مِتْ رومني: هل يأتي بجديد؟
نص المقال
أخبار المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية ورالد مِتْ رومني تطغى عليها خاصيتان، أولهما طبيعة العلاقة الخاصة التي تربطه مع وسائل الإعلام الأميركية باعتباره ينحدر من عائلة سياسية معروفة جذبت اهتمام وسائل الإعلام الأميركية خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وطبيعة رومني نفسه كمرشح مختلف يحمل أجندة بها سلبيات وإيجابيات ولكنها تبدو فريدة نوعا معا بحكم خلفيته الشخصية والدينية وقلة خبرته في شؤون السياسية الخارجية
غرام الإعلام الإميركي برومني
هناك عدد لا يستهان به من المقالات المنشورة بأكبر وسائل الإعلام الأميركية التي تحكي قصة حياة رومني منذ أن كان جنينا في بطن أمه إلى يومنا هذا، فرومني المولود في عام 1947 وهو الطفل الرابع في عائلة تنتمي إلى الطائفة المسيحية المورمانية والتي عانت التمييز حتى فترة قصيرة باعتبارها طائفة مسيحية حديثة تأسست في النصف الأول من القرن التاسع عشر بالولايات المتحدة، مما دفع الطوائف المسيحية الأقدم باعتبار المورمانية بدعة ومحاربة أهلها الذين هاجروا بإعداد كبيرة إلى المكسيك هربا من الاضطهاد ثم عادوا مرة أخرى لأميركا ليتمركزوا في ولاية يوتا
وبهذا الخصوص تتساءل مقالات مختلفة تكتب عن رومني حول إمكانية أن يتقبل الأميركيون بصفة عامة والجمهوريون بصفة خاصة برئيس أو مرشح رئاسي ينتمي للمورمانية، خاصة وأن نسبة لا يستهان بها من الجمهوريين المحافظين دينيا يرفضون ذلك، وهي نسبة تتراوح بين الربع والثلث وفقا لبعض التقديرات، ولكن رومني يعود ويأكد أن الدين ليس المحك في الحكم على شخص ما، وأن الاختبار الحقيقي هو مواقفه
وقد ولد جورج رومني والد مِتْ في المكسيك – أثناء هجرة المورمان إليها هربا من الاضطهاد، ثم عاد إلى أميركا واستقر في ولاية مشيجان ولم يتمكن من إكمال تعليمه الجامعي بسبب فقره ولكنه تمكن بعصامية من أن يكون رجل أعمال ناجح في مجال السيارات، يتحول للسياسية ليحكم ولاية مشيجان ويرشح نفسه للرئاسة الأميركية في عام 1968 ليقترب من الرئاسة الأميركية لولا تصريح أدلى بها بخصوص حرب فيتنام، ذكر فيه أن سبب تأييده لحرب فيتنام في بدايتها كان تعرض "لغسيل دماغ" من قبل السياسيين والعسكريين الأميركيين، وهو تصريح تلقفته وسائل الإعلام الأميركية وحولته إلى تعبير لا يغتفر وعلامة على ضعف جورج رومني مما دفعه للانسحاب، ولكن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون عينه بعد ذلك في إدارته في منصب وزير الإسكان
وخلال ذلك لم ينس جورج رومني نشاطه الديني، ودوره في تنشئة أولاده تنشئة دينية صالحة على مذهب الطائفة المورمانية أو أن يقوم بواجباته الأسرية حتى أنه ساعد زوجة ابنه مِت - وتدعى آن - على اعتناق المورمانية خلال سفر مِتْ إلى فرنسا للقيام بواجبه التبشيري لعامين ونصف بفرنسا، وهو نشاط أو خدمة يقوم بها الشباب المورمان، وقد رغب مِت في أن يخدم بإنجلترا ولكن قرعته ذهبت به إلى فرنسا في نهاية الستينات، حيث قضي عامين ونصف يدعو أهلها إلى المورمانية ولم يتمكن سوى من إجادة الفرنسية ودعوة عدد قليل من الفرنسيين للإيمان بالدين الجديد، ولما عاد - بعد تعرضه لحادثة سيارة كادت أن تنهي حياته - وجد أن أبوه قد نجح في تغيير ديانة صديقته المفضلة مما ساعد على زواجها في عام 1968 وهو ابن الحادية والعشرين وهي في التاسعة عشر من عمرها
وبعد ذلك توجه مِتْ إلى إنهاء دراسته الجامعية العليا حيث حصل على شهادات في القانون والأعمال، وتوجه إلى العمل كرجل إعمال وأثبت كفاءة في إنقاذ الشركات المتعثرة وتحويلها إلى ناجحة بفضل نشاطه الضخم ويقظته ووعيه بالتفاصيل وقدرته على غربلة تلك الشركات وإعادة بناءها على أساس اقتصادي سليم
وفي عام 1994 حاول رومني من منافسة السيناتور الديمقراطي المعروف إدوارد كيندي على مقعده بمجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ماستشوتس، ولكنه فشل بعدما تمكن كيندي بحنكته السياسية المعروفة من إبطال مفعول حملة مِتْ رومني المنظمة، وفي عام 2002 اكتسب مِتْ رومني خبرة واسعة بعدما استعانت به اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الشتوية بمدينة سالت لايك بولاية يوتا الأميركية، والتي كادت أن تفشل بسبب سوء الإدارة والرشاوى وعجز الميزانية لولا تدخل رومني ورئاسته للجنة المنظمة وإعادة بناء استعدادات الأولمبياد بنجاح
وقد ساهم نجاح رومني في إعادة تنظيم الأولمبياد الشتوية في بناء شعبيته على مستوى أميركا مما مكنه من الفوز بمنصب حاكم ولاية ماستشوتس ليبرالية التوجه في عام 2003، وهي خطوة زادت من أسهمه السياسية وجعلته مرشحا منتظرا للرئاسة الأميركية (2008)
ويزيد من نجاحات رومني كونه أبا لخمسة أبناء وصاحب زواج ناجح على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وإنسان متدين صاحب دور نشط في الكنيسة المورمانية، بالإضافة إلى نجاحه في مجال الأعمال والاقتصاد مما مكنه من تكوين ثروة تقدر بمئات الملايين من الدولارات يعول عليها أحيانا في منافساته السياسية
مواقف فريدة سلبا وإيجابا
خلفية رومني الدينية جعلته يقف ضد تقنين الإجهاض، وإن كان قد سبق لرومني إعلان تأييده لتقنين الإجهاض بعد وفاة إحدى قريباته في عملية إجهاض غير قانونية، كما أنه يقف ضد حق الشواذ في الزواج ولكنه يساند حماية حقوق وحريات الشواذ الدينية، كما أنه ساند تشديد قوانين امتلاك الأسلحة الشخصية ثم عاد ليعارضها
ويرى البعض في مواقف رومني السابقة علامة على تردده وعدم حسمه الأمور وهي عيوب تضاف لبعض سلبياته الشخصية والتي يتحدث عنها البعض مثل عدم صبره على هم من أقل منه وكونه نشأ ثريا لا يعمل كثيرا عن حياة وهموم من هم أقل منه حظا في الحياة
يضاف إلى ذلك عيبا أهم وهو قلة خبرة رومني على مستوى السياسة الخارجية على وجه التحديد، مما قد يجعله فريسة لجماعات الصالح المسيسة، ولكن الأمر ذاته قد يؤهله لإتباع سياسة خارجية فريدة تختلف عن الوضع القادم
والواضح في خلفية رومني السياسية أنه يرتبط منذ فترة بخبراء من منظمة الإيباك الإسرائيلية (لجنة الشئون العامة الأميركية الإسرائيلية)، وهي أكبر منظمات لوبي إسرائيل في الولايات المتحدة، والتي شجعته على زيارة إسرائيل منذ أن كان حاكما لولاية ماشتسوتس حيث رحب بالزيارة، وقام بها في أوائل عام 2007، وهي زيارة رأت وسائل إعلام أميركية مختلفة أنها تحقق هدفين أولهما زيارة خبرة رومني الخارجية وثانيهما تقوية علاقة رومني كمرشح رئاسي بالمنظمات اليهودية الأميركية والتي يحرص رومني على زيارتها والحديث إليها
وخلال تواجده إسرائيل حرص رومني على حضور مؤتمر أمني والتأكيد على مواقفه المساندة لإسرائيل والمعارضة لإيران على وجه الخصوص والتي يشن عليها رومني جام غضبه السياسي، حيث يرى رومني أن أميركا تواجه خطرين أساسيين في علاقتها بالعالم الإسلامي أولهما خطر ما يسميه "بالجهاد العنيف" أو "الجهاد الراديكالي"، والخطر الثاني هو الخطير الإيراني
ويظهر في الخطر الأول سوء التسمية والنصيحة التي حصل عليها رومني من مستشاريه في مجال السياسية الخارجية، فاستخدام مصطلح الجهاد بهذا الشكل في الإشارة للجماعات المتشددة التي تستخدم الإسلام عنوانا لها يسيء للإسلام والمسلمين، خاصة لكون الجهاد مصطلح ديني محايد عزيز على المسلمين من ناحية ولكونه مصطلح سياسي فضفاض من ناحية أخرى
ويظهر في الخطر الثاني الاهتمام الذي يوليه رومني لإيران، والذي يعود إلى فترة توليه حكم ولاية ماشتسوتس عندما دعت جامعة هارفرد الأميركية الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي للحديث لطلابها، وهي زيارة رفضها لوبي إسرائيل بدون شك، والذي يبدو أنه ضغط على رومني لمعارضتها، وهو ما تم، وعلى غرار الموقف السابق عارض رومني زيارة الرئيس الأيراني الحالي محمود أحمدي نجاد إلى نيويورك في شهر سبتمبر 2007، وهي الزيارة الثالثة لنجاد، والتي عارضها رومني بشدة داعيا الأمم المتحدة لمحاكمة نجاد في محكمة دولية بتهمة التهديد بممارسة الاستئصال العرقي بسبب تصريحاته ضد إسرائيل
وهنا يؤكد رومني أنه سيحرص كرئيس للولايات المتحدة على منع إيران من امتلاك السلاح النووي وأنه لن يستبعد استخدام القوة العسكرية لتحقيق الهدف السابقة، كما يطالب رومني بصفة عامة بإخضاع إيران لعقوبات اقتصادية قاسية كتلك التي فرضت على جنوب إفريقيا خلال ممارستها للتفرقة العنصرية، كما يطالب الولايات الأميركية بتحويل استثماراتها بعيد عن الشركات المتعاونة مع إيران، كما يطالب الدول العربية بوقف تدفق المساعدات المالية والعسكرية لحماس وحزب الله
العراق والطاقة والمؤسسات الدولية والمهاجرين
ويقر رومني بأن الحكومة الأميركية ارتكبت أخطاء في إدارة الحرب على العراق، ولكنه يحرص على عدم نقد الرئيس جورج دبليو بوش بشكل مباشر، كما يؤكد على ضرورة عدم التسرع في سحب القوات الأميركية من العراق، مطالبا بزيادة الدعم الشعبي الأميركي لتلك القوات ولأسرهم
وجدير بالذكر هنا أن رومني لم يخدم عسكريا في فيتنام لأسباب مختلفة منها الدراسة والحظ، كما أن أحدا من أولاده الخمسة الذكور لم يتطوع للخدمة العسكرية في العراق، وهو أمر محل نقد بعض وسائل الإعلام الأميركية
ويقوم تصور رومني للسياسة الخارجية على دعائم أساسية على رأسها زيادة القوة العسكرية الأميركية من خلال زيادة الإنفاق (ليصل إلى 4% من إجمالي الناتج القومي الأميركي)، وزيادة أعداد الجيش الأميركي وتحديث عتاده
كما يقوم على الاستثمار في "ثورة طاقة" للبحث عن بدائل مختلفة للطاقة تحمي أميركا من اعتمادها المتزايد على بترول الشرق الأوسط
كما يقوم على إصلاح الأمم المتحدة والتي ينتقدها رومني كحال غالبية المحافظين الأميركيين ولكن بدرجة أقل، كما يعتمد بشكل كبير على الناتو ويدعو إلى تحالفات جديدة ومؤسسات دولية قوية ومختلفة على غرار المؤسسات الدولية التي بناها الأميركيون بعد الحرب العالمية الثانية
ويقف رومني موقفا متشددا من الهجرة غير الشرعية حيث يطالب بعاقبة المدن الأميركية التي لا تطبق قوانين منع الهجرة الشرعية بحزم وذلك عن طريق حرمان تلك المدن من بعض المساعدات المالية التي تقدمها الحكومة المركزية لها
دعم المسلمين المعتدلين
وهنا يبدو رومني أقل تشددا تجاه الشرق الأوسط مقارنة بالمحافظين الجدد واليمينيين المتشددين، حيث يدعو رومني إلى العمل مع المسلمين المعتدلين عبر العالم الإسلامي لدعمهم تقويتهم من خلال تقوية شاركتهم مع الولايات المتحدة على المستويات الاقتصادية والعملية مؤكدا على أن تلك اتفاقيات التجارة الحرة بين أميركا والدول العربية والإسلامية سوف تؤكد على نهاية المقاطعة العربية لإسرائيل
كما يدعو لبناء منظمة إقليمية بالشرق الأوسط على غرار منظمة الأمن والتعاون الأوربية والتي ساعدت على دمج دول شرق أوربا مع نظيرتها بغرب أوربا في نظام أمني واقتصادي متكامل، ولعل بناء تلك المنظمة يعارض السياسة الأميركية الراهنة بالشرق الأوسط والتي تقوم على علاقات أميركا الخاصة بكل دولة عربية منفردة، مما يضعف التنسيق والتعاون بين تلك الدول كما يرى بعض المتابعين الأميركيين
-----
مقالات ذات صلة
جولياني ... بوش المعدل 2008
جون إدواردز ... بين إعلاء القيم الليبرالية وتجاهل معاناة الفلسطينيين
ترويض باراك أوباما
أخبار المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية ورالد مِتْ رومني تطغى عليها خاصيتان، أولهما طبيعة العلاقة الخاصة التي تربطه مع وسائل الإعلام الأميركية باعتباره ينحدر من عائلة سياسية معروفة جذبت اهتمام وسائل الإعلام الأميركية خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وطبيعة رومني نفسه كمرشح مختلف يحمل أجندة بها سلبيات وإيجابيات ولكنها تبدو فريدة نوعا معا بحكم خلفيته الشخصية والدينية وقلة خبرته في شؤون السياسية الخارجية
غرام الإعلام الإميركي برومني
هناك عدد لا يستهان به من المقالات المنشورة بأكبر وسائل الإعلام الأميركية التي تحكي قصة حياة رومني منذ أن كان جنينا في بطن أمه إلى يومنا هذا، فرومني المولود في عام 1947 وهو الطفل الرابع في عائلة تنتمي إلى الطائفة المسيحية المورمانية والتي عانت التمييز حتى فترة قصيرة باعتبارها طائفة مسيحية حديثة تأسست في النصف الأول من القرن التاسع عشر بالولايات المتحدة، مما دفع الطوائف المسيحية الأقدم باعتبار المورمانية بدعة ومحاربة أهلها الذين هاجروا بإعداد كبيرة إلى المكسيك هربا من الاضطهاد ثم عادوا مرة أخرى لأميركا ليتمركزوا في ولاية يوتا
وبهذا الخصوص تتساءل مقالات مختلفة تكتب عن رومني حول إمكانية أن يتقبل الأميركيون بصفة عامة والجمهوريون بصفة خاصة برئيس أو مرشح رئاسي ينتمي للمورمانية، خاصة وأن نسبة لا يستهان بها من الجمهوريين المحافظين دينيا يرفضون ذلك، وهي نسبة تتراوح بين الربع والثلث وفقا لبعض التقديرات، ولكن رومني يعود ويأكد أن الدين ليس المحك في الحكم على شخص ما، وأن الاختبار الحقيقي هو مواقفه
وقد ولد جورج رومني والد مِتْ في المكسيك – أثناء هجرة المورمان إليها هربا من الاضطهاد، ثم عاد إلى أميركا واستقر في ولاية مشيجان ولم يتمكن من إكمال تعليمه الجامعي بسبب فقره ولكنه تمكن بعصامية من أن يكون رجل أعمال ناجح في مجال السيارات، يتحول للسياسية ليحكم ولاية مشيجان ويرشح نفسه للرئاسة الأميركية في عام 1968 ليقترب من الرئاسة الأميركية لولا تصريح أدلى بها بخصوص حرب فيتنام، ذكر فيه أن سبب تأييده لحرب فيتنام في بدايتها كان تعرض "لغسيل دماغ" من قبل السياسيين والعسكريين الأميركيين، وهو تصريح تلقفته وسائل الإعلام الأميركية وحولته إلى تعبير لا يغتفر وعلامة على ضعف جورج رومني مما دفعه للانسحاب، ولكن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون عينه بعد ذلك في إدارته في منصب وزير الإسكان
وخلال ذلك لم ينس جورج رومني نشاطه الديني، ودوره في تنشئة أولاده تنشئة دينية صالحة على مذهب الطائفة المورمانية أو أن يقوم بواجباته الأسرية حتى أنه ساعد زوجة ابنه مِت - وتدعى آن - على اعتناق المورمانية خلال سفر مِتْ إلى فرنسا للقيام بواجبه التبشيري لعامين ونصف بفرنسا، وهو نشاط أو خدمة يقوم بها الشباب المورمان، وقد رغب مِت في أن يخدم بإنجلترا ولكن قرعته ذهبت به إلى فرنسا في نهاية الستينات، حيث قضي عامين ونصف يدعو أهلها إلى المورمانية ولم يتمكن سوى من إجادة الفرنسية ودعوة عدد قليل من الفرنسيين للإيمان بالدين الجديد، ولما عاد - بعد تعرضه لحادثة سيارة كادت أن تنهي حياته - وجد أن أبوه قد نجح في تغيير ديانة صديقته المفضلة مما ساعد على زواجها في عام 1968 وهو ابن الحادية والعشرين وهي في التاسعة عشر من عمرها
وبعد ذلك توجه مِتْ إلى إنهاء دراسته الجامعية العليا حيث حصل على شهادات في القانون والأعمال، وتوجه إلى العمل كرجل إعمال وأثبت كفاءة في إنقاذ الشركات المتعثرة وتحويلها إلى ناجحة بفضل نشاطه الضخم ويقظته ووعيه بالتفاصيل وقدرته على غربلة تلك الشركات وإعادة بناءها على أساس اقتصادي سليم
وفي عام 1994 حاول رومني من منافسة السيناتور الديمقراطي المعروف إدوارد كيندي على مقعده بمجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ماستشوتس، ولكنه فشل بعدما تمكن كيندي بحنكته السياسية المعروفة من إبطال مفعول حملة مِتْ رومني المنظمة، وفي عام 2002 اكتسب مِتْ رومني خبرة واسعة بعدما استعانت به اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الشتوية بمدينة سالت لايك بولاية يوتا الأميركية، والتي كادت أن تفشل بسبب سوء الإدارة والرشاوى وعجز الميزانية لولا تدخل رومني ورئاسته للجنة المنظمة وإعادة بناء استعدادات الأولمبياد بنجاح
وقد ساهم نجاح رومني في إعادة تنظيم الأولمبياد الشتوية في بناء شعبيته على مستوى أميركا مما مكنه من الفوز بمنصب حاكم ولاية ماستشوتس ليبرالية التوجه في عام 2003، وهي خطوة زادت من أسهمه السياسية وجعلته مرشحا منتظرا للرئاسة الأميركية (2008)
ويزيد من نجاحات رومني كونه أبا لخمسة أبناء وصاحب زواج ناجح على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وإنسان متدين صاحب دور نشط في الكنيسة المورمانية، بالإضافة إلى نجاحه في مجال الأعمال والاقتصاد مما مكنه من تكوين ثروة تقدر بمئات الملايين من الدولارات يعول عليها أحيانا في منافساته السياسية
مواقف فريدة سلبا وإيجابا
خلفية رومني الدينية جعلته يقف ضد تقنين الإجهاض، وإن كان قد سبق لرومني إعلان تأييده لتقنين الإجهاض بعد وفاة إحدى قريباته في عملية إجهاض غير قانونية، كما أنه يقف ضد حق الشواذ في الزواج ولكنه يساند حماية حقوق وحريات الشواذ الدينية، كما أنه ساند تشديد قوانين امتلاك الأسلحة الشخصية ثم عاد ليعارضها
ويرى البعض في مواقف رومني السابقة علامة على تردده وعدم حسمه الأمور وهي عيوب تضاف لبعض سلبياته الشخصية والتي يتحدث عنها البعض مثل عدم صبره على هم من أقل منه وكونه نشأ ثريا لا يعمل كثيرا عن حياة وهموم من هم أقل منه حظا في الحياة
يضاف إلى ذلك عيبا أهم وهو قلة خبرة رومني على مستوى السياسة الخارجية على وجه التحديد، مما قد يجعله فريسة لجماعات الصالح المسيسة، ولكن الأمر ذاته قد يؤهله لإتباع سياسة خارجية فريدة تختلف عن الوضع القادم
والواضح في خلفية رومني السياسية أنه يرتبط منذ فترة بخبراء من منظمة الإيباك الإسرائيلية (لجنة الشئون العامة الأميركية الإسرائيلية)، وهي أكبر منظمات لوبي إسرائيل في الولايات المتحدة، والتي شجعته على زيارة إسرائيل منذ أن كان حاكما لولاية ماشتسوتس حيث رحب بالزيارة، وقام بها في أوائل عام 2007، وهي زيارة رأت وسائل إعلام أميركية مختلفة أنها تحقق هدفين أولهما زيارة خبرة رومني الخارجية وثانيهما تقوية علاقة رومني كمرشح رئاسي بالمنظمات اليهودية الأميركية والتي يحرص رومني على زيارتها والحديث إليها
وخلال تواجده إسرائيل حرص رومني على حضور مؤتمر أمني والتأكيد على مواقفه المساندة لإسرائيل والمعارضة لإيران على وجه الخصوص والتي يشن عليها رومني جام غضبه السياسي، حيث يرى رومني أن أميركا تواجه خطرين أساسيين في علاقتها بالعالم الإسلامي أولهما خطر ما يسميه "بالجهاد العنيف" أو "الجهاد الراديكالي"، والخطر الثاني هو الخطير الإيراني
ويظهر في الخطر الأول سوء التسمية والنصيحة التي حصل عليها رومني من مستشاريه في مجال السياسية الخارجية، فاستخدام مصطلح الجهاد بهذا الشكل في الإشارة للجماعات المتشددة التي تستخدم الإسلام عنوانا لها يسيء للإسلام والمسلمين، خاصة لكون الجهاد مصطلح ديني محايد عزيز على المسلمين من ناحية ولكونه مصطلح سياسي فضفاض من ناحية أخرى
ويظهر في الخطر الثاني الاهتمام الذي يوليه رومني لإيران، والذي يعود إلى فترة توليه حكم ولاية ماشتسوتس عندما دعت جامعة هارفرد الأميركية الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي للحديث لطلابها، وهي زيارة رفضها لوبي إسرائيل بدون شك، والذي يبدو أنه ضغط على رومني لمعارضتها، وهو ما تم، وعلى غرار الموقف السابق عارض رومني زيارة الرئيس الأيراني الحالي محمود أحمدي نجاد إلى نيويورك في شهر سبتمبر 2007، وهي الزيارة الثالثة لنجاد، والتي عارضها رومني بشدة داعيا الأمم المتحدة لمحاكمة نجاد في محكمة دولية بتهمة التهديد بممارسة الاستئصال العرقي بسبب تصريحاته ضد إسرائيل
وهنا يؤكد رومني أنه سيحرص كرئيس للولايات المتحدة على منع إيران من امتلاك السلاح النووي وأنه لن يستبعد استخدام القوة العسكرية لتحقيق الهدف السابقة، كما يطالب رومني بصفة عامة بإخضاع إيران لعقوبات اقتصادية قاسية كتلك التي فرضت على جنوب إفريقيا خلال ممارستها للتفرقة العنصرية، كما يطالب الولايات الأميركية بتحويل استثماراتها بعيد عن الشركات المتعاونة مع إيران، كما يطالب الدول العربية بوقف تدفق المساعدات المالية والعسكرية لحماس وحزب الله
العراق والطاقة والمؤسسات الدولية والمهاجرين
ويقر رومني بأن الحكومة الأميركية ارتكبت أخطاء في إدارة الحرب على العراق، ولكنه يحرص على عدم نقد الرئيس جورج دبليو بوش بشكل مباشر، كما يؤكد على ضرورة عدم التسرع في سحب القوات الأميركية من العراق، مطالبا بزيادة الدعم الشعبي الأميركي لتلك القوات ولأسرهم
وجدير بالذكر هنا أن رومني لم يخدم عسكريا في فيتنام لأسباب مختلفة منها الدراسة والحظ، كما أن أحدا من أولاده الخمسة الذكور لم يتطوع للخدمة العسكرية في العراق، وهو أمر محل نقد بعض وسائل الإعلام الأميركية
ويقوم تصور رومني للسياسة الخارجية على دعائم أساسية على رأسها زيادة القوة العسكرية الأميركية من خلال زيادة الإنفاق (ليصل إلى 4% من إجمالي الناتج القومي الأميركي)، وزيادة أعداد الجيش الأميركي وتحديث عتاده
كما يقوم على الاستثمار في "ثورة طاقة" للبحث عن بدائل مختلفة للطاقة تحمي أميركا من اعتمادها المتزايد على بترول الشرق الأوسط
كما يقوم على إصلاح الأمم المتحدة والتي ينتقدها رومني كحال غالبية المحافظين الأميركيين ولكن بدرجة أقل، كما يعتمد بشكل كبير على الناتو ويدعو إلى تحالفات جديدة ومؤسسات دولية قوية ومختلفة على غرار المؤسسات الدولية التي بناها الأميركيون بعد الحرب العالمية الثانية
ويقف رومني موقفا متشددا من الهجرة غير الشرعية حيث يطالب بعاقبة المدن الأميركية التي لا تطبق قوانين منع الهجرة الشرعية بحزم وذلك عن طريق حرمان تلك المدن من بعض المساعدات المالية التي تقدمها الحكومة المركزية لها
دعم المسلمين المعتدلين
وهنا يبدو رومني أقل تشددا تجاه الشرق الأوسط مقارنة بالمحافظين الجدد واليمينيين المتشددين، حيث يدعو رومني إلى العمل مع المسلمين المعتدلين عبر العالم الإسلامي لدعمهم تقويتهم من خلال تقوية شاركتهم مع الولايات المتحدة على المستويات الاقتصادية والعملية مؤكدا على أن تلك اتفاقيات التجارة الحرة بين أميركا والدول العربية والإسلامية سوف تؤكد على نهاية المقاطعة العربية لإسرائيل
كما يدعو لبناء منظمة إقليمية بالشرق الأوسط على غرار منظمة الأمن والتعاون الأوربية والتي ساعدت على دمج دول شرق أوربا مع نظيرتها بغرب أوربا في نظام أمني واقتصادي متكامل، ولعل بناء تلك المنظمة يعارض السياسة الأميركية الراهنة بالشرق الأوسط والتي تقوم على علاقات أميركا الخاصة بكل دولة عربية منفردة، مما يضعف التنسيق والتعاون بين تلك الدول كما يرى بعض المتابعين الأميركيين
-----
مقالات ذات صلة
جولياني ... بوش المعدل 2008
جون إدواردز ... بين إعلاء القيم الليبرالية وتجاهل معاناة الفلسطينيين
ترويض باراك أوباما
No comments:
Post a Comment