Wednesday, June 20, 2007

هل فشل مسلمو وعرب أميركا في الإندماج؟

بقلم: علاء بيومي

الناشر:
جريدة البديل المصرية، 11 يونيو 2006

نص المقال

هناك من ينادي بفشل مسلمي وعرب أميركا في الإندماج بالمجتمع الأميركي لأسباب مختلفة، حيث يرى البعض بأن الحديث عن الإندماج في المجتمع الأميركي هو حديث غير مقبول من أساسه، إذ يؤمن هؤلاء لأسباب إيدلوجية دينية أو علمانية متباينة أن أميركا لن تقبل لعربي أو مسلم بالإندماج فيها بشكل يحفظ له هويته ويضمن له الدفاع بحرية عن قضايا أمته العادلة

في المقابل يرى بعض العلمانيين العرب المتشددين أن الحديث عن إندماج الأقليات المسلمة في المجتمعات الغربية بشكل يحفظ لهم هوياتهم وحقوقهم الدينية هو درب من التطرف أو التخلف أو كليهما معا، والذي يحمل المجتمعات الغربية فوق طاقتها، ويرى هؤلاء أن بقاء المسلمين والعرب في أميركا يحتم عليها الإنصهار لا الإندماج ثقافيا وسياسيا، وأن المطالبة بغير ذلك هو تطرف لن يقود سوى إلى الفشل

ولا تختلف الرؤى السابقة كثيرا عن رؤى بعض الجماعات الأميركية التي ترفض إندماج المسلمين والعرب في أميركا حيث ترى الجماعات العنصرية وبعض الجماعات المتشددة في مساندة إسرائيل أن سعي المسلمين والعرب للإندماج الإيجابي في المجتمع الأميركي هو مؤامرة سياسية تهدف إلى السيطرة على المجتمع الأميركي وفرض أجندات المسلمين والعرب على أميركا وسياستها، لذا يرى هؤلاء أن التحديات الطبيعية التي تواجه إندماج المسلمين والعرب في أميركا هي براهين حتمية على عدم قدرتهم على الإندماج في مجتمع غربي متقدم كالمجتمع الأميركي

ولو قلنا أن الرؤى السابقة متطرفة لا تعكس واقع مسلمي وعرب أميركا ومسيرة إندماجهم في المجتمع الأميركي، لكان ينبغي علينا البحث عن رؤى بديلة، وللعثور على تلك الرؤى رأينا أن نتفق مع القارئ أولا على بعض المسلمات المنطقية التي ينبغي أن تحكم نظرتنا نحو التجمعات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة

أول هذه المسلمات أن الهجرة حالة لا تقتصر على المهاجر وحده ولكنها ظاهرة بشرية واسعة الإنتشار يتعرض لها كل إنسان والذي لابد وأن يشعر في وقت من الأوقات بالغربة أو الإغتراب عما يدور حوله لأسباب مختلفة سياسية أو ثقافية أو إقتصادية ... ألخ، فمن منا لم يعاني الغربة وهو جالس وسط أهله أحيانا؟ ومن في العالم العربي اليوم وسماواته مليئة بالفضائيات لا يتعرض لثقافات وأفكار أجنبية أو جديدة بشكل يومي، هذا يعني ان الهجرة تكاد تكون ظاهرة عامة يعيشها بشكل مستمر أبناء عصر العولمة بدرجات مختلفة

المسلمة الثانية أن الغربة تفرض التغير، والتغيير قد يكون للأفضل أو للأسوأ، وأن الأنسان العاقل لابد وأن يبحث عن الأفضل لنفسه، ويكون ذلك بإنتقاء ما هو إيجابي من ماضيه وحاضره ومستقبله، وتجنب ما هو سلبي، خاصة وأن الطبيعة البشرية لا تعترف بالكمال، وأن لكل مجتمع مزاياه وعيوبه

بناء على ذلك يفترض على مسلمي وعرب أميركا بناء توليفة جديدة من القيم والأفكار التي تجمع بين ما هو إيجابي في ماضيهم العربي وحاضرهم الأميركي، وتتجنب ما هو سلبي، وهذا هو تقريبا تعريف الإندماج والذي يختلف عن الإنصهار، حيث يرى دعاة الإنصهار في المجتمع الأميركي أنه يتحتم على المهاجرين الجدد التخلي عن كل ما يربطهم بماضيهم من أجل أن يذوبوا بشكل كامل في حاضرهم الأميركي، في حين يشجع دعاة الإندماج المهاجرين الجدد على الإنتقاء بحرية بين ماضيهم وحاضرهم بحثا عن الأفضل

لذا يلاقي دعاة الإنصهار الأميركيين معارضة واسعة من قبل فئات أميركية مختلفة والتي عادة ما تذكرهم بأن أميركا مجتمع من المهاجرين إزدهر بالخبرات والكفاءات التي أحضرها المهاجرون إليه من مجتمعاتهم القديمة، وأن التقدم الذي تعيشه أميركا اليوم مدينا لعشرات الآلاف من أصحاب الكفاءات الذين تستقدمهم أميركا كل عام لسد حاجات سوق عملها المتنامي، وأن توقف تدفق هؤلاء المهاجرين الأكفاء هو بداية تراجع أميركا

المسلمة الثالثة هي أن الإندماج ذو شقين، أولهما قائم على سعي المهاجر للإندماج، وثانيهما قائم على موقف مجتمع المهجر ونخبه الحاكمة من ذلك الإندماج، فالهجرة والإندماج هما حالتان تفاعليتنان قد تصيران إلى الأفضل أو إلى الأسوأ، لذا يتحتم علينا أن نسأل أنفسنا سؤالا هاما، وهو: كيف نعد المهاجر العربي والمسلم لإندماج أفضل في المجتمع الأميركي بشكل يحفظ له هويته ويجعله عنصرا فاعلا مفيدا في مجتمعه الجديد وسفيرا لقضايا أمته العربية والمسلمة العادلة، ويقودنا هذا الحديث إلى السؤال عن مقومات الإندماج الرئيسية لمسلمي وعرب أميركا والتي نقسمها لثلاثة مقومات رئيسية، أولها مقومات نابعة من الوطن الأم، وثانيها مقومات نابعة من طبيعة الأقلية المسلمة والعربية ذاتها، وثالثها تتعلق بموقف المجتمع الأميركي وخاصة نخبه الحاكمة من الأقليات المسلمة والعربية الأميركية

دور الوطن العربي

المجتمعات العربية تنفق على أبناءها الكثير من تعليم ورعاية صحية وتنشئة قبل تقديمهم كمهاجرين أكفاء للولايات المتحدة، كما تزرع ظروف الحياة الصعبة في بعض المجتمعات العربية قيم العمل والكفاح الجاد لدى المهاجر العربي، هذا إضافة إلى تشجيع بعض المجتمعات العربية لأبناءها على السفر والمغامرة لأسباب مختلفة كالمجتمعات الساحلية، كما ترسل الدول العربية أبنائها للدراسة في أميركا، حيث يعد هؤلاء الطلاب رافدا هاما لتجديد دماء الأقليات المسلمة والعربية بشكل مستمر، ناهيك عن أن غالبية المنظمات المسلمة والعربية القائمة حاليا في الولايات المتحدة قامت على أكتاف الحركات الطلابية

على الجانب الأخر تعاني بعض المجتمعات العربية من مخاطر الهويات المنغلقة لأسباب دينية أو علمانية متباينة، وهي هويات تزرع في المؤمنين بها مشاعر إستعلاء وإنغلاق ورفض للأخر لا مبرر لها، كما تعاني المجتمعات العربية من ضعف معرفتها بالمجتمع الأميركي كمجتمع بشكل عام وندرة مصادر المعرفة الصحيحة عن هذا المجتمع هذا إضافة إلى إهمال قضية إعداد المهاجر وبناء قنوات إتصال بينه وبين وطنه خلال وجوده في مهجره، فمازالت غالبية الدول العربية تعتمد نوع من الدبلوماسية النخوبية والتي تقصر عمل المؤسسات الدبلوماسية العربية في أميركا على التواصل مع المؤسسات الأميركية الرسمية وعدم الإكتراث بتعبئة الأقليات المسلمة والعربية في المهجر أو التواصل معها

ولا يخفى على أحد القول أن حالة الإحتقان والتوتر السياسي التي تسيطر على علاقة الولايات المتحدة بالعالمين العربي والإسلامي منذ عقود تلقي بظلال سلبية عميقه على علاقة المهاجر المسلم أو العربي بمجتمعه الجديد

دور الأقليات المسلمة والعربية الأميركية

تتميز الأقليات المسلمة والعربية الأميركية في الوقت الراهن بتوحدها حول عدد من القضايا الهامة كالحقوق المدنية وتوضيح الصورة وتحسين سياسة أميركا الخارجية تجاه العالمين العربي والإسلامي، وهي قضايا دخلت في السنوات الأخيرة بيت كل مسلم وعربي بأميركا، ساعد على ذلك نمو المنظمات المسلمة والعربية الأميركية المستمر، هذا إضافة إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر الطاحنة التي كان لها الفضل في إضعاف التوجهات الإنعزالية في أوساط مسلمي وعرب أميركا، حيث أقنعت تبعات تلك الأحداث القاسية المسلمين والعرب المقيمين في أميركا بأن الإندماج النشط هو السبيل الوحيد للبقاء في ذلك المجتمع

هذا إضافة إلى طبيعة الأقلية المسلمة والعربية الأميركية ذاتها والتي تتميز بإرتفاع المستوى التعليمي والمادي نسبيا، فنسبة لا يستهان بها من مسلمي اميركا هم من أصحاب الكفاءات العلمية والمهنية الذين استعانت بهم أميركا لسد احتياجات سوق عملها

على الجانب الأخر مازالت الأقليات المسلمة والعربية تعاني من ندرة القيادات السياسية والإعلامية القادرة على تمثيل مصالحها لدى مؤسسات المجتمع الأميركي الكبرى والتي تمتلك في نفس الوقت حسا عاليا بقضايا ومصالح تلك الأقليات وتمتلك الشجاعة الكافية للدفاع عن تلك القضايا في دوائر السياسية والإعلام الأميركية، ساعد على ذلك الضعف النسبي للمؤسسات المسلمة والعربية النابع من قلة هذه المؤسسات وإفتقارها للموارد، وقد يعود ذلك إلى أن المهاجرين المسلمين والعرب قادمين أساسا من مجتمعات لا تشجع التنظيم السياسي، لذا تعاني أعداد كبيرة من المهاجرين المسلمين والعرب من ضعف مستويات نشاطهم السياسي ومن ثم مهاراتهم السياسية

دور المجتمع الأميركي

أميركا - كمجتمع قائم على المهاجرين ومر بثورة حقوق مدنية قوية - ترحب بالمهاجرين إلى حد كبير، فالتوجهات الليبرالية بالمجتمع الأميركي قوية وهي تشجع الهجرة وترحب بالمهاجرين، هذا إضافة إلى أن المدن الأميركية الكبيرة عالية التعديدة العرقية والإثنية بشكل يشعر المهاجر الجديد بأنه ليس غريبا بتلك المدن خاصة وأن المواطن الأميركي بشوش اجتماعي

على الجانب الأخر تعاني أميركا خلال السنوات الأخيرة من أوبئة خطيرة تهديد ميراثها كمجتمع يرحب بالمهاجرين وعلى رأس تلك الأوبئة إرتفاع صوت الجماعات اليمينية المعارضة للهجرة وللمهاجرين، وزيادة الفجوة بين الفقراء والأغنياء والتي تعصر الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي ينتمي إليها المهاجرون، هذا إضافة إلى موقف بعض النخب المسيطرة كالنخب اليمينية المتشددة واللوبي الموالي لإسرائيل تجاه الهجرات والأقليات المسلمة والعربية بشكل خاص وتجاه العالمين العربي والإسلامي بشكل عام

أضف إلى ذلك الهجمة الشرسة خلال السنوات الأخيرة على حقوق وحريات المسلمين والعرب في أميركا وعلى صورتهم في وسائل الإعلام الأميركية، والتضييق عليهم في الوظائف وفي إستخراج تصاريح الهجرة والتجنيس، وهي هجمة دفعت أعداد ليست بقليلة إلى ترك الولايات المتحدة والعودة إلى أوطانهم بعد أن أقنعتهم بأن أميركا لم تعد مجتمع الفرصة المفتوح كما كانت في الماضي

وفي الخاتمة يجب أن نؤكد على أن قدرة المهاجر المسلم والعربي على الإندماج الإيجابي في المجتمع الأميركي هي مسئولية مشتركة يتحملها المهاجر والمجتمعات العربية والمسلمة والمجتمع الأميركي والذي أغلقت بعض نخبه الحاكمة عقولها وقلوبها مؤخرا أمام المسلمين والعرب

No comments: