ماذا حدث للإسكندرية؟
كنا في الماضي نسمع أن الإسكندرية - عروس البحر الأبيض المتوسط - هي مدينة
الجاليات الأجنبية كاليونان والإيطاليين (الخواجات) والتجارة الرائجة والشواطئ
الواسعة والمصايف والتي يقصدها المصريون كل عام للاستجمام والراحة والمرح، فماذا
الذي جعلها مدينة الإخوان المسلمين والسلفيين باقتدار؟
إذ تشير النتائج الأولية لانتخابات مجلس الشعب المصري إلى أن 65% من أبناء
الإسكندرية صوتوا للإخوان والسلفيين.
أنصار التيار الديني لن يروا في الأمر إلا انتصارا لقيمهم ومبادئهم وتيارهم
وجهدهم الأرض خلال سنوات طويلة وفي ظروف صعبة تحت قمع نظام مبارك.
أما خصومهم فسوف يرون في الأمر دليلا جديدا على تفشي التيار السياسي المتدين في
أوساط المصريين وقدرة هذا التيار على السيطرة على عقول الناس من خلال خطابه الذي
يخلط الدين بالسياسة.
أما بالنسبة لي كباحث سياسي ولكثيرين غيري فالسؤال قد يحتاج لوقفه وإجابة
دقيقة؟
فلو افترضنا أن هناك تناقضا واضحا بين الصورتين (الإسكندرية كمدينة الجاليات
الأجنبية والمصايف والإسكندرية كمعقل للإخوان والسلفيين)، فإن الأمر يحتاج وقفة ودراسة
دقيقة للصورتين وكيف تحولت الإسكندرية من صورة إلى أخرى.
وفي اعتقادي أن الإجابة (والتي لم أبحثها جيدا حتى الآن) سوف تقترب من
التالي:
فسوف نجد أن الصورة الأولى التي ترتبط بالإسكندرية في الخمسينيات
والستينيات من القرن العشرين، وهي صورة نمطية وبعيدة للغاية عن الواقع، بل هي سبب
المشكلة.
فالمدينة مر عليها ستون عاما وأكثر، هاجر خلالها الأجانب بعد الثورة وتغير
نشاطها الاقتصادي أكثر من مرة في ظل اشتراكية ناصر وانفتاح السادات ورجال أعمال
مبارك.
هذا يعني أن مصانع وشركات فتحت وأغلقت، ومدن شيدت، وأفواج من السكان هاجروا
من الإسكندرية وإليها.
ومدينة عاشت كل ظروف مصر ومرت بسنوات حكم مبارك العجاف والتي لم يجد فيها
أبناء الإسكندرية مؤسسات مدينة (كأحزاب أو نقابات) يعودون إليها، ولم يجدوا من
يحتضنهم سوى الأسرة والمؤسسات الدينية من مساجد وكنائس على حد سواء.
وربما يذكرنا أحدهم بأن مصر كلها هجرت الإسكندرية، فهي لم تعد عروس البحر
الأبيض المتوسط، وأن أبناء الطبقات العليا والثرية في مصر باتوا يفضلون عليها
مارينا وأخواتها بالساحل الشمال، وتركوا شواطئ الإسكندرية لأبناء الطبقات الفقيرة
والمتوسطة.
لذا قد يصرخ أحدهم قائلا: أفيقوا، وانظروا جيدا لأهل الإسكندرية وحاولوا
فهمهم ولا تفرضون خيالاتكم علينا، بالله عليكم.
وبالنسبة لي فهذا يسمى في العمل السياسي بالخريطة الانتخابية، بمعنى أننا
في مصر ندير السياسة في أحيان كثيرة بناء على أمانينا أو أفكار أيدلوجية نتمسك بها
بشكل غير منطقي، وأن في بلدان أخرى أكثر تمرسا في العمل السياسي والديمقراطية يمتلك
السياسيون والمعنيون بالسياسة شيء يسمى خرائط انتخابية تساعدهم على رسم طريقهم
السياسي والانتقال من نقطة إلى أخرى.
فأنت لكي تعرف كيف تصوت مدينة ما عليك أن تعرف دخول أبنائها وخلفياتهم
الثقافية والاجتماعية والطبقية، وعليك أيضا أن تعرف طبيعة النشاط الاقتصادي
بالمدينة وأهم المؤسسات التي تقوم على رعايتهم.
معرفة العوامل السابقة سوف تقلل المفاجئة وسوف تساعدنا على التوقع بقدر
الإمكان، وعلى أن نكون صورة صحيحة لتوجهات المصريين التصويتية، وهي الصورة التي
ظلت غائبة عنا خلال عقود الاستبداد، وهي نفس الصورة بدأنا معرفتها لأول مرة خلال
الأيام الأخيرة بفضل الثورة والثوار والانتخابات.
لذا أقول في النهاية أن علينا أن نفهم جيدا ماذا حدث للإسكندرية؟ وماذا حدث
لمصر والمصريين؟ وأن نتوقف عن فرض أرائنا المسبقة والغير قائمة على قراءة دقيقة
للواقع على بلادنا وشعبها الكبير الرائع.
ولا أنسى أن أهنئ كل من فاز في الإسكندرية، والذين نم نقصد التقليل من
مكانتهم وأحقيتهم في هذا الفوز بأي حال، فلم نقصد من هذا المقال سوف استخدام
الإسكندرية - وما حدث فيها - مثالا للشرح والتوضيح.
وأتمنى لمن لم يحالفهم الحظ حظا أوفر في المرات القادمة، ولا أنسى بالطبع
شكر أهل الإسكندرية ومصر جميعا.
والله أعلم.
بقلم: علاء بيومي
No comments:
Post a Comment