نصف المجتمع الأمريكي المساند لنا
مقال بقلم: علاء بيومي
الناشر: جريدة الشرق الأوسط، 16 أغسطس 2004
نص المقال
من الخطأ الاعتقاد بأن المتعاطفين مع المسلمين والعرب في أمريكا وقضاياهم قليلي العدد، فاستطلاعات الرأي العام تؤكد أن عددهم لا يقل بأي حال من الأحوال عن عدد الأمريكيين غير المتعاطفين معنا، ولكن المشكلة تكمن في أن المتعاطفين معنا أقل نفوذ على الصعيد السياسي كما أنهم غير موحدين
استطلاعات الرأي المختلفة التي أجريت حول موقف الرأي العام الأمريكي من الإسلام والمسلمين خلال السنوات الثلاثة الأخيرة تشير إلى أن نسبة الأمريكيين الذين ينظرون نظرة عامة إيجابية تجاه الإسلام انخفضت إلى 39 % في سبتمبر 2003 مقارنة بنسبة 47 % في أكتوبر 2001، في المقابل وصلت نسبة غير المتعاطفين مع الإسلام إلى 38 % من الشعب الأمريكي، في حين تبلغ نسبة الأمريكيين الذين يشعرون بالرغبة في معرفة المزيد عن المسلمين والعرب حوالي ثلثي الشعب الأمريكي تقريبا
الإحصاءات السابقة تعني أن الشعب الأمريكي ليس موحدا في موقفه تجاه المسلمين والعرب، فهو منقسم على نفسه، كما أنه يميل في انقسامه هذا إلى كفة مساندتنا وليس العكس، فأربعين في المائة من الأمريكيين يساندونا ومثلهم لا يتعاطفون معنا، والعشرين في المائة المتبقية غير محددة الموقف ولكنها منفتحة وتميل إلى معرفة المزيد عنا وعن قضايانا
وأمثلة الجماعات الأمريكية المساندة لقضايا المسلمين والعرب عديدة، نذكر منها هنا أربعة فئات أساسية كبرى، أولها جماعات الحقوق والحريات المدنية – مثل إتحاد الحريات المدنية الأمريكية (ACLU) – والتي تقف بقوة في وجه ما تعرض له المسلمون والعرب في أمريكا من تمييز منذ أحداث سبتمبر 2001
المثال الثاني نجده في أبناء الأقليات الأمريكية كالأفارقة واليابانيين والآسيويين الأمريكيين والذين تعاطفوا مع مسلمي وعرب أمريكا منذ أحداث سبتمبر ورأوا أن ما يتعرض له المسلمون والعرب في أمريكا حاليا هو صورة مكررة لما تعرضوا له من تمييز ظلما خلال فترات سابقة من التاريخ الأمريكي
ثالثا: مالت جماعات السلام ومعاداة الحروب الأمريكية بشكل متزايد لمساندة مختلفة قضايا المسلمين والعرب الدولية منذ أحداث سبتمبر بصفة عامة ومنذ حرب العراق بصفة خاصة، ومن المهم هنا أن نذكر أن مساندة هذه الجماعات لقضايانا لم تتوقف عند قضية العرق بل تخطتها لتشمل عدد من قضايانا الهامة وعلى رأسها القضية الفلسطينية
رابعا: بعض الجماعات الدينية الأمريكية - وعلى رأسها مجلس الكنائس الوطني الأمريكي والذي يمثل عشرة ملايين أمريكي – رفضت وصم المسلمين والعرب بالإرهاب ونظمت أنشطة مشتركة مع مسلمي أمريكا لبيان معارضة الإسلام والمسيحية والأديان عامة للإرهاب
الفئات الأربعة الكبرى من الجماعات المساندة لنا تضم في عضويتها ملايين الأمريكيين ولها نفوذ واسع داخل المجتمع الأمريكي، وهي بدون شك منفتحة على قضايا المسلمين والعرب ومتعاطفة بشكل متزايد معنا، وتساعد بشكل يومي على تحسين صورتنا وزيادة مساندينا في أوساط الشعب الأمريكي
وهنا يثار سؤال هام، وهو أين تذهب أصوات هذه الجماعات؟ ولماذا لا تسمع لها أصوات عالية مثل أصوات الجماعات المناهضة للمسلمين والعرب كالجماعات اليمينية المتشددة والجماعات الموالية لإسرائيل؟ ولماذا تعجز الجماعات المساندة لنا على تحسين مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه قضايانا؟
السبب الأول هو أن الجماعات المتعاطفة معنا في أمريكا ذات نفوذ واسع داخل المجتمع المدني الأمريكي ولكنها أقل نفوذ من الجماعات المناهضة لنا على الصعيد السياسي، كما أن الجماعات المساندة لنا لا تقف موحدة في صف واحد خلفنا وخلف قضايانا، فهي تساندنا بشكل عفوي انطلاقا من طبيعتها الخيرة، ولذا فهي تفتقر للأجندة الموحدة وللعمل الجماعي المنظم
ثانيا: وجود المسلمين والعرب الأمريكيين ونشاطهم داخل المجتمع المدني الأمريكي مازال محدودا لأسباب مختلفة مثل قلة الخبرة السياسية وحداثة العهد وافتقار المسلمين والعرب الأمريكيين النسبي وليس المطلق للطاقات والموارد البشرية والمادية اللازمة لتفعيل وجودهم على المستويين السياسي والمدني بالولايات المتحدة
ومن المفترض أن يقوم المسلمون والعرب الأمريكيون بدور التنسيق بين الجماعات الأمريكية المختلفة المساندة لنا وتوحيد عملهم المساند لقضايا، وطالما افتقر المسلمون والعرب الأمريكيون للإمكانيات التي ترشحهم للعلب هذا الدور طالما افتقرت الحركة المساندة لقضايانا داخل أمريكا لعقلها المدبر
ثالثا: الجو العام السائد في علاقة الولايات المتحدة بالعالمين العربي والإسلامي هو جو صدامي تملئه العديد من الأخبار السلبية مما يضعف من قدرة أي أطرف مساندة لنا داخل المجتمع الأمريكية على نشر صورة إيجابية عنا
كما أن هناك افتقار واضح فيما يتعلق بنشر الوعي في أوساط المسلمين والعرب خاصة خارج أمريكا بوجود نصف أمريكا الآخر المساند لنا، فأخبار السياسات الرسمية السلبية التي تصنعها النخب الحاكمة في الولايات المتحدة تطغى على أية أخبار أخرى قادمة من الولايات المتحدة
رابعا: الجماعات الأمريكية المساندة للمسلمين والعرب لا تعمل في بيئة مشجعة أو مرحبة كما أنها تواجه في عملها العفوي خصوم شديدي الدهاء والحيلة والعزم على زرع بذور الشقاق بين المسلمين والعرب من ناحية والشعب الأمريكي من ناحية أخرى
وقد قصدنا من مقالنا هذا أن نسلط قدر من الضوء على نصف أمريكا الأخر المساند لنا لعل ذلك يساعد على رغبتا في معرفة المزيد عنه والتعاون مع وتقويته وتوحيده خلف قضايانا
الناشر: جريدة الشرق الأوسط، 16 أغسطس 2004
نص المقال
من الخطأ الاعتقاد بأن المتعاطفين مع المسلمين والعرب في أمريكا وقضاياهم قليلي العدد، فاستطلاعات الرأي العام تؤكد أن عددهم لا يقل بأي حال من الأحوال عن عدد الأمريكيين غير المتعاطفين معنا، ولكن المشكلة تكمن في أن المتعاطفين معنا أقل نفوذ على الصعيد السياسي كما أنهم غير موحدين
استطلاعات الرأي المختلفة التي أجريت حول موقف الرأي العام الأمريكي من الإسلام والمسلمين خلال السنوات الثلاثة الأخيرة تشير إلى أن نسبة الأمريكيين الذين ينظرون نظرة عامة إيجابية تجاه الإسلام انخفضت إلى 39 % في سبتمبر 2003 مقارنة بنسبة 47 % في أكتوبر 2001، في المقابل وصلت نسبة غير المتعاطفين مع الإسلام إلى 38 % من الشعب الأمريكي، في حين تبلغ نسبة الأمريكيين الذين يشعرون بالرغبة في معرفة المزيد عن المسلمين والعرب حوالي ثلثي الشعب الأمريكي تقريبا
الإحصاءات السابقة تعني أن الشعب الأمريكي ليس موحدا في موقفه تجاه المسلمين والعرب، فهو منقسم على نفسه، كما أنه يميل في انقسامه هذا إلى كفة مساندتنا وليس العكس، فأربعين في المائة من الأمريكيين يساندونا ومثلهم لا يتعاطفون معنا، والعشرين في المائة المتبقية غير محددة الموقف ولكنها منفتحة وتميل إلى معرفة المزيد عنا وعن قضايانا
وأمثلة الجماعات الأمريكية المساندة لقضايا المسلمين والعرب عديدة، نذكر منها هنا أربعة فئات أساسية كبرى، أولها جماعات الحقوق والحريات المدنية – مثل إتحاد الحريات المدنية الأمريكية (ACLU) – والتي تقف بقوة في وجه ما تعرض له المسلمون والعرب في أمريكا من تمييز منذ أحداث سبتمبر 2001
المثال الثاني نجده في أبناء الأقليات الأمريكية كالأفارقة واليابانيين والآسيويين الأمريكيين والذين تعاطفوا مع مسلمي وعرب أمريكا منذ أحداث سبتمبر ورأوا أن ما يتعرض له المسلمون والعرب في أمريكا حاليا هو صورة مكررة لما تعرضوا له من تمييز ظلما خلال فترات سابقة من التاريخ الأمريكي
ثالثا: مالت جماعات السلام ومعاداة الحروب الأمريكية بشكل متزايد لمساندة مختلفة قضايا المسلمين والعرب الدولية منذ أحداث سبتمبر بصفة عامة ومنذ حرب العراق بصفة خاصة، ومن المهم هنا أن نذكر أن مساندة هذه الجماعات لقضايانا لم تتوقف عند قضية العرق بل تخطتها لتشمل عدد من قضايانا الهامة وعلى رأسها القضية الفلسطينية
رابعا: بعض الجماعات الدينية الأمريكية - وعلى رأسها مجلس الكنائس الوطني الأمريكي والذي يمثل عشرة ملايين أمريكي – رفضت وصم المسلمين والعرب بالإرهاب ونظمت أنشطة مشتركة مع مسلمي أمريكا لبيان معارضة الإسلام والمسيحية والأديان عامة للإرهاب
الفئات الأربعة الكبرى من الجماعات المساندة لنا تضم في عضويتها ملايين الأمريكيين ولها نفوذ واسع داخل المجتمع الأمريكي، وهي بدون شك منفتحة على قضايا المسلمين والعرب ومتعاطفة بشكل متزايد معنا، وتساعد بشكل يومي على تحسين صورتنا وزيادة مساندينا في أوساط الشعب الأمريكي
وهنا يثار سؤال هام، وهو أين تذهب أصوات هذه الجماعات؟ ولماذا لا تسمع لها أصوات عالية مثل أصوات الجماعات المناهضة للمسلمين والعرب كالجماعات اليمينية المتشددة والجماعات الموالية لإسرائيل؟ ولماذا تعجز الجماعات المساندة لنا على تحسين مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه قضايانا؟
السبب الأول هو أن الجماعات المتعاطفة معنا في أمريكا ذات نفوذ واسع داخل المجتمع المدني الأمريكي ولكنها أقل نفوذ من الجماعات المناهضة لنا على الصعيد السياسي، كما أن الجماعات المساندة لنا لا تقف موحدة في صف واحد خلفنا وخلف قضايانا، فهي تساندنا بشكل عفوي انطلاقا من طبيعتها الخيرة، ولذا فهي تفتقر للأجندة الموحدة وللعمل الجماعي المنظم
ثانيا: وجود المسلمين والعرب الأمريكيين ونشاطهم داخل المجتمع المدني الأمريكي مازال محدودا لأسباب مختلفة مثل قلة الخبرة السياسية وحداثة العهد وافتقار المسلمين والعرب الأمريكيين النسبي وليس المطلق للطاقات والموارد البشرية والمادية اللازمة لتفعيل وجودهم على المستويين السياسي والمدني بالولايات المتحدة
ومن المفترض أن يقوم المسلمون والعرب الأمريكيون بدور التنسيق بين الجماعات الأمريكية المختلفة المساندة لنا وتوحيد عملهم المساند لقضايا، وطالما افتقر المسلمون والعرب الأمريكيون للإمكانيات التي ترشحهم للعلب هذا الدور طالما افتقرت الحركة المساندة لقضايانا داخل أمريكا لعقلها المدبر
ثالثا: الجو العام السائد في علاقة الولايات المتحدة بالعالمين العربي والإسلامي هو جو صدامي تملئه العديد من الأخبار السلبية مما يضعف من قدرة أي أطرف مساندة لنا داخل المجتمع الأمريكية على نشر صورة إيجابية عنا
كما أن هناك افتقار واضح فيما يتعلق بنشر الوعي في أوساط المسلمين والعرب خاصة خارج أمريكا بوجود نصف أمريكا الآخر المساند لنا، فأخبار السياسات الرسمية السلبية التي تصنعها النخب الحاكمة في الولايات المتحدة تطغى على أية أخبار أخرى قادمة من الولايات المتحدة
رابعا: الجماعات الأمريكية المساندة للمسلمين والعرب لا تعمل في بيئة مشجعة أو مرحبة كما أنها تواجه في عملها العفوي خصوم شديدي الدهاء والحيلة والعزم على زرع بذور الشقاق بين المسلمين والعرب من ناحية والشعب الأمريكي من ناحية أخرى
وقد قصدنا من مقالنا هذا أن نسلط قدر من الضوء على نصف أمريكا الأخر المساند لنا لعل ذلك يساعد على رغبتا في معرفة المزيد عنه والتعاون مع وتقويته وتوحيده خلف قضايانا