Sunday, December 19, 2004

أين أخطأ اليمين؟
عرض بقلم: علاء بيومي – مدير الشؤون العربية بكير

الناشر:
الجزيرة نت، 19 ديسمبر 2004، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص العرض

يعبر باتريك بوكانان وكتابه عن نوع من الصراع الدائر داخل الولايات المتحدة والذي يندر الحديث عنه في الأوساط المسلمة والعربية وهو الصراع داخل الحزب الجمهوري وفي أوساط المحافظين الأمريكيين بين المحافظين الجدد وبين ما يمكن تسميتهم بالمحافظين التقليديين.
ويحتوى الكتاب على عدد من الأفكار الهامة المتعلقة برؤية المحافظين التقليديين – الذين يمثلهم بوكانان – لدور أمريكا في العالم ولعلاقتها بالعالم الإسلامي ولأجندة المحافظين الحقيقية

دور أمريكا في العالم وعقيدة بوش الأمنية

يبدأ بوكانان كتابه بتحذير أمريكا من المصير الذي آلت إليه الإمبراطوريات الكبرى في العالم، ويصف بوكانان العصر الحديث بأنه عصر انهيار الإمبراطوريات مثل الإمبراطورية البريطانية والاتحاد السوفيتي، ويقول أن الإمبراطوريات السابقة انهارت بسبب إفراطها في الحروب الخارجية التي أنهكتها

لذا يرى بوكانان أن على أمريكا أن تتجنب مصير الإمبراطوريات السابقة بتجنب الحروب، مؤكدا على أن سياسة أمريكا الخارجية قامت منذ نشأتها على مبدأ تجنب الحروب وعدم خوضها إلا إذ فرضت عليها، إذ يرى أن أمريكا لم تدخل الحرب العالمية الثانية إلا بعد أن هاجمتها اليابان عسكريا، كما تجنبت أمريكا الحرب مع الإتحاد السوفيتي على مدى سنوات الحرب الباردة

لذا ينتقد بوكانان سياسة أمريكا الخارجية منذ نهاية الحرب الباردة ويصفها بأنها قائمة على "غرور القوة وتهميش الحلفاء وشن الحروب الإمبريالية"، كما يرى أن سياسات أمريكا أدت إلى إطلاق حرب الحضارات التي كانت تسعى نظريا لتجنبها، كما قامت أمريكا بنشر قواتها في بقاع كثيرة جدا من العالم بشكل قد يهددها بالإفلاس العسكري في حالة نشوب حرب جديدة في ظل انخراط أمريكا الحالي في حرب العراق والتي يرى بوكانان أنها قد تمثل بداية تراجع الإمبراطورية الأمريكية

كما يوجه بوكانان العديد من الانتقادات لعقيدة بوش الأمنية التي يصفها بأنها "إمبريالية" و"يوتوبية"، ويرى أن سياسات جورج دبليو بوش "دفعت حدود الإمبراطورية (الأمريكية) بعيد جدا عن الحدود التي تركها بوش الأب وكلينتون" وينتقد إصرار بوش على وصف الحرب على الإرهاب من خلال عبارات دينية وأخلاقية، ويقول أن لغة بوش الدينية قسمت العالم كما تناست أن المبادئ والأخلاق نسبية تختلف باختلاف الثقافات وباختلاف مصالح أمريكا، ويضرب بوكانان مثلا بإتحاد أمريكا مع السوفيت في الحرب العالمية الثانية كدليل على نسبية القيم الأمريكية، وفي السياق نفسه يرفض بوكانان حديث بوش عن مبدأ أن أمريكا تحارب من أجل العدالة مؤكدا على أن أمريكا تحارب من أجل مصالحها وأهدافها الوطنية بالأساس، وينطلق بوكانان في رؤيته هذه من مبدأ أساسي من مبادئ المحافظين وهو الرغبة في الحد من تدخل أمريكا في شئون الشعوب الأجنبية بأكبر قدر ممكن ورفض أن تلعب أمريكا دور شرطي العالم

لذا ينتقد بوكانان التهديدات غير المسبوقة التي وجهتها إدارة بوش ضد الدول التي أسمتها بمحور الشر والتي لم تهاجم أمريكا، وينتقد سياسية الحروب الإجهاضية، ويرى أن إدارة بوش تناست أن العديد من الدول العربية والمسلمة ساندت أمريكا خلال الحرب الباردة وساعدتها على هزيمة السوفيت، كما يؤكد على اعتقاده بأن نظم حكم الشعوب الأجنبية هي أمر خاص بالشعوب الأجنبية وحدها وإن محاولة بوش فرض القيم الأمريكية على العالم الإسلامي سوف يدفع أمريكا إلى "حروب لا نهاية لها" مع العالم الإسلامي، ويقول أن "التدخل لا يمثل حلا لمشاكل أمريكا في الشرق الأوسط. التدخل هو المشكلة"

تأثير المحافظين الجدد على سياسات بوش

يرى بوكانان أن الأفكار التي تحدث بها جورج دبليو بوش بعد توليه الرئاسة ليست أفكاره فقد عبر بوش عندما كان مرشحا للرئاسة في عام 2000 عن أفكار محافظة تقليدية مخالفة إلى حد كبير للأفكار التي سادت إدارته، إذ انتقد بوش سياسات كلينتون الخارجية التدخلية معلنا رفضه للعب أمريكا دور شرطي العالم

ويرى بوكانان أن مصدر هذه الأفكار هم المحافظون الجدد الذين يصفهم بأنهم "مختطفو السياسة الخارجية الأمريكية"، وعنهم يقول بوكانان أنهم حركة ليس لها جذور شعبية نشأت خوفا من التهديد الذي يشكله الإتحاد السوفيتي لأمريكا وإسرائيل، لذا هي حركة معنية بالسياسية الخارجية بالأساس تقوم على عدة أعمدة رئيسة على قمتها دعم إسرائيل ومبدأ شن الحروب في أجل نشر الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي، كما يلخص بوكانان أجندة المحافظين الجدد في فكرة واحدة وهي شن "صراع لا نهائية له وحرب إذا تطلب الأمر لفرض الديمقراطية العلمانية والثورة الاجتماعية على العالم الإسلامي"

ويقول بوكانان أن إيديولوجية وأفكار المحافظين الجدد تنطلق من مبدأ أساسي وهو تطابق مصالح أمريكا مع مصالح إسرائيل، ويشير إلى أن المحافظين الجدد طالبوا في الأيام التالية لأحداث سبتمبر بمهاجمة عدد كبير من الدول المسلمة والعربية ردا على أحداث سبتمبر، وهنا ينتقد بوكانان المحافظين الجدد ويشكك في نواياهم، ويتساءل لماذا ينبغي على أمريكا محاربة دول لم تهاجمها، ويعبر عن اعتقاده صراحة بأن المحافظين الجديد يدفعون أمريكا إلى محاربة "أعداء إسرائيل" وليس إلى حرب للدفاع عن أمريكا وحماية مصالحها، كما يشير إلى دور المحافظين الجدد الرئيسي في دفع أمريكا إلى حرب العراق والتي يصفها بأنها "أكبر خطأ إستراتيجي خلال أربعين عاما، خطأ أكثر تكلفة من فيتنام"

هل الإسلام هو العدو؟

يفرد بوكانان فصلا كاملا في كتابه للحديث عن علاقة أمريكا بالإسلام، وهو فصل يشوبه قدر ملحوظ من التردد

إذ يبدأ بوكانان بالحديث عن الإسلام وأركانه، ويقول أن الإسلام لا يعترف بالفصل بين الدين الدولة، ويبدي تأييده لنظرة المستشرق البريطاني برنارد لويس للإسلام والذي يروج لفكرة أن المسلمين ينظرون إلى المسيحيين على أنهم منافسيهم الأساسيين بسبب تشابه الديانة الإسلامية بالمسيحية

كما يتحدث بوكانان عن غزو المسلمين في أوائل عصور الإسلام للبلاد الأوربية ويقول أن الغزو الإسلامي كاد أن يقضي على المسيحية، ويصف الحروب الصليبية بأنها كانت محاولة لاستعادة الأراضي التي حصل عليها المسلمون من المسيحيين، ويتساءل "لو احتلت مكة من قبل جيش من الكفار، هل لن يبرر المسلمون لأنفسهم إعلان الجهاد لتحرير مدينتهم المقدسة؟ هل سيشعر المسلمين المتدينين بالعار من هذه الحرب أو يعتذرون على شنها؟"

ولكن في الوقت نفسه يرفض بوكانان فكرة لوم تراجع المسلمين على الإسلام، ويقول أن المشكلة ليست في العقيدة الإسلامية "كيف يمكن أن يكون الإسلام هو سبب الانهيار بعد أن كان الإسلام هو العقيدة التي دعمت أكثر الحضارات والثقافات تطورا على سطح الكرة الأرضية لمدة ألف عام؟"، ويعود ليتبنى نظريات برنارد لويس ويقول أن مشكلة المسلمين – كما يوصفها لويس – هي أنهم لم يبحثوا داخل أنفسهم عن المشكلة واكتفوا بلوم الغرب

ثم يعود بوكانان ليرفض إجابة الرئيس بوش على سؤال "لماذا يكرهوننا؟"، ويقول "نحن مكروهون لما نفعله"، مشيرا إلى عدد من مشاكل سياسة أمريكا تجاه العالمين العربي والإسلامي، وعلى رأسها عدم صدق الدعاوي الأمريكية لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، ووجود القوات الأمريكية في الخليج وثقافة أمريكا الإباحية (الخمور والمخدرات والإجهاض والأفلام الإباحية) وازدواجية المعايير الأمريكية في التعامل مع إسرائيل، وغزو العراق وإذلاله

ويرفض بوكانان فكرة استعداء الإسلام ويقول أن عدو الإسلام اليوم ليس المسيحية ولكنه ثقافة أمريكا العلمانية والفردية والاستهلاكية والعبثية، كما يشير إلى أن الإسلام هو أسرع الأديان انتشارا في أوربا وإلى أن مسلمي أمريكا على الرغم من صغر عددهم "ينمون بثقة ويكسبون معتنقين للإسلام"، كما يؤكد على أنه لا يمكن لدولة (أمريكا) أن تهزم عقيدة (الإسلام) فهزيمة عقيدة تحتاج لعقيدة أخرى، ويقول أنه لم تنجح أي إمبراطورية عالمية على مدى التاريخ في هزيمة الإسلام وأن قوة الغرب العسكرية لا تعني أنه قادر على الفوز في حرب الحضارات لأن السوفيت انهاروا رغم ترسانتهم العسكرية

كما يري بوكانان أن الإرهاب ليس عدو ولكنه أسلوب وسلاح ويقول أن دول (ضاربا المثال بإسرائيل في بداية عهدها والحلفاء في الحرب العالمية الثانية) ونظم وثورات استخدمت الإرهاب أسلوبا لها خلال بعض الفترات التاريخية، ونجحت في النهاية بسبب قدرتها على إقناع الرأي العام بوجهة نظرها، لذا يرى أن الحرب على الإرهاب هي حرب على عقول وقلوب الجماهير، وأنه ينبغي على أمريكا أن تقنع العرب والمسلمين بمواقفها إذا كانت راغبة في الفوز بالحرب على الإرهاب وهنا يقول بوكانان "مشكلتنا في هذه المنطقة الكبيرة هي أن عشرات الملايين من العرب والمسلمين توصلوا لنتيجة مفادها أنهم يريدوننا أن نخرج"

أجندة المحافظين الحقيقية

في خاتمة كتابه بعود بوكانان ليركز على فكرته الأساسية وهي أن سيطرة المحافظين الجدد على مؤسسات التيار المحافظ الأمريكي شغلت المحافظين عن مصالحهم الحقيقة وعلى رأسها رفض تحول أمريكا إلى إمبراطورية، ومواجهة التردي الثقافي والأخلاقي في المجتمع الأمريكي، والحد من تضخم مؤسسات ونفقات الحكومة الأمريكية، ومواجهة تزايد عجز الميزانية الأمريكية والعجز التجاري الدولي وتراجع قيمة الدولار وصعود القوة الدولية الجديدة وعلى رأسها الصين، والحد من المهاجرين

ويقول بوكانان أن المحافظين الجدد لا يتعاملون مع قضايا هذه الأجندة لأنهم لا يتبنون في أحيان كثيرا أجندة مناقضة لها إلى حد كبير لكونهم لا ينتمون عقائديا إلى التيار المحافظ كما يراه بوكانان، كما أن المحافظين الجدد مشغولين بدفع أمريكا إلى شن حرب لإعادة تشكيل العالم الإسلامي، وهنا يعيد بوكانان التأكيد على أهمية الحد من التدخل الأمريكي في شئون العالمين العربي والإسلامي ويقول أن "سيطرة أمريكا على الشرق الأوسط ليست حلا للإرهاب. إنها سبب للإرهاب ... لقد هوجمنا بسبب وجودنا الإمبريالي في أراضي مكة والمدينة المقدسة، وبسبب اعتقاد أعدائنا بأننا نقتل الشعب العراقي بالعقوبات المفروضة عليه ونستعد للهجوم عليه مرة ثانية، وبسبب مساندتنا غير المشروطة لنظام شارون الليكودي"

كما يقول بوكانان أن "الإرهاب هو عرض للمرض، الإرهاب ليس المرض نفسه"، وينادي بسحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط إذا كانت غير مرغوب في وجودها، ويطالب بعدم التدخل في شئون العالم الإسلامي وأن يترك العالم الإسلامي "ليشكل مصيره بنفسه"، كما يؤكد على فشل إسرائيل وأن "إسرائيل في أزمة وجودية" وعلى خوف السياسيين الأمريكيين من انتقاد إسرائيل أكثر من خوف الإسرائيليين أنفسهم من انتقاد بلدهم، ويقول أن "شارون وعد بالسلام والأمن ... ولكنه قدم الحرب والكراهية"، كما يؤكد على أن "أمريكا تحتاج لسياسة شرق أوسطية صنعت في أمريكا وليس في تل أبيب أو في الإيباك"، وعلى أن "أمريكا تخلت عن دورها "كوسيط عادل"، ويقول أن "الرئيس لم يعد يجلس على رأس طاولة المفاوضات، ولكن أصبح يجلس خلف شارون مباشرة. قد يخدم ذلك المصالح السياسية الخاصة بالرئيس وحزبه، ولكن ذلك لا يخدم مصالح أمريكا"

Tuesday, December 14, 2004

نحو دور أكبر للمرأة المسلمة في أمريكا
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
إسلام أون لاين، 14 ديسمبر 2004

نص المقال

ظروف الحياة في المجتمعات الغربية فرضت أعباء متزايدة على الأسرة المسلمة والعربية وخاصة على المرأة المسلمة التي بات عليها القيام بعدد من الأدوار التربوية والاجتماعية المتزايدة لمواجهة ما تتعرض له أسرتها من ضغوط وتحديات، وعلى رأس هذه الضغوط عمل الآباء لساعات طويلة بالمجتمعات الغربية وغياب الأسرة الممتدة وغياب شبكات العلاقات الأسرية والاجتماعية الواسعة والوثيقة، وكذلك زيادة الضغوط المجتمعية والثقافية على الأسرة المسلمة والعربية بعد أحداث سبتمبر 2001، هذا إضافة إلى نقص المؤسسات القائمة على رعاية النشء المسلم والعربي دينيا وثقافيا، وأخيرا حاجة الأسرة المسلمة والعربية إلى تنشئة أطفالها بأسلوب جديد قادر على حماية قيمهم المسلمة والعربية وعلى الانفتاح المتوازن على قيم الثقافة الغربية الإيجابية

وفي مواجهة هذه التحديات كان لزاما على المرأة والأم المسلمة والعربية بالولايات المتحدة أن تنشط للقيام بعدد متزايد من الأدوار والمهام لمساعدة نفسها وأسرتها على مواجهة تحديات الحياة في المجتمع الأمريكي، كما علت الدعوات الفردية والجماعية من داخل التجمعات المسلمة أنفسها مطالبة بدور أكبر للمرأة المسلمة، وكذلك ظهرت دراسات مختلفة ومنظمات مسلمة أمريكية معنية بدراسة قضايا المرأة المسلمة في المجتمعات الغربية بهدف تقييمها ومساندتها

وفي ضوء هذه الظروف أصبح من الضروري الوقوف على إجابة عدد من الأسئلة الهامة المتعلقة بحجم الدور الذي تلعبه المرأة المسلمة في الحياة السياسية والاجتماعية والدينية للمسلمين بالولايات المتحدة، وكذلك التساؤل حول ما إذا كان هناك فروق واضحة بين مستوى نشاط المرأة والرجل؟ وما هي الأسباب العامة التي قد تفسر قوة أو ضعف مشاركة المرأة المسلمة في مختلف أوجه حياة المسلمين بالمجتمع الأمريكي؟

المقال الحالي يسعى إلى الإجابة على الأسئلة السابقة مستعينا بأحدث استطلاع لتوجهات المسلمين الأمريكيين نحو قضية المشاركة في الحياة العامة الأمريكية والذي أجراه مركز أبحاث مسلم أمريكي يعرف باسم (MAPS) تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية في شهري أغسطس وسبتمبر من العام الحالي

وقد شمل الاستطلاع عينة من 1846 مسلما مقيما في الولايات المتحدة من بينهم 1074 رجلا ( 58%) و772 امرأة (42%)، كما يشير الاستطلاع إلى أن 36 % من المشاركين فيه هم من المولودين في الولايات المتحدة والبقية من المهاجرين، و82% منهم على الأقل يحملون الجنسية الأمريكية، و59% منهم يحملون شهادات جامعية، و70% منهم من المتزوجين، وتزيد دخول نصفهم تقريبا عن خمسين ألف دولار أمريكي سنويا، كما أنهم موزعين على الأعراق المسلمة المختلفة كالعرب (26%) والأفارقة الأمريكيين (20%) والجنوب آسيويين (34%)

أولا: مشاركة المرأة المسلمة في الحياة السياسية

(أ) التصويت في الانتخابات

فيما يتعلق بمستوى مشاركة المرأة المسلمة في الحياة السياسية لم يكشف الاستطلاع عن وجود فروق واضحة بين الرجال والنساء فيما يتعلق بالتسجيل في السجلات الانتخابية الأمريكية (82% من المشاركين في الاستطلاع) أو الرغبة في التصويت في الانتخابات (95%)، أو التأثر بالهوية المسلمة عند التصويت (69%)، أو الانتماء لإيديولوجية سياسية معينة (كالليبرالية أو التيار المحافظ)

ولكن الاستطلاع أظهر أن أصوات النساء أكثر تأثرا بالقضايا الداخلية (46%) مقارنة بالرجال (42%) ومقارنة بالمتوسط العام لمسلمي أمريكا (44%)، كما أن أصوات الناخبات المسلمات أقل تأثرا بقضايا السياسية الخارجية (35%) مقارنة بالرجال (42%)

(ب) القيام بأنشطة سياسية

لم يعثر الاستطلاع على فروق واضحة بين مستويات مشاركة الرجال والنساء في الأحزاب السياسية (24%) أو في التبرع للحملات الانتخابية (35%) أو في المشاركة في المظاهرات (46%) أو في الكتابة إلى الإعلام والسياسيين (54%)

ولكن النساء بدين أقل نشاطا فيما يتعلق بزيارة المواقع الإلكترونية السياسية للتعرف على مواقف المرشحين (37%) مقارنة بالرجال (44%) وبالمتوسط العام لمسلمي أمريكا (41%)

(ج) تشجيع المشاركة السياسية

أظهر الاستطلاع أن النساء أقل تحمسا لتشجيع الجيل الراهن من مسلمي أمريكا على المشاركة في الحياة السياسية (48%) مقارنة بالرجال (57%) وبالمتوسط العام (53%)، وعلى الخط نفسه أظهر الاستطلاع أن النساء أقل تحفزا لتشجيع مشاركة الجيل القادم (أبنائهن) في الحياة السياسية (56%) مقارنة بالرجال (60%) وبالمتوسط العام (58%)

(د) متابعة الشئون السياسية والحكومية

لم يعثر الاستطلاع على فروق واضحة بين النساء والرجال فيما يتعلق بالاهتمام بمناقشة قضايا السياسة مع الأسر والأصدقاء (86%)، ولكن الاستطلاع أظهر أن النساء أقل متابعة للشئون العامة والحكومية بشكل دءوب (59%) مقارنة بالرجال (67%) وبالمتوسط العام (64%)

(هـ) تشجيع وحدة مسلمي أمريكا السياسية

تتساوي النساء مع الرجال فيما يتعلق بمستوى مساندتهم لأجندة منظمات مسلمي أمريكا السياسية (81%) وتأثرهم بتأييد هذه المؤسسات لأحد المرشحين في الانتخابات الرئاسية (69%)، ولكن النساء بدين أقل تأييدا لمبدأ تصويت المسلمين ككتلة انتخابية واحدة في انتخابات الرئاسة (50%) مقارنة بالرجال (56%) وبالمتوسط العام (53%)

ثانيا: مشاركة المرأة المسلمة في الحياة المدنية والاجتماعية

(أ) المشاركة الفعلية في مؤسسات المجتمع المدني

لا توجد فروق واضحة بين مستوى مشاركة النساء والرجال في عدد من الأنشطة المدنية والاجتماعية، مثل التبرع بالمال والوقت لمساندة المنظمات الفنية والثقافية (42%)، والنشاط في المساجد والمؤسسات الدينية (71%)، ومساندة المؤسسات العرقية والإثنية (35%)، والمشاركة في عمل المنظمات السياسية والمنظمات المعنية بالشئون العامة (30%)

على الجانب الأخر تبدو النساء أكثر مشاركة في أنشطة المنظمات الخيرية المتخصصة في مجال مساعدة المرضى والفقراء وكبار السن (79%) مقارنة بالرجال (72%) وبالمتوسط العام (75%)، وهن أيضا أكثر تبرعا بأوقاتهن لخدمة المدارس المسلمة وبرامج رعاية الشباب (24%) مقارنة بالرجال (21%) وبالمتوسط العام (22%)، في حين أن النساء أقل تبرعا بالأموال للمدارس المسلمة ولبرامج رعاية الشباب (8%) مقارنة بالرجال (10%) وبالمتوسط العام (9%)

ولكن تبدو النساء أقل مشاركة في منظمات المجتمع المدني (43%) مقارنة بالرجال (49%) وبالمتوسط العام (45%)، وأقل مشاركة في أنشطة المنظمات المهنية (كالنقابات) (42%) مقارنة بالرجال (47%) وبالمتوسط العام (45%)، كما إنهن أقل تبرعا بأوقاتهن أو بأموالهن لخدمة اتحادات التجارة والعمال (13%) مقارنة بالرجال (18%) وبالمتوسط العام (17%)

(ب) التوجه نحو المشاركة في المؤسسات المدنية والخيرية غير المسلمة

لا توجد فروق واضحة بين النساء والرجال فيما يتعلق بالاستعداد للمشاركة في مختلف المؤسسات المدنية والخيرية غير المسلمة الموجودة بالمجتمع الأمريكية مثل منظمات الخدمات الاجتماعية (97%) والمؤسسات السياسية (95%)، وأنشطة الحوار بين أبناء الأديان المختلفة (90%) ومساندة المرشحين السياسيين غير المسلمين ماليا (87%) والمطالبة بدور أكبر للدين وللقيم الاجتماعية في الحياة العامة الأمريكية (85%)

وإن كان الرجال – كما يوضح الاستطلاع – يبدون أكثر تحمسا مقارنة بالنساء فيما يتعلق بالمشاركة في مؤسسات الخدمات الاجتماعية والمؤسسات السياسية ومساندة المرشحين السياسيين المعتدلين

(ج) التوجه نحو عدد هام من السياسات الاجتماعية الداخلية

لا توجد فروق واضحة بين النساء والرجال فيما يتعلق بمواقفهن تجاه عدد من السياسات الاجتماعية الداخلية الهامة وعلى رأسها توفير الرعاية الصحية للجميع (96%)، ومكافحة التصنيف العنصري (95%)، وزيادة الدعم لأنشطة ما بعد انتهاء اليوم الدراسي التعليمية (94%)، وتشديد قوانين حماية البيئة (94%)، وزيادة الدعم للفقراء (92%)، وزيادة الإعفاءات الضريبية على الدخول (65%)، ومعارضة الاعتراف القانوني بزواج المثليين جنسيا (79%)

على الجانب الأخر تبدو النساء أكثر دعما لعدد من السياسات الاجتماعية مقارنة بالرجال وعلى رأس هذه السياسات تشديد قوانين حظر بيع الأسلحة (85% للنساء – 78% للرجال)، وحظر بيع وعرض المواد الإباحية (79%-74%)، ومعارضة تشديد قوانين مكافحة الإرهاب (66%-71%)، ومعارضة إرسال مزيد من الجنود الأمريكيين إلى العراق (82%-79%)

في حين يبدي الرجال مواقف أكثر تأييدا مقارنة بمواقف النساء تجاه عدد من السياسات الاجتماعية الهامة وعلى رأسها إقرار عقوبة الإعدام على المتهمين بالقتل (66%-54%)، وتشديد قوانين حظر الإجهاض (57%-53%)، ودعم أبحاث الاستنساخ (34%-21%)

ثالثا: مشاركة المرأة المسلمة في الحياة والمؤسسات الدينية

تشير نتائج الاستطلاع إلى أن النساء أكثر مواظبة على أداء الصلوات الخمس (54%) مقارنة بالرجال (45%) وبالمتوسط العام (49%)، وإلى أن النساء يشعرن بأن الدين الإسلامي يلعب دورا شديد الأهمية في حياتهن اليومية بنسبة (85%) أكبر من الرجال (79%) ومن المتوسط العام 82%، كما تشارك النساء الرجال في إدارة الأنشطة التي تقوم بها المساجد بعد الصلوات، ويبلغ المتوسط العام لمشاركة المسلمين في هذه الأنشطة 43%، كما تمتلك النساء نظرة أكثر إيجابية لقيادات المساجد الدينية (66%) مقارنة بالرجال (58%) ومقارنة بالمتوسط العام (61%)

ولكن على النقيض يقل حضور النساء للمساجد بشكل منتظم (مرة واحدة أسبوعيا على الأقل) بدرجة ملحوظة (42%) مقارنة بالرجال (63%) وبالمتوسط العام (54%)

رابعا: موقف المرأة المسلمة من تبعات أحداث سبتمبر

وفقا لمؤشرات مختلفة تبدو النساء المسلمات أكثر تضررا من التبعات السلبية لأحداث سبتمبر 2001 على حقوق وحريات مسلمي أمريكا، كما تبدو المرآة المسلمة أكثر رفضا لسياسات الإدارة الأمريكية بعد تلك الأحداث كما تبدو النساء أيضا أكثر استياء من موقف المجتمع الأمريكي العام نحو الإسلام والمسلمين

إذ تشعر 66% من النساء المسلمات بعدم الرضا العام عما يدور بالمجتمع الأمريكي مقارنة بنسبة 62% من الرجال، كما ترى 42% من النساء أن الحرب الأمريكية على الإرهاب هي حرب على الإسلام في حين لا يوافق على هذا الرأي سوى 36% من الرجال ونسبة 38% في المتوسط العام، كما تعارض 60% من النساء الحرب على أفغانستان مقارنة بنسبة 48% من الرجال وبنسبة 53% في المتوسط العام، وترى 12% فقط من النساء أن مكاسب الحرب على العراق تتناسب مع خسائرها مقارنة بنسبة 18% من الرجال

فيما يتعلق بالتمييز ضد المسلمين ذكرت نسبة أكبر من النساء (64%) مقارنة بالرجال (52%) أنهن يعرفن أصدقاء وأسر تعرضوا للتمييز بعد أحداث سبتمبر، وعلى نفس الخط تقل نسبة النساء اللاتي يعتقدن بأن الأمريكيين يحترمون المسلمين ويتعاملون معهم باحترام لتصل إلى 27% مقارنة بنسبة 36% لدى الرجال

أهم النتائج

الإحصاءات السابقة تشير إلى عدد من الحقائق الهامة المتعلقة بمستوى وأسباب مشاركة المرأة المسلمة في الجوانب المختلفة من حياة المجتمعات المسلمة بالولايات المتحدة، وعلى رأس هذه الحقائق ما يلي

أولا: المرأة المسلمة في الولايات المتحدة هي شريك واضح للرجل ولا توجد فروق واضحة بينهما في العديد من مظاهر المشاركة في الحياة السياسية والمدنية والاجتماعية، فهما يعانيان معا من نفس أسباب القصور ويتساويان إلى حد كبير في مظاهر المشاركة الإيجابية

ثانيا: المرأة المسلمة أكثر تمسكا بتعاليم الإسلام مقارنة بالرجل كما أنها أكثر شعورا لما يتعرض له الإسلام والمسلمون من تشويه وتمييز مقارنة بالرجل، وربما يفسر هذا ميل المرأة المسلمة الواضح مقارنة بالرجل إلى التركيز على قضايا الداخل مقارنة بقضايا السياسة الخارجية، كما تميل المرأة المسلمة لدعم السياسات الاجتماعية ذات الطبيعة الليبرالية وعلى رأسها تشديد قوانين حظر بيع الأسلحة ومعارضة تشديد قوانين مكافحة الإرهاب ومعارضة إرسال مزيد من الجنود الأمريكيين إلى الحروب

ثالثا: المرآة المسلمة أقل مشاركة مقارنة بالرجل في مؤسسات المجتمع الأمريكي غير المسلمة خاصة السياسية والمهنية منها، كما أنها لا تذهب إلى المساجد بنفس نسبة ذهاب الرجل وتفتقد للقدرات المالية التي يمتلكها الرجل، ولكنها في نفس الوقت تشارك بدرجة متساوية في إدارة أنشطة وبرامج المساجد خاصة البرامج المتعلقة بتربية النشئ والشباب، وهي أيضا أكثر قدرة على التبرع بوقتها وأكثر مشاركة في الأنشطة ذات الطبيعة الاجتماعية والتعليمية الخيرية

رابعا: تبرز النتائج السابقة الحاجة إلى تشجيع المرأة المسلمة على القيام بعدد من الأدوار الهامة التي تعاني من القصور فيها وعلى رأسها توعية المرأة المسلمة بأهمية المشاركة السياسية وبأهمية أن تقوم الأم والمرأة المسلمة بتشجيع أسرتها على المشاركة في الحياة السياسية وفي الحياة العامة الأمريكية، فعدم تحفز المرأة المسلمة على القيام بهذه المهمة – والذي كشف عنه الاستطلاع – يمثل مصدرا للقلق خاصة في حالة تزايد عدم تحفز المرأة المسلمة لقضية المشاركة السياسية وتأثير هذه الظاهرة على الجيل الثاني من المسلمين الأمريكيين

هناك أيضا حاجة لتشجيع المرأة المسلمة على المشاركة في أنشطة مؤسسات المجتمع المدني الأمريكي غير المسلمة، ويمكن القول بأن هناك فرصة كبيرة لتشجيع مشاركة المرأة المسلمة في عدد من هذه المؤسسات خاصة المؤسسات المعنية بتربية النشء ومساعدة الأسر المهاجرة ومساندة الأقليات

يجب أيضا تشجيع المرأة المسلمة على المشاركة في الحياة الدينية للمسلمين الأمريكيين خاصة فيما يتعلق بتشجيع المرأة المسلمة على زيارة المساجد وحضور الدروس الدينية والتعلم وتعليم أبنائها، ويجب هنا الإشارة إلى الدور المتزايد الذي تلعبه الأم المسلمة كمصدر أول لتربية أطفالها تربية إسلامية صحيحة، فالأم بطبيعتها تمثل مدرسة أسرتها وأطفالها الأولى، كما أن الأسر المسلمة المقيمة في الغرب تفتقر للمؤسسات والبيئة الإسلامية الكافية التي قد تساعد على تربية النشء، الأمر الذي يزيد من الدور المفترض أن تقوم به الأم المسلمة في هذا المجال

بقى لنا أن نشير إلى أن التوجه العام في الأوساط المسلمة الأمريكية في الوقت الراهن يدفع باتجاه تشجع مشاركة المرآة المسلمة بشكل أكثر فعالية وكثافة في مختلف أوجه حياة المسلمين الأمريكيين، ويبدو أن النساء المسلمات قطعن شوطا كبيرا على طريق المشاركة خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يجعلنا نتوقع أن يشهد المستقبل القريب مشاركة أكبر للمرآة المسلمة في مختلف أوجه حياة مسلمي أمريكا بشكل قد يفوق الرجل على مستويات عديدة

Sunday, December 05, 2004

تحديات داخلية أمام جهود أمريكا لتحسين صورتها
بقلم: علاء بيومي

الناشر:
جريدة الرياض، 5 ديسمبر 2004

نص المقال

التقرير الذي أصدرته حديثاً لجنة علم الدفاع التابعة للبنتاجون بخصوص جهود أمريكا لتحسين صورتها في العالم كشف بشكل غير مسبوق عن المعوقات الداخلية التي تواجه المسئولين الأمريكيين الساعين خلال الفترة الراهنة، ويمكن تحديد هذه المعوقات في مثلث أساسي ضلعه الأول هو ضعف قدرة إدارة جورج دبليو بوش على قيادة جهود تحسين صورة أمريكا، وضلعه الثاني هو سياسات أمريكا في العالم الإسلامي ذات التأثير العكسي، أما ضلعه الثالث فهو عجز الإدارة الأمريكية عن تعريف الحرب على الإرهاب وأهدافها لأكبر مسئوليها
فيما يتعلق بدور القيادة الأمريكية كشف التقرير عن ضعف الدور الذي قام به الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وكبار مساعديه في تعبئة جهود الولايات المتحدة لتحسين صورتها في العالم بعد 9/11، فالإدارة الأمريكية - كما يرى التقرير - اكتفت ببعض التعديلات السطحية والمحدودة التي اتخذتها بعد أحداث سبتمبر وخلال الحرب على العراق مثل تأكيد الرئيس الأمريكي خلال خطاباته على أن الحرب على الإرهاب ليست حرباً على الإسلام، وإطلاق بعض وسائل الإعلام الموجّه للخارج كراديو سوا وتلفزيون الحرة، ومحاولة التحكم في نوعية الأخبار المرسلة من العراق من خلال إرسال بعثات إعلامية مرافقة للجنود الأمريكيين
على الجانب الآخر والأهم عجزت إدارة بوش عن إحداث تغييرات هيكلية أو هامة في الأسلوب أو المؤسسات المعنية بتحسين صورة أمريكا في العالم، كما غاب دور وزارة الخارجية في القضية ذاتها حتى أن منصب نائب وزير الخارجية لشئون الدبلوماسية العامة ظل خالياً لمدة سنتين من بين الأعوام الأربعة الأولى من عمر إدارة بوش، فالنائبة الأولى شارلوت بيرز تركت منصبها بعد 18شهراً، والنائبة الثانية مارجريت تيتويلر تركت منصبها بعد ستة شهور، أما وزارة الدفاع فقد أنشأت مكتباً للإعلام الاستراتيجي في اكتوبر 2001م ثم أغلقته في فبراير 2002م بعد أن اتهم بعض المسئولين الحكوميين الأمريكيين المكتب بأنه ينوي توزيع معلومات كاذبة للإعلام الدولي مما قد يعود بالسلب على مصداقية أمريكا المتدهورة
إضافة إلى ذلك غاب التنسيق بين مؤسسات الحكومة الأمريكية المعنية بالأمر، فلم توجد هيئة واحدة - كما يوضح التقرير - معنية بالتخطيط الاستراتيجي والتنسيق بين الإدارات وتقييم جهود تحسين صورة أمريكا في العالم، كما تركت الهيئات المعنية بالتخطيط الاستراتيجي وإجراء بحوث الرأي العام داخل وزارة الخارجية الأمريكية بميزانيات وسلطات محددة للغاية، أكثر من ذلك لم تتعد ميزانية حملة أمريكا لتحسين صورتها أكثر من 1.2بليون دولار أمريكي، وهو ما يعادل - كما أبرز التقرير - أقل من ربع الواحد في المائة من ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية
فيما يتعلق بسياسات الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط أكد التقرير منذ بدايته على قضية أساسية وهي أن جهود أمريكا لتحسين صورتها تمر بأزمة ومعوقات عديدة ولكن هذه المشاكل والمعوقات ليست الأسباب الوحيدة المسئولة عن تردي صورة أمريكا في العالم بما في ذلك أوروبا والدول الغربية، لذا ذكر التقرير على أن تحسين صورة أمريكا لن يتحقق عن طريق توزيع مزيد من المعلومات أو صياغة رسائل إعلامية أفضل للعالمين العربي والإسلامي، لأن المشكلة الأساسية هي مشكلة "مصداقية"
وهنا تحدث التقرير بوضوح غير مسبوق عن أن "سياسات أمريكا تجاه قضايا الإسرائيليين والفلسطينيين والعراق في عامي 2003و 2004 دمرت مصداقية أمريكا وقدرتها على الإقناع"، وقال التقرير: "إن تدخل أمريكا المباشر في العالم الإسلامي أدى بشكل مركب إلى تصعيد مكانة المتطرفين والتأييد الذي يحصلون عليه في العالم الإسلامي، في الوقت الذي أدى فيه إلى تراجع صورة أمريكا في أوساط الجماهير المسلمة والعربية، كما ساعدت سياسات أمريكا منذ 9/11على نشر شبكات الإرهاب والجماعات الإرهابية

أما المشكلة الثانية التي تواجه مصداقية أمريكا في المنطقة فهي حديث الإدارة الأمريكية المستمر عن قضية نشر الديمقراطية والحرية في العالم الإسلامي، وذكر التقرير أن الشعوب المسلمة والعربية تنظر إلى حديث أمريكا عن نشر الديمقراطية على أنه نوع من "النفاق" الهادف إلى خدمة مصالح أمريكا الذاتية

أما الضلع الثالث والأهم من ضلوع مثلث المشاكل الداخلية التي تواجه حملة أمريكا لتحسين صورتها في العالم فهو يتعلق بعجز المسئولين
الأمريكيين عن نشر تعريف محدد للحرب على الإرهاب وهدف هذه الحرب والذي تصب فيها جهود أمريكا لتحسين صورتها في العالم
حيث أكد التقرير في بدايته على أن الحرب على الإرهاب أصبحت تمثل الإطار المعرفي العام الذي يتم من خلاله الحديث عن دراسة وتقييم والتخطيط لجهود أمريكا لتحسين صورتها في العالم ضمن ما يسمى بحرب الأفكار، فالحرب على الإرهاب - كما يذكر التقرير - حلت لدى الكثيرين محل الحرب الباردة. ولكن التقرير أظهر بشكل متكرر عدم وجود تعريف واضح - لدى المسئولين الأمريكيين المعنيين بتحسين صورة أمريكا في العالم - للحرب على الإرهاب وأهدافها وهوية العدو الذي تواجهه أمريكا حتى أن التقرير نفسه استخدم في جملة واحدة أربعة ألقاب شائعة - وإن كانت غامضة ومختلفة - لوصف الجماعات التي تحاول أمريكا هزيمتها في حربها ضد الإرهاب إذا وصفهم على أنهم "متطرفون، مسلحون، إسلاميون، وجهاديون"، دون أن يقدم تعريفاً دقيقاً لكل مصطلح والفروق التي تفصله عن المصطلح الآخر، وعن صورة المسلم المعتدل الذي لا يمثل مشكلة لأمريكا

لذا سعى التقرير لتقديم فهمه الخاص لهدف أمريكا في الحرب على الإرهاب، وهنا يمكن القول إن التقرير قلل بشكل ملحوظ من أهمية هزيمة الجماعات المتطرفة كالقاعدة للفوز بالحرب على الإرهاب، فالتقرير يرى أن المشكلة الأساسية تتعلق بعلاقة أمريكا بالعالم الإسلامي، فالعالم الإسلامي - كما يرى التقرير - يمر منذ فترة بعمليات تحول وإحياء وتغيير تاريخية كبرى، والقوى الأكثر تأثيراً في هذا التحول هي القوى الإسلامية، حتى أن التقرير قسم المجتمعات المسلمة في علاقتها بأمريكا إلى خمس فئات أساسية وهي: النظم، والنخب غير الملتزمة بقضايا معينة، والطبقة الكبيرة المتعاطفة مع الإسلاميين، والإسلاميين أنفسهم، ثم الإسلاميين الراديكاليين الذين تحاربهم أمريكا، كما ذكر التقرير أن الإسلاميين الذين لا يؤمنون باستخدام العنف ويؤمنون بالتسامح والتعددية هم "مركز الجاذبية الحقيقي في العالم الإسلامي اليوم"، لذا رأى التقرير أن هدف أمريكا الأساسي يجب أن يركز على التأثير على نظرة حركات الإصلاح والتغيير الإسلامية بالعالمين العربي والإسلامي لأمريكا والتأكد من رؤى هذه الجماعات لن تكون معادية للولايات المتحدة

لذا نصح التقرير المسئولين الأمريكيين بأهمية النظر إلى فئات المجتمع الإسلامي نظرة مركبة تتدارك الفروق الموجودة بين طبقات المجتمعات الإسلامية المختلفة وتوجيه رسائل إعلامية مختلفة لكل فئة تتناسب مع حجم تعاطفها مع الولايات المتحدة، هذا إضافة إلى علاج مشاكل السياسة الأمريكية، كما قدم التقرير عددا كبيرا من النصائح المتعلقة بتشجيع دور الإعلام الأمريكي الخاص في حملة أمريكا لتحسين صورتها في العالم، وكذلك تفعيل دور الإدارة الأمريكية القيادي في الحملة والاستعانة بوسائل الاتصالات المتقدمة في هذه الجهود

وفي الخاتمة يجب طرح سؤال هام بخصوص ما إذا كانت الإدارة الأمريكية سوف تستفيد من هذا التقرير ومضامينه الهامة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن إجابة مؤلفي التقرير أنفسهم على هذا السؤال، إذ أبدى التقرير تشاؤم واضعيه من دور الدراسات ومؤسسات الأبحاث الحكومية في توجيه آراء صناع القرار وتعديل سياساتهم ومواقفهم، إذ أكد التقرير على أن "نتائج الأبحاث لا تستخدم بشكل كاف في صياغة وترويج السياسات"، كما أن صناع السياسات والدبلوماسيين والقادة العسكريين لا يقدرون في الغالب أهمية الإنصات للباحثين، كما أنهم نادراً ما يطلبون الإطلاع على الأبحاث والدراسات التي في الغالب ما تصلهم متأخرة

Friday, December 03, 2004

تحول المسلمين الأمريكيين نحو اليسار ونحو الداخل: مظاهر وأسباب
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر: صحيفة الحياة اللندنية، 3 ديسمبر 2004، ص 15

نص المقال

بعيدا عن انتخابات الرئاسة الأمريكية كشفت أحدث الدراسات الخاصة بتوجهات مسلمي أمريكا السياسية عن وقوع ثلاثة تحولات سياسية هامة في أوساطهم، التحول الأول هو توجههم الواضح نحو مزيد من الاهتمام بقضايا الداخل، والتحول الثاني هو تقاربهم المتزايد من اليسار الأمريكي، أما التحول الثالث فهو حسمهم لقضية المشاركة السياسية في صالح مزيد من المشاركة

فيما يتعلق بالاهتمام بقضايا الداخل دأب بعض المحللين على الإشارة إلى مسلمي أمريكا على أنهم مجموعة من المهاجرين الجدد المشغولين بقضايا أوطانهم الأصلية وشئون السياسية الخارجية والمغيبين عن شئون بلدهم الجديد والقضايا التي تشغل المواطن الأمريكي

وقد سئل استطلاع لأراء مسلمي أمريكا السياسية - أجراه مؤخرا مركز أبحاث مسلم أمريكي تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية - المشاركين فيه عن القضايا الأكثر تأثيرا على أصواتهم، وردا على السؤال ذكر 44 % من الناخبين المسلمين الأمريكيين أن القضايا الداخلية هي العامل الأكثر تأثيرا على أصواتهم، مقارنة بنسبة 34 % من الناخبين رأوا أن القضايا الخارجية هي العامل الأهم بالنسبة لهم، وعندما سئل المشاركون في الاستطلاع عن أهم التحديات التي تواجه المسلمين الأمريكيين في الفترة الحالية جاءت قضية الحقوق المدنية في المرتبة الأولى بنسبة 28 % من أصوات المشاركين في الاستطلاع، تلتها قضية العنصرية بنسبة 24 %، ثم قضية المشاركة في التيار العام الأمريكي بنسبة 11 %، أما قضايا السياسة الخارجية فقد حلت رابعة بنسبة 8 % فقط، وتشير هذه الإحصاءات بوضوح إلى وجود تيار عام في أوساط المسلمين الأمريكيين ينادي بمزيد من الاهتمام بشئون الداخل

التحول الثاني دفع بالمسلمين الأمريكيين بعيدا عن اليمين الأمريكي ونحو مزيد من التقارب مع اليسار، ومن المعروف أن نسبة لا يستهان بها من المسلمين الأمريكيين أيدوا الحزب الجمهوري واليمين الأمريكي بشكل تلقائي وتقليدي بسبب أجندة اليمين الأمريكي المحافظة أخلاقيا واجتماعيا، وقد ظهر هذا التوجه واضحا في عام 2000 حين عبر ربع المسلمين الأمريكيين تقريبا عن تأييدهم للحزب الجمهوري كما ساند غالبية المسلمين الأمريكيين ومنظماتهم المرشح الجمهوري للرئاسة جورج دبليو بوش في انتخابات عام 2000 الرئاسية

على النقيض أظهرت الاستطلاعات الحديثة تأييد غالبية المسلمين الأمريكيين (أكثر من 70 %) للمرشح الديمقراطي جون كيري، بل كشفت الاستطلاعات عن تحول المسلمين بعيدا عن الحزب الجمهوري نفسه، إذ عبر 50 % من المسلمين الأمريكيين عن انتمائهم للحزب الديمقراطي، بينما تراجعت نسبة المسلمين الأمريكيين الذين يشعرون بالانتماء إلى الحزب الجمهوري إلى 12 %، كما ظهر هذا التقارب واضحا على صعيد المنظمات المسلمة الأمريكية التي أنفقت جزءا كبيرا من نشاطها في الأعوام الأربعة السابقة في توثيق علاقتها مع عدد من المنظمات المحسوبة على اليسار الأمريكي وعلى رأسها جماعات الحقوق المدنية ومنظمات الأقليات الأفارقة والأمريكيين من الأصل اللاتيني وجماعات السلام الأمريكية

التحول الثالث دفع بمسلمي أمريكا نحو مزيد من المشاركة في الحياة السياسية الأمريكية، فعلى مدى عقد التسعينات أنفقت المنظمات المسلمة الأمريكية جزءا لا يستهان من مواردها لتوعية المسلمين الأمريكيين بأهمية المشاركة السياسية ولإزالة العوائق الثقافية والفكرية المختلفة التي تحول بين المسلمين وبين النشاط السياسي، فعلى سبيل المثال كان بعض الفئات المسلمة الأمريكية تعتقد أن المشاركة في الحياة السياسية بالمجتمع الأمريكي هي أمر غير مجدي أو غير محبب من قبل الدين الإسلام، وبعد وقوع أحداث سبتمبر 2001 توقع بعض المراقبين أن تدفع الضغوط التي تلتها المسلمين الأمريكيين نحو مزيد من العزلة والعزوف عن المشاركة

ولكن نشاط المسلمين الأمريكيين غير المسبوق في انتخابات عام 2004 اثبت عدم صحة النظرية السابقة، إذ أشارت الاستطلاعات إلى إن نسبة الراغبين في المشاركة السياسية في أوساط مسلمي أمريكا قبيل الانتخابات بلغت 93 %، كما أن نسبة العازمين على التصويت بين الناخبين المسلمين تبلغ 95 % وهي بدون شك نسب مرتفعة

كما بذلت منظمات المسلمين الأمريكيين جهودا ملحوظة لتسجيل أكبر عدد من الناخبين المسلمين الأمريكيين في السجلات الانتخابية الأمريكية على مدى العامين السابقين، كما قامت بعض المنظمات بنشاط كبير لحث آلاف الناخبين المسلمين الأمريكيين بولايتي أوهايو وفلوريدا – الهامتين في الانتخابات السابقة – على الخروج للتصويت، وشكلت عشرة من أكبر منظمات المسلمين الأمريكيين السياسية والمعنية بالشئون العامة تحالفا أعلن في الحادي والعشرين من أكتوبر الماضي تأييده لمرشح الديمقراطي للرئاسة جون كيري

ويجب هنا الإشارة إلى أن مسلمي أمريكا لم يترجموا بعد رغبتهم العارمة في المشاركة السياسية إلى المستوى المطلوب من المشاركة السياسية المؤسساتية، ونعني بذلك أن مسلمي أمريكا مازالوا يفضلون المشاركة في الحياة السياسية خارج الأطر المؤسساتية، فهم – كما تشير الدراسات - يهتمون بالشئون السياسية (بنسبة تفوق 90%)، وينشطون في مجال الكتابة إلى السياسيين والإعلام (54%)، وحضور المظاهرات السياسية (46%)، ولكن – على الجانب الأخر – تبدو مشاركتهم في المؤسسات السياسية منخفضة كما يظهر في بعض النواحي مثل التبرع بأموالهم وأوقاتهم للمرشحين السياسيين (35%) والمشاركة النشطة في الأحزاب السياسية (24%) أضف إلى ذلك قلة عدد منظماتهم النشطة في المجال السياسي بشكل لا يتناسب بأي حال من الأحوال مع أعدادهم ومستواهم التعليمي، إذ تشير الدراسات إلى أن للمسلمين الأمريكيين أكثر من 60 منظمة معنية بالشئون السياسية والعامة، ولكن أكثر من 90% من هذه المنظمات هي منظمات صغيرة ذات تأثير محدود

بقى لنا أن نشير إلى أربعة أسباب رئيسية نعتقد أنها وقفت وراء هذه التحولات الهامة

السبب الأول هو تأثير المسلمين الأفارقة الأمريكيين على توجهات مسلمي أمريكا بشكل عام، فمن المعروف أن ثلث المسلمين الأمريكيين هم من الأفارقة الأمريكيين، ومعروف عن الأفارقة الأمريكيين ميلهم للحزب الديمقراطي ولليسار الأمريكي، كما أنهم أكثر اهتماما بقضايا الداخل مقارنة بالمسلمين المهاجرين لكون الأفارقة الأمريكيين هم من أهل البلاد الأصليين كما يأتي غالبيتهم من أوساط متوسطة وفقيرة، لذا يبدو الأفارقة الأمريكيون أكثر اهتمام بتركيز مواردهم للعمل على قضايا الداخل، وإذ أضفنا إلى هذه الملحوظة حقيقة هامة وهي الزيادة التدريجية لأبناء الجيل الثاني من المسلمين الأمريكيين واستقرار المهاجرين المسلمين التدريجي في الولايات المتحدة لتمكنا من تفسير بعض أسباب توجه مسلمي أمريكا نحو قضايا الداخل ونحو اليسار أيضا

السبب الثاني هو تبعات أحداث سبتمبر الخطيرة على حقوق المسلمين الأمريكيين المدينة، سواء فيما يتعلق بالقوانين التي تم سنها – مثل قانون باتريوت آكت لمكافحة الإرهاب لعام 2001، والإجراءات الأمنية التي اتخذت مثل اعتقال آلاف المسلمين والعرب المهاجرين بدون أدلة، والتمييز المستمر ضد المسلمين والعرب من قبل سلطات تنفيذ القانون، وبدون شك دفعت هذه العوامل المسلمين الأمريكيين نحو الشعور بأهمية التركيز على قضايا الداخل وأهمية زيادة نشاطهم السياسي دفاعا عن حقوقهم

العامل الثالث هو ردة فعل المجتمع الأمريكي نفسه تجاه المسلمين والعرب منذ أحداث سبتمبر، إذ يمكن القول أن تحول المسلمين الأمريكيين نحو اليسار هو في جزء كبير منه نوع من التأييد المتبادل لجماعات أمريكية ساندت مسلمي أمريكا بوضوح خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، وقد أتي معظم هؤلاء الحلفاء - كجماعات الحقوق المدنية وجماعات السلام والجماعات المنادية بحقوق الأقليات – من خلفيات يسارية وليبرالية أمريكية واضحة

في المقابل وقف اليمين الأمريكي موقف المنكر – والمساند في بعض الأحيان – لما تعرض له المسلمون الأمريكيون وقضاياهم من تمييز وما تعرضت له صورتهم من تشويه خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، إذ أشار استطلاع لتوجهات الشعب الأمريكي نحو الإسلام والمسلمين أصدره مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في أوائل شهر أكتوبر الحالي إلى أن المنتمين إلى التيار الأمريكي اليميني المحافظ أكثر استعدادا للاعتقاد في صور سلبية عن الإسلام والمسلمين مقارنة بالمنتمين إلى التيار الليبرالي، كما أدلت بعض قيادات اليمين المسيحي الأمريكي الدينية – مثل بات روبرتسون وفرانكلين جرام وجيري فالويل- وبعض قياداته السياسية والرسمية - مثل الجنرال وليام بويكين ووزير العدل الأمريكي جون أشكروفت والنائب الجمهوري توم دلاي – بدلوها في موجة التعصب والكراهية والتشويه التي تعرض لها الإسلام والمسلمون منذ أحداث سبتمبر
العامل الرابع والأخير الذي نود الإشارة إليه هو دور المسلمين الأمريكيين أنفسهم ومنظماتهم في الإسراع بعجلة تحولهم الداخلي، ويبدو هنا أن المسلمين الأمريكيين مروا بكثير من التحولات السياسية منذ مطلع التسعينات والذي شهد نشأة منظماتهم السياسية، فمنذ ذلك الحين والمسلمين الأمريكيين يتوجهون أكثر فأكثر نحو المشاركة السياسية ونحو مزيد من الاهتمام بقضايا الداخل، ونحو مزيد من التقارب مع القوي السياسية المختلفة بالولايات المتحدة، وفي عام 2004 بات واضحا أن المسلمين الأمريكيين أصبحوا جماعة ذات خصائص جديدة تختلف بشكل واضح عن كثير من الصور النمطية التي كانت شائعة عنهم في الماضي والتي حاولت تصويرهم على أنهم جماعات مهاجرة ضعيفة الصلة بواقعها الجديد، وقد كتبنا مقالنا هذا بغرض توضيح بعض مظاهر هذا التغيير وكذلك رصد بعض خصائص صورة المسلمين الأمريكيين السياسية الراهنة

Tuesday, November 09, 2004

ماذا يعني فوز بوش وخسارة كيري للمسلمين الأمريكيين؟
مقال بقلم: علاء بيومي

التاسع من نوفمبر 2004

نص المقال

فوز الرئيس الحالي جورج دبليو بوش بالانتخابات الأمريكية يمثل بدون شك خسارة لجميع الجماعات والكتل الانتخابية التي ساندت المرشح الديمقراطي للرئاسة جون كيري بما في ذلك المسلمين الأمريكيين والحزب الديمقراطي وغالبية الأفارقة الأمريكيين ونسبة كبير من اليهود والأسبان الأمريكيين وأعضاء اليسار الأمريكي بشكل عام

وهنا يثار السؤال حول حجم الخسارة التي تعرض لها المسلمون الأمريكيون بسبب مساندتهم لكيري الخاسر ضد بوش المنتصر، وهل تختلف خسارة المسلمين الأمريكيين عن خسارة غيرهم من الجماعات الأمريكية التي صوتت لجون كيري؟

لو حاولنا التفكير في هذا السؤال بعقلانية، لوجدنا أن تبعات خسارة بوش على الجماعات التي ساندته تختلف وفقا لمدي قوة هذه الجماعات أو ضعفها، مما يدفعنا إلى تساؤل منطقي عن مصادر قوة وضعف المسلمين الأمريكيين في الانتخابات الراهنة

فيما يتعلق بمصادر قوة المسلمين الأمريكيين السياسية اعتمد المسلمون الأمريكيون هذا العام على عدة عوامل أساسية أولها زيادة رغبة الناخب المسلم الأمريكي في التصويت والتي وصلت إلى 95%، والعامل الثاني هو وحدة المسلمين الأمريكيين السياسية والتي أظهرت الاستطلاعات أنها تصل إلى 70 %، والعامل الثالث هو ولاء المسلمين الأمريكيين الواضح لقضاياهم والذي دفع غالبيتهم إلى تغيير وجهة أصواتهم بعيدا عن الحزب الجمهوري ولصالح الحزب الديمقراطي خلال الانتخابات الأخيرة، أما العامل الرابع فهو تواجد المسلمين الأمريكيين الهام في عدد من الولايات الأمريكية الحرجة وعلى رأسها ولايتي أوهايو وفلوريدا، فعلى سبيل المثال اتصل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في الأسابيع الأخيرة بأكثر من 25 ألف ناخب مسلم أمريكي في ولاية أوهايو لحثهم على التصويت، كما أشارت بعض المصادر إلى وجود أكثر من 150 ألف مسلم في ولاية أوهايو الأمريكية، من بينهم أكثر من 50 ألف ناخب، وهي بدون شك أرقام هامة لابد وأن تكون قد تركت تأثيرها على انتخابات العام الحالي المتقاربة

فيما يتعلق بمصادر ضعف المسلمين الأمريكيين في الانتخابات الحالية، تشير الدراسات إلى أن مسلمي أمريكا لم يترجموا بعد رغبتهم العارمة في المشاركة السياسية إلى المستوى المطلوب من المشاركة السياسية المؤسساتية، ونعني بذلك أن مشاركة المسلمين السياسية "غير المؤسساتية" مرتفعة، وتظهر المشاركة "غير المؤسساتية" في عدة نواحي مثل الاهتمام بالشئون السياسية (أكثر من 90%)، والكتابة إلى السياسيين والإعلام (54%)، وحضور المظاهرات السياسية (46%)، وعلى الجانب الأخر تبدو مشاركة المسلمين السياسية "المؤسساتية" منخفضة كما يظهر في بعض النواحي مثل التبرع بأموالهم وأوقاتهم لمرشح سياسي (35%) والمشاركة النشطة في الأحزاب السياسية (24%) أضف إلى ذلك قلة عدد منظماتهم النشطة في المجال السياسي بشكل لا يتناسب بأي حال من الأحوال مع أعدادهم ومستواهم التعليمي، إذ تشير الدراسات إلى أن للمسلمين الأمريكيين أكثر من 60 منظمة معنية بالشئون السياسية والعامة، ولكن أكثر من 90% من هذه المنظمات هي منظمات صغيرة ذات تأثير محدود، كما يمكن أن نتحدث أيضا عن تفرق تبرعات المسلمين المالية للحملات الانتخابية، إذ يشير المراقبون إلى أن المسلمين الأمريكيين يتبرعون بملايين الدولارات الأمريكية للمرشحين والحملات السياسية، ولكن للأسف لا تصب هذه الأموال في صالح تقوية المسلمين الأمريكيين وقوتهم السياسية لأن تبرعات المسلمين الأمريكيين تبقى غير مرصودة وغير موحدة من قبل المنظمات المسلمة الأمريكية

ويجب علينا هنا أن نشير – دون التقليل من حجم هذه السلبيات – إلى أن المسلمين الأمريكيين قطعوا شوطا سياسيا طويلا منذ بداية عقد التسعينات والذي شهد صعودهم كقوى ومنظمات سياسية موحدة حتى الآن، فقد أنفقت المنظمات المسلمة الأمريكية جزءا لا يستهان من طاقتها خلال عقد التسعينات لتوعية المسلمين الأمريكيين بضرورة المشاركة السياسية، أما اليوم فقد أصبح التوجه نحو المشاركة واضحا وضوح الشمس في أوساط المسلمين الأمريكيين، وأصبح التحدي الحقيقي هو في تحويل هذه المشاركة إلى مشاركة مؤسساتية

لو كان كيري قد فاز لساعد فوزه على تشجيع مشاركة المسلمين الأمريكيين في مؤسسات الحزب الديمقراطي واليسار الأمريكي السياسية بشكل عام، فقد أظهر المسلمون الأمريكيون مؤخرا ميلا واضحا (50%) نحو الحزب الديمقراطي، في حين لا يميل للحزب الديمقراطي في أوساط المسلمين الأمريكيين حاليا سوى 12 % منهم فقط، كما أن فوز كيري كان سوف يضعف من شوكة بعض قيادات اليمين الأمريكي المتشددة ضد المسلمين وكان أيضا سوف يساعد على تخفيف الأعباء والضغوط المتزايدة التي تتعرض لها حقوق وحريات مسلمي أمريكا

فوز بوش بدون شك سوف يفرض على مسلمي أمريكا أعباء متزايدة سوف يتحملونها لتوضيح رؤاهم لليمين الأمريكي المتصاعد النفوذ، خاصة في ظل تصاعد تأثير اليمين المسيحي المتدين وبعض قياداته المتشددة في أوساط اليمين الأمريكي والحزب الجمهوري، وتبقى هنا حقيقة هامة تصب في صالح المسلمين الأمريكيين وهي أن مشاكل اليمين الأمريكي الحقيقية مثل التردي الأخلاقي بالمجتمع الأمريكي وتضخم مؤسسات الدولة وضعف القوة الاقتصادية الأمريكية النسبي أمام بعض القوى الدولية الصاعدة هي مشاكل ليس للإسلام أو للمسلمين دور فيها، بل أن المسلمين الأمريكيين يبدون حلفاء طبيعيين لليمين الأمريكي فيما يتعلق بالقضايا الأخلاقية والاجتماعية، كما أن الإسلام بكل تأكيد ليس عدوا للمسيحية أو للولايات المتحدة كما يحاول المحافظون الجدد وقادة اليمين المتشدد تصويره، وقد أدرك هذه الحقائق بعض قادة اليمين الأمريكي التقليدي من أمثال بات بوكانان والذي أفرد في كتابه الأخير "أين أخطأ اليمين" فصلا كاملة لدراسة الإسلام ولتعريف اليمين الأمريكي بالإسلام وبالتاريخ الإسلامي، كما دحض بوكانان في كتابه نظرية عداء الإسلام للمسيحية أو للولايات المتحدة

لذا علينا آلا نقع في فخ الانسياق وراء دعوات المنادين بالحروب الحضارية والدينية وبالعداء ببين الشرق والغرب وبين اليمين واليسار فمواقف المسلمين الأمريكيين واضحة وهدفهم الأساسي هو تحقيق العدالة والحرية والمساواة للجميع

ما يجب أن نخرج به من خبرة الانتخابات الراهنة هو خطة عمل علمية للمسلمين الأمريكيين تبني على مكامن قوتهم وتعالج نقاط ضعفهم، لذا يجب على مسلمي أمريكا إدراك المستويات العالية لنشاطهم السياسي ووحدتهم وولائهم لقضاياهم ولوجودهم المؤثر في بعض الولايات، والبناء على تلك الإيجابيات، أما هدفهم الأساسي والجانب الأكبر من طاقاتهم السياسية فيجب أن يذهب في السنوات الأربعة المقبلة نحو رفع مستويات مشاركتهم في الحملات الانتخابية والأحزاب السياسية في أوساط اليسار واليمين على حد سواء، فلمسلمي أمريكا كثير من الحلفاء في أوساط اليسار ينتظرون العمل معهم، وأمامهم الكثير من المؤيدين والأنصار المحتملين في أوساط اليمين الأمريكي الذي ينبغي عليهم الوصول إليهم وتعريفهم بقضاياهم

ما يزيد من شعورنا بالطمأنينة هو أن لمسلمي أمريكا ومنظماتهم خطة عمل واضحة لسنوات عديدة قادمة، وفي أوساطهم إصرار قوي على الاستمرار في مسيرتهم بغض النظر عما يواجههم من عقبات، ودعني أذكر الجميع بشعار رفعه غالبية المسلمين الأمريكيين خلال السنوات الأربعة الأخيرة بشكل تلقائي، وهو أن هدفهم الجماعي في المرحلة الحالية هو القيام بدرهم التاريخي للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم دفاعا ليس فقط عن أنفسهم ولكن أيضا عن مبادئ وقيم الولايات المتحدة التي جاء الدور عليهم للوقوف للدفاع عنها أسوة بالأقليات الأمريكية التي سبقتهم إلى سواحل الولايات المتحدة وإلى ساحة الدفاع عن هذه القيم والمبادئ الهامة

Tuesday, November 02, 2004

قضايا الناخب المسلم الأمريكي في انتخابات 2004
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر: جريدة الرياض، 2 نوفمبر 2004

نص المقال

حسمت أربعة قضايا أساسية وجهة الصوت المسلم الأمريكي في انتخابات 2004 ودفعته في مسار مساندة المرشح الديمقراطي للرئاسة جون كيري كما أعلن تحالف يضم أكبر منظمات المسلمين الأمريكيين السياسية في الحادي والعشرين من أكتوبر الحالي

القضايا الأربعة هي نفس القضايا التي شغلت قمة أولويات مسلمي أمريكا منذ بداية عقد التسعينات من القرن العشرين تقريبا وهي قضية الدفاع عن حقوق وحريات المسلمين المدنية، وقضية مكافحة ما تتعرض له صورة الإسلام والمسلمين من تشويه في الولايات المتحدة، وقضية تشجيع مشاركة المسلمين في السياسة الأمريكية، وقضية تحسين سياسة أمريكا تجاه العالمين العربي والإسلامي

هذه القضايا الأربعة الكبرى بدت مسيطرة على اهتمام مسلمي أمريكا ومنظماتهم خلال العقد الأخير من القرن العشرين، وما تغير في الفترة الحالية وخاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 هو تغيير ترتيب أولوية هذه القضايا مقارنة ببعضها داخل أجندة المسلمين الأمريكيين، إذ بات واضحا أن أحداث سبتمبر دفعت المسلمين الأمريكيين إلى إعطاء قضاياهم الداخلية مزيدا من الاهتمام نظرا لما باتوا يتعرضون له من ضغوط متزايدة تهدد استقرارهم الداخلي وقدرتهم على الدفاع عن مصالحهم المختلفة

وقد أشار استطلاع عن توجهات مسلمي أمريكا الداخلية أصدره مركز أبحاث مسلم أمريكي تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية في منتصف شهر أكتوبر 2004 إلى أن 44 % من الناخبين المسلمين الأمريكيين أصبحوا يعتبرون القضايا الداخلية هي العامل الأكثر تأثيرا على أصواتهم، مقارنة بنسبة 34 % يرون أن القضايا الخارجية هي العامل الأهم بالنسبة لهم، وعندما سئل المشاركون في الاستطلاع عن أهم التحديات التي تواجه المسلمين الأمريكيين في الفترة الحالية جاءت قضية الحقوق المدنية في المرتبة الأولى بنسبة 28 % من أصوات المشاركين في الاستطلاع، تلتها قضية العنصرية بنسبة 24 %، ثم قضية المشاركة في التيار العام الأمريكي بنسبة 11 %، وحلت قضايا السياسة الخارجية رابعة بنسبة 8 %

وقد بدا للمسلمين الأمريكيين – كما سنوضح في بقية هذا المقال – أن انتخاب المرشح الديمقراطي جون كيري رئيسا للولايات المتحدة هو الاختيار الأفضل لهم ولقضاياهم الأربعة السابقة للأسباب التالية

أولا: فيما يتعلق بقضايا الحقوق المدنية وهي أكثر قضايا مسلمي أمريكا أهمية في الفترة الراهنة فرصيد إدارة الرئيس جورج دبليو بوش لم يدع لدى المسلمين الأمريكيين شك في كونه ليس مرشحهم المفضل، فقد سنت إدارة بوش عدد من القوانين والسياسات والممارسات التي أضرت ضررا بالغا بحقوق وحريات مسلمي أمريكا

فبالنسبة للقوانين ألفت إدارة بوش قانون باتريوت آكت (قانون مكافحة الإرهاب لعام 2001) والذي رأت العديد من جماعات الحقوق المدنية أنه يتضمن انتهاكات واضحة للحريات الأمريكية خاصة فيما يتعلق بإضعاف رقابة القضاء على السلطة التنفيذية والسماح بمراقبة المشتبه فيهم والتجسس عليهم دون توافر أدلة كافية تثبت إدانتهم بجرم ارتكبوه

وعلى مستوى السياسات أقرت إدارة بوش عدد من السياسات الخطيرة مثل فرض التسجيل الإجباري على المهاجرين المسلمين، وتعقيد سياسات الهجرة، والتحقيق مع آلاف المهاجرين والمواطنين المسلمين والعرب، هذا إضافة إلى اعتقال حوالي خمسة آلاف مسلم وعربي في أعقاب أحداث سبتمبر دون توجيه تهم لهم

وقد أدت هذه القوانين والسياسات لممارسات تمييزية عديدة في حق مسلمي أمريكا مثل استهدفهم في المطارات والمبالغة في تفتيشهم واعتقال البعض منهم لفترات غير محددة دون توجيه تهم إليهم ودون السماح لهم بتوكيل محامين للدفاع عنهم وبدون حتى توفير معلومات عنهم لجماعات الحقوق المدنية أو حتى لأسرهم

ولذا أكدت حملة جون كيري في خطاب بعثت به للمسلمين الأمريكيين على أن كيري ينوي "إنهاء عهد جون أشكروفت" وهو وزير العدل الأمريكي الحالي والذي سنت القوانين والسياسات السابقة تحت إشرافه، كما تعهد كيري في حالة فوزه بأن يقوم بتعديل قانون باتريوت آكت وخاصة فيما يتعلق بحماية خصوصية الأفراد والحد من قدرة السلطات الأمنية على الحصول على معلومات الأفراد الشخصية دون توافر دليل كافي يستدعي ذلك، كما تعهد كيري بأن يشدد قوانين مكافحة التمييز العنصري وقوانين مكافحة جرائم الكراهية، وأن يدافع عن الحرية الدينية خاصة في أماكن العمل

كما تعهد كيري بزيادة رقابة الكونجرس على السياسات الأمنية التي أقرت منذ أحداث سبتمبر لتحديد أثرها على الحريات المدنية، كما أيد مبدأ إنهاء استخدام الأدلة السرية ضد المهاجرين والمواطنين على حد سواء، كما تعهد أيضا بأن يبطل سياسات الهجرة التي أقرتها إدارة بوش وفرضت أعباء مبالغ فيها على المهاجرين

أما بوش فقد سئل خلال المناظرة التلفزيونية الثانية عن تبعات قوانين مكافحة الإرهاب السلبية على الحقوق المدنية خلال عهده، فرد بالنفي ورفض الاعتراف بتعرض الحقوق المدنية بالولايات المتحدة لتراجع، ويحسب لبوش أنه يدين استخدام سلطات تنفيذ القانون للتصنيف العنصري في عملها، كما أنه أدلى بتصريحات إيجابية عن الإسلام والمسلمين الأمريكيين في أعقاب أحداث سبتمبر ساهمت في الحد من ردة فعل المجتمع الأمريكي السلبية ضد مسلمي أمريكا

ولكن من الواضح أن مواقف بوش الإيجابية في ساحة الحقوق المدنية لا تتناسب مع التبعات السلبية العديدة التي تركتها مواقف إدارته على حقوق وحريات مسلمي أمريكا خلال السنوات الأربعة الأخيرة

ثانيا: فيما يتعلق بمكافحة تشويه صورة الإسلام ومكافحة العنصرية ضد المسلمين في الولايات المتحدة، يمكن القول أن جزء كبير من جهود المسلمين على هذا الصعيد تتوجه للعمل على المستوي المحلي مع أكبر عدد من المواطنين الأمريكيين، فقد أثبت نتائج استطلاع أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) لتوجهات الرأي العام الأمريكي تجاه الإسلام والمسلمين وأصدره في أوائل شهر أكتوبر الحالي أن علاقات المواطن الأمريكي المباشرة بأصدقاء ومعارف مسلمين تمثل أحدى أقوى العوامل المؤثرة إيجابيا على رؤاه للإسلام وللمسلمين

وهذا لا يقلل من قدرة القيادات السياسية الكبرى كالرئيس وأعضاء الكونجرس وحكام الولايات على توجيه الرأي العام الأمريكي، ويحسب لبوش النداء الذي وجهه إلى المجتمع الأمريكي في السابع عشر من سبتمبر 2001 والذي طالب فيه المجتمع الأمريكي بالتفرقة بين مرتكبي أحداث سبتمبر الإرهابية من الإسلام والمسلمين من ناحية أخرى، موضحا أن الإرهابيين لا يمثلون الإسلام

ويضعف كفة بوش على هذا الصعيد حقيقة أن كبار المسيئين للإسلام والمسلمين خلال فترة حكمه كانوا من أبناء حزبه وإدارته مثل وزير العدل الأمريكي جون أشكروفت، والنائب توم دلاي زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس النواب، والجنرال وليام بويكين أو من خلفيات يمينية مسيحية معروفة - ومقربة إلي بوش في بعض الأحيان - مثل بات روبرتسون وفرانكلين جرام وجيري فالويل

في المقابل لم يمثل السياسيون الليبراليون وأصحاب التوجهات الليبرالية مصدرا واضحا لتشويه صورة الإسلام والمسلمين كما هو حال اليمين الأمريكي، إذ أشار استطلاع لتوجهات الشعب الأمريكي نحو الإسلام والمسلمين أصدرته كير في أوائل شهر أكتوبر الحالي إلى أن المنتمين إلى التيار الأمريكي اليميني المحافظ أكثر استعدادا للاعتقاد في صور سلبية عن الإسلام والمسلمين مقارنة بالمنتمين إلى التيار الليبرالي

ويعني هذا أن فوز جون كيري سوف يعني إضعاف الثقل السياسي لبعض قادة اليمين الأمريكي المسيئين للإسلام

ثالثا: فيما يتعلق بتشجيع مشاركة المسلمين الأمريكية في العملية السياسية الأمريكية، يجب هنا الإشارة إلى أن مواقف بعض قيادات اليمين الأمريكي المتعصبة ضد الإسلام والمسلمين وسياسات الإدارة الأمريكية الراهنة أدت إلى ما يشبه بهجرة جماعية للمسلمين الأمريكيين بعيدا عن الحزب الجمهوري، إذ أظهر استطلاع جامعة جورج تاون أن 50 % من المسلمين الأمريكيين أصبحوا ينظرون إلى الحزب الديمقراطي على أنه حزبهم المفضل في مقابل 12 % من المسلمين الأمريكيين مازالوا يشعرون بالانتماء إلى الحزب الجمهوري، هذا إضافة إلى انخفاض نسبة مؤيدي بوش في أوساط المسلمين الأمريكيين إلى 7 % أو أقل، بل أن نصف المسلمين الجمهوريين – كما يشير الاستطلاع – يؤيدون جون كيري

وقد انعكست هذه التوجهات على مشاركة المسلمين في الحملات الرئاسية، إذ شارك المسلمون والعرب الأمريكيون بحوالي ثمانين مندوبا في المؤتمر العام للحزب الديمقراطي، بينما لم يتعدى عددهم في المؤتمر العام للحزب الجمهوري نصف هذا الرقم، كما أن هناك مشاركة ملحوظة لبعض النشطاء المسلمين في حملة جون كيري نفسه هذا إضافة إلى التأييد التي تحظى به الحملة في أوساط المسلمين الأمريكيين والذي يتعدى نسبة 60 %، ويعني ذلك أن فوز كيري والحزب الديمقراطي في الانتخابات سوف يفتح الباب أمام مزيد من المسلمين الأمريكيين للمشاركة السياسية الفعالة، في حين أن فوز بوش سوف يعني زيادة شعور المسلمين السياسية بصعوبة المشاركة في مؤسسات صنع القرار وبأنهم مرفوضون من هذه المؤسسات

رابعا: فيما يتعلق بتحسين سياسة أمريكا تجاه العالمين العربي والإسلامي، تبدو مواقف كيري قريبة من بوش على هذا الصعيد أكثر منها فيما يتعلق بالقضايا الداخلية، فقد تبنى كيري العديد من السياسات التي أقرها بوش وعلى رأسها السعي لتغيير السلطة الوطنية الفلسطينية وعدم التعامل معها، بل أن كيري زايد على سياسة بوش تجاه عدد من الدول المسلمة والعربية وهي سوريا وإيران والسعودية

ويحسب لكيري هنا أمران أولهما رغبته في العمل مع القوى الدولية والإقليمية المعنية بقضايا الشرق الأوسط والتحالف معها، وهو أمر سوف يفرض عليه الاستماع للرؤية العربية نظرا لما يمتلكه العرب من تأثير ونفوذ وتعاطف في الأوساط الأوربية والدولية الأخرى، وذلك مقارنة ببوش الذي تبنى مبدأ العمل الانفرادي مفضلا عدم الإنصات لأحد في غزوه للعراق وفي تهميشه للقضية الفلسطينية، ولو استمع بوش لحلفاء أمريكا لأتاح لنفسه فرصة أكبر لمعرفة مكانة القضية الفلسطينية لدى المسلمين والعرب ولمعرفة العواقب الوخيمة لغزوه العراق

الأمر الثاني هو أن فوز كيري سوف يعني تراجع نفوذ المحافظين الجدد والقوي اليمينية المتشددة التي تمثل قواعد بوش الجماهيرية والتي تتميز رؤاها تجاه المسلمين والعرب بتعصب قائم على أبعاد دينية متشددة يصعب تغييرها – كما في حالة اليمين المسيحي المتشدد – أو على إيدلوجيات برجماتية شديدة الغرور وعدم المبالاة بالرأي العام العالمي – كما هو في حالة المحافظين الجدد

وفي حالة فوز كيري بالانتخابات فأن ذلك سوف يقوي شوكة النخب اليسارية والليبرالية والتي يأتي منها غالبية كبار السياسيين المساندين للمسلمين والعرب وقضاياهم الداخلية والخارجية في الكونجرس وفي الولايات والسلطات المحلية وفي المجتمع المدني.

وللأسباب السابقة مجتمعة يبدو جون كيري المرشح الأقرب لقضايا المسلمين الأمريكيين الرئيسية، ويبدو تصويتهم له أمرا أكثر منطقية

Monday, November 01, 2004

أهمية الصوت المسلم الأمريكي في انتخابات عام 2004
بقلم: علاء بيومي

نشر في 1 نوفمير 2004
نص المقال

يعتمد المسلمون الأمريكيون على أربعة عوامل رئيسية لترك بصمتهم واضحة على انتخابات الرئاسة الأمريكية المقرر عقدها في الثاني من نوفمبر المقبل، ولو تبلورت هذه العوامل لخرج مسلمو أمريكا فائزين من الانتخابات بغض النظر عما ستسفر عليه من نتائج

العامل الأول هو ارتفاع معدلات مشاركتهم في الانتخابات، إذ أشار أحدث استطلاع لتوجهات مسلمي أمريكا السياسية - والذي أصدره مركز أبحاث مسلم أمريكي تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية في منتصف شهر أكتوبر 2004 – إلى أن نسبة الرغبة في المشاركة السياسية في أوساط المسلمين الأمريكيين تتراوح بين 86-92 %، وأن نسبة الرغبة في التصويت في أوساط الناخبين المسلمين الأمريكيين وصلت إلى 95 %، وهي بدون شك نسب مرتفعة تفوق نسب التصويت والمشاركة السياسية في المجتمع الأمريكي ذاته

ويعود إقبال المسلمين الأمريكيين على المشاركة في الانتخابات الحالية إلى عدة عوامل على رأسها ارتفاع مستواهم التعليمي، ونشاط منظماتهم المتزايد خاصة منذ أحداث سبتمبر على صعيد نشر الوعي السياسي في أوساطهم، وكذلك تبعات أحداث سبتمبر 2001 وسياسات إدارة بوش السلبية العديدة على قضايا المسلمين الأمريكيين الداخلية وعلى قمتها قضايا الحقوق المدنية والخارجية وعلى رأسها قضيتي العراق وفلسطين

إذ أعرب 81 % من المشاركين في الاستطلاع السابق عن معارضتهم للحرب على العراق، كما ذكر 40 % منهم أنهم تعرضوا شخصيا للتمييز بعد أحداث سبتمبر 2001، وذكر 57 % منهم أن أحد أصدقائهم أو أقاربهم تعرض للتمييز

ولدى المسلمين الأمريكيين قائمة طويلة من قضايا الحقوق المدنية الداخلية التي يأملون أن يساعدوا على تغييرها من خلال مشاركتهم في الانتخابات القادمة وخاصة فيما يتعلق بتعديل قانون باتريوت آكت (قانون مكافحة الإرهاب لعام 2001)، والذي ترى العديد من جماعات الحقوق المدنية أنه يتضمن انتهاكات واضحة للحريات الأمريكية خاصة فيما يتعلق بإضعاف رقابة القضاء على السلطة التنفيذية والسماح بمراقبة المشتبه فيهم والتجسس عليهم دون توافر أدلة كافية تثبت إدانتهم بجرم ارتكبوه

وكذلك فيما يتعلق بتشديد قوانين مكافحة التمييز العنصري وتشديد قوانين مكافحة جرائم الكراهية، وإنهاء استخدام الأدلة السرية ضد المهاجرين والمواطنين على حد سواء، وإبطال بعض قيود الهجرة التي أقرتها إدارة بوش وفرضت أعباء مبالغ فيها على المهاجرين

العامل الثاني هو قدرة المسلمين الأمريكيين على التصويت ككتلة انتخابية واحدة، إذ دعا تحالف يضم عشرة من أكبر منظمات المسلمين الأمريكية السياسية والدينية وأخرى معنية بشئون الطلاب وبشئون الأفارقة الأمريكيين في الحادي والعشرين من أكتوبر 2004 مساندتها للمرشح الديمقراطي للرئاسة جون كيري، ودعا التحالف المسلمين الأمريكيين إلى "التصويت معا بعدد كبير ولهدف مشترك"، وذلك لصالح مرشحه المفضل، وذلك بهدف أن يحقق التحالف الإنجاز الذي حققه مسلمو أمريكا في عام 2000 عندما نجح تحالف من أربعة منظمات سياسية مسلمة أمريكية في بناء أول كتلة انتخابية مسلمة أمريكية

ومنذ ذلك الحين أصبحت قدرة المسلمين على توحيد جهودهم والتصويت ككتلة واحدة تمثل أحد أهم مظاهر قوتهم السياسية كما ظهر في تغطية العديد من وسائل الإعلام الأمريكية لنشاط مسلمي أمريكا السياسي خلال السنوات الأربعة الماضية، وكما ظهر أيضا من حرص المسلمين الأمريكيين أنفسهم على التصويت ككتلة انتخابية واحدة والتوحد خلف منظماتهم

إذ أعرب 53 % من المشاركين في الاستطلاع السابق عن اعتقادهم بأنه ينبغي على مسلمي أمريكا التصويت ككتلة واحدة في انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، وقال 69 % منهم أن تأييد تحالف المنظمات المسلمة الأمريكية لأي من مرشحي الرئاسة سوف يمثل عاملا هاما في التأثير على قراراهم بخصوص المرشح الذي سوف يصوتون له، كما أعرب 81 % منهم عن تأييدهم لأجندة تحالف المنظمات المسلمة المعني بالانتخابات وبالحقوق المدنية

وأظهر الاستطلاع نفسه حقيقة إضافية هامة بهذه الخصوص وهو زيادة الدور الذي تلعبه الهوية المسلمة في التأثير على قرارات مسلمي أمريكا السياسية، إذ ذكر 69 % من الناخبين المسلمين الأمريكيين أن قراراتهم بخصوص مرشحهم المفضل سوف تتأثر بحقيقة كونهم مسلمين

العامل الثالث هو تواجد المسلمين ونشاطهم الملحوظ في بعض السباقات الانتخابية الهامة والتي لم تحسم بعد لصالح أي من مرشحي الرئاسة الرئيسيين في الانتخابات الراهنة، وخاصة في ولايتي أوهايو وفلوريدا، ففي ولاية أوهايو على سبيل المثال فاز بوش على آل جور في انتخابات عام 2000 بفارق 165 ألف صوت، ويعيش في ولاية أوهايو حوالي 150 ألف مسلما، وفي ولاية فلوريدا فاز بوش على آل جور بفارق بسيط لا يتعدى مئات الأصوات، وقد أشارت وسائل الإعلام في ذلك الحين على أن مسلمي فلوريدا منحوا بوش أكثر من 50 ألف صوت.
وقد أعلن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) – وهو أكبر منظمات الحقوق المدنية المسلمة الأمريكية – عن تنظيمه لجهود مكثفة - في ولاية أوهايو حيث تتواجد ثلاث مكاتب لكير، وفي ولاية فلوريدا حيث يتواجد لكير مكتبان – لحشد أصوات الناخبين المسلمين ومساعدتهم على الخروج للتصويت بأكبر عدد ممكن في الثاني من نوفمبر القادم، وهي جهود حرصت على القيام بها مختلف منظمات المسلمين والعرب الأمريكيين خلال الفترة الأخيرة والتي شهدت حشدا لا بأس به للصوت المسلم والعربي الأمريكي

العامل الرابع هو ولاء المسلمين الأمريكيين لقضاياهم وقدرتهم على تغيير توجههم السياسي لخدمة هذه القضايا، فقد صوت غالبية المسلمين الأمريكيين لمرشح الحزب الجمهوري جورج دبليو بوش في انتخابات عام 2000، ولكن استطلاعات الرأي وتوجهات قادة ومنظمات مسلمي أمريكا تشير إلى حدوث تغيير كبير في وجهة أصواتهم خلال السنوات الأربعة الأخيرة ردا على سياسات إدارة الرئيس بوش السلبية في حقهم

إذ تشير الاستطلاعات إلى تأييد غالبية المسلمين الأمريكيين (أكثر من 70 %) لجون كيري، بل وإلى تحول المسلمين بعيدا عن الحزب الجمهوري نفسه والذي سانده المسلمون الأمريكيون تقليديا بسبب قيمه المحافظة على المستوى الأخلاقي، إذ أشار استطلاع جامعة جورج تاون إلى أن 50 % من المسلمين الأمريكيين أصبحوا ينظرون إلى الحزب الديمقراطي على أنه حزبهم المفضل في مقابل 12 % من المسلمين الأمريكيين مازالوا يشعرون بالانتماء إلى الحزب الجمهوري، هذا إضافة إلى انخفاض نسبة مؤيدي بوش في أوساط المسلمين الأمريكيين إلى 7 % أو أقل، بل أن نصف المسلمين الجمهوريين – كما يشير الاستطلاع – يؤيدون جون كيري

ويبدو أن نسبة لا يستهان بها من مسلمي أمريكا غيروا وجهتهم نحو اليسار بعيدا عن اليمين اعتراضا على سياسات بوش نفسه، إذ ذكر 32 % من المسلمين المؤيدين لكيري أنهم يؤيدونه اعتراضا على سياسات جورج دبليو بوش، وأكد تحالف المنظمات المسلمة الأمريكية على الأمر نفسه في البيان الذي أصدره لإعلان تأييده لجون كيري، إذ قال البيان "للأسف تميزت إدارة الرئيس بوش بعدم الحساسية تجاه حقوق وحريات المسلمين الأمريكيين ... يشعر المسلمون الأمريكيون بالاستياء تجاه عدد من السياسات الداخلية والخارجية التي أرستها إدارة الرئيس بوش منذ أحداث 11/9"
وهذا لا يعني أن معارضة بوش كانت السبب الوحيد لتأييد تحالف المنظمات المسلمة الأمريكية لجون كيري، إذ أشار التحالف في بيانه وفي مناسبات مختلفة إلى ما وجهه جون كيري من انتقادات لسياسات بوش خاصة على صعيد الحقوق المدنية، كما تعهدت حملة جون كيري للمنظمات المسلمة ببذل مزيد من الجهود على صعيد حماية الحقوق المدنية، وبذلت حملة جون كيري جهودا كبيرة لاجتذاب أصوات مسلمي أمريكا وقادتهم، وقد شارك في هذه الجهود سياسيون مخضرمون على رأسهم السيناتور إدوارد كيندي المعروف بمواقف المساندة لمسلمي أمريكا

يبقى هنا أن نؤكد على حقيقة هامة – كتبنا هذا المقال من أجل إبرازها - وهي أن قوة المسلمين الأمريكيين السياسية لا تعتمد على الفائز في انتخابات نوفمبر 2004 بقدر ما تعتمد على قدرتهم على زيادة معدلات مشاركتهم السياسية وتوحيد طاقاتهم وأصواتهم والتواجد المكثف في السباقات الانتخابية الهامة وولائهم القوي والصريح لقضاياهم، وهي العوامل التي سعى المسلمون الأمريكيون باجتهاد لبنائها خلال الأعوام الأربعة الماضية رغم مما واجهوه خلالها من تحديات. فقوة أي جماعة أمريكية مهما كان حجمها – بما في ذلك الأحزاب واللوبيات المختلفة – لا تعتمد بالضرورة على فوز مرشحيها بقدر ما تعتمد على قدرة هذه الجماعات على بناء عناصر نفوذها المختلفة

Thursday, October 28, 2004

الصوت المسلم الأمريكي فيما وراء تأييد كيري ومعارضة بوش
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر: الجزيرة نت، 28 أكتوبر 2004

نص المقال

إعلان كبرى منظمات المسلمين الأمريكيين في الحادي والعشرين من أكتوبر 2004 تأييدهم لمرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة جون كيري هو أمر في حقيقته أكبر من مجرد قرار لتأييد كيري أو لمعارضة جورج دبليو بوش، فالقرار في مضمونه الحقيقي يتضمن العديد من الدلالات الهامة

أولا القرار هو علامة واضحة على أن الغالبية العظمي من المسلمين الأمريكيين ومنظماتهم باتت أكثر تحفزا للنشاط السياسي دفاعا عن حقوقهم وحرياتهم ورغبة في تغيير أوضاعهم للأفضل، وأن تبعات أحداث سبتمبر 2001 السلبية الخطيرة على أوضاعهم لم تدفعهم إلى العزلة أو إلى التقوقع بل أنهم نجحوا في الحفاظ على مستويات مشاركتهم السياسية إن لم يكونوا قد زادوها بالفعل كما تشير مؤشرات عديدة

إذ تشير أحدث الاستطلاعات الخاصة بتوجهات المسلمين الأمريكيين نحو المشاركة السياسية إلى إن نسبة الراغبين في المشاركة السياسية في أوساطهم بلغت 93 %، كما أن نسبة العازمين على التصويت بين الناخبين المسلمين المسجلين في السجلات الانتخابية الأمريكية تبلغ 95 % وهي بدون شك نسب مرتفعة

وعلى صعيد منظمات المسلمين الأمريكيين السياسية، دخل المسلمون الأمريكيون انتخابات عام 2000 بتحالف مكون من أربعة مؤسسات سياسية، أما انتخابات عام 2004 فقد دخولها بتحالف يتشكل من عشرة مؤسسات كبرى على الأقل بما فيها مؤسسات دينية واتحادات طلاب ومنظمات تمثل المسلمين الأفارقة الأمريكيين، هذا إضافة إلى النمو الواضح الذي طرأ على بعض هذه المؤسسات وعلى رأسها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) والذي يعد أكبر منظمات الحقوق المدنية المسلمة الأمريكية والذي تضاعفت عدد فروعه في أرجاء الولايات المتحدة وكندا أربعة مرات خلال السنوات الثلاثة الماضية لتصل إلى 29 مكتبا

ثانيا: القرار يعكس أن الفترة الأخيرة دفعت المسلمين الأمريكيين إلى مزيد من الواقعية السياسية والتي تقتضي عدة أشياء، أولها إدراك أن الحياة السياسية ليست مثالية وأن المسلمين الأمريكيين كأي جماعة أمريكية أخرى يستحيل أن يجدوا المرشح الذي يرضي جميع مطالبها، ولذا فالعبرة هي بالمشاركة وبالتواجد داخل العملية السياسية، واستخدام ما يتوافر لدي المسلمين الأمريكيين من أصوات وأموال ومنظمات وقدرة على التفاوض وصناعة النفوذ للتأثير على السياسية الأمريكية من داخلها وليس من خارجها

ولذا أكد قرار تحالف المنظمة المسلمة الأمريكية على أنه تأييدهم جون كيري هو عبارة عن "اتفاق جزئي" و"مشروط" مع كيري على أمل أن يتيح هذا القرار لمسلمي أمريكا في حالة فوز كيري فرصة "العمل معه" لمعالجة قضايا الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية وسيادة الدستور والقانون وغيرها من القضايا الهامة من المسلمين والليبراليين بالولايات المتحدة

ومن منطلق الواقعية ذاته قدمت المنظمات المسلمة الأمريكية الشكر للمرشح المستقل رالف نادر والذي بذل كثير من الجهد لاجتذاب أصوات مسلمي أمريكا والتقرب من قضاياهم، ولكنه في الوقت نفسه لا يمتلك فرصة حقيقية للفوز بالرئاسة الأمريكية، ويكفي أن نشير هنا أن كثير من المسلمين الأمريكيين أيدوا دينيس كوزينتش (عضو مجلس النواب الأمريكي عن ولاية أوهايو) خلال تنافسه في أوائل العام الحالي على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي له في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وكان كوزينتش وما زال هو الأقرب بالفعل من قضايا المسلمين الأمريكيين مقارنة بجون كيري أو بغيره من المتنافسين الديمقراطيين، ولكن كوزينتش لم يتمكن من الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، ومع انتهاء الانتخابات داخل الحزب الديمقراطي انتهى تأثير كوزينتش كمرشح رئاسي وإن بقى تأثيره كعضو كونجرس مساند للمسلمين الأمريكيين وقضاياهم يرحب المسلمون الأمريكيون بالعمل معه

ثالثا: تأييد المسلمين الأمريكيين لجون كيري هو في حقيقته تأييد لقطاعات واسعة وحلفاء كبار داخل المجتمع الأمريكي ساندوا مسلمي أمريكا بوضوح خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، وقد أتي معظم هؤلاء الحلفاء - كجماعات الحقوق المدنية وجماعات السلام والجماعات المنادية بحقوق الأقليات – من خلفيات يسارية وليبرالية أمريكية واضحة

في المقابل وقف اليمين الأمريكي موقف المنكر – والمساند في بعض الأحيان – لما تعرض له المسلمون الأمريكيون وقضاياهم من تمييز وما تعرضت له صورتهم من تشويه خلال السنوات الثلاثة الأخيرة

إذ أشار استطلاع لتوجهات الشعب الأمريكي نحو الإسلام والمسلمين أصدرته كير في أوائل شهر أكتوبر الحالي إلى أن المنتمين إلى التيار الأمريكي اليميني المحافظ أكثر استعدادا للاعتقاد في صور سلبية عن الإسلام والمسلمين مقارنة بالمنتمين إلى التيار الليبرالي

أكثر من ذلك أدلت بعض قيادات اليمين المسيحي الأمريكي الدينية – مثل بات روبرتسون وفرانكلين جرام وجيري فالويل- وبعض قياداته السياسية والرسمية - مثل الجنرال وليام بويكين ووزير العدل الأمريكي جون أشكروفت والنائب الجمهوري توم دلاي – بدلوها في موجة التعصب والكراهية والتشويه التي تعرض لها الإسلام والمسلمون منذ أحداث سبتمبر

ويكفي هنا أن نشير إلى الحملة التي قادتها بعض المنظمات المسلمة الأمريكية في أوائل عام 2002 لمواجهة وزير العدل الأمريكي جون أشكروفت، وذلك بعد أن نشر كال توماس – وهو صحفي أمريكي معروف - في 7 ديسمبر 2001 - مقابلة أجراها مع أشكروفت على صفحات موقع صحفي إلكتروني أمريكي نسب فيها إلى أشكروفت القول بأن "الإسلام هو دين يطالبك فيه الرب أن ترسل ولدك ليموت من أجله، أما المسيحية فهي عقيدة يرسل فيها الرب ولده ليموت من أجلك"، وكررت المنظمات في أكثر من مناسبة مطالبتها لأشكروفت بأن يصدر بيانا صريحا يوضح موقفه من التصريحات المسيئة، ولكن مثل هذا البيان لم يصدر

وكان الرد الطبيعي على ذلك من قبل المسلمين الأمريكيين هو أن يتحولوا بعيدا عن اليمين الرافض لهم – على الرغم من مساندتهم له على صعيد القضايا الأخلاقية والاجتماعية – نحو اليسار الأمريكي المرحب بهم، وقد أبرز استطلاع أصدره مركز أبحاث مسلم أمريكي تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية في منتصف شهر أكتوبر الحالي أن 50 % من المسلمين الأمريكيين أصبحوا ينظرون إلى الحزب الديمقراطي على أنه حزبهم المفضل في مقابل 12 % من المسلمين الأمريكيين مازالوا يشعرون بالانتماء إلى الحزب الجمهوري، هذا إضافة إلى انخفاض نسبة مؤيدي بوش في أوساط المسلمين الأمريكيين إلى 7 % أو أقل، بل أن نصف المسلمين الجمهوريين – كما يشير الاستطلاع – يؤيدون جون كيري

رابعا: أظهرت استطلاعات الرأي المختلفة التي أجرتها المنظمات المسلمة الأمريكية حقيقتين هامتين أولهما التحول الواضح في أوساط المسلمين الأمريكيين (أكثر من 60 % منذ مطلع الصيف الحالي) نحو تأييد المرشح الديمقراطي للرئاسة وبعيدا عن تأييد جورج دبليو بوش، أما الحقيقة الثانية فهي تأثر المسلمين الأمريكيين (69 % منهم على الأقل) بمواقف منظماتهم الكبرى وحاجتهم لموقف قوي وواضح من قبل هذه المنظمات يوحد طاقاتهم ويوجه الأقلية المترددة في أوساطهم

وقد صار واضحا أن وحدة المسلمين الأمريكيين وقدرتهم على التصويت ككتلة واحدة لصالح المرشح الأكثر تمثيلا لقضاياهم - وهي الممارسة التي بدؤها في انتخابات عام 2000 – باتت تشكل واحدة من أهم معالم خصائصهم ونفوذهم السياسي في الفترة الحالية، فالمسلمون الأمريكيون – كما تشير الاستطلاعات - أصبحوا أكثر رغبة في الوحدة السياسية، كما أن الدوائر السياسية والإعلامية الأمريكية أصحبت تتوقع هذه الوحدة وتترقبها كما ظهر في تغطية العديد من وسائل الإعلام الأمريكية لمواقف المسلمين السياسية خلال موسم الانتخابات الحالي

وبدون شك لعبت الحقيقتين السابقتين دورا كبيرا في التأثير على قرار المنظمات المسلمة الأمريكية والذي جاء ليعكس ويقوي ويوحد توجهات الغالبية العظمي من المسلمين الأمريكيين

خامسا: مواقف جون كيري نحو قضايا المسلمين الأمريكيين خاصة على مستوى القضايا الداخلية على الرغم مما يعتريها من ضبابية مازالت أكثر قربا من مطالب المسلمين الأمريكيين لو قورنت بمواقف جورج دبليو بوش

فقد أشار الاستطلاع الذي أجرته جامعة جورج تاون إلى أن 44 % من الناخبين المسلمين الأمريكيين يعتبرون القضايا الداخلية هي العامل الأكثر تأثيرا على أصواتهم، مقارنة بنسبة 34 % يرون أن القضايا الخارجية هي العامل الأهم بالنسبة لهم، وعندما سئل المشاركون في الاستطلاع عن أهم التحديات التي تواجه المسلمين الأمريكيين في الفترة الحالية جاءت قضية الحقوق المدنية في المرتبة الأولى بنسبة 28 % من أصوات المشاركين في الاستطلاع، تلتها قضية العنصرية بنسبة 24 %، ثم قضية المشاركة في التيار العام الأمريكي بنسبة 11 %، وحلت قضايا السياسة الخارجية رابعة بنسبة 8 % فقط

وعندما سئل جورج بوش في المناظرة التلفزيونية الثانية عن تبعات قوانين مكافحة الإرهاب السلبية على الحقوق المدنية، رد بوش بالنفي ورفض الاعتراف بتعرض الحقوق المدنية بالولايات المتحدة لتراجع، في المقابل تعهد كيري في مناسبات مختلفة بمراجعة بعض بنود قانون الوطنية (الصادر في عام 2001 لمكافحة الإرهاب) وبتقوية إشراف الكونجرس على البرامج الأمنية التي وضعت منذ 11/9 وبوقف استخدام الأدلة السرية ضد المهاجرين والمواطنين على حد سواء

كما بذلت حملة جون كيري جهودا واضحة في الوصول إلى المسلمين الأمريكيين وإلى قادتهم ولجذب أصواتهم وشارك في هذه الجهود سياسيون مخضرمون على رأسهم السيناتور إدوارد كيندي المعروف بمواقفه الإيجابية نحو المسلمين الأمريكيين

ولذا بدا جون كيري أكثر قربا إلى قضايا المسلمين الأمريكيين الداخلية على الأقل

أخيرا بقى لنا أن نشير إلى أن أي قرار سياسي لا يخلو من مخاطرة، فقد يفوز بوش أو يفوز كيري ولا يفي بتعهداته كما فعل بوش في عام 2000، ولكن المخاطرة هي جزء لا يتجزأ من القرار السياسي ومن القيادة السياسية، وما يقلل من تبعات المخاطرة هو أن يقوم أي قرار سياسي على دعائم مختلفة وعلى نظرة واسعة للأمور وهو الأمر الذي حاولنا شرحه وتبيانه خلال هذا المقال، فقرار المسلمين الأمريكيين تأييد جون كيري في الثاني من نوفمبر القادم يتخطى مساندة كيري ومعارضة بوش إلى العديد من الأهداف الهامة التي يرجى تحقيقها من وراء توحيد أصوات الناخبين المسلمين الأمريكيين في الثاني من نوفمبر 2004

Monday, August 16, 2004

نصف المجتمع الأمريكي المساند لنا
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
جريدة الشرق الأوسط، 16 أغسطس 2004

نص المقال

من الخطأ الاعتقاد بأن المتعاطفين مع المسلمين والعرب في أمريكا وقضاياهم قليلي العدد، فاستطلاعات الرأي العام تؤكد أن عددهم لا يقل بأي حال من الأحوال عن عدد الأمريكيين غير المتعاطفين معنا، ولكن المشكلة تكمن في أن المتعاطفين معنا أقل نفوذ على الصعيد السياسي كما أنهم غير موحدين

استطلاعات الرأي المختلفة التي أجريت حول موقف الرأي العام الأمريكي من الإسلام والمسلمين خلال السنوات الثلاثة الأخيرة تشير إلى أن نسبة الأمريكيين الذين ينظرون نظرة عامة إيجابية تجاه الإسلام انخفضت إلى 39 % في سبتمبر 2003 مقارنة بنسبة 47 % في أكتوبر 2001، في المقابل وصلت نسبة غير المتعاطفين مع الإسلام إلى 38 % من الشعب الأمريكي، في حين تبلغ نسبة الأمريكيين الذين يشعرون بالرغبة في معرفة المزيد عن المسلمين والعرب حوالي ثلثي الشعب الأمريكي تقريبا

الإحصاءات السابقة تعني أن الشعب الأمريكي ليس موحدا في موقفه تجاه المسلمين والعرب، فهو منقسم على نفسه، كما أنه يميل في انقسامه هذا إلى كفة مساندتنا وليس العكس، فأربعين في المائة من الأمريكيين يساندونا ومثلهم لا يتعاطفون معنا، والعشرين في المائة المتبقية غير محددة الموقف ولكنها منفتحة وتميل إلى معرفة المزيد عنا وعن قضايانا

وأمثلة الجماعات الأمريكية المساندة لقضايا المسلمين والعرب عديدة، نذكر منها هنا أربعة فئات أساسية كبرى، أولها جماعات الحقوق والحريات المدنية – مثل إتحاد الحريات المدنية الأمريكية (ACLU) – والتي تقف بقوة في وجه ما تعرض له المسلمون والعرب في أمريكا من تمييز منذ أحداث سبتمبر 2001

المثال الثاني نجده في أبناء الأقليات الأمريكية كالأفارقة واليابانيين والآسيويين الأمريكيين والذين تعاطفوا مع مسلمي وعرب أمريكا منذ أحداث سبتمبر ورأوا أن ما يتعرض له المسلمون والعرب في أمريكا حاليا هو صورة مكررة لما تعرضوا له من تمييز ظلما خلال فترات سابقة من التاريخ الأمريكي

ثالثا: مالت جماعات السلام ومعاداة الحروب الأمريكية بشكل متزايد لمساندة مختلفة قضايا المسلمين والعرب الدولية منذ أحداث سبتمبر بصفة عامة ومنذ حرب العراق بصفة خاصة، ومن المهم هنا أن نذكر أن مساندة هذه الجماعات لقضايانا لم تتوقف عند قضية العرق بل تخطتها لتشمل عدد من قضايانا الهامة وعلى رأسها القضية الفلسطينية

رابعا: بعض الجماعات الدينية الأمريكية - وعلى رأسها مجلس الكنائس الوطني الأمريكي والذي يمثل عشرة ملايين أمريكي – رفضت وصم المسلمين والعرب بالإرهاب ونظمت أنشطة مشتركة مع مسلمي أمريكا لبيان معارضة الإسلام والمسيحية والأديان عامة للإرهاب

الفئات الأربعة الكبرى من الجماعات المساندة لنا تضم في عضويتها ملايين الأمريكيين ولها نفوذ واسع داخل المجتمع الأمريكي، وهي بدون شك منفتحة على قضايا المسلمين والعرب ومتعاطفة بشكل متزايد معنا، وتساعد بشكل يومي على تحسين صورتنا وزيادة مساندينا في أوساط الشعب الأمريكي

وهنا يثار سؤال هام، وهو أين تذهب أصوات هذه الجماعات؟ ولماذا لا تسمع لها أصوات عالية مثل أصوات الجماعات المناهضة للمسلمين والعرب كالجماعات اليمينية المتشددة والجماعات الموالية لإسرائيل؟ ولماذا تعجز الجماعات المساندة لنا على تحسين مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه قضايانا؟

السبب الأول هو أن الجماعات المتعاطفة معنا في أمريكا ذات نفوذ واسع داخل المجتمع المدني الأمريكي ولكنها أقل نفوذ من الجماعات المناهضة لنا على الصعيد السياسي، كما أن الجماعات المساندة لنا لا تقف موحدة في صف واحد خلفنا وخلف قضايانا، فهي تساندنا بشكل عفوي انطلاقا من طبيعتها الخيرة، ولذا فهي تفتقر للأجندة الموحدة وللعمل الجماعي المنظم

ثانيا: وجود المسلمين والعرب الأمريكيين ونشاطهم داخل المجتمع المدني الأمريكي مازال محدودا لأسباب مختلفة مثل قلة الخبرة السياسية وحداثة العهد وافتقار المسلمين والعرب الأمريكيين النسبي وليس المطلق للطاقات والموارد البشرية والمادية اللازمة لتفعيل وجودهم على المستويين السياسي والمدني بالولايات المتحدة

ومن المفترض أن يقوم المسلمون والعرب الأمريكيون بدور التنسيق بين الجماعات الأمريكية المختلفة المساندة لنا وتوحيد عملهم المساند لقضايا، وطالما افتقر المسلمون والعرب الأمريكيون للإمكانيات التي ترشحهم للعلب هذا الدور طالما افتقرت الحركة المساندة لقضايانا داخل أمريكا لعقلها المدبر

ثالثا: الجو العام السائد في علاقة الولايات المتحدة بالعالمين العربي والإسلامي هو جو صدامي تملئه العديد من الأخبار السلبية مما يضعف من قدرة أي أطرف مساندة لنا داخل المجتمع الأمريكية على نشر صورة إيجابية عنا

كما أن هناك افتقار واضح فيما يتعلق بنشر الوعي في أوساط المسلمين والعرب خاصة خارج أمريكا بوجود نصف أمريكا الآخر المساند لنا، فأخبار السياسات الرسمية السلبية التي تصنعها النخب الحاكمة في الولايات المتحدة تطغى على أية أخبار أخرى قادمة من الولايات المتحدة

رابعا: الجماعات الأمريكية المساندة للمسلمين والعرب لا تعمل في بيئة مشجعة أو مرحبة كما أنها تواجه في عملها العفوي خصوم شديدي الدهاء والحيلة والعزم على زرع بذور الشقاق بين المسلمين والعرب من ناحية والشعب الأمريكي من ناحية أخرى

وقد قصدنا من مقالنا هذا أن نسلط قدر من الضوء على نصف أمريكا الأخر المساند لنا لعل ذلك يساعد على رغبتا في معرفة المزيد عنه والتعاون مع وتقويته وتوحيده خلف قضايانا

Sunday, August 08, 2004

تأثير المال على الانتخابات الأمريكية
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 8 أغسطس 2004

نص المقال

يستحيل التخلص من الدور الكبير الذي يلعبه المال في التأثير على العملية السياسية بأي دولة من الدول، وفي المقابل تسعى النظم الديمقراطية للحد من احتمالية إفساد المال للسياسية من خلال فرض تشريعات لمراقبة استخدام المتبرعين والمرشحين - على حد سواء - للمال في العملية السياسية بصفة عامة وفي الانتخابات بشكل خاص

ومع اقتراب الانتخابات الفيدرالية الأمريكية في نوفمبر 2002، وتمكن الرئيس جورج دبليو بوش ومنافسه الرئيسي الديمقراطي جون كيري من جمع كميات غير مسبوقة من التبرعات السياسية، وزيادة الجدل داخل الولايات المتحدة حول مضمون وأثار قوانين الإصلاح المالي للانتخابات الفيدرالية، رأينا أن نقدم في هذا المقال مقدمة مختصرة عن تأثير المال على الانتخابات الأمريكية بشكل عام، وعلى انتخابات نوفمبر 2004 بشكل خاص

تكاليف الانتخابات الفيدرالية الأمريكية

التحدي الأول الذي يواجه المشرعون الأمريكيون في مساعيهم للحد من التأثير السلبي للمال على الانتخابات الفيدرالية (ممثلة في البيت الأبيض والكونجرس) هو الارتفاع المستمر في تكاليف الحملات الانتخابية الفيدرالية ومن ثم زيادة اعتماد المرشحين الأمريكيين على المال للفوز بمناصبهم السياسية

فعلى مستوى انتخابات الرئاسة الأمريكية جمع المتنافسون على منصب الرئيس الأمريكي في عام 2000 تبرعات قدرها 528 مليون دولار، في مقابل 425 مليون دولار جمعها المتنافسون في انتخابات عام 1996 الرئاسية، بينما جمع المتنافسون في انتخابات عام 1992 تبرعات مقدارها 331 مليون دولار فقط، مما يعني أن حجم التبرعات التي جمعها المتنافسون على الرئاسة الأمريكية زادت بمعدل 100 مليون دولار أمريكي كل أربعة أعوام منذ عام 1992

كما جمع المرشح الجمهوري للرئاسة وهو الرئيس الأمريكي الحالي جورج دبليو بوش بمفرده 228 مليون دولار حتى العشرين من يونيو 2004 محطما بذلك رقمه القياسي السابق والذي حققه في انتخابات عام 2000 عندما نجح في جمع تبرعات قدرها 193 مليون دولار أمريكي، بينما لم يتمكن منافسه الديمقراطي في انتخابات عام 2000 آل جور من جمع سوى 132 مليون دولار فقط، أما بالنسبة لمنافسه الحالي جون كيري فقد جمع 186 مليون دولار حتى العشرين من يونيو 2004

أما على مستوى انتخابات الكونجرس، فيبلغ متوسط ما جمعه كل عضو من الأعضاء الفائزين في انتخابات مجلس النواب الأمريكي في عام 2002 مبلغ 898 ألف دولار في مقابل 197 ألف دولار فقط لكل منافس من منافسيهم الخاسرين، كما جمع عضو مجلس الشيوخ الفائز مبلغ 5.8 مليون دولار في المتوسط في مقابل مليون دولار فقط لمنافسه الخاسر

وتعود الزيادة المستمرة في تكاليف الانتخابات الأمريكية للأسباب التالية

أولا: ليس هناك سبيل يمكن للمرشحين من خلاله معرفة تكلفة الفوز بالانتخابات بشكل مسبق، ولذا يحرص كل مرشح على جمع وإنفاق أكبر قدر من الأموال للدعاية لحملته حتى ولو أهدرت بعض هذه الأموال في سباق ضد خصم ضعيف مادام ذلك سوف يؤكد نجاح المرشح

ثانيا: الحملات الانتخابية ليست مجانية، فهي عملية صعبة ومكلفة لها هيئات ومكاتب متخصصة في مجال الحملات الانتخابية تقوم بها وتعمل على تطوير أدائها وأدواتها بشكل مستمر، وينبغي على المرشحين دفع ثمن استخدام خدمات هذه الهيئات وما تقوم به من أنشطة مثل تسجيل الناخبين وطبع الدعايات وتوزيعها وعقد اللقاءات الجماهيرية وعقد لقاءات جمع التبرعات انتهاء بشراء الدعاية التلفزيونية باهظة التكاليف

ثالثا: حجم الأموال التي يجمعها أحد المرشحين قد تمثل رادعا قويا لخصومه خاصة إذ نجح المرشح في جمع قدر كبير من الأموال في بداية حملته الانتخابية

رابعا: الدوائر الإعلامية والسياسية الأمريكية تنظر إلى حجم التبرعات التي يجمعها المرشحون خاصة في بداية حملاتهم الانتخابية كعلامة هامة على مدى جديتهم وقدرتهم على المنافسة والفوز بالانتخابات

تأثير جماعات المصالح الثرية

أما التحدي الأكبر الذي يواجهه المشرعون الأمريكيون في مساعيهم للحد من تأثير المال على الانتخابات فهو القلق من الدور الكبير الذي تلعبه جماعات المصالح الثرية في تمويل المرشحين ومن ثم التأثير على مسار الديمقراطية الأمريكية، ويعود هذا القلق للأسباب التالية

أولا: تأتي جميع الأموال التي تنفق على الانتخابات الأمريكية في الغالب من نسبة ضئيلة جدا من الأمريكيين لا تتعدى 2% من مجموع الشعب الأمريكي

فعلى سبيل المثال أنفق المرشحون والأحزاب ولجان العمل السياسية (PACs) والتي تمثل جماعات المصالح مبلغ وقدره 933 مليون دولار أمريكي على انتخابات عام 2002 التشريعية

وقد أتت هذه الأموال من حوالي 640 ألف متبرع أمريكي فقط، وهو ما يعادل نسبة 0.22 % من مجموع الشعب الأمريكي الذي يبلغ تعدداه 288.5 مليون نسمة، أو ما يعادل نسبة 0.3 % من مجموع المواطنين الأمريكيين البالغين ( 18 عاما فأكثر)

ومن بين هؤلاء المتبرعين حوالي 252 ألف متبرع تبرعوا بألف دولار أو أكثر من بينهم 9755 متبرع تبرعوا بعشرة آلاف دولار فأكثر، كما تبرع 14 متبرع (شخص أو هيئة) بأكثر من مليون دولار أمريكي

ووفقا لهذه الإحصاءات تبلغ نسبة المتبرعين الذي تبرعوا بألف دولار فأكثر - والذين يبلغ عددهم 252 ألف متبرع تقريبا - مقارنة بمجموع الشعب الأمريكي حوالي 0.09 % من مجموع الأمريكيين، في الوقت الذي دفع فيه هؤلاء حوالي 779 مليون دولار وهو ما يعادل نسبة 83 % من المجموع الكلي للأموال التي أنفقت على الانتخابات التشريعية الأمريكية خلال عام 2002

ثانيا: نسبة كبيرة من الأموال التي يحصل عليها المرشحون تأتي من لجان العمل السياسية والتي تمثل جماعات المصالح الكبرى وتركز تبرعاتها في الغالب في صالح أعضاء الكونجرس الموجودين بالفعل والذين تربطهم بجماعات المصالح روابط وعلاقات قوية

ففي انتخابات عام 2002 التشريعية حصل أعضاء الكونجرس الفائزين في الانتخابات على 43% من التبرعات التي جمعوها من لجان العمل السياسية في حين أن المتوسط العام للتبرعات التي حصل عليها جميع المرشحين (الفائزين والخاسرين) في الانتخابات نفسها من لجان العمل السياسية هو 34 % من إجمالي التبرعات التي جمعوها وهي أيضا نسبة مرتفعة، كما حصل أعضاء مجلس الشيوخ الفائزين في الانتخابات نفسها على 24.5 % من التبرعات التي جمعوها من لجان العمل السياسية، في حين أن المتوسط العام للتبرعات التي حصل عليها جميع المرشحين (الفائزين والخاسرين) في الانتخابات نفسها من لجان العمل السياسية هو 18 % فقط

وبدون شك يترك ذلك تأثيرا شديد السلبية على درجة الحراك والتغيير السياسي في مراكز صنع القرار الأمريكية، إذ تشير الإحصاءات إلى 96 % من مرشحي مجلس النواب الأمريكي الفائزين في انتخابات عام 2002 هم أعضاء سابقين، كما أن 86 % من مرشحي مجلس النواب الفائزين في انتخابات العام ذاته هم من الأعضاء السابقين، وقد يعود انخفاض النسبة في مجلس الشيوخ إلى قلة عدد أعضاءه من ناحية، وإلى هزيمة عدد من مرشحي الحزب الديمقراطي في انتخابات عام 2002 بعد صعود نفوذ الحزب الجمهوري ومرشحيه خلال الأعوام الأخيرة

كما تحرص لجان العمل السياسية على تأييد كبار أعضاء الكونجرس ومنحهم نسب أكبر من التبرعات من أجل التأثير عليهم، فعلى سبيل المثال جمع توم دلاي زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب الأمريكي 63 % من التبرعات السياسية التي جمعها في انتخابات عام 2002 من لجان العمل السياسية، بينما جمعت نانسي بالوسي زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي 55.8 % من التبرعات التي جمعتها خلال الانتخابات نفسها من لجان العمل السياسية، وهي نسب تفوق بكثير متوسط ما يحصل عليه المرشح العادي من لجان العمل السياسية

ثالثا: يلعب الأثرياء دورا شديد الخطورة في التأثير على مسار العملية الانتخابية الأمريكية من خلال استخدامهم للمال الناعم

إذ يضع القانون الأمريكي سقفا على حجم التبرعات التي يمكن أن يحصل عليها أي مرشح بشكل مباشر من كل مواطن أمريكي، وذلك للحد من قدرة الأثرياء على التأثير على الانتخابات، ولذا يلجأ الأثرياء لمنح تبرعات سخية تقدر بملايين الدولارات أحيانا لهيئات سياسية كالأحزاب وجماعات المصالح لكي تستخدمها بصورة مباشرة لخدمة قضاياها، وبصورة غير مباشرة لخدمة مرشحيها، حتى لا تقع تحت طائلة القانون، ومن أبرز وأهم هذه الأساليب قيام الأحزاب وجماعات المصالح بشراء إعلانات تلفزيونية مكثفة قبل موعد الانتخابات لا تذكر اسم مرشح بعينه ولكنها تروج بشكل محدد ومكثف وفي دوائر انتخابية معينة لقضية بعينها مؤثرة على مسار الانتخابات بتلك الدوائر

وتسمى هذه الملايين بالمال الناعم لأنه يصعب رصدها ولأنها ليست محددة بسقف معين من قبل القانون ولأنها تؤثر على الانتخابات بصورة غير مباشرة من خلال دعمها لقضايا وليس لمرشحين، في حين تسمى التبرعات التي يسمح القانون بأن يمنحها المواطن الأمريكي مباشرة للمرشحين لكي يستخدموها في الأنشطة السياسية التي تصب مباشرة في الحملات الانتخابية بالمال الجامد

وتشير أحدث الإحصاءات إلى أن الحزب الديمقراطي جمع في عام 2001 (وذلك قبل عام واحد من صدور قانون الإصلاح المالي للانتخابات لعام 2002) نسبة 54 % من التبرعات التي حصل عليها في صورة أموال ناعمة، كما جمع الحزب الجمهوري 43 % من التبرعات التي جمعها في العام نفسه في صورة أموال ناعمة، وهي بدون شك نسب مرتفعة توضح مدى اعتماد الحزبين الرئيسيين على تبرعات الأثرياء

تبعات قوانين الإصلاح المالي للحملات الانتخابية الأمريكية

في السبعينات من القرن الماضي أقر المشرعون الأمريكيون مجموعة من قوانين الإصلاح المالي للحملات الانتخابية والتي ظلت تنظم دور المال في الانتخابات الأمريكية حتى عام 2002، ومن أهم ما أنجزته هذه القوانين تأسيس لجنة الانتخابات الفيدرالية لكي تراقب حركة المال في الانتخابات، كما وضعت القوانين سقفا واضحا على حجم التبرعات السياسية التي يمكن أن يقدمها المواطن الأمريكي أو لجان العمل السياسية (التي تمثل جماعات المصالح) بشكل مباشر للمرشحين

وحرمت القوانين على المرشحين قبول أموال من مصادر معينة خاصة من قبل الشركات واتحادات العمال بشكل مباشر، وطالبت القوانين الشركات واتحادات العمال بتأسيس لجان عمل سياسية تعمل بشفافية تحت عين القانون في مجال جمع تبرعات ممثلي هذه الهيئات ثم توزيعها على المرشحين ضمن السقوف التي يسمح بها القانون

وسرعان ما التفت جماعات المصالح الثرية هذه القوانين خاصة من خلال توسعهم في استخدام المال الناعم للتأثير على الانتخابات خاصة عن طريق منحه للأحزاب واستخدامه في شراء إعلانات التلفزيون الباهظة التكاليف التي تروج للقضايا المؤثرة على الانتخابات

وقد جمع الحزب الجمهوري تبرعات قدرها 691 مليون دولار في انتخابات عام 2002، كما جمع 715 مليون دولار في انتخابات عام 2000، أما الحزب الديمقراطي فقد جمع 463 مليون دولار في انتخابات عام 2002، وجمع 520 مليون دولار في انتخابات عام 2000، وقد أتت نصف هذه الأموال تقريبا في صورة مال ناعم

ولذا أقر قانون الإصلاح المالي للانتخابات الأمريكية لعام 2002 عدد من الإصلاحات الرئيسية وعلى رأسها منع الأحزاب من قبول المال الناعم، والحد من قدرة جماعات المصالح على شراء الإعلانات التلفزيونية مع اقتراب موعد عقد الانتخابات

ونتيجة لذلك لم يتمكن الحزب الديمقراطي في دورة الانتخابات الحالية سوى من جمع 114 مليون دولار، كما لم يجمع الحزب الجمهوري في دورة الانتخابات الحالية سوى 256 مليون دولار

كما زادت القوانين الجديدة من حجم الأموال التي يمكن أن يتبرع بها الأفراد مباشرة لمرشحيهم الأساسيين في صورة أموال جامدة، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تقوية دور الفرد، وأن يحد من التلاعب خارج إطار القانون، إذ تسمح القوانين الجديدة لكل فرد بأن يتبرع بألفي دولار لكل مرشح في مقابل ألف دولار في الماضي، كما تسمح لكل مواطن بالتبرع بخمسة وعشرين ألف دولار للجنة حزبه الرئيسة، وبعشرة آلاف دولار لكل لجنة عمل سياسية أو لجنة حزبية محلية، وذلك بشرط آلا تزيد حجم تبرعات الفرد الواحد عن 95 ألف دولار كل عامين

ويقول بعض المحللين أن القوانين الجديدة دفعت الأحزاب والمرشحين إلى الاهتمام بالوصول إلى أكبر عدد من الأفراد بعض أن منعت الأحزاب من الحصول على المال الناعم، فعلى سبيل المثال قام الحزب الديمقراطي في الشهور الأربعة الأولى من عام 2004 بإرسال 35 مليون رسالة بريدية لمسانديه طلبا لتبرعاتهم، وهو ما يعادل مجموع رسائل جمع التبرعات البريدية التي أرسلها الحزب الديمقراطي خلال عقد التسعينات من القرن الماضي

كما توسع جورج دبليو بوش وجون كيرى في مساعيهم للوصول إلى أكبر عدد من المتبرعين بما في ذلك المتبرعين الصغار منهم خاصة عن طريق الإنترنت، وقد نجح كل منهم في تخطي حاجز المليون متبرع حتى الآن

على النقيض ظهر تهديد جديد لقوانين الانتخابات تمثل في ظهور منظمات خيرية ذات طابع سياسي تعرف باسم (527) وهو رقم بند قانون الضرائب الذي ينظم عملها، ويسمح القانون الجديد لهذه الجماعات بتلقى تبرعات معفية من الضرائب وغير محدودة من الأفراد وإنفاقها للتأثير على سير العمليات الانتخابية بشرط استقلالها عن المرشحين والأحزاب

وقد جمعت هذه المنظمات خلال العامين الماضيين عشرات الملايين من الدولارات من المال الناعم خاصة من قبل أثرياء الديمقراطيين الساعين لهزيمة جورج دبليو بوش، كما تلقت بعضها تبرعات من قبل أشخاص وجماعات ثرية وصلت أحيانا إلى 14 مليون دولار من قبل هيئة واحدة

وفي المقابل رفع جمهوريون قضايا قانونية ضد هذا النوع من المنظمات بدعوى إفسادها لقوانين الإصلاح المالي للانتخابات والتي كانت تسعى للحد من تأثير المال الناعم، ومازالت هذه القضايا مفتوحة ولم تحسم بعد

الحكم بشرعية أو عدم شرعية الجماعات الجديدة لن يضع حلا نهائيا لتأثير المال السلبي على الانتخابات الأمريكية، وذلك لثقة غالبية المحللين في أن جماعات المصالح سوى تسعى لإيجاد ثغرات قانونية في أي قانون جديد، كما يرى البعض أن الحد من قدرة أية جماعة أمريكية من التأثير على الانتخابات هو تعدى على حرية هذه الجماعة في التعبير عن نفسها، وهذا يعنى أن الإصلاح المالي للانتخابات سوف يبقى تحديا دائما للمدافعين عن الديمقراطية الأمريكية

Monday, August 02, 2004

دور الإسلام في تشكيل الهوية الأمريكية من وجهة نظر صموئيل هنتينجتون
بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 2/8/2004، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص المقال

إذ كان العرب والمسلمون قد استقبلوا كتاب المفكر والأكاديمي الأمريكي المعروف صموئيل هنتينجتون قبل الأخير "صدام الحضارات" بالقلق والرفض الواسعين لترويجه فكرة أن الصراع العالمي القادم سوف يكون صراعا بين الحضارة الغربية من ناحية وحضارات الشرق وعلى رأسها الإسلام من ناحية أخرى، فإنه حري بالعالمين العربي والإسلامي الانتباه لنظرية أخطر يروجها هنتينجتون في كتابه الجديد "من نحن؟ تحديات الهوية الوطنية الأمريكية" الصادر في مايو 2004 بالولايات المتحدة نظرا للدور الذي ينادي هنتينجتون بأن يلعبه الإسلام كدين وحضارة في تشكيل الهوية الوطنية الأمريكية خلال الفترة الراهنة وفي المستقبل المنظور

فعلى الرغم من أن هنتينجتون لا يرى – في كتابه الجديد - أن الإسلام هو أحد التحديات الأساسية التي أدت إلى تراجع شعور الأمريكيين بهويتهم الوطنية خلال العقود الأخيرة، إلا أنه يرى أن العداء للإسلام والحضارة الإسلامية قد يساعد بشكل كبير في تحقيق التفاف الأمريكيين المنشود حول هويتهم الوطنية في المستقبل المنظور

مصادر الهوية الوطنية الأمريكية

يرفض هنتينجتون في كتابه فكرة أن الولايات المتحدة هي مجتمع من المهاجرين متعددي الأعراق والإثنيات والثقافات، ويرى على النقيض أن الأمريكيين الذين أعلنوا استقلال أمريكا عن الاستعمار البريطاني في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي كانوا مجموعة متجانسة من المستوطنين البريطانيين البروتستانت الذين توافدوا إلى العالم الجديد من أوربا وخاصة بريطانيا لكي يستقروا فيه ويعمروه للأبد

ويرى هنتينجتون أن هؤلاء المستوطنين وضعوا بذور المجتمع الأمريكي انطلاقا من مبادئهم وثقافتهم الأنجلو-بروتستانتينية والتي لولاها لما قامت أمريكا التي نراها اليوم، ولذا يرى هنتينجتون أن لأمريكا هوية محددة هي هوية هؤلاء المستوطنين والتي تقوم على ركائز أربعة أساسية وهي العرق الأبيض، والإثنية الإنجليزية، والدين المسيحي البروتسانتي، والثقافة الإنجليزية البروتستانتينية

ويعتقد هنتينجتون أن الخصائص الأربعة السابقة انعكست بوضوح على كافة خصائص المجتمع والدولة بالولايات المتحدة، وظلت سائدة حتى نهاية القرن التاسع عشر تقريبا، وأن موجات الهجرة المختلفة التي أتت أمريكا منذ نشأتها وحتى أوائل القرن العشرين تقريبا سعت للذوبان في هذه الهوية واعتناقها بشكل واضح وسريع فور استقرارها في أمريكا

كما يرى هنتينجتون أن الهوية الأمريكية استفادت تاريخيا من ركيزتين إضافيتين، أولهما الأعداء الذين حاربهم الأمريكيون على مدى التاريخ بداية من الهنود الحمر والمستعمرين الفرنسيين ثم المستعمرين البريطانيين، مرورا بسعي الأمريكيين التاريخي المتواصل لتمييز أنفسهم والحفاظ على استقلالهم عن القارة الأوربية بشكل عام وعن القوى الأوربية الاستعمارية الأوربية بشكل خاص، وانتهاءا بالحرب الباردة وصراع الولايات المتحدة مع الإتحاد السوفيتي في النصف الثاني من القرن العشرين

وهنا يعبر هنتينجتون بصراحة عن اعتقاده بأن العداء للأخر يلعب دورا أساسيا في تشكل هوية أي جماعة، ويرى أن الحروب التي خاضها الأوربيون في العصور الوسطى وقبل بداية عصر الدولة القومية كانت ضرورية لتشكيل هوية الدول الأوربية المختلفة، كما يرى أن وجود الإتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية وشعور الأمريكيين بتهديده وسعيهم الواضح لمواجهته والانتصار عليه لعب دورا هاما في وحدة الأمريكيين والتفافهم حول هويتهم الوطنية خلال الحرب الباردة

أما ثاني هذه الركائز الإضافية فهي عقيدة الأمريكيين السياسية، فلكي يميز الأمريكيون أنفسهم عن أجدادهم البريطانيين سعوا – كما يعتقد هنتينجتون - لنشر ثقافة سياسة مستقلة ومتميزة عن ثقافة الأوربيين الإقطاعية والتمييزية والتي اضطرتهم إلى ترك أوربا للأبد والفرار بمعتقداتهم إلى الولايات المتحدة، ومن أهم عناصر هذه العقيدة السياسية مبادئ الحرية والمساواة والديمقراطية النيابية واحترام الحقوق والحريات الدينية والمدنية، وسيادة حكم القانون

تحديات الهوية الوطنية الأمريكية

في المقابل يرى هنتينجتون أن الهوية الأمريكية واجهت خلال العقود الأخيرة وخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين عدد من التحديات الضخمة التي أضعفت من التفاف الأمريكيين حول هويتهم بشكل يمثل تهديدا لبقاء الهوية الأمريكية واستمرارها، ومن أهم التحديات التي رصدها هنتينجتون ما يلي

أولا: التقدم في وسائل الاتصالات والمواصلات، والذي أدى - كما يرى هنتينجتون - إلى ربط المهاجرين الجدد إلى الولايات المتحدة بمجتمعاتهم القديمة بشكل قوي وغير مسبوق مما أضعف من اندماجهم بالمجتمع الأمريكي وسهل عملية تواصلهم مع مجتمعاتهم الأصلية وشجع المهاجرين الجدد على الحفاظ على ثقافاتهم الأصلية وهوياتهم الأجنبية ومحاولة نشر هذه الهويات بين أبناء بلدانهم في أمريكا، مما أدى إلى نشر عدد كبير من الهويات الأمريكية الفرعية مثل هوية اللاتينيين الأمريكيين على سبيل المثال مما يعد تهديدا خطيرا للهوية الأمريكية

على صعيد أخر يرى هنتينجتون أن تقدم أدوات الاتصال والمواصلات وقوى العولمة أدت إلى انفتاح النخب الأمريكية الاقتصادية الكبرى بشكل غير مسبوق على العالم، ويرى هنتينجتون أن هذه النخب بدأت في تكوين هويات فوق-قومية تتخطى الهوية الأمريكية، إذ تنظر هذه النخب والهيئات لهوياتها - بشكل متزايد - نظرة عالمية ترتبط بمصالحها الاقتصادية المنتشرة عبر بقاع العالم، ونظرا لنفوذ هذه النخب الكبير فإنها قادرة على نشر أفكارها وهويتها المتخطية للهوية الأمريكية على نطاق واسع مما يمثل تهديدا لا يستهان به للهوية الأمريكية

ثانيا: نفوذ الليبراليين الأمريكيين وثقافتهم التعددية، إذ ينتقد هنتينجتون اليسار الليبرالي الأمريكي ودعواته المستمرة للتعددية ومراجعة الذات الأمريكية والغربية والتي ساعدت على نمو هويات فرعية أمريكية عديدة وانتشارها وعلى رأسها هويات الأفارقة الأمريكيين واللاتينيين الأمريكيين، كما وقف اليسار الأمريكي موقفا ناقدا للثقافة الأنجلو-بروتستانتينية، وخاصة تجاه الجانب الديني منها، ونادى الليبراليون بشكل متكرر بسيادة قيم العلمانية وفصل الدين عن الدولة وعن الحياة العامة الأمريكية مما أضعف المكون الديني المسيحي للهوية الأمريكية، وروجوا كبديل عن المكون الديني مكون آخر وهو العقيدة السياسية الأمريكية والتي بالغ الليبراليون – كما يرى هنتينجتون – في التأكيد عليها كمصدر أساسي للهوية الأمريكية، وتقوم العقيدة السياسية الأمريكية – كما ذكرنا من قبل – على مبادئ الحرية والمساواة والديمقراطية والحقوق المدنية وعدم التمييز وحكم القانون

وعلى الرغم من احترام هنتينجتون لهذا العقيدة السياسية إلا أنه يرى أنها غير كافية لحماية الهوية الأمريكية من عدم التفكك، وينادي بإحياء مركزية الثقافة الأنجلو-بروتستانتينية في الهوية الوطنية الأمريكية

ثالثا: ينتقد هنتينجتون سياسات الهجرة الأمريكية الحديثة والتي ساعدت على تدفق ملايين المهاجرين على أمريكا منذ الستينات دون وضع ضمانات كافية لدمج وصهر موجات الهجرة الجديدة في ظل ثقافة التعددية التي سعى اليسار الليبرالي الأمريكي بقوة لنشرها منذ النصف الثاني للقرن العشرين

كما يقدم هنتينجتون نقدا مباشرا للهجرات اللاتينية الأمريكية والسماح بتدريس اللغة الأسبانية واستخدامها كلغة ثانية رسمية في العديد من المدن والولايات الأمريكية، وهنا يظهر قلق هنتينجتون الخاص من المهاجرين اللاتينيين الأمريكيين على الهوية الأمريكية بعد أن أصبحوا يمثلون 12 % من تعداد الشعب الأمريكي، ونظر لارتباطهم الوثيق بأوطانهم الأصلية القريبة من الولايات المتحدة

كما يبدي هنتينجتون قلقا خاصا تجاه من ينادون بإقرار اللغة الأسبانية كلغة ثانية رسمية، ويرى أن ذلك يعد أحد أخطر التهديدات الموجهة للهوية الأمريكية لأنه ينذر بتحول أمريكا لبلد ذو هوية لغوية ثنائية إنجليزية-أسبانية

رابعا: يرى هنتينجتون أن سقوط الاتحاد السوفيتي وعدم تبلور عدو جديد للولايات المتحدة ساهم في ضعف التفاف الأمريكيين حول هويتهم خاصة في أواخر القرن العشرين

ويرى هنتينجتون أن التغيرات الكبرى السابقة والتحولات العديدة التي شهدها المجتمع الأمريكي أدت إلى تراجع مصادر الهوية الأمريكية الرئيسية وهي الإثنية البريطانية والعرق الأبيض والدين المسيحي والثقافة الإنجليزية – البروتستانتينية

إذ ساعدت الهجرات الأوربية العديدة غير الإنجليزية كالألمان والإيطاليين وغيرهم إلى الولايات المتحدة على إضعاف أهمية الإثنية البريطانية في الهوية الأمريكية، وأضعفت دعاوى التعددية والعلمانية دور الثقافة المسيحية، كما أضعفت ثورات الحقوق المدنية دور العرق أو العنصر الأبيض كمصدر للهوية، وإن كان هنتينجتون يرى أن العنصرية مازالت قوية وحية وتمثل عامل تمييز أساسي داخل المجتمع الأمريكي خاصة على المستوى الاقتصادي والسياسي حيث يبرز نفوذ الأمريكيين البيض

سيناريوهات أربعة لمستقبل الهوية الأمريكية

يرى هنتينجتون أن التحديات السابقة يمكن أن تؤدي إلى واحد من التبعات الأربعة التالية على الهوية الأمريكية في المستقبل

أولا: فقدان الهوية الأمريكية وتحول أمريكا إلى مجتمع متعدد الثقافات والأديان مع الحفاظ على القيم السياسية الأساسية، ويرى هنتينجتون أن هذا السيناريو يفضله كثير من الليبراليين الأمريكيين ولكنه سيناريو مثالي يصعب تحققه

ثانيا: تحول أمريكا إلى بلد ثنائي الهوية "إنجليزي-أسباني" بفعل زيادة أعداد ونفوذ الهجرات اللاتينية الأمريكية

ثالثا: ثورة الأمريكيين البيض لقمع الهويات الأخرى، ويرى هنتينجتون أن هذا السيناريو هو احتمال قائم ويدرس إمكانات وقوعه ودوافعه بالتفصيل خلال الفصل قبل الأخير من كتابه

رابعا: إعادة تأكيد الهوية الأمريكية من قبل الجميع والنظر لأمريكا كبلد مسيحي تعيش به أقليات أخرى تتبع القيم الأنجلو-بروتستانتينية والتراث الأوربي والعقيدة السياسية الأمريكية كأساس لوحدة كافة الأمريكيين

مستقبل الهوية الأمريكية ودور الإسلام في تشكيلها

في مقابل هذه التهديدات والسيناريوهات يطرح هنتينتجون رؤية بديلة لإعادة بناء الهوية الأمريكية، تقوم على استشراف بعض التغيرات الجذرية الإيجابية الطارئة على المجتمع الأمريكي في الفترة الأخيرة، والتي من شأن تأكيدها عودة الروح للهوية الوطنية الأمريكية، ويعني هنتينجتون بهذه التغيرات تحولين أساسيين، أولهما عودة الأمريكيين للدين المسيحي وزيادة دور المسيحية في الحياة العامة الأمريكية، وثانيهما الدور الذي يمكن أن يلعبه الإسلام كعدو أساسي جديد لأمريكا

فيما يتعلق بدور المسيحية يرصد هنتينجتون مظاهر الصحوة الدينية بالولايات المتحدة خاصة خلال عقد التسعينات، وهي صحوة سادت مختلف الطوائف الدينية الأمريكية وعلى رأسها الجماعات الإنجليكية والذين زادوا بنسبة 18 % خلال التسعينات ونجحوا في بناء عدد كبير ومؤثر من المؤسسات السياسية، بل سعى بعض قادتهم مثل بات روبرتسون وجيري فالويل لخوض مجال العمل السياسي

ويؤكد هنتينجتون على حقيقة أن المجتمع الأمريكي هو أكثر المجتمعات الأوربية تدينا مما يجعله أرض خصبة لعودة الدين خاصة بعد أن ضاق الأمريكيون بشكل متزايد منذ الثمانينات بالمشاكل الأخلاقية التي انتشرت في مجتمعهم مثل انتشار الإدمان والجنس والعنف

ويقول هنتينجتون أن هناك عودة عامة للدين في أمريكا انعكست على الروايات الأمريكية وظهرت في الشركات والمؤسسات الاقتصادية، كما أثرت على الحياة السياسية، مشيرا إلى الحضور الكبير للقضايا الدينية والمتدينين في إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جورج دبليو بوش

ويبشر هنتينجتون بأن العودة للمسيحية – والتي تعد أحد الركائز الأساسية للهوية الأمريكية – تمثل عاملا هاما في دعم الهوية الأمريكية ونشرها خلال الفترة الراهنة

كما أن الصحوة الدينية – وفقا لتحليل هنتينجتون - تصب مباشرة في الدور المساعد الذي يمكن أن يلعبه الدين على الساحة الدولية وخاصة في تعريف عدو أمريكا الجديد وهو الإسلام

وهنا يرى هنتينجتون أن عداء بن لادن لأمريكا هو عداء ديني، وأن الأمريكيين لا يرون الإسلام على أنه عدو لهم ولكن "الإسلاميين المسلحين، المتدينين منهم والعلمانيين، يرون أمريكا وشعبها ودينها وحضارتها كأعداء للإسلام"، ونتيجة لذلك يرى هنتينجون أن "البديل الوحيد للأمريكيين هو أن ينظروا لهؤلاء الإسلاميين المسلحين بأسلوب متشابه"

ثم يبدأ هنتينجتون في وصف نفوذ الإسلاميين المسلحين ويقول أنهم كونوا شبكة دولية لها خلايا عبر العالم وأنهم يدخلون الانتخابات في بعض الدول ويسعون لتجنيد مسلمي الغرب ويتخذون المساجد كقواعد وغطاء لهم

كما يقول هنتينجتون أن الإسلاميين المسلحين يختلفون عن السوفيت في أنه لا توجد دولة واحدة تضمنهم كما أنهم لا يسعون لتقديم بديل سياسي واقتصادي عالمي للغرب كما فعل السوفيت، وذلك لأن هدفهم الأساسي هو تدمير الغرب

ثم يبدأ هنتينجتون في توسيع تعريفه للعدو الإسلامي أكثر فأكثر فيقول أن المسلمين دخلوا في العقود الأخيرة حروبا طالت البروتستانت والكاثوليك ومسلمين آخرين وهندوس ويهود وبوذيين وصينيين، وأن المسلمين حاربوا في كوسوفا والبوسنة والشيشان وكشمير وفلسطين والفلبين، وأن مشاعر المسلمين السلبية تجاه أمريكا زادت في التسعينات، وأن الشعوب الإسلامية لم تتعاطف مع الأمريكيين بعد الحادي عشر من سبتمبر، وأن عداوة الشعوب الإسلامية لأمريكا عميقة وليست بسبب إسرائيل فهي مدفونة في الحقد على الثروة الأمريكية والسيطرة الأمريكية والعداء للثقافة الأمريكية في شقيها العلماني والديني

وينهي هنتينجتون فكرته بتوقع دخول أمريكا حروب مع دول وجماعات مسلمة في السنوات القادمة مما يرشح الإسلام بشكل واضح للعلب دور العدو الأساسي والكبير الذي يوحد الأمريكيين ضده

خاتمة وتعليق

في نهاية هذا المقال نحب أن نؤكد على خطورة ما ورد في الكتاب الراهن من أفكار لأن الكتاب يحول الإسلام من عدو تصاغ حوله علاقات أمريكا الخارجية - وهي الفكرة التي طرحها هنتينجتون في كتاب صدام الحضارات والتي قد تؤثر أو لا تؤثر على حياة المواطن الأمريكي العادي الذي قد لا يهتم كثيرا بالعلاقات الدولية - إلى عدو تصاغ حوله هوية المواطن الأمريكي العادي اليومية مما قد يرسخ بشكل غير مسبوق عداء المواطن الأمريكي للإسلام والذي لا يعد – وفقا لرؤية هنتينجتون نفسه – مصدرا أساسيا من مصادر تهديد الهوية الوطنية الأمريكية