Saturday, January 19, 2008

هيلاري كلينتون ... سيدة القصر الحديدية
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 19 يناير 2008

نص المقال

هل من الممكن أن تتحول النعمة إلى نقمة والقوة إلى مصدر ضعف؟ وهل من الممكن أن تتحول مظاهر القوة السياسية المتعددة إلى لعنة تطارد صاحبها وتحد من طموحه السياسي؟ وهل يحتاج السياسي إلى الخبرة والذكاء بقدر حاجته إلى الكاريزما وموهبة الفوز بإعجاب الجماهير وتعاطفهم؟

أسئلة هامة تتردد بكثرة في وسائل الإعلام الأميركية والدولية عند تغطيتها لأخبار حملة السيناتور هيلاري كلينتون - سيدة البيت الأبيض السابقة وعضو مجلس الشيوخ الراهنة والساعية للفوز بترشيح حزبها الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأميركية (نوفمبر 2008) - في مواجهة مجموعة من ذكور الحزب الأشداء يتقدمهم السيناتور الملهم باراك أوباما ذو الكاريزما الربانية والقدرة الطبيعية على الحديث المسترسل الذي يخلب الأذهان، والسيناتور السابق جون إدواردز والذي يصفه البعض "بولد الحزب الديمقراطي الذهبي" لما يتميز به من وسامه في الملامح تجعله أشبه بفتيان السينما الأميركية بالإضافة إلى ذكاءه الحاد ولكنته الجنوبية وتركيزه على قضايا الداخل الأميركي

عندما يطغى العقل على القلب

مصادر قوة هيلاري – المولودة في عام 1947 - عديدة وقديمة تعود إلى شخصيتها ومواهبها الفطرية فهي تنحدر من أسرة متوسطة الحال، وتمكنت - بذكائها وعملها الدائم ورغبتها في التحدي وإثبات نفسها كامرأة قادرة على التفوق على أقوى الرجال – من التقدم الدراسي والنشاط السياسي في سن مبكرة في دوائر الحزب الجمهوري والذي مالت إليه في البداية بحكم طبيعة أسرتها المحافظة

كما تمكنت من قيادة النشاط الطلابي كطالبة جمهورية في بداية دراستها الجامعية، ثم قررت ترك اليمين والتوجه لليسار تماشيا مع قناعاتها الشخصية وخبرتها الذاتية في عصر ثورة الحقوق المدنية الأميركية، كما غذت أفكارها بتجارب سياسية من خلال المشاركة في الحملات السياسية والرئاسية في عمر صغير، ولذا لما طلب منها إلقاء خطاب التخرج بجامعتها كأول طالبة يطلب منها ذلك نال خطابها اهتماما إعلاميا كبيرا بعدما صفق لها الحضور لسبعة دقائق متواصلة إعجابا بخطابها الجريء، والذي تضمن انتقادات لاذعة لسيناتور أميركي تحدث قبلها في الحفل الجامعي، وبذلك بنت هيلاري نفسها منذ البداية كأنثى حديدية تربو إلى أعلى المناصب وإلى منازلة أقوى الرجال

وسرعان ما التحقت هيلاري بدراسة القانون بجامعة يال الأميركية حيث تميزت بأبحاثها في مجال الدفاع عن حقوق الأطفال والتي أصبح بعضها مراجع قانونية هامة، كما التحقت بوظائف قانونية هامة بواشنطن، ولذا لما عرض بيل كلينتون عليها الزواج رفضته أكثر من مرة لأنه كانت تريد التركيز على مستقبلها بواشنطن، ويقال أن بيل لم يمل من تكرر عرضه، وفي إحدى المرات تزامن عرض بيل مع فشل هيلاري في اجتياز امتحان الحصول على رخصة ممارسة المحاماة بالعاصمة الأميركية واشنطن، وهي صدمة أفقدت هيلاري توازنها ودفعتها لإعادة التفكير في حياتها، ورأي أنها اعتادت تغليب عقلها على قلبها باستمرار، وأنها في حاجة إلى أن تنصت إلى قلبها وتسير ورائه ولو لمرة، وفي تلك اللحظة قررت هيلاري الزواج من بيل كلينتون

المرأة الحديدية

زواج هيلاري رودهام من بيل كلينتون لم يلغ عقلها، فقد استمرت هيلاري في عملها كمحامية عندما كان يعمل بيل حاكما لولاية أركانساس، ويقول البعض أن راتب هيلاري في تلك المرحلة كان يفوق راتب بيل بأضعاف، وإلى أنها اختيرت في تلك الفترة كواحدة من أفضل 100 محامي على مستوى الولايات المتحدة، كما أنها صبرت على نزوات زوجها العاطفية المتكررة

فخلال فترة حكم بيل كلينتون لإركانساس تعرض لاتهامات مختلفة بإقامة علاقات جنسية غير مشروعة، ويقال أن هيلاري ضاقت كثيرا بتلك الاتهامات وفكرت أحيانا في الطلاق ولكنها غلبت عقلها على قلبها وفضلت الاستمرار في زواجها وهو أمر حير الكثيرين

فهيلاري تقدم نفسها كامرأة متحررة وكمناصرة لحقوق النساء تطالب بمساواة المرأة مع الرجل وترفض معاملة المرأة أو الزوجة غير العادلة، فكيف ترضى لنفسها الحياة مع رجل كثير النزوات مثل بيل كلينتون، بل إنها غطت على تلك النزوات إلى حد سعيها إلى تقويض حجج النساء اللاتي اتهمن زوجها، والظهور مع بيل كلينتون أمام عدسات الكاميرا للدفاع عنه وعن زواجهما، والاستمرار في زواجهما بعد اعترافه بإقامة علاقات غير شرعية في فضائح شغلت أميركا والعالم كفضيحة مونيكا لوينسكي

ويقول البعض أن هيلاري صبرت في البداية لأنها لم تكن تريد أن تتحمل عبئ تربية ابنتهما الوحيدة تشيلسي المادي والمعنوي وحدها وهو تفسير تقليدي، ويقول البعض أنها حافظت على زواجها لطموحها السياسي وحتى لا يؤثر الطلاق على تطلعاتها وأهدافها المستقبلية

وهنا يتهم البعض هيلاري وبيل كلينتون بأنها سعيا للسيطرة السياسية منذ البداية وللعودة للبيت الأبيض مرة أخرى تحكم فيها هيلاري، ولما لا حيث يرى كثيرون أن هيلاري لم تكن زوجة رئيس عادية، فقد كانت بمثابة شريكة له في الحكم، وتولت قيادة مبادرات سياسية هامة مثل خطة التأمين الصحي التي سعت لترويجها في أوائل ولاية بيل كلينتون الأولى ولكنها فشلت، ويشير البعض إلى أن كلينتون لم يجد غضاضة في الاعتراف بدور هيلاري الهام في رئاسته معتبرا أن أميركا عندما اختارته رئيسا لها فقد اختارت معه رئيسة ثانية وهي هيلاري مع فارق واحد، وهو أن أميركا تدفع راتب رئيس واحد فقط للرئيسين بيل وهيلاري، حتى أن بعض الصحفيين اعتادوا على تسميتهما بالرئيس "بيلاري"

وقبل نهاية رئاسة بيل كلينتون رشحت هيلاري نفسها لعضوية مجلس الشيوخ عن إحدى أهم الولايات الأميركية (نيويورك)، وفازت بالمنصب مرتين متتاليتين حتى الآن، ونجحت في المرتين في جمع تبرعات ضخمة، وفي إنفاق أموال سياسية هائلة للفوز بالمنصب مرتين، إلى الحد الذي أغضب مسانديها قبل معارضيها بسبب يدها السياسية الثقيلة في انتخابات باتت محسوبة لها خاصة في ولايتها الثانية

وخلال فترة خدمتها بمجلس الشيوخ الأميركي شاركت هيلاري في عضوية لجان هامة مثل لجنتي القوات المسلحة والميزانية، وباتت تمثل واحدة من أهم قادة ورموز الحزب الديمقراطي بالولايات المتحدة

سيدة القصر

وعندما دخلت هيلاري سباق الرئاسة الأميركية (2008) حملت معها جعبة مليئة بالأسلحة وموارد القوة السياسية الفتاكة، فهي الأكثر جمعا للتبرعات بين المرشحين الديمقراطيين، والأكثر شهرة، والأكثر حظوظا بالفوز بالانتخابات وفقا لاستطلاعات الرأي المختلفة، وبجوارها يقف أهم زعيم ديمقراطي بالولايات المتحدة - بيل كلينتون - والذي شفي نسبيا من أمراض القلب التي منعته من النشاط السياسي المكثف خلال موسم انتخابات عام 2004 الرئاسية، ومن خلفه يقف عدد كبير من مستشاريه ومسانديه وحلفائه السياسيين الأقوياء، فبيل كلينتون كان ومازال أهم عقل بالحزب الديمقراطي الأميركي خلال السنوات الأخيرة

كما تدخل هيلاري سباق الانتخابات الرئاسية بسنوات خبرتها في القصر أو البيت الأبيض، حيث يقال أنها زارت أكثر من تسعين دولة عندما كانت سيدة أميركا الأولى، كما تتسلح هيلاري بمواقف سياسية متوازنة تضع نصب عينيها الفوز بالرئاسة أولا ثم الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي ثانيا، وهو أمر مثير للدهشة حيث يرى البعض أن هيلاري تبنت من البداية مواقف أميل للوسط واليمين مقارنة باليسار خاصة على مستوى السياسة الخارجية حيث ساندت قرار حرب العراق ورفضت الاعتذار عن ذلك، وساندت التراجع الأميركي عن نشر الديمقراطية بالشرق الأوسط، ونادت بزيادة قوات الجيش الأميركي وتسليحه، وتشددت ضد إيران بتصويتها على قرار يعتبر "الحرس الثوري الإيراني" منظمة إرهابية وهو قرار رفضه أوباما وإدواردز

وهي جميعها مواقف أقرب من اليمين عن اليسار، ويقول البعض أن هيلاري فعلت ذلك لأنها سيدة تريد أن تظهر بمظهر القوة في مواجهة مرشحين من الذكور، أو لأنها تريد أن تسحب بساط القوة والتشدد من تحت أقدام الجمهوريين في عصر الحرب على الإرهاب، أو لأنها لم تكن مشغولة منذ البداية بإرضاء القواعد الليبرالية واليسارية للحزب الديمقراطي - والتي تضع قضية حرب العراق على قمة أولوياتها - بقدر ما حرصت على إعداد نفسها للفوز بالرئاسة الأميركية في مواجهة الجمهوريين في نوفمبر 2008

معضلة القوة المفرطة

مظاهر القوة العديدة السابقة أضرت بهيلاري في سباق الرئاسة الحالي كما يرى البعض وأدت إلى خسارتها أمام أوباما في انتخابات ولاية أيوا الأميركية التمهيدية، وهي خسارة عوضتها هيلاري في انتخابات ولاية نيوهامشير والتي فازت فيها مجددة أمالها في الفوز بترشيح الديمقراطيين للرئاسة الأميركية

وفي تفسيرهم لأسباب خسارة هيلاري في أيوا يشير العديد من المحللين إلى مظاهر القوة السابقة وكيف أضرت بهيلاري، فوجود بيل كلينتون ومستشاريه ورائها جعلها تظهر كملكة على وشك أن تورث عرش الجمهورية الأميركية، كما أن وجود بيل بجوارها يذكر الناخبين بقدراته الخطابية الفائقة وابتسامته وقدرته على كسب تعاطف مستمعه وقلوبهم، وهي قدرات تفتقر إليها هيلاري التي تخاطب العقول لا القلوب والتي تمتلك كثير من الخصوم السياسيين لما هو معروف عنها من مواقف سياسية سابقة، كما أن صورة المرأة الحديدية والمتشددة على ساحة الأمن القومي في عصر الحرب على الإرهاب أفقدتها تعاطف القوى المعارضة للحرب والتي تمثل بعض أهم قواعد الحزب الديمقراطي الجماهيرية في الفترة الحالية

هيلاري والشرق الأوسط

معضلة المرأة الحديدية تنسحب على مواقف هيلاري تجاه الشرق الأوسط أيضا، ففي عام 1998 حظيت هيلاري كلينتون باستقبال حافل من قبل سها عرفات زوجة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في الأرضي الفلسطينية المحتلة، وهي زيارة عرضت هيلاري لسخط اللوبي الموالي لإسرائيل في أميركا والذي عارض مواقف هيلاري المساندة لقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعندما دخلت هيلاري السباق على عضوية مجلس الشيوخ الأميركي في العام التالي رأي البعض أن هيلاري أعادت صياغة مواقفها المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي سعيا منها لكسب ود لوبي إسرائيل في نيويورك وعبر أميركا، حيث أعلنت تأييدها لاعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، كما طالبت بنقل السفارة الأميركية إلى هناك، كما ركزت على نقدها لمناهج التعليم الفلسطينية باعتبارها تنشر الكراهية وتعلم الأطفال الفلسطينيين كراهية الإسرائيليين مطالبة بمراقبة ومكافحة خطاب "العداء للسامية" في أوساط الفلسطينيين

كما أصبحت هيلاري ضيفة هامة ودائمة على مؤتمرات لجنة الشئون العامة الأميركية الإسرائيلية (الإيباك) السنوية – وهي أكبر منظمات لوبي إسرائيل، حيث سعت في خطابتها هناك إلى التأكيد على أن علاقة أميركا بإسرائيل تقوم على إيمانهما بقيم مشتركة كالديمقراطية وحقوق الإنسان، كما عبرت تأييدها لحائط الفصل الذي تبنيه إسرائيل، وعلى نقدها لقرارات محكمة العدل الدولة الرافض له، كما عارضت هيلاري نتائج الانتخابات الفلسطينية الأخيرة وطالبت بتدخل الدول العربية لتأييد قيادة فلسطينية تساند عملية السلام القائمة على اتفاقات أوسلو بما يضمن إلى اتفاق نهائي ينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما أكدت هيلاري على أنها تسعى للحوار المباشر مع نظم معادية كإيران بهدف معرفتها من الداخل ومعرفة كيف يمكن "هزيمتها"

-----

مقالات ذات صلة

مِتْ رومني: هل يأتي بجديد؟

جولياني: بوش المعدل 2008

جون إدواردز بين إعلاء القيم الليبرالية وتجاهل معاناة الفلسطينيين

ترويض أوباما

No comments: