Thursday, May 18, 2006

تحول أفغانستان غير المؤكد من الاضطراب إلى الاستواء
عرض بقلم: علاء بيومي

الناشر: الجزيرة نت، 18 مايو 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص العرض

يتميز البحث الراهن بدرجة عالية من الجرأة على النقد والتحليل لمواقف الدول الكبرى وعلى رأسها أميركا تجاه أفغانستان بدعوى الواقعية، كما يتضمن عدد كبير من النصائح العملية التي يطالب المؤلف أميركا والدول المانحة بتطبيقها لمنع أفغانستان من الانهيار

مؤلف التقرير هو بارنت روبين وهو أكاديمي الأميركي عمل في الماضي كمستشار لمبعوث الأمانة العامة للأمم المتحدة الخاص لأفغانستان، كما عمل كمدير لدراسات السلام بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية – وهو أحد أشهر مراكز الأبحاث الأميركية - وعنه تصدر دورية فورين أفاريز (شؤون خارجية) المعروفة

التقرير صادر عن مجلس العلاقات الخارجية ويبدأ بمقدمة من رئيس المجلس السياسي والأكاديمي الأمريكي المعروف ريتشارد هاس يعبر فيها من خشيته من أن التطورات بالعراق غطت على جهود إعادة الاستقرار لأفغانستان وبناءه، ومن أن الوضع في أفغانستان مازال غير مستقر خاصة مع تدهور الوضع الأمني فيه مؤخرا، ويقول هاس أن عودة أفغانستان لوضع الاستواء أو الوضع الطبيعي ليست مؤكدة، معربا عن أمله في أن يساعد التقرير الراهن في رصد بعض الحلول للمشكلات العديدة التي تواجه أفغانستان حاليا

الدول المانحة تتهرب من الالتزام

يبدأ التقرير بمقدمة سريعة عن أوضاع بأفغانستان منذ بداية عام 2006، حيث يشير المؤلف إلى المؤتمر الذي عقد في لندن في نهاية يناير 2006 بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير وأميركا وحوالي ستين دولة ومنظمة دولية مانحة ومعنية بالأوضاع في أفغانستان، وذلك بهدف تقوية التزام المجتمع الدولي بإعادة بناء أفغانستان خلال السنوات الخمس المقبلة، حيث أصدر المؤتمر في نهايته إعلانا عرف باسم "اتفاقية أفغانستان"

وتتضمن الاتفاقية تأييدا لخطة إعادة بناء أفغانستان التي قدمتها الحكومة الأفغانية بالمؤتمر، كما تقدم إستراتيجية لتطبيق تلك الخطة، وتحث الدول المانحة على زيادة كم وفعالية مساعداتها لأفغانستان، كما تضع حكومة أفغانستان والمجتمع الدولي موضع محاسبة على نجاح أو فشل الخطة

وهنا يقول المؤلف أن حكومة أفغانستان معروفة ومن السهل محاسبتها، ولكنه يتساءل عما يعنيه المجتمع الدولي وعن كيفية محاسبته، ويشير أسفا إلى أن أميركا وبريطانيا وعدد من الدول المانحة عارضوا أن تكتب المعاهدة بشكل يسمى الدول والمنظمات المشاركة فيها ويضعها موضع المسئولية عن تطبيق الاتفاقية والمحاسبة على فشلها، حيث فضلت الدول المانحة أن تضع المسئولية على "المجتمع الدولي" كهوية نظرية

الوضع الأمني

الجزء الأول من التقرير يرصد عدد من التحديات الأمنية الرئيسية التي تواجه أفغانستان، أول هذه التحديات هي ضعف التنسيق بين القوات الأمريكية - وهي قوة الأمن الرئيسية المعنية بمهام قتالية - والقوات الأمنية التابعة لحلف الناتو والتي ترفض القيام بمهام قتالية

ثانيا: زيادة عمليات الجماعات المتمردة وقدرة هذه العمليات على إلحاق خسائر في الأرواح بين القوات الأمريكية والمدنيين الأفغان، خاصة بعد أن تحول العراق لساحة لتدريب الجماعات المعارضة لأميركا وتصدير هذه الجماعات لأساليبها القتالية لأفغانستان كما يرى المؤلف

ثالثا: يتحدث المؤلف عن التوتر بين أفغانستان وباكستان بسبب مشاكل تاريخية كترسيم الحدود والحرب الكلامية بين الرئيس الأفغاني حامد كارازي ونظيره الباكستاني بارفيز مشرف، واتهام الحكومة الأفغانية لباكستان بدعم طالبان وبعدم الرغبة في استقرار أفغانستان، ومخاوف باكستان من ترويج الهند لاستخبارات معادية لباكستان لدى كابول

رابعا: يطالب التقرير الحكومة الأمريكية مساعدة نظيرتها الأفغانية على تعريف علاقاتها الدولية خاصة مع جيرانها بآسيا كإيران والصين وروسيا، حيث يرى المؤلف أن بناء علاقات إيجابية بين كابول وتلك الدول سوف يعطي الحكومة الأفغانية دوافع أقوى للشرعية والاستقرار كما أنه سيشجع تلك الدول المجاورة على التعاون في إعادة بناء أفغانستان وجلب الاستقرار لها

خامسا: يطالب التقرير أميركا والقوات الدولية بالعمل مع الحكومة الأفغانية لتطوير قانون حقوقي موحد لعمل القوات الأمنية المختلفة بأفغانستان وتطبيق ذلك القانون بحزم على جميع الأطراف بما في ذلك القوات الأميركية وشركات الأمن الأميركية الخاصة الموجودة في أفغانستان

الحكومة وحكم القانون وحقوق الإنسان

على مستوى بناء مؤسسات الدول الأفغانية يقول بارنت روبين أن وجود قوات أمن وشرطة قوية وحده لا يكفي فهناك حاجة لقضاء مستقل وقوي، ويشتكي روبين من سيطرة العلماء على القضاء الأفغاني وخاصة من رئيس مجلس العلماء ورئيس مجلس القضاء الأفغاني فظل هامدي شينواري، حيث يرى يتهم شينواري بالفساد وبضعف المعرفة، وإن كان يشيد في نفس الوقت باستخدام حامد كارازي لشينواري في التفاوض مع الطالبان، وينادي روبين بحل مجلس القضاء بصورته الحالية وتعيين محكمة دستورية عليا كما ينص الدستور، وبتعيين قضاء جدد أكفاء ذوي مؤهلات علمية عالية

وفيما يتعلق بالسلطة التشريعية يرى المؤلف أنه ليست هناك حاجة كبيرة لممثلي الشعب في الفترة الحالية وذلك لضعف موارد ووظائف السلطة التنفيذية الأفغانية بشكل قوي، فالحكومة الأفغانية عاجزة تقريبا عن تقديم الخدمات، ومن ثم فليس هناك حاجة لمجلس تشريعي للرقابة عليها

التنمية الاقتصادية والاجتماعية

الجزء الثالث والأخير من التقرير يتناول الأوضاع الاقتصادية في أفغانستان مشيرا إلى أن أفغانستان تحتل حاليا المرتبة رقم 173 من بين 178 دولة في التنمية البشرية على مستوى العالم

ويبرز المؤلف حقيقة أن الشعب الأفغاني من أصغر شعوب العالم عمرا مما يفرض على الحكومة الأفغانية خلق أكبر عدد من الوظائف لشعبها الشاب في السنوات المقبلة

كما يشير إلى أن صادرات الأفيون المنتج في أفغانستان مثلت في عام 2005-2006 من حيث عوائدها 38% من الناتج القومي الأفغاني الأصلي (بعيدا عن تجارة المخدرات)، وأن 80% من عوائد تجارة المخدرات تذهب إلى التجار الكبار والعصابات وحلفائهم الفاسدين في الحكومة الأفغانية وليس للمزارعين الفقراء الذين يضطرون لزراعة المخدرات هروبا من ديونهم لدى أباطرة وعصابات المخدرات

وينتقد التقرير الدول المانحة وعلى رأسها أميركا لضغوطها المستمرة على الحكومة الأفغانية للقضاء على تجارة المخدرات، حيث يرى أن القضاء على تلك المخدرات دون إيجاد بديل معاشي للفقراء الذين يعتمدون عليها هو أمر خاطيء، كما يرى أن القضاء السريع على تجارة المخدرات سوف يترك تبعات اقتصادية سلبية عديدة على مختلف جوانب الاقتصاد الأفغاني الهش مثل مستوى البطالة والاستثمار وميزان المدفوعات وسعر تبادل العملات

في المقابل يقترح المؤلف استبدال سياسة القضاء على تجارة المخدرات بهدف أخر وهو تقليص حجم هذه التجارة مقارنة بإجمالي الناتج القومي الأفغاني تدريجيا والسعي لتطبيق برامج تنمية شاملة توفر نظام معيشي بديل لمن يعتمدون على تلك التجارة، بما في ذلك تنمية المناطق الريفية، ونشر الكهرباء والمياه النظيفة والطرق الممهدة والإعفاء من الديون وزيادة الوظائف غير الزراعية، كما يطالب التقرير الدول المانحة بتمويل صندوق خاص تابع للأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان على وقف تلك التجارة وعلاج مشاكلها من خلال برامج تنمية شاملة

خاتمة واقعية

في خاتمة التقرير يقول المؤلف أن تقريره حرص على التعامل مع التحديات التي تواجه أفغانستان بشكل واقعي، مؤكدا على أن تلك التحديات قائمة وأن العالم يعرف عن خبرة فداحة تكاليف الفشل في مواجهة تلك التحديات
للإطلاع على النص الكامل للعرض يرجى زيارة الوصلة التالية

Saturday, May 13, 2006

سبل مكافحة الإسلاموفوبيا في البيئة الأمريكية
بقلم: علاء بيومي

الناشر: جريدة الحياة، 13 مايو 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص المقال

هل هناك اقتراحات عمليه لمكافحة الإسلاموفوبيا يمكن استنباطها من خبرة الأقليات المسلمة بالغرب

الاقتراح المنطقي الأول هو أن نبني على ما انتهي إليه الآخرون فالدراسات المختلفة التي أجريت على الأقلية المسلمة بأمريكا تؤكد أن الحوار مع الأخر هو نشاط دائم لغالبية (أكثر من ثلثي) المساجد والمراكز الإسلامية بالولايات المتحدة، وأعلم من خبرات شخصية مباشرة أن المراكز والمؤسسات الإسلامية في الولايات المتحدة عادة ما تتلقى دعوات للحوار والتعريف بالإسلام تفوق طاقاتها الاستيعابية من حيث الموارد البشرية والمادية والمعرفية

هذا يعني أن فرص الحوار موجودة والمطلوب هو الاستغلال الجاد والواعي لتلك الفرص والبناء عليها من خلال جهود واعية ومنظمة

ويقودنا هذا للحديث عن الاقتراح أو الدرس الثاني، والذي يتعلق بأهمية البرامج في قضية الحوار مع الغرب والتعريف بالإسلام، فلكي تنجح أية جهود تعريفية بالإسلام - أو أي جهد بشري اجتماعي بصفة عامة - لابد وأن يعتمد هذا الجهد على منهج علمي يضع له أهداف محددة ومعايير لقياس مدى نجاح القائمين عليه أو فشلهم في تحقيق هذه الأهداف ومحاسبتهم إذا فشلوا

فالتشويه الذي تتعرض له صورة الإسلام والمسلمين بالولايات المتحدة هو نتاج لأسباب تراكمت على مدى عقود إن لم يكن قرون، ومن ثم لا يجب لأحد أن يقترح أو يتصور أن مكافحة الإسلاموفوبيا ممكنة خلال شهر أو شهرين أو عدة سنوات، فنحن بحاجة لعقود من الجهد المنظم للتعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة، ومن ثم نحن بحاجة إلى برامج ذات أهداف إستراتيجية متوسطة وأخرى بعيدة المدى تطبق على مدى سنوات وعقود مستقبلية

ثالثا: مكافحة الإسلاموفوبيا هي مهمة مؤسسات وليست مهمة أفراد، فللمؤسسة ذاكرة وقدرة على التنسيق والعمل تفوق قدرة الفرد الواحد على الرغم من أهمية المبادرات الفردية، ولكن المبادرات الفردية تظل دائما في حاجة لمؤسسات ترعاها وتساندها وتقدم لها الدعم المادي واللوجيستيكي الذي يتعدى إمكانيات الفرد المستقل

رابعا: تصميم برامج مكافحة الإسلاموفوبيا جهد متخصص يحتاج لخبرة شركات متخصصة في مجال العلاقات العامة والدعاية وذات خبرة في مجال تحسين العلاقة بين الجماعات العرقية والإثنية والدينية المختلفة بالمجتمعات الغربية المستهدفة

ويجب هنا ألا ننسى أن لكل مجتمع ثقافته وأدوات العمل السياسي والإعلامي والاجتماعي المقبولة داخله والخطوط الحمراء الثقافية العديدة المعلنة أو الضمنية التي قد لا يدركها سوى أبناء ذلك المجتمع

وبالطبع هذه الهيئات ليست جديدة على الساحة الأمريكية نظرا لأن خبرة الأقليات الأمريكية – كاليهود والأفارقة الأمريكيين - في التعامل مع هذا النوع من المنظمات وتطويرها هي خبرات واسعة ومعروفة وذات أطر علمية تدرس

ولو حاولنا – على سبيل المثال – أن نضع أطر عامة لبرنامج مقترح لمكافحة الإسلاموفوبيا لأمكننا البدء باستطلاع مفصل لموقف الرأي العام الأمريكي تجاه الإسلام والمسلمين أصدره مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) - وهو أكبر منظمات الحقوق المدنية المسلمة الأمريكية - في مارس 2006

الاستطلاع حدد بوضوح الفئات التي تميل للنظر للإسلام بشكل إيجابي، وعلى رأسها الأمريكيون الذين يمتلكون أصدقاء ومعارف مسلمين، والأمريكيون الذين يمتلكون قدرا أكبر من المعرفة بالدين الإسلامي، والأمريكيون الأعلى تعليميا، والأمريكيون من أصحاب الرؤى الليبرالية

في المقابل يميل الأمريكيون المحافظون وغير المتعلمين وقليلو المعرفة بالإسلام والأقل اتصالا بشكل مباشر بالمسلمين للنظر بشكل سلبي للإسلام والمسلمين

إضافة إلى ما سبق سئل الاستطلاع المشاركين فيه عما ينتظروه من المسلمين، فقالوا أنهم يريدون من المسلمين بأن يدينوا الإرهاب بشكل أقوى وأعلى صوتا، وأن يظهروا اهتمامهم بتحسين ظروف المرأة المسلمة، وأنه يساعدوا على تحسين صورة أمريكا في العالم الإسلامي، وأن يعبروا عن اهتمامهم بقضايا المجتمع الأمريكي الداخلية

النتائج السابقة مهمة على عدة مستويات، فهي تقول لنا أن أي برنامج ناجح لمكافحة الإسلاموفوبيا في أمريكا لابد وأن يضع من بين أهدافه إيجاد فرص للتواصل الإيجابي المباشر بين المسلمين والشعب الأمريكي، وزيادة معرفة الأمريكيين بالإسلام

كما ينبغي على هذا البرنامج أن يعمل على كسب مزيد من الأصدقاء من بين الليبراليين وأصحاب التعليم العالي بأمريكا

على صعيد رسالة هذا البرنامج الإعلامية والفكرية، يجب – كما يوضح الاستطلاع بجلاء - أن يركز على توضيح موقف الإسلام المدين للإرهاب، وعلى توضيح اهتمام المسلمين بقضايا المرأة وبقضايا المجتمع الأمريكي الداخلية، وعلى حرص المسلمين على مكافحة مشاعر العداء لأمريكا في العالم الإسلامي، هذا إضافة إلى التركيز على القيم المشتركة بين الإسلام والمسلمين من ناحية والمجتمع الأمريكي من ناحية أخرى

وبالطبع تحتاج هذه البرامج لأدوات تطبقها على أرض الواقع في مرحلة التطبيق شديدة الأهمية، وتتراوح هذه الأدوات بين الإعلانات، وحلقات النقاش، والتقارير التي ترصد الإسلاموفوبيا وترصد تطورها ومصادرها

صياغة مثل هذه الأدوات عملية صعبة تحتاج للتمكن من مهارات مختلفة تتعلق بمخاطبة الرأي العام الأمريكي، ولكنها ليست عملية مستحيلة، المهم هنا أن يقوم على ذلك مؤسسات متخصصة ذات خبرة كافية في العمل داخل المجتمع الأمريكي ذاته

في النهاية نتمنى أن تكون هذه السطور مفيدة للمنابر المتزايدة المعنية بتشجيع الحوار بين المسلمين والغرب ومكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا، كما نأمل أن تمثل هذه المقالة دافعا لتلك المنابر لكي تتحول من مستوى النقاش حول هذه الظاهرة الهامة والخطيرة، لمستوى تطوير برامج علمية عملية لعلاجها

للإطلاع على النص الكامل للمقال، يرجى زيارة

http://www.daralhayat.com/classics/05-2006/Item-20060512-29b14e93-c0a8-10ed-01d1-b9b793d4da5e/story.html

Monday, May 01, 2006

حكم أميركا: تاريخ الثروة والقوة في دولة ديمقراطية
عرض بقلم: علاء بيومي

الناشر: الجزيرة نت، 1 مايو 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص العرض

الكتاب الراهن يحاول الإجابة على سؤال على أعلى قدر من الأهمية وهو "من يحكم أمريكا؟"، وذلك من خلال منهج يترفع عن التفاصيل ويحاول تسليط الضوء على الصورة الكبرى من خلال تتبع خصائص النخب الأمريكية وتطورها على مدى التاريخ الأميركي

ويجمع الكتاب – الصادر عن مطابع جامعة هارفرد الأميركية - بين صفحاته ثمانية أبحاث رئيسية يغطي كل منها النخب الأميركية خلال فترة تاريخية معينة بداية من نشأة أميركا وحتى الوقت الراهن، كما يتضمن الكتاب مقدمة وخاتمة - بأقلام محرريه - تحاولان تفسير الخصائص المشتركة للنخب الأمريكية

منهج الكتاب ضد نظرية المؤامرة

في مقدمة الكتاب يتحدث محرراه – وهما ستيف فارسر المحرر والكاتب الأمريكي وجاري جرستيل أستاذ التاريخ بجامعة ميرلاند الأميركية – عن ندرة الدراسات الأميركية التي تتحدث عن دور النخب في التأثير على سياسة أميركا، ويقولان أن ذلك يرجع لعدة أسباب رئيسية من بينها تأكيد الثقافة الشعبية الأميركية على مفاهيم معينة مثل تساوي الأميركيين، وسهولة الحراك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي داخل المجتمع الأميركي، وطبيعة المجتمع الأميركي كبوتقة صهر كبيرة تذوب فيها الأعراق والثقافات والطبقات

كما دفعت الحرب الباردة الأميركيين لرفض الاشتراكية وتركيزها على الصراع الطبقي داخل المجتمعات، أضف إلى ذلك دور النخب الأميركية في نبذ الحديث عن نفوذها وسطوتها داخل المجتمع

ونتيجة للعوامل السابقة يرى محررا الدراسة أن الحديث عن دور النخب الأميركية قد ينظر إليه باستهجان على أنه انخراط في نظرية المؤامرة أو على أنه محاولة لإثارة الصراع الطبقي داخل أميركا

في المقابل يرى المحرران أن التاريخ الأميركي يؤكد على وجود النخب وعلى دورها المحوري، كما يؤكدان على أنها منهج كتابهما بعيد كل البعد عن نظرية المؤامرة

كما يؤكد المحرران على أن النخب الأميركية تعرف كيف تتكيف وكيف تحاول تغيير نفسها تفاديا لثورة الجماهير، وكيف تنظم النخب الإميركية أحيانا الثورات المضادة للرد على الثورات الجماهيرية والشعبية كما حدث في العقود الثلاثة الأخيرة.

الجذور التاريخية للنخب الأميركية الحاكمة

لو حاولنا العودة تاريخيا للوراء – مستفيدين من الكتاب – للبحث جذور النخب الأمريكية الحاكمة حاليا لكان مفيدا لنا أن نبدأ بأواخر القرن التاسع عشر الميلادي، حيث يركز أكثر من فصل من فصول الكتاب - من الرابع وحتى السابع - على تلك المرحلة، والتي شهدت تبلور نخبة أمريكية تعيش في الشمال الشرقي من الولايات المتحدة وخاصة في مدينة نيويورك والتي تحولت إلى المركز المالي بأمريكا وفي مدينة بوسطن والمدن الشمالية الصناعية، كما شهدت نمو مساعي تلك النخب إلى التأثير على العاصمة الأمريكية واشنطن بعد أن بدأت الأخيرة تتمتع بقدر متزايد من النفوذ والسلطة داخل أمريكا بعدما كان يستخف بها في الماضي

وتتحدث فصول الكتاب عن أسر أمريكية معينة مثل أسرة جي بي مورجان والتي كونت ثرواتها من مجال البنوك الإقراض، وأسرة روكفلر العاملة في مجال النفط، وأسرة كارنيجي العاملة في مجال التعدين، وهي جميعها أسر صناعية مالية تمركزت في الشمال الشرقي للولايات المتحدة في مقابل نخب الجنوب والغرب الإقطاعية والاستعبادية الأقل حظا من الثروة والنفوذ في ذلك الحين

وتشير فصول الكتاب إلى أن أسر تلك النخبة تزاوجت فيما بينها، وبنت نواديها الخاصة، ومولت الجامعات الكبرى مثل هارفرد وبرينستون ويال ومن بعدهم كولومبيا وتركزت فيها، كما رفضت تلك النخب البيضاء الأنجلو-بروتستانتينية أن يدخل اليهود والسود والكاثوليك والفقراء نواديها، وتعاملت باستعلاء مع المجتمع في أواخر القرن التاسع عشر، ولكنها شعرت في نفس الوقت بالخوف من الجماهير وبعدم الأمان النابع من تفشي الأخلاق المظهرية والسلبية وعدم الكفاءة داخلها

لذا سعت تلك النخب لإنشاء مدارس خاصة لتعليم أولادها تتميز بالقواعد الأكاديمية والأخلاقية الصارمة، كما بحثت عن ثقافة جديدة تقوم على الرجولة والقوة الجمسانية وتناسق الجسد ورشاقته وعلى حدة الفكر وقوة القرار والشخصية، فنموذج تلك النخب الأخلاقي المثالي هو نموذج السياسي أو الثري المحنك الذي يتمتع بقدر عالي من العلم والذكاء والحكمة والكفاءة، ويتمتع في الوقت نفسه بقوة جسمانية لا تخلو من عصبية وحماس وعدم التردد في منازلة خصومه بالأيدي إذا تطلب الأمر

لذا يرى مؤلفو فصول الكتاب أن هذه الثقافة لم تخلو من نزعة
من يحكم أميركا الآن؟

يقودنا هذا إلى الحديث عن بداية تبلور النخب التي تحكم أمريكا في يومنا هذا كما يحددها مايكل ليند - الباحث بمركز نيو أمريكان فاوندايشين بواشنطن - في الفصل الأخير من الكتاب، حيث يقول ليند أن جذور النخبة الأمريكية الحالية تعود إلى المرحلة التالية لفترة الكساد الكبير والتي شهدت تدخل الدولة للحد من نفوذ نخب الشمال الشرقي الصناعية والمالية والتي قادت تصرفاتها الأنانية إلى الكساد الكبير، حيث تدخلت الدولة من خلال برامج حكومية كبرى لإعادة توزيع الثروة داخل المجتمع الأميركي - عن طريق نشر الصناعة والتصنيع في الجنوب والغرب الأميركيين، وهي برامج عرفت باسم "العهد الجديد"

ولكي تنجح برامج "العهد الجديد" احتاجت الحكومة الأميركية - تحت قيادة الرئيس فرانكلين روزفلت - إلى بناء تحالف جديد من النخب الأميركية لمواجهة تحالف نخب الشمال الشرقي، وقد تكون التحالف الجديد من نخب شمالية تقدمية معنية بالحقوق المدنية ومعارضة لأنانية نخب الشمال الشرقي التقليدية، ومن نخب جنوبية وغربية أميركية رجعية رافضة لإنهاء نظام العبودية فعليا رغم القوانين والسياسات التي تناهضه، ولكنها في نفس الوقت تريد إنهاء سيطرة الشمال الشرقي الليبرالي على مقاليد الصناعة والبنوك

وكان روزفلت يأمل في أن تؤدي سياسات "العهد الجديد" لتحجيم نفوذ الشمال الصناعي وفي تغيير ثقافة الجنوب والغرب الأميركيين، إذ توقع روزفلت أن يؤدي انتشار الصناعة في الجنوب الأميركي إلى تقوية الأفارقة الأميركيين وتغيير ثقافة الجنوب الرجعية القائمة على رفض حقوق الأقليات والمهاجرين وعلى التشدد الديني والثقافي

ولكن ما حدث لم يكن في الحسبان، إذا أدت سياسات "العهد الجديد" بعد مرور عقود عليها إلى توزيع الصناعات والثروة بنشرها في الجنوب الذي أصبح أكثر ثراءا ولكنه حافظ على ثقافته الرجعية ولم يغير من موقفه ضد الأفارقة الأمريكيين الذين هربوا للشمال في ظروف صعبة متجمعين في المدن الكبيرة التي تدهورت ظروفها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية بسبب نزوح أعداد كبيرة من أفارقة الجنوب المشردين إليها وتجمعهم في أحياء غلب عليها الفقر والبطالة والجريمة، مما أدى بدوره إلى نزوح بيض المدن الكبرى إلى الضواحي والمناطق الريفية ومن ثم إلى مدن الجنوب، وبهذا حدث تغير ديمغرافي ضخم نما باستمرار خلال العقود الأخيرة وساعد على إعادة توزيع الثروة والنفوذ السياسي داخل أميركا

ويقول ليند أن عقد الستينات شهد نهاية التحالف بين نخب "العهد الجديد"، إذ ساندت النخب التقدمية ثورة الحقوق المدنية وبقت في الحزب الديمقراطي، أما نخب الجنوب وولايات الوسط الغربي فقد عارضت ثورة الحقوق المدنية وثقافة اليسار الجديد فتركت الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري، حيث أخذت معها ثرواتها التي حققتها منذ الثلاثينات

ويقول ليند أن تحالف جديد بين نخب الجنوب وولايات الغرب والوسط الأميركي من ناحية وقيادات الجماعات الدينية المسيحية من ناحية أخرى بدأ في الظهور منذ أوائل السبعينات، وانضم الحزب الجمهوري في عهد ريجان بقوة لهذا التحالف، كما وجد هذا التحالف في المحافظين الجدد حليفا قويا على ساحة السياسة الخارجية بسبب نشاطهم الفكري والإعلامي

ويرى ليند أن التحالف الجديد سيطرت عليه داخليا ثقافة الجنوب التي تميل إلى التركيز على الصراعات العرقية والإثنية والدينية، إضافة إلى نزعة تلك الثقافة المعادية للأفكار والمثقفين، وإلى ميل تلك الثقافة إلى التحزب والصراع، وبفعل تحالف النخبة الجديد أصحبت ثقافة الجنوب الثقافة السياسية السائدة في أمريكا

أما الديمقراطيون فقد مالوا في المقابل إلى

للإطلاع على النص الكامل للعرض، يرجى زيارة

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/022AAD10-E66C-4939-87C4-4A925B81965E.htm