حاضر الهوية المسلمة الأمريكية
بقلم: علاء بيومي
الناشر: موقع الجزيرة-نت، 30 يونيو 2004، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص المقال
التوترات التي تشهدها العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي في الفترة المعاصرة وخاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 زادت من الضغوط التي تتعرض لها هوية المسلمين الأمريكيين، وهي الجماعة البشرية الأساسية التي تربط الطرفين وتمثل المختبر الأهم للحوار والتعايش بينهما
مصادر الضغوط على الهوية المسلمة الأمريكية
وقد أتت هذه الضغوط من مصدرين أساسيين، أولهما أقلية أمريكية متشددة حاولت التشكيك في هوية المسلمين الأمريكيين ووطنيتهم وتصويرهم على أنهم "طابور خامس" يعيش داخل أمريكا يتحين الفرصة للانقضاض عليها، إذ نشر بول ويرتش ووليام ليند وهما من قادة الجماعات الدينية الأمريكية المحافظة كتابا بعد أحداث سبتمبر بعنوان "لماذا يمثل الإسلام تهديدا لأمريكا والغرب" يقولان فيه أنه "يجب تشجيع المسلمين الأمريكيين على الرحيل. أنهم طابور خامس في هذه البلد"، ويرأس بول ويرتش مركز أبحاث يميني في واشنطن يدعى "مؤسسة الكونجرس الحر" بلغت ميزانيته في عام 1997 إحدى عشر مليون دولار أمريكي
وقد روج لهذه الأفكار المتطرفة العديد من الكتاب والقادة اليمينيين المتشددين مثل الكاتبة الأمريكية المتشددة آن كالتر والتي طالبت بعد أحداث سبتمبر 2001 "بغزو بلاد (مرتكبي أحداث سبتمبر 2001) وقتل قادتهم وتحويلهم إلى المسيحية"، ومثل بعض قادة التيار الإنجليكي المحافظ كفرانكلين جرام الذي وصف الإسلام بأنه "دين شرير"، والقس جيري فاينز والذي وجه إساءات بالغة للرسول محمد (ص)، وكذلك بعض الكاتب المعروفين بتشددهم في تأييد إسرائيل مثل الكاتب دانيال بيبس والذي طالب في أكثر من مرة بتشديد الرقابة على المسلمين الموجودين في الولايات المتحدة كما دعا إلى محاصرة وتهميش دور المسلمين الأمريكيين على الصعيد السياسي
وعلى الرغم من مرور أكثر من عامين ونصف على أحداث سبتمبر إلا أنه هذه الاتهامات تعود وتطفو على السطح، إذ وصف بيتر كينج - عضو جمهوري بمجلس النواب الأمريكي عن ولاية نيويورك – في شهر فبراير الماضي 85 % من قادة المسلمين الأمريكيين بأنهم "أعداء يعيشون بيننا"، كما اتهم جميع المسلمين الأمريكيين بعدم التعاون في الحرب على "الإرهاب"
على الطرف الأخر وقفت أقلية من المسلمين موقفا سلبيا متشددا من الهوية المسلمة الأمريكية ومظاهر التعبير عنها، إلى حد معارضة بعض الأطراف المسلمة لدعوة أطلقتها منظمات مسلمة أمريكية في شهر أكتوبر الماضي لإقامة صلاة الاستسقاء والدعاء بنزول المطر لمواجهة موجة حرائق غابات ضخمة اجتاحت جنوب ولاية كاليفورنيا في ذلك الحين وأتت على أكثر من نصف مليون هكتار و2400 منزل (الشرق الأوسط، 31/10/2003)
مراحل اندماج المسلمين الأمريكيين
أما بالنسبة لأغلبية المسلمين الأمريكيين، فيرى الخبراء أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 والفترة السابقة لها زادت من ارتباطهم بالهوية المسلمة الأمريكية ولم تضعفها
إذ يري د. زاهد بخاري مدير مشروع "المسلمون في الساحة العامة الأمريكية" والذي يعكف على دراسة دور المسلمين الأمريكيين في الحياة العامة الأمريكية أن أحداث سبتمبر ساعدت مسلمي أمريكا على الإسراع بعجلة اندماجهم في المجتمع الأمريكي، وذلك في دراسة بعنوان "تعريف المسلمين الأمريكيين" صدرت له في عام 2003 ضمن فعاليات مؤتمر نظمه مركز أبحاث ويدرو ويلسون انترناشيونال الأمريكي المعروف في العام نفسه
وقد بنى د. بخاري رؤيته السابقة على تصور معين لعملية اندماج المسلمين في المجتمع الأمريكي، يقوم على فكرة أن الجماعات الأمريكية الجديدة تمر بمراحل خمسة تساعدها على الاندماج بشكل إيجابي في المجتمع، في المرحلة الأولي تركز الجماعة على بناء قوتها الاقتصادية ومؤسساتها الدينية الأساسية (كالمساجد)، وفي المرحلة الثانية تركز الجماعة الجديدة على بناء مدارسها الخاصة لحماية قيمها وتوريثها للأجيال التالية، وفي المرحلة الثالثة تعمل الأقلية النامية نسبيا على مساعدة بلادها الأصلية من خلال الإعمال الخيرية والتبرعات، وفي مرحلة الرابعة تركز الأقلية على الدفاع عن قضاياها الجديدة بمجتمعها الجديد مثل حقوقها المدنية وصورتها ومصالحها المختلفة، وفي المرحلة الخامسة والأخيرة تنفتح الأقلية على قضايا المجتمع الأمريكي بشكل عام وتبدأ في الدفاع عنها ومحاولة المشاركة في فعاليات الحياة العامة الأمريكية مثلها مثل أي جماعة أخرى، ويكون ذلك مؤشرا إيجابيا على نضج الجماعة الجديدة واندماجها
ويقول د. بخاري أن أحداث سبتمبر 2001 أسرعت من وتيرة تفكير وعمل المسلمين الأمريكيين على المستويين الرابع والخامس من مستويات الاندماج، إذ أصبح المسلمون الأمريكيون أكثر وعيا بقضاياهم الداخلية وعلى رأسها التهديدات التي تتعرض لها حقوقهم المدنية، كما أصبحوا أيضا راغبين أكثر من أي وقت مضى في العمل للدفاع عن هذه القضايا بالساحة العامة الأمريكية، وذلك بالتعاون مع تحالفات متنامية من جماعات الحريات المدنية والأقليات الأخرى
ولو حاولنا تأصيل الرؤية السابقة تاريخيا وفقا لما توصلت إليه أحدث الدراسات الخاصة بتاريخ نمو وتطور المؤسسات المسلمة الأمريكية وعلى رأسها دراسة "المساجد في أمريكا" والتي أصدرها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في أبريل من عام 2001، لوجدنا أن عقد السبعينات كان البداية الحقيقية لاندماج المسلمين الأمريكيين في المجتمع الأمريكي إذ شهد تأسيس 25 % من المساجد الموجودة بالولايات المتحدة حاليا، بينما لم يتم تأسيس سوى 13 % فقط منها قبل السبعينات
وقد شهد عقد الثمانينيات الزيادة الأكبر في عدد المساجد المسلمة الأمريكية إذ تم تأسيس 32% من المساجد الموجدة حاليا في الولايات المتحدة، وانخفضت النسبة قليلا في عقد التسعينات لتصل إلى 30 % وهي بدون شك نسبة مرتفعة تعبر عن انطلاق المسلمين الأمريكيين في مرحلة اندماجهم الأولى في المجتمع الأمريكي خاصة إذ علمنا أن تأسيس المساجد وانتشارها أدى إلى دفع عجلة تأسيس المدارس المسلمة الأمريكية، إذ تشير دراسة "المساجد في أمريكا" إلى أن 21 % من مساجد أمريكا قامت بتأسيس مدراس دوام كامل ملحقة بها وهي بالفعل نسبة مرتفعة، وتتواجد 60 % من هذه المدارس حول المساجد الكبيرة (يحضر صلاة الجمعة بها 500 شخص أو أكثر)، ويدرس بها ما لا يقل عن 31 ألف تلميذ مسلم
والواضح أن غالبية هذه المدارس قد تم تأسيسها خلال عقد الثمانينات إذا أشار إحصاء أجرى في عام 1994 من قبل د. إحسان باجبي - المشرف الرئيسي على دراسة المساجد في أمريكا السابق الإشارة إليها وعضو مجلس إدارة كير – إلى أن 17 % من المساجد المحصاة في تلك الفترة كان لديها مدارس دوام كلي تابعة لها، وهو ما يعني أن نسبة كبيرة من المدارس المسلمة الأمريكية تم تأسيسها في عقد الثمانينات وفي أوائل التسعينات، مما يعني أن فترة الثمانينات شهدت دخول مسلمو أمريكا مرحلة اندماجهم الثانية
وتعني الإحصاءات السابقة أن عجلة اندماج مسلمي أمريكا بالمجتمع الأمريكي - على الرغم من حداثة وجودهم بالولايات المتحدة – مرت بسرعة ملحوظة، وقد يساعدنا ذلك على القول بأن مسلمي أمريكا دخلوا مرحلة العمل العام لخدمة قضاياهم بالمجتمع الأمريكي – وهي المرحلة الرابعة وقبل الأخيرة من مراحل اندماجهم بالمجتمع الأمريكي - قبل أحداث سبتمبر 2001 بعدة سنوات، يساعدنا على الوصول إلى النتيجة السابقة حقيقة هامة وهي أن مسلمي أمريكا أسسوا عدد من أهم منظماتهم السياسية والإعلامية والحقوقية العامة على الساحة الأمريكية الراهنة قبل منتصف التسعينات، وعلى رأسها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، ومجلس الشئون العامة الإسلامية (MPAC)، والإتحاد الإسلامي الأمريكي (AMA)
وهذا لا يعني أن مسلمي أمريكا انتهوا من مرحلة اندماجهم الرابعة فهم مازالوا يسيرون فيها وهي بدون شك مرحلة طويلة كما زالوا يحاولون دعم مستويات اندماجهم الثلاثة الأولى في الحياة العامة الأمريكية والدخول في مرحلة الاندماج الخامسة والهامة والتي تحتاج لدرجتي وعي ونشاط عاليتين
تبعات أحداث سبتمبر 2001 على الهوية المسلمة الأمريكية
أما بالنسبة لتأثير أحداث سبتمبر 2001 على هوية المسلمين الأمريكيين، فالواضح أن ضغوطها - خاصة على صعيد انتهاكات الحقوق المدنية التي طالبت آلاف المسلمين الأمريكيين والحملة المستعرة لتشويه صورة الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الأمريكية – قد أدت إلى تقسيم المسلمين الأمريكيين إلى ثلاثة جماعات أساسية، أولها أقلية دفعتها الضغوط لترك الولايات المتحدة أو الانسحاب من الحياة العامة الأمريكية، كما تحركت أقلية أخرى في اتجاه عكسي للذوبان في المجتمع الأمريكي إلى درجة سعي البعض لتغيير أسمائهم الإسلامية أو التخلي عن التعبير عن ديانتهم بالأماكن العامة
أما غالبية المسلمين الأمريكيين فقد سعوا لتأكيد ارتباطهم بهويتهم المسلمة الأمريكية بعد 11 سبتمبر 2001 وبمظاهر التعبير عن هذه الهوية، إذ توصل استطلاع لآراء مسلمي أمريكا أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) بمناسبة مرور عامان على أحداث سبتمبر 2001، وأصدر نتائجه في 10 سبتمبر 2003، إلى أن غالبية مسلمي أمريكا (45 – 59 %) زادوا من نشاطهم العام منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، إذا ذكر نصف المشاركين في الاستطلاع تقريبا أنهم زادوا من نشاطهم الاجتماعي (58 %)، والسياسي (45 %)، وفي مجال الحوار بين أبناء الأديان المختلفة (52 %) منذ الأحداث
كما ذكر 49 % من المشاركين في الاستطلاع أنهم زادوا من تعبيرهم عن هويتهم الدينية في المحيط الأمريكي العام خلال العامين الماضيين، وزاد 42 % من المشاركين في الاستطلاع من تبرعاتهم للمنظمات المسلمة الأمريكية على المستويين المحلي والوطني، كما ذكر 59 % من المشاركين في الاستطلاع أن مجتمعاتهم المسلمة الأمريكية المحلية زادت بشكل عام من أنشطتها السياسية والاجتماعية منذ أحداث سبتمبر
عوامل نمو الهوية المسلمة الأمريكية وانتشارها
نتائج الاستطلاع السابق - والتي تؤكد نمو الهوية المسلمة الأمريكية بعد أحداث سبتمبر 2001 الصعبة - يمكن تفسيرها بعدد من العوامل الهامة التي تقف وراء تكوين ونمو الهوية المسلمة الأمريكية، ويمكن تلخيص هذه العوامل في أربعة أسباب رئيسية
أولا: ذكر 70 % من المشاركين في استطلاع العاشر من سبتمبر 2003 أنهم يشعرون بالحرية في ممارسة دينهم بدون قيود، الأمر الذي يعني أن أحداث سبتمبر والتي أثرت بشكل ملحوظ على حقوق وحريات المسلمين الأمريكيين وعلى صورتهم لدى الرأي العام الأمريكي لم تؤثر سلبا على مدى الحرية الدينية التي يتمتع بها المسلمون الأمريكيون، وهذا بدون شك عامل هام ومؤثر على بقاء المسلمين الأمريكيين ونموهم وشعورهم بإمكانية التعايش والدمج بين القيم الإسلامية والقيم الأمريكية
ثانيا: اقترن شعور المسلمين الأمريكيين بالتأثير السلبي لأحداث سبتمبر على حرياتهم المدنية وصورتهم بشعور عام بوجود فرصة للعمل والتأثير والدفاع عن قضايا المسلمين في أمريكا من خلال العمل المنظم الواعي
إذ ذكر 88 % من المشاركين في استطلاع 10 سبتمبر 2003 أنهم يعرفون مسلما واحدا على الأقل عانى من التمييز خلال العام الماضي، كما ذكر 56 % منهم أنهم تعرضوا للتمييز بشكل أو بأخر من أحداث سبتمبر، في الوقت نفسه ذكر 86 % منهم أنهم تلقوا مساندات إيجابية من قبل الشعب الأمريكي خلال العام الماضي
وتشير الدراسات الخاصة بتبعات أحداث سبتمبر على حقوق المسلمين المدنية إلى تعرض حقوق الآلاف منهم للتميز بصفة مباشر، فعلى سبيل المثال تعرض أكثر من 2000 مسلم للتمييز ضمن موجه العداء للمسلمين التي اجتاحت المجتمع الأمريكي في الأسابيع التالية لهجمات سبتمبر، كما اعتقل أكثر من 700 مسلم وعربي في ظروف أشبه بالسرية على ذمة تحقيقات سبتمبر 2001، وتم إجبار عشرات الآلاف من الطلاب والمهاجرين المسلمين على المشاركة في مقابلات مع سلطات الهجرة أو مكتب التحقيقات الفيدرالي
وفيما يتعلق بصورة الإسلام لدى الرأي العام الأمريكي تشير استطلاعات الرأي العام الأمريكي المختلفة إلى ارتفاع نسبة من ينظرون للإسلام نظرة عامة سلبية في أواخر عام 2002 وخلال عام 2003 لتصل إلى 38 % من الشعب الأمريكي، كما شهدت نسبة الأمريكيين الذي يرون أن الإسلام يشجع العنف ازديادا مضطردا منذ أحداث سبتمبر 2001، إذ بلغت 34 % في سبتمبر 2003 مقارنة بنسبة 23 % في أكتوبر 2002 وبنسبة 14 % فقط في يناير 2002، وهو ما يعنى أن نسبة الأمريكيين الذين يعتقدون أن الإسلام دين يحض على العنف زادت بمعدل 9-10 % تقريبا كل عام منذ أحداث سبتمبر 2001، وتقول الإحصاءات أن صورة الإسلام السلبية أكثر انتشارا في أوساط كبار السن وفي أوساط البروتستانت الانجليكيين مقارنة بغيرهم من فئات الشعب الأمريكي
على الجانب الأخر ركز تقرير أصدرته كير في سبتمبر 2003 عن "خبرة مسلمي أمريكا على الصعيدين السياسي والحقوقي بعد عامين على أحداث سبتمبر" على الفرص التي تمخضت عنها أحداث سبتمبر الصعبة مثل – كما ورد في التقرير - زيادة شعور مسلمي أمريكا بأهمية التنظيم السياسي والقانوني بشكل عام، وتأسيس عدد من المنظمات المسلمة الأمريكية الجديدة المعنية بالدفاع عن الحقوق المدنية، ونشطات المنظمات المسلمة الأمريكية في العمل مع عدد متزايد من المنظمات المدنية الأمريكية التي اهتمت بالدفاع عن قضايا مسلمي أمريكا الداخلية والخارجية في ظل الضغوط الكبيرة التي تعرضوا لها بعد أحداث سبتمبر
ثالثا: الفترة السابقة لأحداث سبتمبر شهدت انتشارا واسعا للهوية المسلمة الأمريكية، إذا أشارت دراسة "المساجد في أمريكا" إلى أن المسلمين الأمريكيين كانوا مقبلين في بداية القرن الحادي والعشرين إقبالا واضحا على الاندماج في المجتمع الأمريكي والمشاركة في مختلف جوانبه كمسلمين أمريكيين، إذ توصلت الدراسة إلى 96% من قادة المسلمين الأمريكيين يؤيدون مشاركة المسلمين في مؤسسات المجتمع الأمريكي العامة المختلفة، كما يؤيد 89% منهم المشاركة في العملية السياسية، ويؤيد 77 % منهم فكرة أن الولايات المتحدة تقدم نموذجا من الحرية والديمقراطية يمكن أن يتعلم منه المسلمون
كما انتشرت في الفترة ذاتها صورة إيجابية للمسلم الأمريكي لدى ذاته وفي المحيط الأمريكي، إذ توصلت عدة دراسات أجريت حول خصائص المسلمين الأمريكيين إلى أنهم يتميزون كأقلية أمريكية ناشئة بعدد ملحوظ من الخصائص الإيجابية، مثل ارتفاع مستواهم التعليمي مقارنة بالمتوسط العام الأمريكي، إذا تبلغ نسبة المسلمين الأمريكيين من حاملي الشهادات الجامعية 58 % مقارنة بنسبة 25 % في المجتمع الأمريكي، كما تقل أعمار 74 % من المسلمين الأمريكيين عن خمسين عاما، وتزيد دخول 50 % منهم عن خمسين ألف دولار سنويا، ويعمل 42 % منهم في وظائف مرموقة كالطب والوظائف الإدارية والجامعات
رابعا: بقى لنا أن نشير إلى الدور الإيجابي الهام الذي لعبه الجيل الراهن من القيادات والمؤسسات المسلمة الأمريكية في تشجيع اندماج المسلمين الأمريكيين الإيجابي في المجتمع الأمريكي خاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، إذا أعلنت الغالبية العظمى منهم إدانتهم وإدانة الإسلام لهجمات سبتمبر الإرهابية، وتمسكهم بالولايات المتحدة كوطن لهم ولأجيال مسلمة عديدة قادمة، وبهويتهم كمسلمين أمريكيين، وسعيهم لاستخدام القانون والدستور الأمريكي للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم كأمريكيين مسلمين، وتحديهم لمختلف الضغوط المفروضة على مسلمي أمريكا في فترة ما بعد سبتمبر 2001 من خلال أسلوب واحد لا بديل عنه وهو العمل العام الجاد والنظم على مختلف المستويات لنيل حقوق المسلمين كاملة ولتوعية الأمريكيين بصورتهم وبصورة الإسلام الحقيقة
الناشر: موقع الجزيرة-نت، 30 يونيو 2004، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص المقال
التوترات التي تشهدها العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي في الفترة المعاصرة وخاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 زادت من الضغوط التي تتعرض لها هوية المسلمين الأمريكيين، وهي الجماعة البشرية الأساسية التي تربط الطرفين وتمثل المختبر الأهم للحوار والتعايش بينهما
مصادر الضغوط على الهوية المسلمة الأمريكية
وقد أتت هذه الضغوط من مصدرين أساسيين، أولهما أقلية أمريكية متشددة حاولت التشكيك في هوية المسلمين الأمريكيين ووطنيتهم وتصويرهم على أنهم "طابور خامس" يعيش داخل أمريكا يتحين الفرصة للانقضاض عليها، إذ نشر بول ويرتش ووليام ليند وهما من قادة الجماعات الدينية الأمريكية المحافظة كتابا بعد أحداث سبتمبر بعنوان "لماذا يمثل الإسلام تهديدا لأمريكا والغرب" يقولان فيه أنه "يجب تشجيع المسلمين الأمريكيين على الرحيل. أنهم طابور خامس في هذه البلد"، ويرأس بول ويرتش مركز أبحاث يميني في واشنطن يدعى "مؤسسة الكونجرس الحر" بلغت ميزانيته في عام 1997 إحدى عشر مليون دولار أمريكي
وقد روج لهذه الأفكار المتطرفة العديد من الكتاب والقادة اليمينيين المتشددين مثل الكاتبة الأمريكية المتشددة آن كالتر والتي طالبت بعد أحداث سبتمبر 2001 "بغزو بلاد (مرتكبي أحداث سبتمبر 2001) وقتل قادتهم وتحويلهم إلى المسيحية"، ومثل بعض قادة التيار الإنجليكي المحافظ كفرانكلين جرام الذي وصف الإسلام بأنه "دين شرير"، والقس جيري فاينز والذي وجه إساءات بالغة للرسول محمد (ص)، وكذلك بعض الكاتب المعروفين بتشددهم في تأييد إسرائيل مثل الكاتب دانيال بيبس والذي طالب في أكثر من مرة بتشديد الرقابة على المسلمين الموجودين في الولايات المتحدة كما دعا إلى محاصرة وتهميش دور المسلمين الأمريكيين على الصعيد السياسي
وعلى الرغم من مرور أكثر من عامين ونصف على أحداث سبتمبر إلا أنه هذه الاتهامات تعود وتطفو على السطح، إذ وصف بيتر كينج - عضو جمهوري بمجلس النواب الأمريكي عن ولاية نيويورك – في شهر فبراير الماضي 85 % من قادة المسلمين الأمريكيين بأنهم "أعداء يعيشون بيننا"، كما اتهم جميع المسلمين الأمريكيين بعدم التعاون في الحرب على "الإرهاب"
على الطرف الأخر وقفت أقلية من المسلمين موقفا سلبيا متشددا من الهوية المسلمة الأمريكية ومظاهر التعبير عنها، إلى حد معارضة بعض الأطراف المسلمة لدعوة أطلقتها منظمات مسلمة أمريكية في شهر أكتوبر الماضي لإقامة صلاة الاستسقاء والدعاء بنزول المطر لمواجهة موجة حرائق غابات ضخمة اجتاحت جنوب ولاية كاليفورنيا في ذلك الحين وأتت على أكثر من نصف مليون هكتار و2400 منزل (الشرق الأوسط، 31/10/2003)
مراحل اندماج المسلمين الأمريكيين
أما بالنسبة لأغلبية المسلمين الأمريكيين، فيرى الخبراء أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 والفترة السابقة لها زادت من ارتباطهم بالهوية المسلمة الأمريكية ولم تضعفها
إذ يري د. زاهد بخاري مدير مشروع "المسلمون في الساحة العامة الأمريكية" والذي يعكف على دراسة دور المسلمين الأمريكيين في الحياة العامة الأمريكية أن أحداث سبتمبر ساعدت مسلمي أمريكا على الإسراع بعجلة اندماجهم في المجتمع الأمريكي، وذلك في دراسة بعنوان "تعريف المسلمين الأمريكيين" صدرت له في عام 2003 ضمن فعاليات مؤتمر نظمه مركز أبحاث ويدرو ويلسون انترناشيونال الأمريكي المعروف في العام نفسه
وقد بنى د. بخاري رؤيته السابقة على تصور معين لعملية اندماج المسلمين في المجتمع الأمريكي، يقوم على فكرة أن الجماعات الأمريكية الجديدة تمر بمراحل خمسة تساعدها على الاندماج بشكل إيجابي في المجتمع، في المرحلة الأولي تركز الجماعة على بناء قوتها الاقتصادية ومؤسساتها الدينية الأساسية (كالمساجد)، وفي المرحلة الثانية تركز الجماعة الجديدة على بناء مدارسها الخاصة لحماية قيمها وتوريثها للأجيال التالية، وفي المرحلة الثالثة تعمل الأقلية النامية نسبيا على مساعدة بلادها الأصلية من خلال الإعمال الخيرية والتبرعات، وفي مرحلة الرابعة تركز الأقلية على الدفاع عن قضاياها الجديدة بمجتمعها الجديد مثل حقوقها المدنية وصورتها ومصالحها المختلفة، وفي المرحلة الخامسة والأخيرة تنفتح الأقلية على قضايا المجتمع الأمريكي بشكل عام وتبدأ في الدفاع عنها ومحاولة المشاركة في فعاليات الحياة العامة الأمريكية مثلها مثل أي جماعة أخرى، ويكون ذلك مؤشرا إيجابيا على نضج الجماعة الجديدة واندماجها
ويقول د. بخاري أن أحداث سبتمبر 2001 أسرعت من وتيرة تفكير وعمل المسلمين الأمريكيين على المستويين الرابع والخامس من مستويات الاندماج، إذ أصبح المسلمون الأمريكيون أكثر وعيا بقضاياهم الداخلية وعلى رأسها التهديدات التي تتعرض لها حقوقهم المدنية، كما أصبحوا أيضا راغبين أكثر من أي وقت مضى في العمل للدفاع عن هذه القضايا بالساحة العامة الأمريكية، وذلك بالتعاون مع تحالفات متنامية من جماعات الحريات المدنية والأقليات الأخرى
ولو حاولنا تأصيل الرؤية السابقة تاريخيا وفقا لما توصلت إليه أحدث الدراسات الخاصة بتاريخ نمو وتطور المؤسسات المسلمة الأمريكية وعلى رأسها دراسة "المساجد في أمريكا" والتي أصدرها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في أبريل من عام 2001، لوجدنا أن عقد السبعينات كان البداية الحقيقية لاندماج المسلمين الأمريكيين في المجتمع الأمريكي إذ شهد تأسيس 25 % من المساجد الموجودة بالولايات المتحدة حاليا، بينما لم يتم تأسيس سوى 13 % فقط منها قبل السبعينات
وقد شهد عقد الثمانينيات الزيادة الأكبر في عدد المساجد المسلمة الأمريكية إذ تم تأسيس 32% من المساجد الموجدة حاليا في الولايات المتحدة، وانخفضت النسبة قليلا في عقد التسعينات لتصل إلى 30 % وهي بدون شك نسبة مرتفعة تعبر عن انطلاق المسلمين الأمريكيين في مرحلة اندماجهم الأولى في المجتمع الأمريكي خاصة إذ علمنا أن تأسيس المساجد وانتشارها أدى إلى دفع عجلة تأسيس المدارس المسلمة الأمريكية، إذ تشير دراسة "المساجد في أمريكا" إلى أن 21 % من مساجد أمريكا قامت بتأسيس مدراس دوام كامل ملحقة بها وهي بالفعل نسبة مرتفعة، وتتواجد 60 % من هذه المدارس حول المساجد الكبيرة (يحضر صلاة الجمعة بها 500 شخص أو أكثر)، ويدرس بها ما لا يقل عن 31 ألف تلميذ مسلم
والواضح أن غالبية هذه المدارس قد تم تأسيسها خلال عقد الثمانينات إذا أشار إحصاء أجرى في عام 1994 من قبل د. إحسان باجبي - المشرف الرئيسي على دراسة المساجد في أمريكا السابق الإشارة إليها وعضو مجلس إدارة كير – إلى أن 17 % من المساجد المحصاة في تلك الفترة كان لديها مدارس دوام كلي تابعة لها، وهو ما يعني أن نسبة كبيرة من المدارس المسلمة الأمريكية تم تأسيسها في عقد الثمانينات وفي أوائل التسعينات، مما يعني أن فترة الثمانينات شهدت دخول مسلمو أمريكا مرحلة اندماجهم الثانية
وتعني الإحصاءات السابقة أن عجلة اندماج مسلمي أمريكا بالمجتمع الأمريكي - على الرغم من حداثة وجودهم بالولايات المتحدة – مرت بسرعة ملحوظة، وقد يساعدنا ذلك على القول بأن مسلمي أمريكا دخلوا مرحلة العمل العام لخدمة قضاياهم بالمجتمع الأمريكي – وهي المرحلة الرابعة وقبل الأخيرة من مراحل اندماجهم بالمجتمع الأمريكي - قبل أحداث سبتمبر 2001 بعدة سنوات، يساعدنا على الوصول إلى النتيجة السابقة حقيقة هامة وهي أن مسلمي أمريكا أسسوا عدد من أهم منظماتهم السياسية والإعلامية والحقوقية العامة على الساحة الأمريكية الراهنة قبل منتصف التسعينات، وعلى رأسها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، ومجلس الشئون العامة الإسلامية (MPAC)، والإتحاد الإسلامي الأمريكي (AMA)
وهذا لا يعني أن مسلمي أمريكا انتهوا من مرحلة اندماجهم الرابعة فهم مازالوا يسيرون فيها وهي بدون شك مرحلة طويلة كما زالوا يحاولون دعم مستويات اندماجهم الثلاثة الأولى في الحياة العامة الأمريكية والدخول في مرحلة الاندماج الخامسة والهامة والتي تحتاج لدرجتي وعي ونشاط عاليتين
تبعات أحداث سبتمبر 2001 على الهوية المسلمة الأمريكية
أما بالنسبة لتأثير أحداث سبتمبر 2001 على هوية المسلمين الأمريكيين، فالواضح أن ضغوطها - خاصة على صعيد انتهاكات الحقوق المدنية التي طالبت آلاف المسلمين الأمريكيين والحملة المستعرة لتشويه صورة الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الأمريكية – قد أدت إلى تقسيم المسلمين الأمريكيين إلى ثلاثة جماعات أساسية، أولها أقلية دفعتها الضغوط لترك الولايات المتحدة أو الانسحاب من الحياة العامة الأمريكية، كما تحركت أقلية أخرى في اتجاه عكسي للذوبان في المجتمع الأمريكي إلى درجة سعي البعض لتغيير أسمائهم الإسلامية أو التخلي عن التعبير عن ديانتهم بالأماكن العامة
أما غالبية المسلمين الأمريكيين فقد سعوا لتأكيد ارتباطهم بهويتهم المسلمة الأمريكية بعد 11 سبتمبر 2001 وبمظاهر التعبير عن هذه الهوية، إذ توصل استطلاع لآراء مسلمي أمريكا أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) بمناسبة مرور عامان على أحداث سبتمبر 2001، وأصدر نتائجه في 10 سبتمبر 2003، إلى أن غالبية مسلمي أمريكا (45 – 59 %) زادوا من نشاطهم العام منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، إذا ذكر نصف المشاركين في الاستطلاع تقريبا أنهم زادوا من نشاطهم الاجتماعي (58 %)، والسياسي (45 %)، وفي مجال الحوار بين أبناء الأديان المختلفة (52 %) منذ الأحداث
كما ذكر 49 % من المشاركين في الاستطلاع أنهم زادوا من تعبيرهم عن هويتهم الدينية في المحيط الأمريكي العام خلال العامين الماضيين، وزاد 42 % من المشاركين في الاستطلاع من تبرعاتهم للمنظمات المسلمة الأمريكية على المستويين المحلي والوطني، كما ذكر 59 % من المشاركين في الاستطلاع أن مجتمعاتهم المسلمة الأمريكية المحلية زادت بشكل عام من أنشطتها السياسية والاجتماعية منذ أحداث سبتمبر
عوامل نمو الهوية المسلمة الأمريكية وانتشارها
نتائج الاستطلاع السابق - والتي تؤكد نمو الهوية المسلمة الأمريكية بعد أحداث سبتمبر 2001 الصعبة - يمكن تفسيرها بعدد من العوامل الهامة التي تقف وراء تكوين ونمو الهوية المسلمة الأمريكية، ويمكن تلخيص هذه العوامل في أربعة أسباب رئيسية
أولا: ذكر 70 % من المشاركين في استطلاع العاشر من سبتمبر 2003 أنهم يشعرون بالحرية في ممارسة دينهم بدون قيود، الأمر الذي يعني أن أحداث سبتمبر والتي أثرت بشكل ملحوظ على حقوق وحريات المسلمين الأمريكيين وعلى صورتهم لدى الرأي العام الأمريكي لم تؤثر سلبا على مدى الحرية الدينية التي يتمتع بها المسلمون الأمريكيون، وهذا بدون شك عامل هام ومؤثر على بقاء المسلمين الأمريكيين ونموهم وشعورهم بإمكانية التعايش والدمج بين القيم الإسلامية والقيم الأمريكية
ثانيا: اقترن شعور المسلمين الأمريكيين بالتأثير السلبي لأحداث سبتمبر على حرياتهم المدنية وصورتهم بشعور عام بوجود فرصة للعمل والتأثير والدفاع عن قضايا المسلمين في أمريكا من خلال العمل المنظم الواعي
إذ ذكر 88 % من المشاركين في استطلاع 10 سبتمبر 2003 أنهم يعرفون مسلما واحدا على الأقل عانى من التمييز خلال العام الماضي، كما ذكر 56 % منهم أنهم تعرضوا للتمييز بشكل أو بأخر من أحداث سبتمبر، في الوقت نفسه ذكر 86 % منهم أنهم تلقوا مساندات إيجابية من قبل الشعب الأمريكي خلال العام الماضي
وتشير الدراسات الخاصة بتبعات أحداث سبتمبر على حقوق المسلمين المدنية إلى تعرض حقوق الآلاف منهم للتميز بصفة مباشر، فعلى سبيل المثال تعرض أكثر من 2000 مسلم للتمييز ضمن موجه العداء للمسلمين التي اجتاحت المجتمع الأمريكي في الأسابيع التالية لهجمات سبتمبر، كما اعتقل أكثر من 700 مسلم وعربي في ظروف أشبه بالسرية على ذمة تحقيقات سبتمبر 2001، وتم إجبار عشرات الآلاف من الطلاب والمهاجرين المسلمين على المشاركة في مقابلات مع سلطات الهجرة أو مكتب التحقيقات الفيدرالي
وفيما يتعلق بصورة الإسلام لدى الرأي العام الأمريكي تشير استطلاعات الرأي العام الأمريكي المختلفة إلى ارتفاع نسبة من ينظرون للإسلام نظرة عامة سلبية في أواخر عام 2002 وخلال عام 2003 لتصل إلى 38 % من الشعب الأمريكي، كما شهدت نسبة الأمريكيين الذي يرون أن الإسلام يشجع العنف ازديادا مضطردا منذ أحداث سبتمبر 2001، إذ بلغت 34 % في سبتمبر 2003 مقارنة بنسبة 23 % في أكتوبر 2002 وبنسبة 14 % فقط في يناير 2002، وهو ما يعنى أن نسبة الأمريكيين الذين يعتقدون أن الإسلام دين يحض على العنف زادت بمعدل 9-10 % تقريبا كل عام منذ أحداث سبتمبر 2001، وتقول الإحصاءات أن صورة الإسلام السلبية أكثر انتشارا في أوساط كبار السن وفي أوساط البروتستانت الانجليكيين مقارنة بغيرهم من فئات الشعب الأمريكي
على الجانب الأخر ركز تقرير أصدرته كير في سبتمبر 2003 عن "خبرة مسلمي أمريكا على الصعيدين السياسي والحقوقي بعد عامين على أحداث سبتمبر" على الفرص التي تمخضت عنها أحداث سبتمبر الصعبة مثل – كما ورد في التقرير - زيادة شعور مسلمي أمريكا بأهمية التنظيم السياسي والقانوني بشكل عام، وتأسيس عدد من المنظمات المسلمة الأمريكية الجديدة المعنية بالدفاع عن الحقوق المدنية، ونشطات المنظمات المسلمة الأمريكية في العمل مع عدد متزايد من المنظمات المدنية الأمريكية التي اهتمت بالدفاع عن قضايا مسلمي أمريكا الداخلية والخارجية في ظل الضغوط الكبيرة التي تعرضوا لها بعد أحداث سبتمبر
ثالثا: الفترة السابقة لأحداث سبتمبر شهدت انتشارا واسعا للهوية المسلمة الأمريكية، إذا أشارت دراسة "المساجد في أمريكا" إلى أن المسلمين الأمريكيين كانوا مقبلين في بداية القرن الحادي والعشرين إقبالا واضحا على الاندماج في المجتمع الأمريكي والمشاركة في مختلف جوانبه كمسلمين أمريكيين، إذ توصلت الدراسة إلى 96% من قادة المسلمين الأمريكيين يؤيدون مشاركة المسلمين في مؤسسات المجتمع الأمريكي العامة المختلفة، كما يؤيد 89% منهم المشاركة في العملية السياسية، ويؤيد 77 % منهم فكرة أن الولايات المتحدة تقدم نموذجا من الحرية والديمقراطية يمكن أن يتعلم منه المسلمون
كما انتشرت في الفترة ذاتها صورة إيجابية للمسلم الأمريكي لدى ذاته وفي المحيط الأمريكي، إذ توصلت عدة دراسات أجريت حول خصائص المسلمين الأمريكيين إلى أنهم يتميزون كأقلية أمريكية ناشئة بعدد ملحوظ من الخصائص الإيجابية، مثل ارتفاع مستواهم التعليمي مقارنة بالمتوسط العام الأمريكي، إذا تبلغ نسبة المسلمين الأمريكيين من حاملي الشهادات الجامعية 58 % مقارنة بنسبة 25 % في المجتمع الأمريكي، كما تقل أعمار 74 % من المسلمين الأمريكيين عن خمسين عاما، وتزيد دخول 50 % منهم عن خمسين ألف دولار سنويا، ويعمل 42 % منهم في وظائف مرموقة كالطب والوظائف الإدارية والجامعات
رابعا: بقى لنا أن نشير إلى الدور الإيجابي الهام الذي لعبه الجيل الراهن من القيادات والمؤسسات المسلمة الأمريكية في تشجيع اندماج المسلمين الأمريكيين الإيجابي في المجتمع الأمريكي خاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، إذا أعلنت الغالبية العظمى منهم إدانتهم وإدانة الإسلام لهجمات سبتمبر الإرهابية، وتمسكهم بالولايات المتحدة كوطن لهم ولأجيال مسلمة عديدة قادمة، وبهويتهم كمسلمين أمريكيين، وسعيهم لاستخدام القانون والدستور الأمريكي للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم كأمريكيين مسلمين، وتحديهم لمختلف الضغوط المفروضة على مسلمي أمريكا في فترة ما بعد سبتمبر 2001 من خلال أسلوب واحد لا بديل عنه وهو العمل العام الجاد والنظم على مختلف المستويات لنيل حقوق المسلمين كاملة ولتوعية الأمريكيين بصورتهم وبصورة الإسلام الحقيقة
لقد شكلت الأفكار السابقة ركائز أساسية لاستجابة المسلمين الأمريكيين لأزمة سبتمبر 2001، وساعدتهم بدون شك على توجيه ردود أفعالهم في اتجاه التمسك بهويتهم والسعي لمزيد من الاندماج الإيجابي في المجتمع الأمريكي وليس العزلة كخير أسلوب لمواجهة تحديات الفترة الراهنة