Tuesday, January 08, 2008

الإسلام والصراع على الجامعات الأميركية
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 7 يناير 2008

نص المقال

تطفو على السطح بين حين وأخر أخبار عن حملات تشنها قيادات ومنظمات أميركية يمينية وأخرى موالية لإسرائيل تتعرض بالنقد والتجريح للإسلام والمسلمين والعرب بالجامعات الأميركية

ومن بين تلك الحملات ما يعرف "بأسبوع التوعية بالإسلامي-الفاشي" وهي حملة ينظمها الناشط اليميني المتشدد دايفيد هورويتز خلال العام الدراسي الحالي بالجامعات الأميركية لتوعية الطلاب الأميركيين بمخاطر ما يسميه "بالإسلام-الفاشي" مما استدعى نقد منظمات المسلمين والعرب الأميركيين لجهود هورويتز وحملته، هذا إضافة إلى حملة "مراقبة الحرم الجامعي" والتي أطلقها الكاتب الأميركي المتشدد دانيال بايبس في عام 2002 بهدف مراقبة أساتذة الشرق الأوسط ورؤاهم المتعلقة بأميركا وسياساتها الخارجية التي قد يختلف معها بايبس المعروف بتشدده في مساندة إسرائيل، وعلى الصعيد نفسه شن مارتن كرايمر المدير السابق لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب هجوما لاذعا على دارسات الشرق الأوسط بالجامعات الأميركية في أعقاب أحداث 11-9 متهما تلك البرامج بأنها "أبراج عاجية على رمال" معزولة عن الواقع وعاجزة عن التنبؤ بالإرهاب ومخاطره وسبل مواجهته ومتهمة بالتعاطف مع ناقدي أميركا

الحملات السابقة لم تكن عابرة بأي حال من الأحوال، فقد استرعت اهتمام فئات واسعة من الأميركيين، والتي رأت في تلك الحملات أحد معالم عالم ما بعد 11-9 الثقافية والأكاديمية، كما أنها وضعت الإسلام والمسلمين والعرب في قلب صراعاتها، مما يحتم علينا التساؤل حول طبيعتها وموقفها منا، فهل كان الهجوم على الإسلام والمسلمين والعرب هدفها؟ أما أن هدفا أوسع وأعم وأننا بتنا أحد ضحايا في عالم "الحرب على الإرهاب"

بين الثقافة والثقافة المضادة

الدراسات المعنية تؤكد أن مساعي الحملات السابقة للهيمنة على الجامعات الأميركية قديم يعود في جذوره لما يسمى بالصراع بين "الثقافة والثقافة المضادة" في أميركا، فالجماعات اليمينية الأميركية على مر التاريخ الأميركي ترى نفسها في موقع المدافع عن الثقافة الأميركية والحضارة الغربية والتقاليد الأميركية التقليدية الأصيلة في مواجهة "الثقافة المضادة" التي ينشرها اليسار الأميركي والتي تنادي بالتعددية وحقوق الأقليات والمهاجرين وبالانفتاح على العالم الخارجي والتعلم من ثقافاته

وقد أخذ الصراع بين الثقافة الأميركية والثقافة المضادة منحنيا جديدا في الفترة التالية للحرب العالمية الثانية والتي شهدت هزيمة قوى اليمين التقليدية وانتصار اليسار الجديد وأجندته المساندة لثورة الشباب وثورة الحقوق المدنية وحقوق المهاجرين والنساء والعدالة الاجتماعية ومعارضة حرب فيتنام والمطالبة بسياسة خارجية أكثر مهادنة

هزيمة اليمين الأميركي التقليدي الساحقة في الستينات دفعته لإعادة بناء صفوفه على مستويات مختلفة، فعلى الصعيد السياسي أعاد اليمين تنظيم صفوفه وتحالفاته السياسية مما ساهم في صعوده المستمر منذ بداية الثمانينات خاصة مع تولي ريجان الحكم ومن بعده جورج بوش الأب، وفي بداية التسعينات اكتملت سيطرة اليمين الأميركي السياسية فيما عرف "ثورة المحافظين" بقيادة نوت جينجريتش والتي تمكنت من السيطرة على مجلس النواب الأميركي لأول مرة منذ عقود مستفيدة من صعود قوى المسيحيين المتدينين السياسية

وعلى الجانب الثقافي استمرت الحرب بين اليمين واليسار الأميركيين على السيطرة على "عقول وقلوب" الأميركيين، وهي سيطرة ضرورية للغاية فهي تمثل الجانب المعنوي أو الناعم للحرب السياسية القائمة على السيطرة على القواعد الجماهيرية والمؤسسات السياسية، كما أنها تعد ضامنا محوريا لديمومة تلك السيطرة من خلال التأثير على التوجهات الرئيسية للشعب الأميركي

وقد سعت الثورة اليمينية المضادة منذ السبعينات في الفوز بالحرب الثقافية من خلال عدة إستراتيجيات رئيسية يأتي على رأسها بناء أكبر عدد من المؤسسات الإعلامية اليمينية والتي توجت بشبكات تلفزيون مثل فوكس نيوز وعدد كبير من المجالات والصحف اليمينية وصعود الإذاعات اليمينية والبرامج الحوارية هذا إضافة إلى مؤسسات الإنجليكيين الأصوليين الإعلامية، مما حقق لليمين الجديد قدر لا يستهان به من المكاسب على الساحة الإعلامية

وعلى ساحة أخرى سعى اليمين الجديد لإنشاء أكبر عدد من مراكز الأبحاث اليمينية مستفيدا من التبرعات السخية القادمة من المؤسسات الخيرية اليمينية، مما أدى لصعود عدد كبير من تلك المراكز بواشنطن وعبر أميركا وعلى رأسها هيرتاج فاويندايشين، ومعهد أميركان إنتربرايز، ومعهد هوفر، ومنبر أبحاث الشرق الأوسط

وبقت ساحة ثالثة لا تقل أهمية وهي ساحة الجامعات، وهنا يرى كثيرون أنها الساحة التي استعصت على اليمين الأميركي وباتت تمثل الحلقة الأضعف من حلقات سيطرته على المؤسسات الثقافية الرئيسية بالمجتمع الأميركي

عصر الحرب على الإرهاب

استعصاء الجامعات الأميركية على الرضوخ لقوى اليمين التقليدية والجديدة، دفعتها لشن حروبا ثقافية متكررة عليها يقسمها البعض لمراحل ثلاثة رئيسية، أولها مرحلة الحرب على الشيوعية والتي وصلت قمتها في بداية الخمسينات من خلال ما يعرف الآن بالمكارثية حيث سعى اليمين لملاحقة أساتذة الجامعات بتهمة مساندة الشيوعية، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الحروب الثقافية في الربع الأخير من القرن العشرين، والتي ركز فيها اليمين على تصوير الجامعات الأميركية على أنها معول يهدم الحضارة الأميركية من خلال ثقافتها الناقدة لتلك الحضارة ومؤسساتها التقليدية مثل الأسرة والجيش والحكومة المركزية والمؤسسات الدينية

أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة ما بعد 11-9، حيث تبنى اليمين الأميركي مبدأ أن الإرهابيين هاجموا أميركا لأنهم يكرهون القيم الأميركية، وأن الجيل الأميركي الجديد يحتاج أن يثق في قيمه وحضارته وثقافته وهويته وإلى أن يقف متوحدا وراءهم في مواجهة الإرهابيين الذي يكرهون أميركا وقيمها مستعدا للانضمام للجيش الأميركي للدفاع عنهما

حرب اليمين الأميركي للفوز بعقول وقلوب الشعب الأميركي في عصر الحرب على الإرهاب تميزت بعدد من الخصائص رصدتها مؤلفات مختلفة

أولا: أنها حرب سياسية تسعى لإحكام سيطرة اليمين على مقاليد الحكم في الولايات المتحدة من خلال السيطرة الثقافية، لذا نجد أن اليمين يرفع خلال هذه الحرب مبدأ المطالبة بجامعات أميركية متوازنة بين اليمين واليسار باعتبار أن التوازن مطلوب وقيمة في حد ذاتها، في الوقت الذي يرفضه فيه اليمين موازنة سيطرته على مؤسسات الحكم الأميركية المختلفة

ثانيا: تحالف قوي اليمين السياسية هي نفسها تقريبا المشكلة لتحالفه خلال صراع السيطرة على الجامعات الأميركية، ومن المعروف أن التحالف السابق يتكون من الإنجليكيين الأصوليين، والمحافظين الجدد، والمحافظين الرأسماليين والمعسكرين، وهي الفئات نفسها التي تمثل عصب النخبة اليمينية الحاكمة في الولايات المتحدة، والتي تترابط فيما بينها بروابط كثيرا، لذا لا عجب في أن تتردد أسماء مثل دانيال بايبس ومارتن كرايمر ودايفيد هورويتز على الصعيدين السياسي والثقافي بشكل متكرر ومترابط

ثالثا: تسعى قوى الحروب الثقافية لاستخدام السياسية وعوامل القوة السياسية لتنفيذ مهامها الثقافية، لذا نجد أن تلك الجماعات تتبنى أساليب العمل السياسي واللوبي وأدوات الاغتيال الإعلامي للشخصيات السياسية في صراعاتها الثقافية، حيث تبدأ الحملات بتسليط الضوء على مؤسسة أكاديمية أو جامعي بعين، مثل جوزيف مسعد البروفيسور المشارك بجامعة كولومبيا الأميركية، والذي تعرض لحملة واسعة من قبل تلك الجماعات حتى بات يمثل أحد رموز معاناة الأكاديميين بأميركا في فترة حروب ما بعد 11-9 الثقافية، وبعد تسليط الضوء على الجهة المستهدفة تنتشر الأخبار كالنار في الهشيم عن طريق منابر اليمين الإعلامية، ثم تتحول الحملة لقضية رأي عام ويضغط التحالف اليميني على المتبرعين والسياسيين لكي يضغطوا بدورهم على المؤسسات الأكاديمية المستهدفة، وبذلك يتحول الصراع من قضية أكاديمية يرد عليها بالرأي والرأي الأخر، إلى عمل سياسي تبرع فيه منظمات اللوبي والعلاقات العامة وشبكات الأثرياء والسياسيين، وتستخدم فيه أدوات سياسية مثل منع بعض الأساتذة الأجانب كطارق رمضان من دخول أميركا، أما هدف الحملة الأخطر فهو استصدار قوانين وتشريعات تراقب الجامعات الأميركي وتعاقبها ماليا في حالة عدم انصياعها لأجندة اليمين الثقافية

رابعا: ترفع قوى اليمين في حربها الثقافية الراهنة شعارات اليسار نفسه مع قلبها رأسا على عقب، فهي تدعي أن ما تقوم به هو من أجل حماية حقوق الطلاب والتعددية الفكرية بالجامعات وحماية الجيل الأميركي الجديد من عمليات غسيل الدماغ على أيدي أساتذة يساريين راديكاليين يكرهون أميركا

دراسات الشرق الأوسط

أما الساحة الفكرية الأهم لتلك المعارك في عصر "الحرب على الإرهاب" فهي ساحة العلوم الاجتماعية، وتحديدا ساحتي الدراسات الأميركية ودراسات الشرق الأوسط، فالقوي اليمين التقليدية تريد دراسات أميركية أقل نقدا للتراث الأميركي وأكثر تمجيدا للثقافة والهوية الأميركية بما يعبئ الجيل الأميركي الجديد لمساندة أميركا وجيشها في الحرب الراهنة

أما قوى اليمين غير التقليدية كالمحافظين الجدد فمحور اهتمامها هو الدراسات الدولية وتحديدا دراسات الشرق الأوسط والتي تمثل محور اهتمامها بشكل ملفت للنظر، حيث ترى تلك الجماعات أن دراسات المناطق والشرق الأوسط بالجامعات الأميركية باتت تكن العداء لأميركا ولإسرائيل، وتتعاطف مع أعدائهما، وتقوض قدرة أميركا على مواجهة أعدائها الخارجيين وهي مهمة كان من المفترض أن تمثل هدفا رئيسيا من وراء رعاية الجامعات الأميركية لتلك البرامج الأكاديمية، فأن لم تكن الجامعات في خدمة الدولة وأهدافها فما هي وظيفتها إذا!؟

وترى الجماعات السابقة أنها فقدت السيطرة على دراسات الشرق الأوسط منذ عقود وتحديدا بعد صعود إدوارد سعيد عدوها الأول ونظريته عن الإستشراق وما ترتب عليها من قيام علم "دراسات ما بعد الاستعمار" والذي سعى إلى تقويض العلاقة بين الجماعات الأميركية ومصالح الإمبراطورية الأميركية، حيث هاجم سعيد المستشرقون الأميركيون كبرنارد لويس معتبرا إياهم أكاديميون وضعوا علمهم في خدمة الإمبراطورية، ونجح سعيد في نقده لهم حتى بات من الصعب أن يعثر تلامذة وأتباع لويس من أمثال كرايمر وبايبس على وظائف في الجامعات الأميركية، لذا لجأ هؤلاء للجامعات التابعة للقوات المسلحة، أو لإنشاء مراكز الأبحاث الخاصة والتي لا تخضع لأي معايير أكاديمية، هذا إضافة إلى مراكز الأبحاث الإسرائيلية والتي واصلت الخط الإستشراقي في التعامل مع الشرق الأوسط

الإسلام في قلب حرب شرسة

وبهذا وجد الإسلام والمسلمون والعرب أنفسهم في قلب حرب قديمة متجددة للسيطرة على عقول وقلوب الشعب الأميركي خلال عصر "الحرب على الإرهاب" في ساحة أهم قلاع الفكر الليبرالي المنفتح بالولايات المتحدة آلا وهي الجامعات التي تلعب دورا شديد الأهمية في صياغة مستقبل أميركا من خلال صياغة فكر الجيل الأميركي الجديد، وهي حرب يرى البعض أن قوي اليمين الأميركيين استخدمت فيها استراتيجيات عدائية بالغة تقوم على التنبؤ بنوايا الخصم وإضفاء خصال الشر عليها بغض النظر عن توافر الأدلة، والسعي لردع الخصوم من خلال حشد أكبر قدر من مصادر القوة، وإجهاد الخصم من خلال الهجوم المتواصل عليه، والتشويش على الرأي العام الأميركي وعلى قدرته على فهم نوايا واستراتيجيات قوي اليمين الحقيقية، وتوحيد الصف الأميركي الداخلي من خلال التخويف من عدو خارجي يترصد بأميركا وعملاء له بالداخل إلى حد اتهام بعض أساتذة الجامعات الأميركية بعداء أميركا والتعاطف مع الإرهابيين

------

مقالات ذات صلة

إسلاموفوبيا أحزاب اليمين الراديكالي الأوربية الجديدة

صعود الإسلاموفوبيا بالمجتمعات الغربية: قراءة في أهم المظاهر والأسباب

الإستشراق الأسود: الأصول والإشكاليات

النخب الغربية وإعاقة اندماج مسلمي الغرب

مسلمو وعرب أميركا بين تبعات 11/9 والثورة اليمينية المضادة

صورة الإسلام في أميركا بعد خمس سنوات على 11/9

No comments: