Saturday, November 26, 2005

الرأي العام الأمريكي والسياسة الخارجية: قراءة في استطلاعات حديثة
بقلم: علاء بيومي
نص المقال

لا ينبغي لمعارضي سياسة الإدارة الأمريكية الحالية تجاه الشرق الأوسط المبالغة في تضخيم تأثير معارضة الرأي العام الأمريكي لحرب العراق على سياسة أمريكا الخارجية

النصيحة السابقة هي – من وجهة نظري – الخلاصة الأكثر واقعية وموضوعية لنتائج بعض أحدث وأشمل استطلاعات موقف الرأي العام الأمريكي تجاه السياسة الخارجية الأمريكية في الوقت الراهن

ونقصد هنا - على وجه التحديد - الاستطلاع الذي أصدره مركز بيو لاستطلاعات الرأي بالتعاون مع مجلس العلاقات الخارجية في السابع عشر من شهر نوفمبر الحالي، والاستطلاع الذي أصدرته منظمة الأجندة العامة في يونيو الماضي ونشرت مجلة فورين أفاريز العريقة - الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية - نتائجه في عدد سبتمبر/ أكتوبر 2005

أسباب التفاؤل

معارضي سياسة الرئيس جورج دبليو بوش قد يجدون في الاستطلاعين السابقين أسباب عديدة تدفعهم للتفاؤل المبالغ فيه في بعض الأحيان، سبب ذلك قد يعود جزئيا إلى أن الاستطلاعين – تماشيا مع استطلاعات يصعب حصرها تجريها وسائل الإعلام الأمريكية بصفة يومية – يشيران إلى أن معارضة الرأي العام الأمريكي لسياسة الإدارة الأمريكية في العراق، وفي الشرق الأوسط، وتجاه العالم، وداخل أمريكا في ارتفاع

إحصاء منظمة بيو – على سبيل المثال – يشير في مقدمته إلى أن النخب الأمريكية المهيمنة على صناعة القرار والرأي العام أصحبت أقل مساندة لفكرة أن تلعب أمريكا دور "الأول بين متساويين" على المستوى الدولي، وهو ما يعني أن قادة الرأي العام الأمريكي يريدون من الإدارة الأمريكية أن تمارس سياسة خارجية أكثر تواضعا

وهنا يجب الإشارة إلى أن استبيان منظمة بيو قام باستطلاع أراء جماعتين رئيسيين، الجماعة الأولى تكونت من مواطنين عاديين، أما الجماعة الثانية فتكونت من قادة رأي وصناع قرار في مجالات الإعلام، والسياسة الخارجية، والأمن، والجيش، والحكومات المحلية، والأكاديميين والباحثين، والقادة الدينيين، والعلماء والمهندسين، والجيش

كما يوضح الاستطلاع أن 42% من الأمريكيين يرون أنه ينبغي على أمريكا أن تهتم بشئونها الداخلية وأن تترك لدول العالم حرية إدارة شئونهم الداخلية والدولية، وهي النسبة الأكبر من الأمريكيين التي توافق على هذه الفكرة منذ منتصف السبعينات والفترة التالية لحرب فيتنام

كما يرى 66% من الأمريكيين أن العالم أصبح أقل احتراما لأمريكا اليوم مقارنة بالماضي، وعندما سئل الاستطلاع المشاركين فيه عن الأسباب التي قادت لتراجع احترام العالم لأمريكا، قال 71% من قادة الرأي المشاركين في الاستطلاع أن حرب العراق هي سبب رئيسي في ذلك، وهي فكرة أيدها 87% من الجماهير التي شاركت في الاستطلاع

هذا إضافة إلى تراجع رضا الشعب الأمريكي (جماهير وقادة رأي) على سياسات إدارة الرئيس جورج دبليو بوش خلال السنوات الأربعة الأخيرة بنسب تتراوح بين 5-24%

فعندما سئل الاستطلاع الجماهير التي شاركت فيه عن مستوى رضاهم عن سياسات الرئيس جورج دبليو بوش عبر النسبة الأكبر منهم عن عدم رضاهم على سياسات بوش تجاه العراق (57%)، وتجاه السياسة الخارجية بصفة عامة (51%)، ونحو الاقتصاد (56%)، وبخصوص الهجرة (54%)

في المقابل عبر 52% من الجماهير التي شاركت في الاستطلاع عن رضاهم على سياسة الرئيس جورج دبليو بوش تجاه الإرهاب

كما عبر المشاركون في الاستطلاع (خاصة قادة الرأي منهم) بصفة عامة عن تشاؤمهم بخصوص نجاح سياسة الإدارة الأمريكية تجاه العراق أو تجاه العالم بشكل عام

استطلاع منظمة الأجندة العامة عبر عن نتائج مشابهة إذا عبر عن عدم رضا 65% من المشاركين فيه عن قدرة سياسات الرئيس الأمريكي على بناء علاقات إيجابية مع العالم الإسلامي، كما عبر 56% من المشاركين فيه عن اعتقادهم بالا تتمكن الإدارة الأمريكية من تحقيق أهدافها في العراق

لذا تنبأ الاستطلاع السابق بأن تضطر إدارة الرئيس جورج دبليو بوش إلى إدخال تعديلات على سياساتها تجاه العراق خلال عام على الأكثر استجابة لمعارضة الرأي العام الأمريكي المتزايدة لسياسة إدارته في العراق

كما تنبأت دراسة ثالثة نشرتها مجلة فورين أفاريز في عددها الصادر في أكتوبر/ نوفمبر 2005 لأستاذ علوم سياسية بجامعة ولاية أوهايو الأمريكية يدعى جون مولر بأن تصيب حرب العراق السياسة الخارجية الأمريكية بعقدة أشبه بعقدة فيتنام، وقد استند مولر في توقعه هذه على مقارنة موقف الرأي العام الأمريكي تجاه حرب العراق مع موقف الرأي العام الأمريكي تجاه حربي فيتنام وكوريا، حيث توصل من هذه المقارنة إلى أن عقدة العراق تسير على نفس مسار عقدة فيتنام بشكل يصعب تفاديه

أسباب الحذر

على الجانب الأخر احتوت الاستطلاعات لسابقة – إذا تمت قراءتها بحذر وموضوعية – على مؤشرات عديدة توضح أن النظرة السابقة هي نظرة مبالغ فيها، وفيما يلي الأسباب التي تدفعنا لهذا الاعتقاد

أولا: غياب الإجماع

الاستطلاعات السابقة تسير إلى أن إجماع الرأي العام الأمريكي على أمر ما بنسبة تفوق الثلثين أو أكثر هو أمر موجود وقائم في مجالات عديدة، ولكنه للأسف ليس قائما فيما يتعلق بسياسات الإدارة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط

إذ يشير استطلاع مركز بيو إلى أن 84% من الجماهير الأمريكية ترى أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تحافظ على تقاربها مع أوربا الغربية، كما يرى 86% من الجماهير أنه يجب أن تضع الإدارة الأمريكية جهود الدفاع عن أمريكا ضد الإرهاب على قمة أولويتها، ويرى 84% من الشعب الأمريكي أن الحفاظ على الوظائف يجب أن يكون من أولويات الإدارة الرئيسية

وهذا يعني أن هناك إجماع واضح وقوي في أوساط الشعب الأمريكي على أولايات السياسة الخارجية الأمريكية، ولكن هذا الإجماع القوي غير قائم عند الحديث عن سياسات بعينها

فعند الحديث عن قدرة الإدارة الأمريكية على بناء ديمقراطية في العراق نجد أن 56% من الجماهير يوافق و37% لا يعتقدون ذلك، وعند الحديث عن تأثير قرار الحكومة الأمريكية بشن حرب عسكرية على العراق نجد أن 48% من الشعب الأمريكي مازال يعتقد ذلك في مقابل 45% يعارضون هذا الرأي، كما ينقسم الرأي العام الأمريكي على نفسه عند سؤاله حول ما إذا كانت الحرب على العراق ساعدت الحرب على الإرهاب، حيث يوافق ويعارض الرأي السابق نسبة 44% من الشعب الأمريكي

هذا يعني أن الشعب الأمريكي يفتقر للإجماع عن الحديث عن بدائل سياسية معينة، فالشعب الأمريكي يميل للتشاؤم بخصوص سياسة أمريكا الخارجية بشكل عام وتجاه العراق بشكل خاص، وهو تشاؤم يبدو في ازدياد ولكنه لم يصل لنقطة الإجماع بعد

ثانيا: الاستقطاب الحزبي والاحتقان الأيدلوجي

أحد أهم أسباب غياب الإجماع في أوساط الشعب الأمريكي تجاه سياسات الإدارة الأمريكية هي حقيقة تشير لها الدراسات السابقة مجتمعة وهي ظاهرة الاستقطاب الحزبي الشديد في أوساط الشعب الأمريكي

فدارسة منظمة الأجندة العامة تشير إلى أن 77% من الأمريكيين ذوي التوجه الديمقراطي يشعرون بالقلق من ارتفاع عدد القتلى الأمريكيين في العراق، في حين تنخفض هذه النسبة إلى 33% فقط في أوساط المساندين للحزب الجمهوري، وبفارق يصل إلى 44%

نفس الحقيقة يؤكد عليها تقرير مركز بيو الذي يقول أن "الخلافات الحزبية أكبر من الفارق بين الجماهير وصناع الرأي عندما يتعلق الأمر ببوش وسياساته"، ويشير الاستطلاع إلى أن 81% من الجمهوريين الذي شاركوا فيه عبروا عن رضاهم العام على سياسات الرئيس بوش في مقابل 15% فقط من الديمقراطيين الذي عبروا عن رضاهم على سياسات بوش بفارق يصل إلى 66%

ويعني ذلك أن الإدارة الأمريكية يمكنها أن تجد كثير من المساندة لمواقفها في أوساط الجمهوريين، كما أن يجد القادة الديمقراطيون المعارضين لسياسات الإدارة الأمريكية أنفسهم في موقف بالغ الصعوبة لصعوبة بناء الجسور مع القواعد الجماهيرية الجمهورية بسبب حالة الاحتقان الأيدلوجي البالغة الراهنة

ثالثا: عاطفية الرأي العام الأمريكي

يزيد من صعوبة التعويل على مواقف الرأي العام الأمريكي حقيقة هو أن الرأي العام الأمريكي مثله كشعوب أخرى عديدة يتميز بدرجة كبيرة من العاطفة والوطنية والرغبة في الوحدة عند الشعور بالخطر، وهو أمر يجب فهمه والتعامل معه دون لوم المواطن الأمريكي العادي عليه

فالشعب الأمريكي بدا أكثر تفاؤلا وعاطفية مقارنة بالنخب وصناع القرار المشاركين في استطلاع مركز بيو، فعندما سئل الاستطلاع المشاركين فيه عن مدى تفاؤلهم بخصوص قدرة أمريكا على بناء دولة ديمقراطية بالعراق عبر 56% من الجماهير عن تفاؤلهم وهي نسبة فاقت بكثير نسبة الفئات النخبوية التي شاركت في الاستطلاع كالإعلاميين والأكاديميين فيما عدا أفراد الجيش الأمريكي (64%)

كما أن الجماهير تساند أداء بوش بصفة عامة بنسبة (51%) تفوق مساندة أي فئة نخبوية أخرى للرئيس فيما عدا القادة الدينيون (55%)

كما يبدو الشعب الأمريكي مقارنة بصناع القرار والسياسة أكثر تأييدا لتشديد قوانين الهجرة مقارنة بقادة الرأي والسياسة، وأكثر خوفا من المعاهدات الاقتصادية الدولية، وأكثر إيمانا بأن قرار الحرب على العراق كان قرارا صحيحا وبأن الحرب على العراق ساعدت الحرب على الإرهاب

رابعا: فيما وراء العراق

عندما سئل استطلاع بيو المشاركين فيه عن تصورهم عن أسباب تدهور صورة أمريكا في العالم، ذكر المواطنين العاديين (في مقابل صناع الرأي والقرار) الذي شاركوا في الاستطلاع ما يلي

ذكر 60% من الجماهير أن سبب تدهور صورة أمريكا الرئيس هو ثروة أمريكا قوتها

ذكر 54% أن السبب هو الحرب الأمريكية على الإرهاب

ذكر 52% أن السبب هو نزعة أمريكا العسكرية

ذكر 39% أن السبب هو مساندة أمريكا لإسرائيل

ذكر 33% أن السبب هو مساندة أمريكا للنظم العربية السلطوية
ذكر 22% أن السبب هو تدين أمريكا

الإجابة السابقة استوقفت القائمين على الاستطلاع حيث حرصوا على الإشارة إلى قلة نسبة الأمريكيين العاديين الذين يعتقدون أن مساندة أمريكا لإسرائيل هي سبب في تراجع صورتها عبر العالم، خاصة وأن نسب كبيرة من نخب الرأي والسياسة الأمريكية رأت أن سياسة أمريكا تجاه إسرائيل هي سبب رئيسي لتراجع صورة أمريكا، حيث وافق على هذا الرأي 78% من الإعلاميين، و69% من خبراء العلاقات الدولية، و53% من السياسيين، و59% من الأكاديميين، و58% من القادة الدينيين، و72% من رجال الجيش الأمريكي

وهو ما يعني أن المبالغة على التركيز على موقف الرأي العام الأمريكي المعارض للسياسة الأمريكية تجاه العراق قد يشغل البعض عن ملاحظة موقف الرأي العام الأمريكي المحير تجاه قضايا عربية ودولية أخرى هامة

خامسا: موقف الإعلام الأمريكي مضلل

أحد أهم نتائج الاستطلاعات السابقة - من وجهة نظري - هو أنها كشفت عن حقيقة هامة وهي حقيقة موقف الإعلام الأمريكي بين نخب صناعة القرار والرأي العام بالولايات المتحدة، حيث يشير استطلاع مركز بيو على وجه الخصوص أن الإعلاميين والأكاديميين والعلماء بشكل خاص يمثلون جزءا من المعسكر الليبرالي بالولايات المتحدة، وذلك في مقابل نخب أخرى كالجيش والقادة الدينيين والسياسيين الذين يميلون نحو التيار اليمين المحافظ بشكل أوضح

وهذا يعني أن قراءة موقف الإعلام الأمريكي الذي يغلب عليه التوجه الليبرالي لا يكفي لمعرفة موقف الرأي العام الأمريكي بشكل عام تجاه السياسية الخارجية أو موقف النخب الحاكمة في الولايات المتحدة

فالإعلام الأمريكي ليبرالي التوجه، لذا يصعب على المتابع المهتم أن يتخذ من الإحصاءات والأخبار السلبية التي تنشرها وسائل الإعلام الليبرالية عن سياسة الإدارة الأمريكية الخارجية بصفة يومية مؤشرا على موقف الرأي العام الأمريكي من تلك السياسات

خاتمة

الحقائق السابقة ليست دعوة للتشاؤم من موقف الرأي العام الأمريكي أو لرفض العمل معه، فالعمل على تغيير موقف الرأي العام الأمريكي تجاه قضايا العالمين العربي والإسلامي ضرورة لا بد منها لتحسين العلاقة بين الولايات المتحدة والشعوب المسلمة والعربية، ولكن لكي يتحقق ذلك لابد وأن نبني مثل هذا الجهد على رؤية موضوعية للأمور تؤمن بضرورة خوض الطريق الصعب والشاق

أخيرا يجب الإشارة إلى تنبأ دراسات عديدة بأن موقف الرأي العام الأمريكي تجاه قضية العراق على وجه الخصوص وصلت لدرجة غير مسبوقة من عدم الرضا عن سياسات الإدارة الأمريكية الراهنة، مما قد يرغم الإدارة الأمريكي في الوقت المنظور على تغيير سياساتها، وهي تنبؤ إيجابي لمعارضي سياسات الإدارة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، يجب الاستبشار به دون مبالغة أو تفريط

No comments: