الثورات كحالة
إبداع
بعد عام على الثورة المصرية بدأت
أشعر أني أخطئت تكرار في حق الثوار المصريين حين طالبتهم - مثل كثيرين غيري -
بالتوحد في أحزاب أو منظمات تجمعهم وخلف قيادات تتحدث باسمهم، ولأني شعرت بالإحباط
نتيجة لتعدد الجهات التي تتحدث باسمهم والجماعات التي تعبر عنهم وبسبب تعدد أراءهم
ومواقفهم السياسية.
فبعد عام كامل وبعد قراءة عدد
من الأدبيات عن الحركات السياسية الجديدة في عالمنا العربي ومتابعة عدد من شباب
الثوار في مصر تحديدا بدأت أشعر أن تفرقهم هذا ميزة إن لم يكن ضرورة نتمنى
انتشارها.
والسبب في ذلك هو أن ثوارنا
هم بمثابة مجموعة من الطلاب المبدعين الذين رفضوا النظام التعليمي القائم وما يطرح
عليهم من دروس مملة وأساتذة هرموا يفتقدون الإبداع والفكر الجديد، ولو حاولنا قمع
الطالب المبدع وطالبناه بحضور الدرس وحفظه وإتباع الأستاذ لأنتهي بنا الأمر أمام
جيل جديد إضافي يعيد إنتاج مشاكلنا ويساهم في زيادتها.
ونظرا لأننا تعودنا على
النظام التعليمي القديم العقيم ولأننا لا نثق في أنفسنا أو في قدرتنا على تعليم
أبنائنا و العمل خارج النظم البالية العتيقة، فلا بد وأن نسعى بحسن نية قبل شيء
أخر لقمع الطالب المبدع ورفض إبداعه وعقابه عليه وتصويره على أنه مارق فاشل لن يصل
إلى شيء سوى هدم نفسه وإضاعة مستقبله ومستقبلنا معه.
ولم يشفع لطلابنا المبدعين
أنهم فجروا ثورة أذهلت العالم بتحضرها ورسالتها وطابعها السلمي، فشعورنا بالقلق
وعدم فهمنا لإبداعهم وتعودنا على نظام التعليم القديم البالي طغى على كل شيء.
الصورة السابقة (صورة الطالب
المبدع الذي نسعى لقمعه) ليست من اختراعي، فهي تظهر بوضوح في عدد لا بأس به من
الكتب التي تتحدث عن الحركات السياسية الجديدة في عالمنا العربي وفي كتابات شباب
الثورة أنفسهم والذين يكنون كثير من الاحترام للأجيال السابقة ولمجتمعاتنا وقيمها،
ولكنهم يرفضون بشدة الأسلوب الذي نعيش به ورضانا به رغم كل ما يحدث.
فالدراسات تقول أن الثوار هم
جيل جديد تربى خلال السنوات الخمسة عشرة الأخيرة على عدم الرضا بالوضع السياسي
القائم في بلادنا، فوسائل الاتصال الحديثة مثل الانترنت والفضائيات أمدتهم بأفكار
جديدة وأشعرتهم بوجود شعوب خارج بلادنا تعيش حياة أفضل عنا بدون سبب واضح يجعلنا
نتخلف عنهم سوى الاستبداد وقيوده ونتاج قمعه لنا لعقود.
وقد شعر هؤلاء أن المؤسسات
السياسية القائمة سواء في المعارضة أو الحكم ليست كافية وأنها عاجزة عن إحداث
التغيير المطلوب، لذا لجئوا إلى وسائل جديدة مثل اللجوء للشارع مباشرة وللإعلام
الجديد والإضرابات ومحاولة توحيد القوى القائمة في تحالفات واسعة ومؤقتة تجمع أكثر
مما تفرق، كما سعوا للعمل مع أنفسهم كتحالفات شبابية.
لذا ينسب لهؤلاء الشباب أنهم
تقدموا على إبائهم وفجروا ثورة عظيمة دعوا الآخرين للانضمام إليها فانضموا ونجحت
ثورتنا، ويحسب لهم أنهم كانوا أكثر رفضا للوضع القائم وأكثر رفضا للحوار والمهادنة
وأن رفضهم هذا استمر أكثر من غيرهم حتى بعد سقوط نظام مبارك وكان لهم الفضل في
كثير من الانجازات التي تحققت حتى الآن رغم تكلفتها العالية من دمائهم وعيونهم
وسمعتهم أيضا.
وللأسف لم نحترم إبداعهم أو
نقدره وظللنا دائما نهاجمهم ونطالبهم بالتوقف وبالانضواء تحت القوى السياسية
القائمة وإتباع قادتها وأحكامها، والحمد لله أنهم لم يستجيبوا لنا وأدركوا قصر
نظرنا، فلو استجابوا لنا لكتبوا نهاية مبكرة للثورة وللتغيير الكبير الذي يسعون
لتحقيقه.
لذا علينا أن نعترف بقصورنا
وبتفكيرنا النمطي وأن نتراجع إلى الخلف قليلا ونركز على البناء بطريقتنا التي
تعودنا عليها ونترك للثوار حرية البناء على طريقتهم فقد يتمكنون يوما من بناء
المؤسسات التي عجزنا عن بنائها وزرع تقاليد جديدة تعيد اكتشاف ذاتنا في صورة أفضل
وأنقى وأحدث، والله أعلم.
علاء بيومي
No comments:
Post a Comment