Wednesday, February 06, 2008

من لا يحب جون ماكين؟
مقال: بقلم علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 5 فبراير 2008

نص المقال

سؤال يجب أن يوجه للجمهوريين أنفسهم فهم الذي عارضوا ماكين لسنوات وفضلوا عليه جورج دبليو بوش في انتخابات عام 2000 الرئاسية على الرغم من قدرات ماكين الشخصية والسياسية، والآن عادوا ليتحدوا من حوله على استحياء بعد أن بات في السبعين من عمره على أمل أن يحميهم من هزيمة يخشونها في الانتخابات الرئاسية المقبلة (نوفمبر 2008)، ولسانهم حالهم يقول: كنا نتمنى آلا نلجأ لجون ماكين

سؤال يحمل مفارقة تتطلب البحث في شخصية جون ماكين وعلاقة بحزبه الجمهوري وقياداته خاصة بعد أن أصبح ماكين أهم المتنافسين على ترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات التمهيدية الراهنة وأوفرهم حظوظا للفوز بهذا الترشيح

محارب من سلالة محاربين

خلفية جون ماكين الشخصية تجعله بطلا في عيون الكثير من الأميركيين كما هو الحال بالفعل، فماكين المولود في عام 1936 ينحدر من عائلة شغلت مناصب رفيعة بالبحرية الأميركية، فوالده قائد عسكري كبير قاد القوات الأميركية في بعض فترات حرب فيتنام، وجده قائد معروف، وماكين نفسه طيار سابق بالبحرية الأمريكية وأستاذ بكلياتها، رفض الاستمرار في التدريس وفضل الحرب، حيث شارك في حرب فيتنام، وتعرض لأكثر من مخاطرة كادت أن تودي بحياته، ونجا منها بأعاجيب باتت تدرس لطلبة البحرية الأميركية لتدريبهم على التعامل من الأزمات

ولكن ذلك لم يحمي ماكين من الوقوع في الأسر لخمس سنوات ونصف لدى قوات كوريا الشمالية والتي أذاقته مختلف أنواع التعذيب خاصة بعدما علمت أنه ابن قائد العمليات العسكرية الأميركية ضدهم وبعدما رفض إفراجهم عنهم خوفا من أن يستغلوا ذلك كوسيلة للدعاية عنهم، فلما رفض حيلتهم تشددوا في تعذيبه، حتى حاول الانتحار وذكر فيما بعد أن تعذيبهم له أوصله في لحظات لنقطة الانهيار

ورغم التعذيب والظروف القاسية خرج ماكين من الحرب برؤى سياسية عميقة ناقدة لواشنطن، حيث شعر بالشفقة على الفيتناميين من الأسلحة الفتاكة التي كان تلقيها عليهم الطائرات الأميركية، كما شعر في أكثر من مناسبة أن السياسيين الأميركيين بواشنطن كانوا لا يدركون ما يحدث على أرض الواقع ومع ذلك يتحكمون في مسار الحرب عن بعد حتى أنهم قيدوا أيدي قيادات الجيش الأميركي فلم يتركوا لهم حرة القضاء على العدو بالشكل الذي يرونه مناسبا ولا هم أعادوهم لأميركا وكفوهم وجنودهم شرور الحرب

وخلال سنوات وقوعه في الأسر تحول ماكين لبطل قومي خاصة في ظل معاناته وبسبب أسرته العريقة المشهورة، لذا لم يتعجب كثيرون من أن تلقى سيرة ماكين الذاتية نجاحا كبير وتساعده في حملته الانتخابية خلال عام 2000، حتى أن هوليود حولت سيرة ماكين الذاتية لأحد أفلامها

ساعد في ذلك طبيعة شخصية ماكين نفسها، فهو شخص واثق من نفسه حاد الطباع إلى حد ما، فضل الرياضات العنيفة كالملاكمة والمصارعة في أيام شبابه، وصاحب الحسناوت، وتزوج من عائلات ثرية، وعرف بمزاجه المتقلب ولسانه السليط والذي تطاول به على الرؤساء وزملائه بمجلس الشيوخ الأميركي وقادة اليمين المسيحي المتدين

وعرف فوق كل ذلك بشخصيته المستقلة واستعداده لمخالفة جميع أعضاء حزبه في مجلس الشيوخ إذا تطلب الأمر، وهو ما حديث مع ماكين في أكثر مناسبة

نائب جون كيري

الخصائص السابقة جعلت من ماكين أحد أشهر الساسة الأميركيين على الإطلاق وأكثرهم نفوذا، كما أكسبته احترام الكثير من الديمقراطيين والمستقلين، حتى يشاع أن ماكين كان اختيار السيناتور الديمقراطي جون كيري الأول كنائب له في انتخابات عام 2004 الرئاسية في مواجهة جورج بوش وديك تشيني، ولما رفض ماكين عرض كيري تحول الأخير إلى جون إدواردز

وفي تلك الفترة خرج ماكين للجماهير ليعلن مساندته لجورج دبليو بوش ولسياساته مما رفع أسهم ماكين عالية في أوساط الحزب الجمهوري وساهم أيضا في حشد الدعم خلف حملة جورج دبليو بوش الرئاسية (2004)

ولكن العوامل السابقة والتي جعلت من ماكين بطلا قوميا أميركا وأحد أشهر الساسة الأميركيين على الإطلاق لم تشفع لماكين لدى أبناء حزبه وخاصة القيادات المتدينة والأكثر محافظة في أوساط الحزب الجمهوري

فماكين معروف بمواقفه المحافظة دينيا والداعمة للتجارة الحرة وللحد من الإنفاق الحكومي والحد من برامج الرفاهية وهي جميعها مواقف جمهورية هامة

ولكن ماكين في نفس الوقت يحمل كثير من الأفكار المستقلة عن أبناء حزبه، كما يمتلك إصرارا وقدرة على معارضة الحزب وقيادة مشاريع سياسية ناجحة داخل مجلس الشيوخ ضد إرادة غالبية الجمهوريين

فماكين شارك مع السيناتور الليبرالي المعروف راسل فاينجولد في وضع وتمرير قوانين تحد من سيطرة المال على الانتخابات الأميركية في أوائل عام 2001، وهو تشريع أغضب قادة الحزب الجمهوري المعروف بأنه حزب الأثرياء

كما عارض ماكين سوء إدارة الرئيس جورج دبليو بوش ووزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد لحرب العراق في أكثر من مناسبة، وعارض معسكر جوانتانامو واستخدام القوات الأميركية للتعذيب في استجواب المعتقلين، وهي مواقف أثارت حفيظة الجمهوريين ضده خاصة وأن ماكين يمتلك مصداقية كبيرة لدى الشعب الأميركي فيما يتعلق بهذه القضايا لكونه سجين حرب سابق، وجرأته في معارضة الجمهوريين بخصوص قضايا كالتعذيب كانت بمثابة صفعات سياسية قوية للجمهوريين

كما عرف ماكين بمواقفه الداعمة للحد من استخدام الأسلحة الصغيرة، ولمساندته تشريعات تسمح للمهاجرين غير الشرعيين بالحصول على الجنسية الأميركية بشروط كحل لمشكلة الهجرة غير الشرعية بأميركا، كما يطالب بجهود أميركية أكبر على ساحة حماية البيئة ومواجهة مخاطر الاحتباس الحراري وهي جهود عارضتها إدارة بوش لفترة طويلة

وهذا يعني أن فوز ماكين بالرئاسة الأميركية سوف يعني وصول رئيس جمهوري للحكم يمتلك أجندة بها العديد من البنود الليبرالية التي تتعارض مع أجندة الحزب، وهو أمر أكسب ماكين عداء غلاة المحافظين والذين مازلوا يقفون ضده حتى الآن، وذلك من أمثال ثلاثي الإعلام اليميني المحافظ المعروف شون هانيتي وآن كالتر ورش ليمبو وهم من أشهر الكتاب والمذيعين والذي مازالوا يجاهرون برفض جون ماكين ممثلا لهم حتى يومنا هذا

أكثر من ذلك عرف ماكين بعلاقته العدائية وانتقاداته العلنية اللاذعة لبعض أكبر قيادات قوى اليمين المسيحي المتدين في أميركا (البروتستانت التبشيريين) من أمثال القس الراحل جيري فالويل، والقس بات روبتسون، حيث وصفهم ماكين بعدم التسامح

ويقول البعض أن علاقة ماكين السلبية بقادة اليمين المسيحي المتدين الذي ارتمى بوش في أحضانهم وتحدث إليهم بلغتهم على أنه واحد منهم كانت القشة التي قسمت ظهر البعير وساهمت في فوز بوش وهزيمة ماكين في انتخابات عام 2000 بعد أن كان ماكين متقدما على بوش في أوائل الانتخابات بحكم أن الولايات التي شهدت انتخابات تمهيدية في بداية السباق الرئاسي كانت ليبرالية إلى حد ما وسمحت بتصويت الليبراليين والمستقلين لصالح ماكين، ولكن مع مضي عجلة الانتخابات التمهيدية إلى الأمام ودخول الانتخابات مراحلها المتقدمة واحتكام الجمهوريين لولايات الوسط والجنوب والتي تعرف أغلبيات جمهورية أكثر تدينا ومحافظة مال البروتستانت التبشيريون لبوش فمالت كافته وفاز بالانتخابات وفشل ماكين وكان عمره في ذلك الوقت في أوائل السينات

إعادة اكتشاف جون ماكين

أما الآن وبعد ثمانية سنوات كاملة وبعد أن بات جون ماكين عجوزا في الحادية والسبعين من عمره، يرى البعض أن الجمهوريين أعادوا اكتشاف ماكين، وأن ماكين أعاد اكتشافهم، وأن الطرفين دخلا معا في زواج كاثوليكي خلال موسم الانتخابات الحالي تمليها الضرورة

فالخسائر التي مني بها الجمهوريون في انتخابات عام 2006 التشريعية، وتراجع شعبيتهم وشعبية رئيسهم وتردى الأوضاع في العراق، وضعف الاقتصاد الأميركي وقدرته على خلق وظائف جديدة على مدى السنوات الأخيرة، جعلت الأميركيين ينظرون للجمهوريين على أنهم حزب متشدد تحركه الأيدلوجية لا الوقائع، حزب يرفض الإنصات لصوت الحقيقة مفضلا الاستجابة لقواعده الجماهيرية المتشددة ولقادته المؤلدجين

هذه الصورة المقلقة للجمهوريين وامتلاك الديمقراطيين لمرشحين ليبراليين على غرار بارك أوباما قادرين على جذب أصوات الناخبين المستقلين من الحزبين دفعت الجمهوريون للبحث عن شخصية جمهورية قادرة على مواجهة أوباما والمد الديمقراطي الليبرالي، شخصية قوية ترضى غرورهم السياسي خاصة على الساحة الخارجية، ومستقلة تمكنهم من الفوز بأربع سنوات إضافية في البيت الأبيض

ويبدو أن ماكين المصمم على أن يصبح رئيسا لأميركا رغم تقدمه في العمر لم يتردد في قبول الفرصة، حيث بادر ماكين من جانبه لإعادة تقديم نفسه للناخبين الجمهوريين مبتدأ بإصلاح علاقته مع قادة اليمين المسيحي المتدين

كما تمكن ماكين من الحصول على دعم المحافظين الجدد حيث يضم بين مستشاريه بعض أهم قادتهم مثل ويليام كريستول وماكس باوت وروبرت كاجين، حيث بات ماكين يمثل بالنسبة لهم بطلا يتغنون باسمه بعد موقفه الداعم لزيادة القوات الأميركية بالعراق

ومن المفيد هنا الإشارة إلى أن بعض أشد المحافظين الجدد تشددا في مساندة إسرائيل مثل مارتن كرايمر ودانيال بايبس ونورمان بدوهوريتز دعموا رودي جولياني والذي خرج من السباق الرئاسة مؤخرا، أما الثلاثي كريستول وباوت وكاجين فقد وجدوا ضالتهم في جون ماكين، وذلك لأنهم كان من أشد المعارضين لوزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد خلال فترة تدهور الأوضاع في العراق والتي سبقت انتخابات عام 2006 وأدت لهزيمة الجمهورية ولاستقالة رامسفيلد

حيث رأى هؤلاء أن إصرار رامسفيلد على تحقيق النصر بالعراق بأقل عدد من الجنود الأميركيين ورفضه إرسال مزيد من القوات هناك هو سبب رئيسي لتدهور الأوضاع الأمنية بالعراق، وقد وجود هؤلاء تأييدا ودعما قويا من ماكين والذي وقفا مدافعا عن سياسة زيادة القوات ورفض الانسحاب من العراق أو التفكير في خفض القوات هناك، وهي مواقف لم تكن مقبولة سياسيا في ذلك الحين، ومع ذلك ساندها ماكين حتى تحققت، ومع تحسن الأوضاع الأمنية في العراق نسبيا خلال الشهور الأخيرة رأي المحافظون الجدد أن مطالبتهم بزيادة عدد القوات الأميركية كانت في محلها وتحول ماكين بطلا لهم

أضف إلى ذلك مواقف ماكين الداعمة لإسرائيل والتي تحمل الفلسطينيين عبء توقف عملية السلام، وتطالبهم بوقف العنف كشرط للاستمرار في المفاوضات، كما يقف ماكين موقفا متشددا ضد إيران حيث يرى أنه لن يسمح لإيران بامتلاك أسلحة بامتلاك أسلحة نووية حتى لو أضطر لمهاجمتها عسكريا

ولكن مواقف ماكين المتشددة السابقة قد لا تكون كافية لحصد رضا قواعد الحزب الجماهيرية المتحفظة والمتشددة والتي يبدو أن مرغمة على الاستمرار في دعم ماكين خلال الانتخابات التمهيدية المقبلة انطلاقا من قاعدة أفضل الشرين، ولكن بعضهم مثل كالتر وهانيتي وليمبو ما زالوا يحذرون من خطورة التضحية بالأيدلوجية والمبادئ من أجل الوصول إلى سدة الحكم، فهل يضطر الجمهوريين لكي يحافظوا على كرسي الرئاسة أن ينتخبوا رئيسيا ينتقدهم علينا وينظر إليهم سلبيا في مرات عديدة؟ سؤال لن يجب عليه سوى الجمهوريون أنفسهم

-----

مقالات ذات صلة

صعود وسقوط مايك هاكابي

هيلاري كلينتون ... سيدة القصر الحديدية ترويض أوباما

مِتْ رومني: هل يأتي بجديد؟

جولياني: بوش المعدل

جون إدواردز بين إعلاء القيم الليبرالية وتجاهل معاناة الفلسطينيين

No comments: