Sunday, December 05, 2004

تحديات داخلية أمام جهود أمريكا لتحسين صورتها
بقلم: علاء بيومي

الناشر:
جريدة الرياض، 5 ديسمبر 2004

نص المقال

التقرير الذي أصدرته حديثاً لجنة علم الدفاع التابعة للبنتاجون بخصوص جهود أمريكا لتحسين صورتها في العالم كشف بشكل غير مسبوق عن المعوقات الداخلية التي تواجه المسئولين الأمريكيين الساعين خلال الفترة الراهنة، ويمكن تحديد هذه المعوقات في مثلث أساسي ضلعه الأول هو ضعف قدرة إدارة جورج دبليو بوش على قيادة جهود تحسين صورة أمريكا، وضلعه الثاني هو سياسات أمريكا في العالم الإسلامي ذات التأثير العكسي، أما ضلعه الثالث فهو عجز الإدارة الأمريكية عن تعريف الحرب على الإرهاب وأهدافها لأكبر مسئوليها
فيما يتعلق بدور القيادة الأمريكية كشف التقرير عن ضعف الدور الذي قام به الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وكبار مساعديه في تعبئة جهود الولايات المتحدة لتحسين صورتها في العالم بعد 9/11، فالإدارة الأمريكية - كما يرى التقرير - اكتفت ببعض التعديلات السطحية والمحدودة التي اتخذتها بعد أحداث سبتمبر وخلال الحرب على العراق مثل تأكيد الرئيس الأمريكي خلال خطاباته على أن الحرب على الإرهاب ليست حرباً على الإسلام، وإطلاق بعض وسائل الإعلام الموجّه للخارج كراديو سوا وتلفزيون الحرة، ومحاولة التحكم في نوعية الأخبار المرسلة من العراق من خلال إرسال بعثات إعلامية مرافقة للجنود الأمريكيين
على الجانب الآخر والأهم عجزت إدارة بوش عن إحداث تغييرات هيكلية أو هامة في الأسلوب أو المؤسسات المعنية بتحسين صورة أمريكا في العالم، كما غاب دور وزارة الخارجية في القضية ذاتها حتى أن منصب نائب وزير الخارجية لشئون الدبلوماسية العامة ظل خالياً لمدة سنتين من بين الأعوام الأربعة الأولى من عمر إدارة بوش، فالنائبة الأولى شارلوت بيرز تركت منصبها بعد 18شهراً، والنائبة الثانية مارجريت تيتويلر تركت منصبها بعد ستة شهور، أما وزارة الدفاع فقد أنشأت مكتباً للإعلام الاستراتيجي في اكتوبر 2001م ثم أغلقته في فبراير 2002م بعد أن اتهم بعض المسئولين الحكوميين الأمريكيين المكتب بأنه ينوي توزيع معلومات كاذبة للإعلام الدولي مما قد يعود بالسلب على مصداقية أمريكا المتدهورة
إضافة إلى ذلك غاب التنسيق بين مؤسسات الحكومة الأمريكية المعنية بالأمر، فلم توجد هيئة واحدة - كما يوضح التقرير - معنية بالتخطيط الاستراتيجي والتنسيق بين الإدارات وتقييم جهود تحسين صورة أمريكا في العالم، كما تركت الهيئات المعنية بالتخطيط الاستراتيجي وإجراء بحوث الرأي العام داخل وزارة الخارجية الأمريكية بميزانيات وسلطات محددة للغاية، أكثر من ذلك لم تتعد ميزانية حملة أمريكا لتحسين صورتها أكثر من 1.2بليون دولار أمريكي، وهو ما يعادل - كما أبرز التقرير - أقل من ربع الواحد في المائة من ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية
فيما يتعلق بسياسات الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط أكد التقرير منذ بدايته على قضية أساسية وهي أن جهود أمريكا لتحسين صورتها تمر بأزمة ومعوقات عديدة ولكن هذه المشاكل والمعوقات ليست الأسباب الوحيدة المسئولة عن تردي صورة أمريكا في العالم بما في ذلك أوروبا والدول الغربية، لذا ذكر التقرير على أن تحسين صورة أمريكا لن يتحقق عن طريق توزيع مزيد من المعلومات أو صياغة رسائل إعلامية أفضل للعالمين العربي والإسلامي، لأن المشكلة الأساسية هي مشكلة "مصداقية"
وهنا تحدث التقرير بوضوح غير مسبوق عن أن "سياسات أمريكا تجاه قضايا الإسرائيليين والفلسطينيين والعراق في عامي 2003و 2004 دمرت مصداقية أمريكا وقدرتها على الإقناع"، وقال التقرير: "إن تدخل أمريكا المباشر في العالم الإسلامي أدى بشكل مركب إلى تصعيد مكانة المتطرفين والتأييد الذي يحصلون عليه في العالم الإسلامي، في الوقت الذي أدى فيه إلى تراجع صورة أمريكا في أوساط الجماهير المسلمة والعربية، كما ساعدت سياسات أمريكا منذ 9/11على نشر شبكات الإرهاب والجماعات الإرهابية

أما المشكلة الثانية التي تواجه مصداقية أمريكا في المنطقة فهي حديث الإدارة الأمريكية المستمر عن قضية نشر الديمقراطية والحرية في العالم الإسلامي، وذكر التقرير أن الشعوب المسلمة والعربية تنظر إلى حديث أمريكا عن نشر الديمقراطية على أنه نوع من "النفاق" الهادف إلى خدمة مصالح أمريكا الذاتية

أما الضلع الثالث والأهم من ضلوع مثلث المشاكل الداخلية التي تواجه حملة أمريكا لتحسين صورتها في العالم فهو يتعلق بعجز المسئولين
الأمريكيين عن نشر تعريف محدد للحرب على الإرهاب وهدف هذه الحرب والذي تصب فيها جهود أمريكا لتحسين صورتها في العالم
حيث أكد التقرير في بدايته على أن الحرب على الإرهاب أصبحت تمثل الإطار المعرفي العام الذي يتم من خلاله الحديث عن دراسة وتقييم والتخطيط لجهود أمريكا لتحسين صورتها في العالم ضمن ما يسمى بحرب الأفكار، فالحرب على الإرهاب - كما يذكر التقرير - حلت لدى الكثيرين محل الحرب الباردة. ولكن التقرير أظهر بشكل متكرر عدم وجود تعريف واضح - لدى المسئولين الأمريكيين المعنيين بتحسين صورة أمريكا في العالم - للحرب على الإرهاب وأهدافها وهوية العدو الذي تواجهه أمريكا حتى أن التقرير نفسه استخدم في جملة واحدة أربعة ألقاب شائعة - وإن كانت غامضة ومختلفة - لوصف الجماعات التي تحاول أمريكا هزيمتها في حربها ضد الإرهاب إذا وصفهم على أنهم "متطرفون، مسلحون، إسلاميون، وجهاديون"، دون أن يقدم تعريفاً دقيقاً لكل مصطلح والفروق التي تفصله عن المصطلح الآخر، وعن صورة المسلم المعتدل الذي لا يمثل مشكلة لأمريكا

لذا سعى التقرير لتقديم فهمه الخاص لهدف أمريكا في الحرب على الإرهاب، وهنا يمكن القول إن التقرير قلل بشكل ملحوظ من أهمية هزيمة الجماعات المتطرفة كالقاعدة للفوز بالحرب على الإرهاب، فالتقرير يرى أن المشكلة الأساسية تتعلق بعلاقة أمريكا بالعالم الإسلامي، فالعالم الإسلامي - كما يرى التقرير - يمر منذ فترة بعمليات تحول وإحياء وتغيير تاريخية كبرى، والقوى الأكثر تأثيراً في هذا التحول هي القوى الإسلامية، حتى أن التقرير قسم المجتمعات المسلمة في علاقتها بأمريكا إلى خمس فئات أساسية وهي: النظم، والنخب غير الملتزمة بقضايا معينة، والطبقة الكبيرة المتعاطفة مع الإسلاميين، والإسلاميين أنفسهم، ثم الإسلاميين الراديكاليين الذين تحاربهم أمريكا، كما ذكر التقرير أن الإسلاميين الذين لا يؤمنون باستخدام العنف ويؤمنون بالتسامح والتعددية هم "مركز الجاذبية الحقيقي في العالم الإسلامي اليوم"، لذا رأى التقرير أن هدف أمريكا الأساسي يجب أن يركز على التأثير على نظرة حركات الإصلاح والتغيير الإسلامية بالعالمين العربي والإسلامي لأمريكا والتأكد من رؤى هذه الجماعات لن تكون معادية للولايات المتحدة

لذا نصح التقرير المسئولين الأمريكيين بأهمية النظر إلى فئات المجتمع الإسلامي نظرة مركبة تتدارك الفروق الموجودة بين طبقات المجتمعات الإسلامية المختلفة وتوجيه رسائل إعلامية مختلفة لكل فئة تتناسب مع حجم تعاطفها مع الولايات المتحدة، هذا إضافة إلى علاج مشاكل السياسة الأمريكية، كما قدم التقرير عددا كبيرا من النصائح المتعلقة بتشجيع دور الإعلام الأمريكي الخاص في حملة أمريكا لتحسين صورتها في العالم، وكذلك تفعيل دور الإدارة الأمريكية القيادي في الحملة والاستعانة بوسائل الاتصالات المتقدمة في هذه الجهود

وفي الخاتمة يجب طرح سؤال هام بخصوص ما إذا كانت الإدارة الأمريكية سوف تستفيد من هذا التقرير ومضامينه الهامة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن إجابة مؤلفي التقرير أنفسهم على هذا السؤال، إذ أبدى التقرير تشاؤم واضعيه من دور الدراسات ومؤسسات الأبحاث الحكومية في توجيه آراء صناع القرار وتعديل سياساتهم ومواقفهم، إذ أكد التقرير على أن "نتائج الأبحاث لا تستخدم بشكل كاف في صياغة وترويج السياسات"، كما أن صناع السياسات والدبلوماسيين والقادة العسكريين لا يقدرون في الغالب أهمية الإنصات للباحثين، كما أنهم نادراً ما يطلبون الإطلاع على الأبحاث والدراسات التي في الغالب ما تصلهم متأخرة

No comments: