ماكين في مواجهة دروس البروتستانت التبشيريين القاسية
مقال بقلم: علاء بيومي
الناشر: الجزيرة نت، 10 فبراير 2008
نص المقال
فوز مايك هاكابي على جون ماكين في ولايتي كنساس ولويزيانا في الانتخابات التمهيدية التي جرت في التاسع من فبراير الجاري هو بمثابة رسالة قوية يوجها البروتستانت التبشيريون (US Evangelicals) لجون ماكين مفادها أنهم عازمون على تلقينه درسا سياسيا قاسيا يقضي بضرورة الانصياع لهم لو كان راغبا في الفوز بدعمهم في نوفمبر المقبل
فوز هاكابي الأخير يأتي في أول انتخابات تمهيدية تعقد بعد "الثلاثاء الكبير" والذي شهد تقدم ماكين تقدما صريحا على منافسيه مما دفع أقربهم – حاكم ولاية ماستشوتس السابق مت رومني – لإعلان انسحابه من السباق الانتخابي
انسحاب رومني دفعته أسباب شخصية وسياسية واضحة، فالرجل فضل حفظ ماء وجهه بعد أن شعر بصعوبة الفوز بترشيح الحزب
والمعروف أن والد رومني – حاكم مشيجان السابق جورج رومني – سعى هو الأخر لفوز بترشيح الجمهوريين للرئاسة في الستينيات – وفشل، وأن رومني ينتمي للطائفة المسيحية المورمانية، وهي طائفة لا تحظى باعتراف كافي من قبل التيارات المسيحية الرئيسية بأميركا
ويبدو أن رومني المعروف بتدينه أراد أن يحقق بعض الاعتراف السياسي بدور أبناء طائفته في المجتمع الأميركي من خلال حملته السياسية مستخدما ثروته الشخصية الضخمة التي أنفق منها بسخاء على حملته، ولما تيقن من صعوبة الفوز بترشيح الجمهوريين – وهو أمر كان مشكوك فيه منذ البداية – فضل الانسحاب وهو الرجل الثاني في السباق
انسحاب رومني وضع ماكين في مواجهة مباشرة مع قواعد الحزب الجمهوري الأكثر تشددا والتزاما أيدلوجيا وهم المسيحيون المتدينون أو البروتستانت التبشيريين والذين ساعد تحالفهم التدريجي مع الحزب الجمهوري منذ أوائل السبعينات في تصاعد نفوذ الحزب الجمهوري وسيطرته على البيت الأبيض والكونجرس بمجلسيه تدريجيا حتى وصل إلى قمته في انتخابات عامي 2002 و2004
ويقول المتابعون أن البروتستانت التبشيريين يمثلون ثلث القواعد الجماهيرية الجمهورية وهي نسبة لا يستهان بها، ويبدو أن وجود رومني كان بمثابة حائط صد هاما بينهم وبين ماكين، فرومني أكثر محافظة من ماكين ولكنه أكثر ليبرالية من مرشح البروتستانت التبشيريين المفضل مايك هاكابي
حيث استطاع رومني خلال فترة وجوده في السباق الانتخابي اقتسام صوت المسيحيين المتدينين مع هاكابي، ولعل هذا سر تشاحنهما وتلاسنهما خلال الحملة الانتخابية، واستمر ذلك حتى انسحب رومني والذي اجتذب الأصوات الأكثر اعتدالا وسط البروتستانت التبشيريين
بعد انسحاب رومني رفض هاكابي الانسحاب من السباق الانتخابي مؤكدا على رغبته في البقاء للنهاية وتوحيد أصوات المسيحيين التبشيريين حوله
وفي هذا السياق جاء فوز هاكابي في ولايتي كنساس ولويزيانا في التاسع من فبراير ليؤكد خطورة دور هاكابي وأن البروتستانت التبشيريين عازمين على تلقين ماكين درسا سياسيا قاسيا من خلال دعمهم لهاكابي مفاده استعدادهم لإحراج ماكين سياسيا بتفضيل مرشح مغمور ولا يمتلك دعما ماليا كافيا – وهو هاكابي حاكم ولاية أركنسو السابق – على ماكين الذي يعد أحد أشهر الشخصيات السياسية الأميركية على الإطلاق والمنحدر من عائلة عسكرية معروفة وسجين الحرب السابق
وهذه ليست أول مرة يوجه فيها البروتستانت التبشيريون الرسالة السابقة لماكين فقد سبق وفضلوا عليه حاكم ولاية تكساس قليل الخبرة والحنكة السياسية – جورج دبليو بوش – في انتخابات عام 2000 الرئاسية
والمعروف أن ماكين محافظ على المستوى الديني والأخلاقي ولكن علاقته بقادة تيار البروتسانت التبشيريين ليست إيجابية حيث سبق وأن وصفهم بعدم التسامح، كما أن ماكين معروف بشخصيته المستقلة واستعداده لمخالفة توجهات الحزب في قضايا هاما الضرائب والهجرة
ويعاني ماكين حتى الآن من رفض بعض أشهر الشخصيات الإعلامية المحافظة له من أمثال آن كالتر ورش ليمبو وشون هانيتي حتى أن بعضهم صرح قائلا بأنه على استعداد لتأييد هيلاري كلينتون ضد ماكين لو تطلب الأمر
المثير هنا أن المواجهة بين ماكين وقواعد الحزب الجمهوري الأكثر تدينا ومحافظة تأتي في وقت يكاد يجمع فيه الجمهوريون على ترشيح ماكين والذي يحظى بدعم نخب الحزب السياسية باعتباره المرشح الأكثر خبرة والأكثر اعتدالا مما قد يمكنه من الفوز بأصوات أكبر عدد من الناخبين المستقلين ومن ثم هزيمة الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة
كما أن ماكين فاز بقدر من الأصوات الجمهورية يصعب وربما يستحيل على هاكابي تعويضه فيما تبقى من الانتخابات التمهيدية الجمهورية، وهذا يعني أن تأييد البروتستانت التبشيريين لهاكابي حاليا يهدف إلى الضغط على ماكين للاعتراف بسطوتهم والخضوع لهم من خلال تغيير مواقفه السياسية تجاههم وتجاه قضاياهم أو من خلال اختيار هاكابي – أو شخص مثله يحظى بمباركة البروتستانت التبشيريين – أو نائبا له في الانتخابات الرئاسية المقبلة
ما يقلق الجمهوريون من هذه المواجهة هو أنها قد تكون مؤشرا على خطر أكبر قادم في نوفمبر المقبل وهو انقسام الحزب على نفسه ومن ثم هزيمة ماكين والجمهوريين في الانتخابات المقبلة خاصة في حالة عجز ماكين على تعلم درس البروتستانت التبشيريين السياسي القاسي
الناشر: الجزيرة نت، 10 فبراير 2008
نص المقال
فوز مايك هاكابي على جون ماكين في ولايتي كنساس ولويزيانا في الانتخابات التمهيدية التي جرت في التاسع من فبراير الجاري هو بمثابة رسالة قوية يوجها البروتستانت التبشيريون (US Evangelicals) لجون ماكين مفادها أنهم عازمون على تلقينه درسا سياسيا قاسيا يقضي بضرورة الانصياع لهم لو كان راغبا في الفوز بدعمهم في نوفمبر المقبل
فوز هاكابي الأخير يأتي في أول انتخابات تمهيدية تعقد بعد "الثلاثاء الكبير" والذي شهد تقدم ماكين تقدما صريحا على منافسيه مما دفع أقربهم – حاكم ولاية ماستشوتس السابق مت رومني – لإعلان انسحابه من السباق الانتخابي
انسحاب رومني دفعته أسباب شخصية وسياسية واضحة، فالرجل فضل حفظ ماء وجهه بعد أن شعر بصعوبة الفوز بترشيح الحزب
والمعروف أن والد رومني – حاكم مشيجان السابق جورج رومني – سعى هو الأخر لفوز بترشيح الجمهوريين للرئاسة في الستينيات – وفشل، وأن رومني ينتمي للطائفة المسيحية المورمانية، وهي طائفة لا تحظى باعتراف كافي من قبل التيارات المسيحية الرئيسية بأميركا
ويبدو أن رومني المعروف بتدينه أراد أن يحقق بعض الاعتراف السياسي بدور أبناء طائفته في المجتمع الأميركي من خلال حملته السياسية مستخدما ثروته الشخصية الضخمة التي أنفق منها بسخاء على حملته، ولما تيقن من صعوبة الفوز بترشيح الجمهوريين – وهو أمر كان مشكوك فيه منذ البداية – فضل الانسحاب وهو الرجل الثاني في السباق
انسحاب رومني وضع ماكين في مواجهة مباشرة مع قواعد الحزب الجمهوري الأكثر تشددا والتزاما أيدلوجيا وهم المسيحيون المتدينون أو البروتستانت التبشيريين والذين ساعد تحالفهم التدريجي مع الحزب الجمهوري منذ أوائل السبعينات في تصاعد نفوذ الحزب الجمهوري وسيطرته على البيت الأبيض والكونجرس بمجلسيه تدريجيا حتى وصل إلى قمته في انتخابات عامي 2002 و2004
ويقول المتابعون أن البروتستانت التبشيريين يمثلون ثلث القواعد الجماهيرية الجمهورية وهي نسبة لا يستهان بها، ويبدو أن وجود رومني كان بمثابة حائط صد هاما بينهم وبين ماكين، فرومني أكثر محافظة من ماكين ولكنه أكثر ليبرالية من مرشح البروتستانت التبشيريين المفضل مايك هاكابي
حيث استطاع رومني خلال فترة وجوده في السباق الانتخابي اقتسام صوت المسيحيين المتدينين مع هاكابي، ولعل هذا سر تشاحنهما وتلاسنهما خلال الحملة الانتخابية، واستمر ذلك حتى انسحب رومني والذي اجتذب الأصوات الأكثر اعتدالا وسط البروتستانت التبشيريين
بعد انسحاب رومني رفض هاكابي الانسحاب من السباق الانتخابي مؤكدا على رغبته في البقاء للنهاية وتوحيد أصوات المسيحيين التبشيريين حوله
وفي هذا السياق جاء فوز هاكابي في ولايتي كنساس ولويزيانا في التاسع من فبراير ليؤكد خطورة دور هاكابي وأن البروتستانت التبشيريين عازمين على تلقين ماكين درسا سياسيا قاسيا من خلال دعمهم لهاكابي مفاده استعدادهم لإحراج ماكين سياسيا بتفضيل مرشح مغمور ولا يمتلك دعما ماليا كافيا – وهو هاكابي حاكم ولاية أركنسو السابق – على ماكين الذي يعد أحد أشهر الشخصيات السياسية الأميركية على الإطلاق والمنحدر من عائلة عسكرية معروفة وسجين الحرب السابق
وهذه ليست أول مرة يوجه فيها البروتستانت التبشيريون الرسالة السابقة لماكين فقد سبق وفضلوا عليه حاكم ولاية تكساس قليل الخبرة والحنكة السياسية – جورج دبليو بوش – في انتخابات عام 2000 الرئاسية
والمعروف أن ماكين محافظ على المستوى الديني والأخلاقي ولكن علاقته بقادة تيار البروتسانت التبشيريين ليست إيجابية حيث سبق وأن وصفهم بعدم التسامح، كما أن ماكين معروف بشخصيته المستقلة واستعداده لمخالفة توجهات الحزب في قضايا هاما الضرائب والهجرة
ويعاني ماكين حتى الآن من رفض بعض أشهر الشخصيات الإعلامية المحافظة له من أمثال آن كالتر ورش ليمبو وشون هانيتي حتى أن بعضهم صرح قائلا بأنه على استعداد لتأييد هيلاري كلينتون ضد ماكين لو تطلب الأمر
المثير هنا أن المواجهة بين ماكين وقواعد الحزب الجمهوري الأكثر تدينا ومحافظة تأتي في وقت يكاد يجمع فيه الجمهوريون على ترشيح ماكين والذي يحظى بدعم نخب الحزب السياسية باعتباره المرشح الأكثر خبرة والأكثر اعتدالا مما قد يمكنه من الفوز بأصوات أكبر عدد من الناخبين المستقلين ومن ثم هزيمة الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة
كما أن ماكين فاز بقدر من الأصوات الجمهورية يصعب وربما يستحيل على هاكابي تعويضه فيما تبقى من الانتخابات التمهيدية الجمهورية، وهذا يعني أن تأييد البروتستانت التبشيريين لهاكابي حاليا يهدف إلى الضغط على ماكين للاعتراف بسطوتهم والخضوع لهم من خلال تغيير مواقفه السياسية تجاههم وتجاه قضاياهم أو من خلال اختيار هاكابي – أو شخص مثله يحظى بمباركة البروتستانت التبشيريين – أو نائبا له في الانتخابات الرئاسية المقبلة
ما يقلق الجمهوريون من هذه المواجهة هو أنها قد تكون مؤشرا على خطر أكبر قادم في نوفمبر المقبل وهو انقسام الحزب على نفسه ومن ثم هزيمة ماكين والجمهوريين في الانتخابات المقبلة خاصة في حالة عجز ماكين على تعلم درس البروتستانت التبشيريين السياسي القاسي
No comments:
Post a Comment