نورمان بودهوريتز وإستراتيجية بوش والحمل الإسرائيلي
مقال بقلم: علاء بيومي
الناشر: الجزيرة نت، فبراير 2008
نص المقال
مؤتمر أنابوليس وزيارة بوش للمنطقة والهجمة الإسرائيلية الشرسة على قطاع غزة تحثنا على قراءة كتابات وأفكار نورمان بودهوريتز أحد أهم مؤسسي تيار المحافظين الجدد لما يتميز به من شجاعة في الاعتراف بأفكار سياسية يمينية يصعب العثور عليها في مكان أخر خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط
أسد المحافظين الجدد
حياة وأفكار نورمان بودهويتز يرى فيهما البعض تأريخا لتطور تيار المحافظين الجدد فكريا وسياسيا، فبودهوريتز هو ابن لبان يهودي هاجر لأميركا هربا من اضطهاد أوربا لليهود، وتمكن في الثلاثينات من عمره رئاسة تحرير مجلة كومنتاري الصادرة عن اللجنة اليهودية الأميركية، وهي إحدى أكبر المنظمات اليهودية الأميركية، وكان هدف المجلة هو السعي لإيجاد قناة ثقافية يهودية أميركية تربط يهود أميركا فكريا بعضهم البعض وبمثقفي المجتمع الأميركي، ومن ثم تقود عملية اندماج اليهود المهاجرين في مجتمعهم الجدد
كما لم يخيب كومنتاري الآمال المعقودة عليه وعلى جيله من المثقفين اليهود الأميركيين فقد تحولت كومنتاري في أوائل الستينات وتحت قياده إلى منبر يستقطب كبار المفكرين اليساريين بأميركا، ولكن بمرور الوقت بدأ بودهوريتز يشعر بمشكلة مع اليسار الأميركي الجديد خاصة مع شعوره القوي بالحاجة للدفاع عن إسرائيل بعد حرب عام 1967، وشعوره بخطر صعود اليسار السياسي الأميركي الجديد في الستينات، وبأن ذلك اليسار الجديد بات معاديا لإسرائيل ولأميركا وقيمها التقليدية إلى حد كبير، وأن محاربة هذا اليسار ضرورة أولية لكي يتمكن بودهوريتز من تحقيق أهدافه السياسية الأخرى
لذا تحولت كومنتاري ومعها بودهوريتز تدريجيا نحو اليمين، ولم يكن تحولهما صامتا أو خافتا بل كان ثائرا غاضبا كعادة بودهوريتز والذي يتميز في كتاباته بعدم تردده في كيل النقد لخصومه الفكريين لدرجة أقلقت أصدقائه قبل أعدائه، حيث يؤكد بودهوريتز في مذكراته على أن طموحه يمثل بالنسبة له شهوة عارمة يصعب التحكم فيه تفوق "الشهوة الجنسية" وفقا لتعبيره، ورغبته في الظهور والشهرة والثناء لا تشبع، وأن معاركه الفكرية كالمعارك الحربية لا تنتهي إلا بسفك دماء خصومه والقضاء عليهم، ولعل ذلك ما دفع بعض الصحفيين بتلقيبه "بأسد المحافظين الجدد"
حروب بودهوريتز
وتقوم حروب بودهوريتز على إستراتيجية فكرية يكررها باستمرار، إستراتيجية تقوم على الشعور بوجود عدو خارجي خطير يهدد الولايات المتحدة ويحتاج لحرب عالمية ضده، لذا يسمى بودهوريتز الحرب الباردة بالحرب العالمية الثالثة، وينادي في كتاب جديد نشره في عام 2007 بأن أميركا تخوض من 11-9 الحرب العالمية الرابعة ضد ما يسميه "بالإسلام الفاشي"، وفي الحالتين يرى بودهوريتز أن أعداء أميركا دوليين أصحاب أجندة دولية ورغبة في الدمار العالمي وهزيمة أميركا وإسرائيل، كما يرى أن أميركا ليس أمامها بديل سوى حشد كل قواها لمحاربة العدو الخارجي في حرب لا هوداه فيها، فحروب بودهوريتز لا تعترف إلا بالهجوم المستمر لإجبار العدو على التراجع والانهيار في أقرب فرصة
ويعود تلك الأفكار إلى إيمان بودهوريتز أن القوى العالمية الكبرى تهاونت في مقاومة النازية خلال فترة ما بين الحربين العالميتين مما ساعد هتلر على شراء مزيد من الوقت لناء جيشه وارتكاب ما ارتكبه خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية من جرائم
لذا انتقد بودهوريتز كارتر بسبب مساعيه للحوار مع السوفيت ومهادنته لهم مما سمح بسقوط أفغانستان في يد السوفيت، كما انتقد بودهوريتز رئيس الوزراء السابق بنيامين نتانياهو على مهادنة عرفات والاستمرار في "عملية السلام" التي يعارضها بودهوريتز
الدفاع عن بوش والحرب العالمية الرابعة
وتشير الكتابات الصحفية أن بودهوريتز لم يلتق بوش إلا مرات قليلة جدا، وهذا يعني أن نفوذ بودهورتيز لدى بوش وعلاقته بإدارته تتخطى العلاقات المباشرة لتصل إلى ما غير ذلك، فعديد من أهم رموز المحافظين الجدد هم من أصدقاء وتلاميذ وإتباع بودهوريتز، ويكفي هنا الإشارة إلى أن إليوت إبرامز نائب مستشار الأمن القومي الأميركي هو زوج لإحدى بنات بودهوريتز
ويكن بودهوريتز قدرا كبيرا من الاحترام لبوش وسياساته ويدافع عنهما باستمرار، وذلك لأن بوش كما يرى بودهوريتز أول رئيس أميركي خلال فترة الحرب العالمية الرابعة، حيث يحلو لبودهوريتز تشبيه بوش بالرئيس الأميركي السابق هاري ترومان، والذي حكم أميركا في الفترة من 1945 إلى 1953، ليكون أول رئيس يحكم أميركا في الفترة التالية لنهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة والتي يطلق عليها بودهوريتز الحرب العالمية الثالثة، ويشيد بودهوريتز بعظمة ترومان لأنه أعد أميركا لخوض الحرب الباردة
ولكنه يقول أن أميركا لم تنتصر في الحرب الباردة إلا بعد ثلاثة عقود من ولاية ترومان، وأن استعداد ترومان للحرب العالمية الثالثة لا يقارن باستعداد بوش للحرب العالمية الرابعة، وهنا يشيد بودهوريتز بالتغييرات التي أدخلها بوش على سياسة أميركا في بداية الحرب العالمية الرابعة والتي بدأت في 11 سبتمبر 2001، ويطلق على تلك التغييرات في العادة اسم "عقيدة بوش" والتي تقوم على النظر للحرب على الإرهاب على أنها حرب عالمية تستغرق أجيالا وتتطلب مواجهة الجماعات الإرهابية والدول المساندة لها بشكل استباقي إجهاضي عسكري أحيانا والسعي لنشر الديمقراطية عبر العام كخير وسيلة لهزيمة الدكتاتوريات والتي تمثل السبب الأساسي لصعود الإرهاب كما يرى بودهوريتز
ويرى بودهوريتز أن أفكار بوش السابقة عبقرية وأنها تمثل نقلة نوعية في السياسة الخارجية الأميركية، وأن بوش لم يكتف بتقليد سابقيه، بل قام بإجراء تعديلات كبيرة على السياسة الخارجية الأميركية سوف يتبعها من يأتي بعده
ويقول بودهوريتز أن التحديات التي يواجهها تطبيق عقيدة بوش عبر العالم خاصة في العراق لا يجب أن تقلق مسانديه للأسباب التالية، أولا أن أي سياسية بها تكتيكات وبها إستراتيجية عامة، وأن مساندي بوش قد يختلفوا معه في بعض التحركات التكتيكية، ولكن ذلك لا يجب أن يدفعهم إلى الخلاف معهم لأنهم لا يدركون إستراتيجيته العامة الشاملة والتي سوف تقود للنجاح في النهاية
وثانيا: لأن أعداء أميركا عبر العالم وخاصة الدول الديكتاتورية سوف تسعى لإفشال إستراتيجية بوش وسياساته خوفا على مصالحهم، وهو شيء متوقع يجب أن ينتبه له مساندي بوش ولا يقلقهم
ثالثا: أن أي سياسة معرضة للاختلاف حولها النابع من الاختلاف الطبيعي في وجهات النظر، وأن الخلاف مع بوش في بعض سياساته في العراق مثل سياسة عزل البعثيين بعد غزو العراق هو خلال طبيعي نابع من اختلاف وجهات النظر وليس خلافا جوهريا يفترض الصواب أو الخطأ المطلقين
لا وجود لعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية
أما أحد أهم أسباب إعجاب بودهوريتز ببوش فهو موقف الأخير من عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وذلك لأنه بودهوريتز - وهو من المعارضين المتشددين لأوسلو - يرى أن لا سلام يمكن تحقيقه بين العرب وإسرائيل خلال هذه الفترة عن طريق المفاوضات، وذلك لإيمانه بأن المسلمين والعرب يكرهون إسرائيل ولا يريدون بقاءها ويريدون التخلص منها في أقرب فرصة، وأن اتفاقاتهم معها ليست إلا هدنة يشتري بها العرب الوقت والدعم للاستعداد لإزالة إسرائيل، ولتشويه صورة إسرائيل من خلال إرسال الفلسطينيون أطفالهم للموت أمام كاميرات الإعلام، وحمل المصابين لكاميرات التلفزيون لتصوريهم
ويرى بودهويتز أن لا يوجد اختلاف بين ياسر عرفات ومحمود عباس أو أحمد قريع فالأخيرين هم من رجال عرفات وساندو سياساته لسنوات، وأن تضليل الإسرائيليين بإقناعهم بالتعايش مع اليهود في سلام هو بمثابة وضع الحمل مع الأسد، وأن لابد وأن يأتي يوم لينقض فيه الأسد الفلسطيني على الحمل الإسرائيلي الذي لا يريد سوى السلام والبقاء على أرض أجداده
ويشير بودهوريتز أكثر من مرة في مقالاته إلى ابنته الإسرائيلية والتي تعيش في إسرائيل منذ أكثر من ربع قرن أكثر تشددا منه، وإلى ابنها الذي يخدم في الجيش الإسرائيلي أكثر تشددا من كليهما، وأن اليهود المتدينين الذي يخدمون في الجيش الأميركي أكثر تشددا منهم جميعا
ويقول أن أحلام رابين بالسلام كانت واهية، وأن تخيلات بيريز أوهي منها، وأن الحل يكمن في إسرائيل قوية على حدود آمنة لا تلتزم بحدود عام 1967 الواهية
ويقول أنه وجد ضالته في شارون ومن خلفه بوش، لذا دعا بودهوريتز ابنته للثقة في شارون وفي خطته للانسحاب الأحادي من غزة وفي حائط الفصل الذي يبنيه، خاصة وأن بوش من وراءه
إسهام بوش
ويرى بودهوريتز أن عظمة بوش وتأثيره على مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو قدرته على تغيير السياق العام الذي يجري فيه الصراع والمفاوضات، حيث رفض بوش كما يرى بودهوريتز أن يحذو حذو سابقيه في المساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في المسئولية عن العنف حيث دأبت إدارة بيل كلينتون على مطالبة الفلسطينيين والإسرائيليين بوقف دوامة العنف ولومهما معا على استمرارها، ولكن بوش – كما يشيد بودهوريتز – تخلى عن ذلك، وحمل الفلسطينيين مسئولية وقف العنف وطالبهم بتغيير قيادتهم وتبني قيادة ترفض "العنف والإرهاب" بشكل مطلق قبل بداية المفاوضات
وبهذا غير بوش مسار الصراع العربي الإسرائيلي بوضعه المسئولية كاملة على الفلسطينيين، ولما طرحت "خارطة الطريق" وفكرة "اللجنة الرباعية" وهي مبادرات يكرهها بودهوريتز لأنها تأتي من وزارة الخارجية الأميركية والأمم المتحدة والتي يرى أنها كيانات معادية لإسرائيل، حرص بوش على آلا تفرض تلك الكيانات سقف زمني معين على إسرائيل
هذا إضافة إلى سعي بوش لنشر الديمقراطية بالشرق الأوسط، وهي مبادرة يساندها بودهوريتز بكل طاقته ويدافع عنها، حيث يرى أن العرب ومسانديهم يروجون لمقولة أسطورية تقول أن إحلال السلام بين العرب والإسرائيليين هو حجر الأساس لبناء السلام والاستقرار ومكافحة العداء لأميركا في الشرق الأوسط، وهي مقولة يرفضها بودهوريتز والذي يرى أن الشرق الأوسط منطقة غير مستقرة لأسباب كثيرة على رأسها وجود الديكتاتوريات، وعادة ما يضرب بودهوريتز المثل بحروب المنطقة خلال العقود الأخيرة، حيث يقول أن الشرق الأوسط شهد منذ تأسيس إسرائيل عدد كبير من الحروب، وأن كثير من تلك الحروب والصراعات لا يرتبط بإسرائيل، وأنه بعضها - مثل الحرب العراقية الإيرانية - أوقع ضحايا أكثر من الذي أوقعتهم جميع حروب العرب مع إسرائيل
لذا يرى أن عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشكلها الراهن لن تؤدي للسلام ولن تؤدي لاستقرار الشرق الأوسط، بل ستضع الحمل مع الأسد ليس أكثر، وأنه لا حل أمام إسرائيل سوى تقوية نفسها لمواجهة كراهية العرب لها والتي يؤكدها إعلانهم "الجهاد" ضدها بشكل متكرر، وأن تستمر إسرائيل في بناء قوتها حتى تحدث المفاجأة التاريخية ويقتنع العرب بإسرائيل، فالسلام بين العرب وإسرائيل يتوقف لدى بودهوريتز على عامل واحد وهو تغير موقف العرب وقلوبهم إيجابيا تجاه إسرائيل
وفي الخاتمة نؤكد على أننا حرصنا على عرض أفكار بودهوريتز بأكبر قدر من الأمانة العلمية بغض النظر على موقفنا منها، أما التعليق فنتركه للقارئ
الناشر: الجزيرة نت، فبراير 2008
نص المقال
مؤتمر أنابوليس وزيارة بوش للمنطقة والهجمة الإسرائيلية الشرسة على قطاع غزة تحثنا على قراءة كتابات وأفكار نورمان بودهوريتز أحد أهم مؤسسي تيار المحافظين الجدد لما يتميز به من شجاعة في الاعتراف بأفكار سياسية يمينية يصعب العثور عليها في مكان أخر خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط
أسد المحافظين الجدد
حياة وأفكار نورمان بودهويتز يرى فيهما البعض تأريخا لتطور تيار المحافظين الجدد فكريا وسياسيا، فبودهوريتز هو ابن لبان يهودي هاجر لأميركا هربا من اضطهاد أوربا لليهود، وتمكن في الثلاثينات من عمره رئاسة تحرير مجلة كومنتاري الصادرة عن اللجنة اليهودية الأميركية، وهي إحدى أكبر المنظمات اليهودية الأميركية، وكان هدف المجلة هو السعي لإيجاد قناة ثقافية يهودية أميركية تربط يهود أميركا فكريا بعضهم البعض وبمثقفي المجتمع الأميركي، ومن ثم تقود عملية اندماج اليهود المهاجرين في مجتمعهم الجدد
كما لم يخيب كومنتاري الآمال المعقودة عليه وعلى جيله من المثقفين اليهود الأميركيين فقد تحولت كومنتاري في أوائل الستينات وتحت قياده إلى منبر يستقطب كبار المفكرين اليساريين بأميركا، ولكن بمرور الوقت بدأ بودهوريتز يشعر بمشكلة مع اليسار الأميركي الجديد خاصة مع شعوره القوي بالحاجة للدفاع عن إسرائيل بعد حرب عام 1967، وشعوره بخطر صعود اليسار السياسي الأميركي الجديد في الستينات، وبأن ذلك اليسار الجديد بات معاديا لإسرائيل ولأميركا وقيمها التقليدية إلى حد كبير، وأن محاربة هذا اليسار ضرورة أولية لكي يتمكن بودهوريتز من تحقيق أهدافه السياسية الأخرى
لذا تحولت كومنتاري ومعها بودهوريتز تدريجيا نحو اليمين، ولم يكن تحولهما صامتا أو خافتا بل كان ثائرا غاضبا كعادة بودهوريتز والذي يتميز في كتاباته بعدم تردده في كيل النقد لخصومه الفكريين لدرجة أقلقت أصدقائه قبل أعدائه، حيث يؤكد بودهوريتز في مذكراته على أن طموحه يمثل بالنسبة له شهوة عارمة يصعب التحكم فيه تفوق "الشهوة الجنسية" وفقا لتعبيره، ورغبته في الظهور والشهرة والثناء لا تشبع، وأن معاركه الفكرية كالمعارك الحربية لا تنتهي إلا بسفك دماء خصومه والقضاء عليهم، ولعل ذلك ما دفع بعض الصحفيين بتلقيبه "بأسد المحافظين الجدد"
حروب بودهوريتز
وتقوم حروب بودهوريتز على إستراتيجية فكرية يكررها باستمرار، إستراتيجية تقوم على الشعور بوجود عدو خارجي خطير يهدد الولايات المتحدة ويحتاج لحرب عالمية ضده، لذا يسمى بودهوريتز الحرب الباردة بالحرب العالمية الثالثة، وينادي في كتاب جديد نشره في عام 2007 بأن أميركا تخوض من 11-9 الحرب العالمية الرابعة ضد ما يسميه "بالإسلام الفاشي"، وفي الحالتين يرى بودهوريتز أن أعداء أميركا دوليين أصحاب أجندة دولية ورغبة في الدمار العالمي وهزيمة أميركا وإسرائيل، كما يرى أن أميركا ليس أمامها بديل سوى حشد كل قواها لمحاربة العدو الخارجي في حرب لا هوداه فيها، فحروب بودهوريتز لا تعترف إلا بالهجوم المستمر لإجبار العدو على التراجع والانهيار في أقرب فرصة
ويعود تلك الأفكار إلى إيمان بودهوريتز أن القوى العالمية الكبرى تهاونت في مقاومة النازية خلال فترة ما بين الحربين العالميتين مما ساعد هتلر على شراء مزيد من الوقت لناء جيشه وارتكاب ما ارتكبه خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية من جرائم
لذا انتقد بودهوريتز كارتر بسبب مساعيه للحوار مع السوفيت ومهادنته لهم مما سمح بسقوط أفغانستان في يد السوفيت، كما انتقد بودهوريتز رئيس الوزراء السابق بنيامين نتانياهو على مهادنة عرفات والاستمرار في "عملية السلام" التي يعارضها بودهوريتز
الدفاع عن بوش والحرب العالمية الرابعة
وتشير الكتابات الصحفية أن بودهوريتز لم يلتق بوش إلا مرات قليلة جدا، وهذا يعني أن نفوذ بودهورتيز لدى بوش وعلاقته بإدارته تتخطى العلاقات المباشرة لتصل إلى ما غير ذلك، فعديد من أهم رموز المحافظين الجدد هم من أصدقاء وتلاميذ وإتباع بودهوريتز، ويكفي هنا الإشارة إلى أن إليوت إبرامز نائب مستشار الأمن القومي الأميركي هو زوج لإحدى بنات بودهوريتز
ويكن بودهوريتز قدرا كبيرا من الاحترام لبوش وسياساته ويدافع عنهما باستمرار، وذلك لأن بوش كما يرى بودهوريتز أول رئيس أميركي خلال فترة الحرب العالمية الرابعة، حيث يحلو لبودهوريتز تشبيه بوش بالرئيس الأميركي السابق هاري ترومان، والذي حكم أميركا في الفترة من 1945 إلى 1953، ليكون أول رئيس يحكم أميركا في الفترة التالية لنهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة والتي يطلق عليها بودهوريتز الحرب العالمية الثالثة، ويشيد بودهوريتز بعظمة ترومان لأنه أعد أميركا لخوض الحرب الباردة
ولكنه يقول أن أميركا لم تنتصر في الحرب الباردة إلا بعد ثلاثة عقود من ولاية ترومان، وأن استعداد ترومان للحرب العالمية الثالثة لا يقارن باستعداد بوش للحرب العالمية الرابعة، وهنا يشيد بودهوريتز بالتغييرات التي أدخلها بوش على سياسة أميركا في بداية الحرب العالمية الرابعة والتي بدأت في 11 سبتمبر 2001، ويطلق على تلك التغييرات في العادة اسم "عقيدة بوش" والتي تقوم على النظر للحرب على الإرهاب على أنها حرب عالمية تستغرق أجيالا وتتطلب مواجهة الجماعات الإرهابية والدول المساندة لها بشكل استباقي إجهاضي عسكري أحيانا والسعي لنشر الديمقراطية عبر العام كخير وسيلة لهزيمة الدكتاتوريات والتي تمثل السبب الأساسي لصعود الإرهاب كما يرى بودهوريتز
ويرى بودهوريتز أن أفكار بوش السابقة عبقرية وأنها تمثل نقلة نوعية في السياسة الخارجية الأميركية، وأن بوش لم يكتف بتقليد سابقيه، بل قام بإجراء تعديلات كبيرة على السياسة الخارجية الأميركية سوف يتبعها من يأتي بعده
ويقول بودهوريتز أن التحديات التي يواجهها تطبيق عقيدة بوش عبر العالم خاصة في العراق لا يجب أن تقلق مسانديه للأسباب التالية، أولا أن أي سياسية بها تكتيكات وبها إستراتيجية عامة، وأن مساندي بوش قد يختلفوا معه في بعض التحركات التكتيكية، ولكن ذلك لا يجب أن يدفعهم إلى الخلاف معهم لأنهم لا يدركون إستراتيجيته العامة الشاملة والتي سوف تقود للنجاح في النهاية
وثانيا: لأن أعداء أميركا عبر العالم وخاصة الدول الديكتاتورية سوف تسعى لإفشال إستراتيجية بوش وسياساته خوفا على مصالحهم، وهو شيء متوقع يجب أن ينتبه له مساندي بوش ولا يقلقهم
ثالثا: أن أي سياسة معرضة للاختلاف حولها النابع من الاختلاف الطبيعي في وجهات النظر، وأن الخلاف مع بوش في بعض سياساته في العراق مثل سياسة عزل البعثيين بعد غزو العراق هو خلال طبيعي نابع من اختلاف وجهات النظر وليس خلافا جوهريا يفترض الصواب أو الخطأ المطلقين
لا وجود لعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية
أما أحد أهم أسباب إعجاب بودهوريتز ببوش فهو موقف الأخير من عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وذلك لأنه بودهوريتز - وهو من المعارضين المتشددين لأوسلو - يرى أن لا سلام يمكن تحقيقه بين العرب وإسرائيل خلال هذه الفترة عن طريق المفاوضات، وذلك لإيمانه بأن المسلمين والعرب يكرهون إسرائيل ولا يريدون بقاءها ويريدون التخلص منها في أقرب فرصة، وأن اتفاقاتهم معها ليست إلا هدنة يشتري بها العرب الوقت والدعم للاستعداد لإزالة إسرائيل، ولتشويه صورة إسرائيل من خلال إرسال الفلسطينيون أطفالهم للموت أمام كاميرات الإعلام، وحمل المصابين لكاميرات التلفزيون لتصوريهم
ويرى بودهويتز أن لا يوجد اختلاف بين ياسر عرفات ومحمود عباس أو أحمد قريع فالأخيرين هم من رجال عرفات وساندو سياساته لسنوات، وأن تضليل الإسرائيليين بإقناعهم بالتعايش مع اليهود في سلام هو بمثابة وضع الحمل مع الأسد، وأن لابد وأن يأتي يوم لينقض فيه الأسد الفلسطيني على الحمل الإسرائيلي الذي لا يريد سوى السلام والبقاء على أرض أجداده
ويشير بودهوريتز أكثر من مرة في مقالاته إلى ابنته الإسرائيلية والتي تعيش في إسرائيل منذ أكثر من ربع قرن أكثر تشددا منه، وإلى ابنها الذي يخدم في الجيش الإسرائيلي أكثر تشددا من كليهما، وأن اليهود المتدينين الذي يخدمون في الجيش الأميركي أكثر تشددا منهم جميعا
ويقول أن أحلام رابين بالسلام كانت واهية، وأن تخيلات بيريز أوهي منها، وأن الحل يكمن في إسرائيل قوية على حدود آمنة لا تلتزم بحدود عام 1967 الواهية
ويقول أنه وجد ضالته في شارون ومن خلفه بوش، لذا دعا بودهوريتز ابنته للثقة في شارون وفي خطته للانسحاب الأحادي من غزة وفي حائط الفصل الذي يبنيه، خاصة وأن بوش من وراءه
إسهام بوش
ويرى بودهوريتز أن عظمة بوش وتأثيره على مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو قدرته على تغيير السياق العام الذي يجري فيه الصراع والمفاوضات، حيث رفض بوش كما يرى بودهوريتز أن يحذو حذو سابقيه في المساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في المسئولية عن العنف حيث دأبت إدارة بيل كلينتون على مطالبة الفلسطينيين والإسرائيليين بوقف دوامة العنف ولومهما معا على استمرارها، ولكن بوش – كما يشيد بودهوريتز – تخلى عن ذلك، وحمل الفلسطينيين مسئولية وقف العنف وطالبهم بتغيير قيادتهم وتبني قيادة ترفض "العنف والإرهاب" بشكل مطلق قبل بداية المفاوضات
وبهذا غير بوش مسار الصراع العربي الإسرائيلي بوضعه المسئولية كاملة على الفلسطينيين، ولما طرحت "خارطة الطريق" وفكرة "اللجنة الرباعية" وهي مبادرات يكرهها بودهوريتز لأنها تأتي من وزارة الخارجية الأميركية والأمم المتحدة والتي يرى أنها كيانات معادية لإسرائيل، حرص بوش على آلا تفرض تلك الكيانات سقف زمني معين على إسرائيل
هذا إضافة إلى سعي بوش لنشر الديمقراطية بالشرق الأوسط، وهي مبادرة يساندها بودهوريتز بكل طاقته ويدافع عنها، حيث يرى أن العرب ومسانديهم يروجون لمقولة أسطورية تقول أن إحلال السلام بين العرب والإسرائيليين هو حجر الأساس لبناء السلام والاستقرار ومكافحة العداء لأميركا في الشرق الأوسط، وهي مقولة يرفضها بودهوريتز والذي يرى أن الشرق الأوسط منطقة غير مستقرة لأسباب كثيرة على رأسها وجود الديكتاتوريات، وعادة ما يضرب بودهوريتز المثل بحروب المنطقة خلال العقود الأخيرة، حيث يقول أن الشرق الأوسط شهد منذ تأسيس إسرائيل عدد كبير من الحروب، وأن كثير من تلك الحروب والصراعات لا يرتبط بإسرائيل، وأنه بعضها - مثل الحرب العراقية الإيرانية - أوقع ضحايا أكثر من الذي أوقعتهم جميع حروب العرب مع إسرائيل
لذا يرى أن عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشكلها الراهن لن تؤدي للسلام ولن تؤدي لاستقرار الشرق الأوسط، بل ستضع الحمل مع الأسد ليس أكثر، وأنه لا حل أمام إسرائيل سوى تقوية نفسها لمواجهة كراهية العرب لها والتي يؤكدها إعلانهم "الجهاد" ضدها بشكل متكرر، وأن تستمر إسرائيل في بناء قوتها حتى تحدث المفاجأة التاريخية ويقتنع العرب بإسرائيل، فالسلام بين العرب وإسرائيل يتوقف لدى بودهوريتز على عامل واحد وهو تغير موقف العرب وقلوبهم إيجابيا تجاه إسرائيل
وفي الخاتمة نؤكد على أننا حرصنا على عرض أفكار بودهوريتز بأكبر قدر من الأمانة العلمية بغض النظر على موقفنا منها، أما التعليق فنتركه للقارئ
----
مقالات ذات صلة
No comments:
Post a Comment