصفات على كل أي طرف.

هناك كتاب سياسيون شباب وكبار ناجحون، ولكن هذا لا يعني أنهم سياسيون، فهم لم يخوضوا انتخابات في حياتهم، ولا نعرف إذا كان سيكتب لهم النجاح في العمل السياسي أم لا، فكون الشخص كاتبا جيدا لا يعني بأي حال من الأحوال أنه قادر على خوض انتخابات أو قيادة مجلس محلي حتى!

هناك أيضا دعاة يتحدثون في السياسة، وهذا جيد، ولكننا لا نعرف مدى قدراتهم السياسية، ومدى درايتهم بالسياسة وبمتطلبات صناعة القرارات السياسية المختلفة، فهناك فارق بين أن تعي أخلاقيات السياسة ومتطلباتها من النواحي الدينية والفكرية، وبين أن تمتلك خبرة قيادة المؤسسات السياسية وما تطلبه من بناء تحالفات ودراسة بتفاصيل السياسيات المختلفة، كما أننا لا نعرف بالضبط حجم الدعم السياسي (لا الديني) الذي يتمتعون به.

هناك أيضا نشطاء جيدون مثل حالة 6 أبريل والإخوان وكفاية، وغيرهم من الحركات السياسية في مصر، ولكن يجب أن نفرق بين شخص ينشط على المستوى الجماهيري وقادر على الخطابة وحشد الدعم الجماهيري، وشخص قادر على قيادة مؤسسات الحكم على المستويات المختلفة.

هذا يعني أن الاستبداد حرم المجتمع من السياسة لعقود، ولو نظرنا حولنا لوجدنا أن أصحاب الخبرة السياسية على المستوى الجماهيري وعلى مستوى صناعة القرار السياسي أقلية نادرة، لأننا من قاموا بالثورة لم يكونوا في موقع صناعة القرار من قبل إلا من شاركوا في البرلمان المعطل، ورجال مبارك لم يمارسوا السياسة أيضا، فقد حكموا كبيروقراطيين بالأساس.

وهذا يعني أن كثير ممن يشغلون الساحة حاليا يقومون بخطوات هامة على طريق السياسة وعلى طريق بناء أنفسهم كسياسيين، ولكن الطريق أمامهم طويل، ويجب أن نتمنى لهم التوفيق لما فيه صالح مصر، ونطالبهم أيضا ونساعدهم على التواضع ومعرفة موقعهم من هذا الطريق الطويل.

ويعني أيضا أن مصر في أمس الحاجة لأصحاب الخبرة السياسية، فمصر تريد سياسي يدرك ما ينبغي عليه القيام به أولا، ويساعد مصر ثانيا على وضع قواعد سليمة وصحية للعملية السياسية يستفيد منها الجميع، وهي لا تحتاج لأي مغرور أو مكابر لا يدرك حجمه الحقيقي يتخذ من الظروف فرصة للفوز ببعض الأضواء الإعلامية.

Sunday, September 18, 2011

عرض كتاب الدولة والكنيسة
تأليف طارق البشري، دار الشروق، الطبعة الأولى 2011

بقلم: علاء بيومي

نص العرض:

كتاب هام يستحق القراءة والنقاش والرد لأكثر من سبب، يأتي على رأسها مكانة مؤلفه وتوقيت صدوره وموضوعه الذي يشغل كثير من المصريين، وهي أسباب ينبغي التوقف عندها قبل الخوض في محتوى الكتاب وأسلوب مؤلفه وحجته الرئيسية وتقييمنا لما ورد فيه من أفكار.

أهمية الكتاب

أولا: مؤلف الكتاب هو طارق البشري القاضي والمؤرخ والمفكر المصري المعروف، والذي يعد أحد أعلام الحركة الفكرية في مصر حاليا، ولعل أفضل تعريف بمكانة البشري العلمية يحتويها كتاب أصدرته مكتبة دار الشروق المصرية في عام 1999 يتضمن كلمات وبحوث ألقيت في ندوة عقدت للاحتفاء بالبشري في عام 1998 في مناسبة تقاعده عن السلك القضائي بعد بلوغه السن القانونية.

ويحتوي الكتاب عدة أبحاث تتناول سيرة البشري الذاتية ومؤلفاته وأفكاره، وشهادات بعض أعلام المشهد السياسي والفكري في مصر حاليا في حق البشري، حيث يقول د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية في وصفه لمكانة البشري الفكرية "ربما لا أحد يصل لقامة طارق البشري الذي يستطيع أن يحضر للجامعة (يقصد جامعة القاهرة) مناقشا لأطروحة الدكتوراه في قسم العلوم السياسية، وأن يحضر للجامعة مناقشا لأطروحة دكتوراه في قسم التاريخ، ويحضر مناقشا لأطروحة دكتوراه في قسم الفلسفة، بنفس القدرة والتميز والكفاءة".

وقد تولى البشري في بداية العام الحالي رئاسة لجنة التعديلات الدستورية المكلفة من قبل المجلس العسكري الحاكم في مصر منذ ثورة 25 يناير بإدخال تعديلات على الدستور المصري – الذي أوقفته الثورة - استعدادا لمرحلة ما بعد الثورة المصرية، وهي تعديلات أثارت جدلا واسعا بين مؤيد ومعارض مما دفع الكثيرون للنظر إلى المستشار البشري كأحد مهندسي فترة ما بعد الثورة خاصة بعد فوز التعديلات الدستورية بأغلبية أصوات المصريين في استفتاء عام أجرى في مارس الماضي.

عموما لا يتحمل البشري وحده بأي شكل من الأشكال فكرة التعديلات الدستورية التي صاغت إلى حد كبير مستقبل مصر السياسي بعد الثورة وحتى الآن، ولكن رئاسته للجنة التعديلات الدستورية وضعته ووضعت كتاباته في دائرة الضوء السياسي والإعلامي خاصة مع اعتقاد البعض بأن البشري له توجهات سياسية إسلامية وأن ترأسه للجنة التعديلات الدستورية هو مؤشر على صعود وربما "سيطرة" التوجه "الإسلامي" على مستقبل مصر السياسي بعد الثورة.

السبب الثاني لأهمية الكتاب هو موضوعه والذي يدور – كما سنشرح تباعا – عن اندماج المسيحيين المصريين، وهو موضوع شديد الأهمية لأنه يرتبط بأقلية دينية كبيرة في مصر والعالم العربي، ولأنه يتعلق بقضايا الدين والعلاقة بين المسلمين والمسيحيين والتي تثير عادة حساسيات كبيرة تجعل الكتابة فيها عملية صعبة للغاية، ولحجم الجدل الموجود في الصحافة المصرية بشكل يومي عن الدور السياسي للكنيسة المصرية وموقف قيادات الكنيسة من النظام السابق والعلاقة بين المسلمين والمسيحيين في فترة ما بعد الثورة المصرية، وهي فترة شهدت صعودا للتيارات "السلفية" وبعض حوادث العنف الطائفي ومظاهرات ضخمة للمسيحيين والمصريين، ولا يخفى على أحد تصاعد ملف التوتر الطائفي في مصر، وهي أسباب تجعل من الكتاب دراسة جاءت في وقتها.

السبب الثالث هو طبيعة الكتاب نفسه، فنحن لسنا أمام دراسة بحثية أو تقرير أو حتى كتاب في العلوم السياسية أو في التاريخ، في المقابل الكتاب الراهن هو بمثابة حجة فكرية سياسية وتاريخية يقدمها البشري باقتدار بمنهج المفكرين والمؤرخين الكبار، فالكتاب صغير للغاية من حيث عدد صفحاته (103 صفحة من الحجم المتوسط)، ولكنه استراتيجي الطابع، إذ يبدو للقارئ أن مؤلفه (طارق البشري) مؤرخ صاحب رؤية واسعة لتاريخ ومستقبل مصر والمصريين، كما يبدو البشري غير معني بإنتاج كتاب بحثي على غرار كتب علماء السياسية، بل يقدم في المقابل كتاب يدور حول عدد من الأفكار الرئيسية المتعلقة بموقف قادة الكنيسة المصرية من الدولة المصرية.

وهي أفكار تتسلسل تباعا وتشير باستمرار وبحجج منطقية وقوية إلى وجود مشكلة واضحة وخطيرة في علاقة قيادات الكنيسة المصرية بالدولة المصرية وبالجماعة الوطنية المصرية كما يشير البشري، وهي مشكلة قديمة عمرها ثلاثة عقود على الأقل ومتعددة الجوانب.

و يعود البشري – عبر صفحات الكتاب - لعدد من الأحداث والوقائع والتواريخ الهامة التي تبرهن على فكرته، والتي تشعرك أيضا بمصداقية الكتاب وحجته القوية خاصة أن الكتاب يمتلك لغة مختلفة عما هو سائد عند تناول العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في الوقت الراهن، كما يمتلك أيضا نظرة واسعة لتاريخ مصر والمصريين ومستقبلهم لا يجدها القارئ  في كثير من الكتابات الشائعة.

خطاب البشري

لعل أبرز ما يلفت انتباه القارئ عبر صفحات الكتاب هو اللغة أو الخطاب الذي يتحدث به البشري ... 


للإطلاع على النص الكامل للعرض يرضى زيارة الوصلة التالية: 

http://www.dohainstitute.org/Home/Details?entityID=5d045bf3-2df9-46cf-90a0-d92cbb5dd3e4&resourceId=e58c858c-6e0a-4e45-be7c-a46a2184daf3

فيديو: مشاركتي في حلقة الجزيرة مباشر عن العلاقات العربية الأميركية 
17-9-2011


فيديو: ندوة أيلول الفلسطيني بالمركز العربي للأبحاث بالدوحة 

ومشاركتي بورقة وكلمة عن موقف لوبي إسرائيل
من المساعي الفلسطينية للحصول على الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية


Friday, September 16, 2011

الثورة والسياسية الخارجية المصرية

أيقظت الثورة المصرية أمال وطموحات كثيرة لدى المصريين، ومن بينها بناء سياسة خارجية مصرية قوية تدافع عن مصر والمصريين على المستوى الدولية.

وقد رأينا في الأيام الأخيرة كيف تحرك الشارع المصري وسبق الجميع في ساحات هامة تخص علاقات مصر الدولية كساحة العلاقة مع إسرائيل.

وبهذا الخصوص يجب أن نؤكد على بعض البديهيات، وهي:

أولا: أن السياسة الخارجية لدولة ما ترتكز على دعائم ثلاثة أساسية، وهي القوة العسكرية والقوة الاقتصادية والأدوات الدبلوماسية والناعمة.

ثانيا: أن توافر تلك الدعائم وحده لا يكفي فلابد من إرادة شعبية وسياسية.

ثالثا: تحتاج الإرادة لخطة محكمة لتكامل تلك القوى واستخدامها على النحو الأكمل.

ولهذا نرى أن التطورات الأخيرة في مصر هامة، وأن الرأي العام يجب أن يحترم في أي دولة من دول العالم وخاصة الديمقراطية منها أو الساعية على طريق الديمقراطية.

ولكن، ولكي لا نبدد أمال الشارع المصري أو نعرض بها، ينبغي توافر ما يلي:

أولا: وعي وطني شعبي وسياسي بعناصر قوة السياسة الخارجية المصرية، وما وصلت إليه حاليا من مستويات حقيقية من القوة أو الضعف، بدون مداراة أو تهويل، فما نريد أن نصل إليه حاليا هو حقيقة قوة وضعف الموارد المصرية على المستويات السابقة.

نريد أن نعرف بالضبط مدى اعتمادا على الخارج عسكريا واقتصاديا وحجم الكفاءات الدبلوماسية والثقافية التي نمتلكها والتي يمكن أن تساعدنا على ترجمة ما نصبو إليه دوليا.

ثانيا: وجود اتفاق شعبي وبين القوى السياسية حول الرغبة في خوض معركة السياسة الخارجية المصرية في أي توقيت وبأي أسلوب.

وأعتقد أن الوصول إلى مثل هذا الاتفاق سوف يمثل تحديا بالغا ومستمرا بدون انعقاد انتخابات مصرية تشريعية ورئاسية - وربما محلية أيضا - تتمتع بالحرية والنزاهة، وتحقيق قدر نسبي من الاستقرار السياسي للمؤسسات المصرية الحاكمة الرئيسية.

ثالثا: يأتي بعد ذلك مرحلة صياغة تصور متكامل وخطة عمل للدبلوماسية المصرية تقوم على تفعيل أدوات تلك الدبلوماسية على المستويين الرسمي والشعبي.

ويجب هنا الإشارة إلى الحاجة إلى تطهير المؤسسات الدبلوماسية المصرية ومؤسسات الدبلوماسية العامة مما علق بها من تبعات الديكتاتورية من أشخاص وأفراد على مدى عقود.

وقد نكون أيضا في حاجة إلى الاستعانة بجيل جديد من الأفكار والفاعلين الأكثر خبرة بأساليب العمل الدبلوماسي والإعلامي والجماهيري بالدول والمجتمعات الديمقراطية.

وأخيرا، ما نقوله لا يعني أنه ينبغي علينا الانتظار لسنوات قبل تحسين سياستنا الخارجية وتقويتها، ولكنه يعني أننا في حاجة لنظرة شاملة وخطة منظمة لتلك الدبلوماسية ولسبل تقويتها، ولا مانع في البدء من الآن، والله أعلم.

علاء بيومي

   

Thursday, September 08, 2011

 دعوة لوقف التعريض بالإسلام

بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره www.alaabayoumi.com

نص المقال:

الثورات العربية فتحت أمام مجتمعاتنا الفرصة لبداية جديدة، بداية نتخلص فيها من تبعات الماضي من أفكار وممارسات تشكلت في ظروف صعبة فخرجت مشوهة لا تعبر عن أفضل ما فينا أو أفضل ما نسعى إليه.

من هذا المنطلق، أدعو كل إنسان موضوعي – متدين أو علماني – في بلادنا وخارجها – إلى التوقف فورا عن استخدام كلمة "الإسلامي" واستبدالها بكلمة "مسلم متدين" عند وصفه الجماعات المسلمة المتدينة في بلادنا أو في أي بلد من بلاد العالم، لأن كلمة "إسلامي" بمعناها الدارج، وترجمتها Islamist، تلحق ضررا بالغا بصورة الإسلام عن قصد ونية مبيته للإساءة – كما سأشرح في هذا المقال - أو بغير قصد.

الإسلام مقدس، وأتباعه مسلمون لا "إسلاميون"، المسلم يخطئ ويصيب، والإسلامي نسبة إلى الإسلام مقدس كالدين نفسه، وهو ليس من صفات البشر.

المقدسات الإسلامية معروفة ومحددة، وهي إسلامية، أما أفعال المسلمين وأفكارهم ومنظماتهم وأحزابهم وكل ما ينسب إلى منتجاتهم البشرية الناقصة فهي مسلمة أنتجها المسلمون أملا في أن تتطابق مع المنهج الإسلامي المثالي المقدس الذي يسعى المسلمون بكل طاقاتهم إلى الوصول إليه، وقد ينجحون أو يفشلون في ذلك قدر استطاعتهم، وينزهونه عن أفكارهم وتصرفاتهم البشرية الناقصة بحكم طبيعتهم كبشر.

استخدام كلمة إسلامي من قبل الجماعات المسلمة المتدينة يلحق ضررا بالغا بصورة الإسلام، لأنه يصبح لدينا – كما يقول البعض حاليا في مصر على سبيل المثال – حزب إسلامي واحد، ومرشح إسلامي واحد، وحركة إسلامية واحدة، وهو أمر يمثل استخداما خاطئا للدين الإسلامي الحنيف كشعار لجماعات بشرية ناقصة بطبيعة البشر، وتعريضا بالإسلام، وتحديدا له بقصره على جماعة بعينها من المسلمين قد تكون على صواب غير كامل في أحسن الظنون.

فلماذا نلصق الإسلام بأفكار وتصرفات أتباعه الحريصين عليه، آلا يعد ذلك تعريضا به!؟ أليس من الأفضل أن نترك لله الحكم على مدى إسلامية تصرفاتنا وجماعتنا، ونكتفي نحن بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن أحسنا فهو من الله وإن أخطئنا فمن أنفسنا!؟

أما خصوم الإسلام من الجاهلين أو المتشددين فيجدون في كلمة إسلامي أو Islamist ملاذا ومبررا أحيانا لتشويه صورة الإسلام وإلحاق ضررا بالغا بها، عن قصد وعن غير قصد، إذا برر لهم هذه المصطلح استخدام مصطلحات مثل "الإسلامي المتشدد" و"الإسلامي المتطرف" أو "الإسلامي الإرهابي" في بعض الأحيان، وإذا طالبتهم أن ينتهوا قالوا لك: أن جماعاتكم هي التي تصف أنفسها بالإسلامية أولا، فنحن لا نصفها ولكننا نسميها بالأسماء التي تسمى بها أنفسها، وأضافوا قائلين: أن في كل جماعة دينية متشددين ومتطرفين وإرهابيين فلماذا لا تكونوا عادلين وتسمحوا لنا باستخدام تلك المصطلحات!؟

وتوقع تلك المصطلحات ضررين بالغين بصورة الدين الحنيف، أولهما ربط الإسلام من خلال كلمة إسلامي أو Islamist بصفات من صفات البشر كالتطرف والتشدد والإرهاب، وثانيا خلط الأمر على غير المتعلمين - وهم كثر، إذا يصعب على بعضهم التفريق بين كلمة الإسلامي التي تصف المسلمين (Islamist) وكلمة الإسلامي التي تصف الإسلام نفسه (Islamic)، فيصبح الإسلام مرادفا للإسلامي، والإسلامي المتشدد مرادفا للإسلام المتشدد في عقول هؤلاء.

أما جماعات الإسلاموفوبيا فتبالغ في الإساءة من خلال استخدام كلمتي Islamist  و Islamic بشكل تبادلي وبنفس المعني، والمعروف أن كلمة Islamic تعني باللغة الإنجليزية صفة للدين نفسه أو المقدسات الإسلامية، وكلمة Islamist هي صفة للحركات السياسية الدينية الحديثة، والتي تعرف أحيانا "بالجماعات الإسلامية" في بلادنا وتعرف في الغرب باسم "جماعات الإسلام السياسي".
وحقيقة أن التوقف عن استخدام مصطلح الإسلامي في بلادنا وIslamist في اللغات الأجنبية هو ضرورة حتى يتوقف هذا التعريض المستمر بالإسلام، وليكتفي الجميع بوصف أبتاع الإسلام بأنهم مسلمون، كما وصفهم الإسلام نفسه.

وإذا كان هؤلاء المسلمون ممن يسعون لبناء منظمات وحركات تركز على الدين والتدين، فلنسمها حركات مسلمة متدينة كما تفعل بقية دول العالم والتي تعرف الحركات الدينية فتنسبها إلى التدين إلى الدين نفسه، أما نحن فنلصق جماعاتنا المتدينة بالإسلام نفسه فنعرضه لكثير من القيل والقال.

وحري بنا آلا نطلق كلمة إسلامي إلا على ما هو مقدس فقط حفاظا على الإسلام وصورته وقدسيته ووقفا للتعريض به.

وأعتقد أن البداية يجب أن تكون في بلادنا ومن خلال إقناع الجماعات الدينية قبل غيرها بوقف إطلاق صفة الإسلامية على أفكارها وحركاتها والاكتفاء، فهي التي دأبت على استخدام ذلك المفهوم في حركاتها وأفكارها ومنظماتها، كما استخدمت غيره من المفاهيم التي تعتبر جزءا من تعاليم الإسلام وتراثه الأهم كالسلفية والجهاد، وكان الأولى عدم التعريض بتلك المفاهيم وتركها بعيدة عن تصرفات البشر والأجيال المسلمة الجديدة المحدودة.

والحقيقة لغتنا لا تفتقر للبدائل الدقيقة والمعبرة عما المعاني نفسها التي نريد إيصالها للناس، فإذا كان هناك مسلم متدين، فليسمي نفسه كذلك، ولتسمي الجماعات المتدينة نفسها بالمسلمة المتدينة لا بالإسلامية، فهي مسلمة متدينة تخطئ وتصيب، ولكنها ليست إسلامية فأفعالها وأفكارها ليست مقدسة، وهي تقول ذلك، ومع ذلك تصر على إلصاق صفة "الإسلامي" و"السلفي" و"الجهادي" بأفكارها ومناهجها وجماعاتها.

وكان الأولى تقديس الإسلام وتنزيهه، فهذه الجماعات وإن أحسنت وأجادت وأبدعت، فقد يأتي بعدها من هو أفضل منها، أو من يثبت أنها كانت على خطأ ولو جزئي، ونحن لا نريد أن يكون "الإسلام" محلا للخطأ أو التحسين، فهو دين الله المقدس الذي نجتهد جميعا لفهمه وحمايته والنأي به عن أي شائبة أو نقصان بما في ذلك سلوك أبناءه المخلصين.

وليكن أسلوبنا هو إعلاء الإسلام وتطبقه كل لحظة من حياتنا من خلال تصرفاتنا وأفكارنا وجماعاتنا وأحزابنا كمسلمين متدينين نحافظ على تعاليم الإسلام، فإن أحسنا فهو من الله وإن أسئنا فهو من أنفسنها.


ونحن بالضبط لا نعرف متى بدأ الناس في بلادنا استخدام مصطلحات كالإسلام والجهاد والسلفية في وصف أنفسهم، وفي تمييز بعضهم عن بقية أبناء مجتمعاتهم المسلمة في أغلبيتها، وهي أمر يستحق الدراسة وفقا لعلوم تاريخ المصطلحات والمفاهيم، لنعرف بالضبط متى بدأ هذا الاستخدام ولماذا، وما هي تبعاته؟

ويبدو لي – ووفقا لبعض المصادر - أن الاستخدام حديث، وأنه ارتبط بفترة شعر فيها البعض بضغوط هائلة يتعرضون لها، وتتعرض لها هوياتهم، لذا وجدوا أن لا حل أمامهم سوى العودة إلى خطوط الدفاع الأخيرة كالإسلام والجهاد والسلفية، والاحتماء بها ورفعها في وجه خصومهم من نظم متشددة أو أيدلوجيات متطرفة.

وقد نتفهم بعض هذه الدوافع، ولكن الفكر الإنساني في حاجة دائمة إلى المراجعة، وقد شرحت في مقالي هذا أسباب كثيرة لتلك المراجعة لعلها تكون بداية، والله أعلم.