العرب وتحديات الهوية الوطنية الأمريكية بعد 11/9
ندوة بمركز الحوار العربي
تقرير عن الندوة من إعداد مركز الحوار العربي، منشور في 13 يونيو 2006
نص التقرير
عقد "مركز الحوار العربي" في واشنطن في التاسع من يونيو/حزيران الحالي ندوة بعنوان "الهجرة وتحديات الهوية الوطنية الأمريكية بعد 11/9" تحدث فيها الباحث السياسي علاء بيومي مدير الشؤون العربية بمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) وشارك فيها نخبة من المثقفين العرب بواشنطن
أفتتح الندوة صبحي غندور مدير مركز الحوار الذي أشار لأهمية توقيت الندوة بحكم أن الكونجرس الأمريكي ينظر خلال الفترة الحالية في تشريعات تتعلق بتنظيم الهجرة وهي تشريعات تشغل الرأي العام الأمريكي هذا إضافة إلى أن المجتمع الأمريكي بطبيعته يتميز بقدرة عالية على استيعاب الهجرات وبتطوير نموذج فريد في ذلك يستحق الدراسة والتحليل
وفي بداية حديثه، أكد علاء بيومي على أن موضوع الندوة يرتبط بعدد من القضايا الكبرى التي تشغل الرأي العام الأمريكي وعلى رأسها قضية الهوية الأمريكية وتأثرها بأحداث الحادي عشر من سبتمبر وبموقف الأمريكيين من الأخر ومن الأقليات والمهاجرين، كما أن الموضوع يهم المسلمين والعرب في أميركا بشكل كبير بحكم أنهم أصبحوا جزءا لا يتجزأ من الجدل الدائر في المجتمع الأمريكي
موقع المسلمين والعرب من تحديات الهويات الغربية
أشار بيومي في مدخل موضوعه إلى أحدث كتب صموئيل هنتينجتون – الأكاديمي الأمريكي صاحب الشهرة العالمية – والذي صدر في عام 2004 بعنوان "من نحن؟ تحديات الهوية الوطنية الأمريكية"، وقال بيومي أن هنتينجتون في تحليله لتحديات الهوية الأمريكية لم ير المسلمين أو العرب كتحدي حقيقي يواجه الهوية الأمريكية بحكم أن معظم هذه التحديات تأتي من وجهة نظر هنتينجتون من ثلاثة مصادر أساسية أولهما النخب اليسارية التي تنادي بالتعددية الثقافية، وثانيها النخب الثرية والتي تنادي بهوية أمريكية دولية تتخطى الهوية الوطنية الأمريكية، أما التحدي الثالث فهو تحدي الهجرات اللاتينية (القادمة من دول أمريكا اللاتينية) بكثافة
ومع ذلك رأى هنتبنجتون أن العداء لما أسماهم بالإسلاميين المسلحين قد يمثل مصدرا لتقوية الهوية الأمريكية في المستقبل، حيث عبر هنتينجتون عن اعتقاده بأن أحد عوامل توحد الأمريكيين عبر التاريخ تمثل في توحدهم ضد عدو خارجي مثل الإتحاد السوفيتي خلال الحرب البادرة، وهنا رأي هنتينجتون أن "الإسلاميين المسلحيين" يمثلون بديلا جديدا يساعد على تقوية الهوية الأمريكية بتوحيد الأمريكيين ضده" في الوقت الذي عرف هنتينجتون "الإسلاميين المسلحيين" بأسلوب عام غير محدد قد يؤدي إلى اختلاط الأمر على المواطن الأمريكي العادي
وبعد ذلك انتقل علاء بيومي لتحليل بعض الاطروحات النظرية التي أدلى بها مؤخرا فرانسيس فوكوياما - عالم العلاقات الدولية الأمريكي المعروف – ضمن كتابه الأخير الصادر بعنوان "أمريكا على مفترق الطرق" والذي أعلن فيه فوكوياما تبرأه من أفكار وممارسات الجيل الراهن من المحافظين الجدد
وأشار بيومي إلى أن فوكوياما يتضمن في كتابه نظريه هامة عن أمن المجتمعات الغربية بعد 11/9 حيث يرى فوكوياما أن من قاموا بهجمات الحادي عشر من سبتمبر لم يكونوا مسلمين يعيشون بمجتمعات مسلمة تقليدية ولكنهم كانوا مسلمين يعيشون بالمجتمعات الغربية ومصابين بأزمة هوية ناتجة عن صدامهم مع الحداثة
وبهذا يضع فوكوياما المهاجرين المسلمين والعرب بالمجتمعات الغربية في قلب الجدل الدائر حول الهوية الوطنية بتلك الدول، حيث يرى فوكوياما أن أوربا هي الساحة الحقيقية للحرب على الإرهاب، وأن القضاء على الإرهاب لن يحدث إلا إذا قامت الدول الأوربية بحل مشاكل الهوية التي تعاني منها التجمعات المسلمة والعربية التي تعيش بتلك المجتمعات وتعاني التمييز
وينصح فوكوياما الدول الأوربية بحل تلك المشكلة بتبني النموذج الأمريكي في دمج الأقليات والقائم على الفصل الكامل بين الدين والدولة، وعلى الحد من المساعدات التي تقدمها الدولة للمهاجرين الجدد بشكل يدفعهم إلى الاعتماد على أنفسهم والانخراط في سوق العمل بما يقلل من شعورهم بالعزلة، وتبني هويات وطنية مفتوحة وفتح الحوار داخل المجتمع الأمريكي عن الهوية والقومية الأمريكية في مقابل الدول الأوربية التي تكبت هذا الحوار ثقافيا واجتماعيا منذ الحرب العالمية الثانية
وهنا أكد بيومي على أن عرضه لأفكار فوكوياما وهنتينجتون لا يعني اتفاقه معهما، ولكنه يأتي كدليل على الوضع الذي وضع به المسلمين والعرب – من قبل بعض قادة الفكر والرأي العام الأمريكي – في قلب الجدل الدائر حول الهوية الوطنية بأمريكا والمجتمعات الغربية
تحديات الهوية الوطنية الأمريكية
وبعد ذلك استعرض بيومي عدداً من الكتب والدراسات الحديثة التي تكشف عن أبعاد مختلفة للجدل الأمريكي حول الهوية الوطنية بعد 11/9 مؤكدا على أن هذا الجدل قديم وأن جذوره تعود للتطورات التي مرت بها المجتمعات الغربية في الفترة التالية للحرب العالمية الثانية، وهي تطورات تمت بشكل تدريجي لم تخلو من صراع بين الفئات المختلفة المكونة للمجتمعات الغربية، وأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أخرجت هذه الصراعات إلى السطح بشكل غير مسبوق ولكنها لم توجدها من عدم
فعلى سبيل المثال، أشار بيومي إلى كتاب صدر مؤخرا عن مطابع جامعة جورج تاون الأمريكية لكاتب يدعى ستانلي رينشون وذلك تحت عنوان "أمريكي 50%: الهجرة والهوية الوطنية في عصر الإرهاب"، حيث رأى المؤلف أن أمريكا تعيش منذ منتصف ستينات القرن العشرين في حرب مدنية ثانية في إشارة إلى الخلافات الثقافية العديدة بين اليمين واليسار الأمريكيين وتأثير هذه الخلافات من موقف الأمريكيين تجاه هويتهم
ويرى رينشون أن هذه الخلافات صعدت على السطح أكثر في الفترة التالية لإحداث الحادي عشر من سبتمبر خاصة، كما إنها ارتبطت بالأقليات والمهاجرين الجدد الذين زاد عددهم بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الأخيرة (يستقر في أمريكا حوالي 1.2 مليون مهاجر سنويا)، كما اقترنت أيضا بعجز الحكومة الأمريكية عن صياغة برامج وسياسات جديدة تساعد على الترحيب بالمهاجرين الجدد والمساعدة على دمجهم السريع في المجتمع
وعلى الصعيد نفسه أشار بيومي إلى كتاب أخر لمؤلف بريطاني يدعى أناتول ليفين صدر في عام 2005 بعنوان "تشريح الوطنية الأمريكية" حيث يرى ليفين أن الوطنية الأمريكية تقوم على مجموعتين أساسيتين من الأفكار، أولهما مجموعة إيجابية تؤمن بوجود واجب أمريكي تجاه العالم، والمجموعة الثانية سلبية تتأثر ببعض الخبرات السلبية التي مرت بها جماعات رئيسة داخل المجتمع الأمريكي، مثل خبرات الجنوب الأمريكي الذي عاني باستمرار من العنصرية والثقافة الخشنة ونظرة الأمريكيين السلبية تجاه أهل الجنوب
وهنا يرى ليفين أن الصراع بين الوجه السلبي والوجه الإيجابي للقومية الأمريكية صراع دائم، وأن الفترة الأخيرة شهدت صعودا للوجه السلبي على الإيجابي بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر وصعود الجماعات اليمينية الدينية بنظرتها الحدية تجاه الأخر والكساد الاقتصادي
كما ضرب بيومي مثالا ثالثا بكتاب صدر حديثا بعنوان "أمريكا وتحديات التنوع الديني" لروبرت وثوناو وهو أستاذ اجتماع بجامعة برينستون الأمريكية، وهو كتاب يؤكد على أن الأمريكيين ما زالوا يبحثون عن أساليب أفضل للتعامل مع التنوع الديني المتزايد داخل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يرى وثوناو أن الأمريكيين معنيين بهويتهم الدينية وأن هويتهم الدينية جزء من هويتهم القومية، وأن الأمريكيين تعاملوا على مدى فترات تاريخية طويلة مع قضية التنوع الديني من خلال منهج أساسي قائم على مبدأ تجنب التعامل مع قضية التنوع الديني برمتها
ورأي بيومي أن الكتاب الأخير وغيره من الكتب الصادر عن تحديات الهوية الوطنية الأمريكية تؤكد على أن التاريخ لم ينته، وعلى أن أمريكا والمجتمعات الغربية المختلفة تمر بمرحلة بحث عن الهوية في ظل توجهات فكرية متصاعدة ومتصارعة في كثير من الأحيان
ما العمل؟
وفي نهاية حديثه أشار بيومي إلى بعض التقارير المحايدة التي نشرت مؤخرا والتي قدم بعضها للكونجرس الأمريكي والتي تشير إلى أن الجدل السائد بالولايات المتحدة حول قضية المهاجرين والهوية يتضمن بعض الأفكار النمطية السلبية الشائعة والخطيرة
فعلى سبيل المثال يركز البعض على تواجد المهاجرين في الوظائف الفقيرة التي يرفض الأمريكيين القيام بها، مع أن هناك تقارير تشير إلى أن ربع العاملين في مجال الأطباء والممرضين في أمريكا هم من المهاجرين، كما يدعي البعض أن المهاجرين يضرون بسوق العمل الأمريكية وبفرص الأمريكيين في الحصول على وظائف مناسبة برواتب وشروط ترضيهم، في الوقت نفسه يهمل هؤلاء دور المهاجرين في جلب الخبرات لأمريكا والحفاظ على الوظائف داخل الولايات المتحدة بدل من تصديرها للخارج
لذا نصح بيومي الحضور بالنظر إلى الجدل الدائر حول الهوية الأمريكية والهويات الغربية في الفترة الحالية على أنه جدل سياسي قابل للنقد، كما نصحهم بالنشاط في المشاركة في صياغة هذا الجدل وتوعية الرأي العام الأمريكي بالإسهام الإيجابي للمهاجرين – خاصة المسلمين والعرب منهم – في المجتمع الأمريكي
كما أكد بيومي على أهمية التوجهات السائدة في أوساط التجمعات المسلمة والعربية بالولايات المتحدة والتي تؤكد على الاستيطان في أمريكا وتنادي بسرعة الاندماج الإيجابي والمشاركة في فعاليات المجتمع المدني الأمريكي فذلك من شأنه أن يساعد المسلمين والعرب على ترك بصمة إيجابية على الهوية الأمريكية وعلى الجدل الدائر حولها بالرغم من التحديات التي تواجههم خلال الفترة الحالية
نص التقرير
عقد "مركز الحوار العربي" في واشنطن في التاسع من يونيو/حزيران الحالي ندوة بعنوان "الهجرة وتحديات الهوية الوطنية الأمريكية بعد 11/9" تحدث فيها الباحث السياسي علاء بيومي مدير الشؤون العربية بمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) وشارك فيها نخبة من المثقفين العرب بواشنطن
أفتتح الندوة صبحي غندور مدير مركز الحوار الذي أشار لأهمية توقيت الندوة بحكم أن الكونجرس الأمريكي ينظر خلال الفترة الحالية في تشريعات تتعلق بتنظيم الهجرة وهي تشريعات تشغل الرأي العام الأمريكي هذا إضافة إلى أن المجتمع الأمريكي بطبيعته يتميز بقدرة عالية على استيعاب الهجرات وبتطوير نموذج فريد في ذلك يستحق الدراسة والتحليل
وفي بداية حديثه، أكد علاء بيومي على أن موضوع الندوة يرتبط بعدد من القضايا الكبرى التي تشغل الرأي العام الأمريكي وعلى رأسها قضية الهوية الأمريكية وتأثرها بأحداث الحادي عشر من سبتمبر وبموقف الأمريكيين من الأخر ومن الأقليات والمهاجرين، كما أن الموضوع يهم المسلمين والعرب في أميركا بشكل كبير بحكم أنهم أصبحوا جزءا لا يتجزأ من الجدل الدائر في المجتمع الأمريكي
موقع المسلمين والعرب من تحديات الهويات الغربية
أشار بيومي في مدخل موضوعه إلى أحدث كتب صموئيل هنتينجتون – الأكاديمي الأمريكي صاحب الشهرة العالمية – والذي صدر في عام 2004 بعنوان "من نحن؟ تحديات الهوية الوطنية الأمريكية"، وقال بيومي أن هنتينجتون في تحليله لتحديات الهوية الأمريكية لم ير المسلمين أو العرب كتحدي حقيقي يواجه الهوية الأمريكية بحكم أن معظم هذه التحديات تأتي من وجهة نظر هنتينجتون من ثلاثة مصادر أساسية أولهما النخب اليسارية التي تنادي بالتعددية الثقافية، وثانيها النخب الثرية والتي تنادي بهوية أمريكية دولية تتخطى الهوية الوطنية الأمريكية، أما التحدي الثالث فهو تحدي الهجرات اللاتينية (القادمة من دول أمريكا اللاتينية) بكثافة
ومع ذلك رأى هنتبنجتون أن العداء لما أسماهم بالإسلاميين المسلحين قد يمثل مصدرا لتقوية الهوية الأمريكية في المستقبل، حيث عبر هنتينجتون عن اعتقاده بأن أحد عوامل توحد الأمريكيين عبر التاريخ تمثل في توحدهم ضد عدو خارجي مثل الإتحاد السوفيتي خلال الحرب البادرة، وهنا رأي هنتينجتون أن "الإسلاميين المسلحيين" يمثلون بديلا جديدا يساعد على تقوية الهوية الأمريكية بتوحيد الأمريكيين ضده" في الوقت الذي عرف هنتينجتون "الإسلاميين المسلحيين" بأسلوب عام غير محدد قد يؤدي إلى اختلاط الأمر على المواطن الأمريكي العادي
وبعد ذلك انتقل علاء بيومي لتحليل بعض الاطروحات النظرية التي أدلى بها مؤخرا فرانسيس فوكوياما - عالم العلاقات الدولية الأمريكي المعروف – ضمن كتابه الأخير الصادر بعنوان "أمريكا على مفترق الطرق" والذي أعلن فيه فوكوياما تبرأه من أفكار وممارسات الجيل الراهن من المحافظين الجدد
وأشار بيومي إلى أن فوكوياما يتضمن في كتابه نظريه هامة عن أمن المجتمعات الغربية بعد 11/9 حيث يرى فوكوياما أن من قاموا بهجمات الحادي عشر من سبتمبر لم يكونوا مسلمين يعيشون بمجتمعات مسلمة تقليدية ولكنهم كانوا مسلمين يعيشون بالمجتمعات الغربية ومصابين بأزمة هوية ناتجة عن صدامهم مع الحداثة
وبهذا يضع فوكوياما المهاجرين المسلمين والعرب بالمجتمعات الغربية في قلب الجدل الدائر حول الهوية الوطنية بتلك الدول، حيث يرى فوكوياما أن أوربا هي الساحة الحقيقية للحرب على الإرهاب، وأن القضاء على الإرهاب لن يحدث إلا إذا قامت الدول الأوربية بحل مشاكل الهوية التي تعاني منها التجمعات المسلمة والعربية التي تعيش بتلك المجتمعات وتعاني التمييز
وينصح فوكوياما الدول الأوربية بحل تلك المشكلة بتبني النموذج الأمريكي في دمج الأقليات والقائم على الفصل الكامل بين الدين والدولة، وعلى الحد من المساعدات التي تقدمها الدولة للمهاجرين الجدد بشكل يدفعهم إلى الاعتماد على أنفسهم والانخراط في سوق العمل بما يقلل من شعورهم بالعزلة، وتبني هويات وطنية مفتوحة وفتح الحوار داخل المجتمع الأمريكي عن الهوية والقومية الأمريكية في مقابل الدول الأوربية التي تكبت هذا الحوار ثقافيا واجتماعيا منذ الحرب العالمية الثانية
وهنا أكد بيومي على أن عرضه لأفكار فوكوياما وهنتينجتون لا يعني اتفاقه معهما، ولكنه يأتي كدليل على الوضع الذي وضع به المسلمين والعرب – من قبل بعض قادة الفكر والرأي العام الأمريكي – في قلب الجدل الدائر حول الهوية الوطنية بأمريكا والمجتمعات الغربية
تحديات الهوية الوطنية الأمريكية
وبعد ذلك استعرض بيومي عدداً من الكتب والدراسات الحديثة التي تكشف عن أبعاد مختلفة للجدل الأمريكي حول الهوية الوطنية بعد 11/9 مؤكدا على أن هذا الجدل قديم وأن جذوره تعود للتطورات التي مرت بها المجتمعات الغربية في الفترة التالية للحرب العالمية الثانية، وهي تطورات تمت بشكل تدريجي لم تخلو من صراع بين الفئات المختلفة المكونة للمجتمعات الغربية، وأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أخرجت هذه الصراعات إلى السطح بشكل غير مسبوق ولكنها لم توجدها من عدم
فعلى سبيل المثال، أشار بيومي إلى كتاب صدر مؤخرا عن مطابع جامعة جورج تاون الأمريكية لكاتب يدعى ستانلي رينشون وذلك تحت عنوان "أمريكي 50%: الهجرة والهوية الوطنية في عصر الإرهاب"، حيث رأى المؤلف أن أمريكا تعيش منذ منتصف ستينات القرن العشرين في حرب مدنية ثانية في إشارة إلى الخلافات الثقافية العديدة بين اليمين واليسار الأمريكيين وتأثير هذه الخلافات من موقف الأمريكيين تجاه هويتهم
ويرى رينشون أن هذه الخلافات صعدت على السطح أكثر في الفترة التالية لإحداث الحادي عشر من سبتمبر خاصة، كما إنها ارتبطت بالأقليات والمهاجرين الجدد الذين زاد عددهم بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الأخيرة (يستقر في أمريكا حوالي 1.2 مليون مهاجر سنويا)، كما اقترنت أيضا بعجز الحكومة الأمريكية عن صياغة برامج وسياسات جديدة تساعد على الترحيب بالمهاجرين الجدد والمساعدة على دمجهم السريع في المجتمع
وعلى الصعيد نفسه أشار بيومي إلى كتاب أخر لمؤلف بريطاني يدعى أناتول ليفين صدر في عام 2005 بعنوان "تشريح الوطنية الأمريكية" حيث يرى ليفين أن الوطنية الأمريكية تقوم على مجموعتين أساسيتين من الأفكار، أولهما مجموعة إيجابية تؤمن بوجود واجب أمريكي تجاه العالم، والمجموعة الثانية سلبية تتأثر ببعض الخبرات السلبية التي مرت بها جماعات رئيسة داخل المجتمع الأمريكي، مثل خبرات الجنوب الأمريكي الذي عاني باستمرار من العنصرية والثقافة الخشنة ونظرة الأمريكيين السلبية تجاه أهل الجنوب
وهنا يرى ليفين أن الصراع بين الوجه السلبي والوجه الإيجابي للقومية الأمريكية صراع دائم، وأن الفترة الأخيرة شهدت صعودا للوجه السلبي على الإيجابي بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر وصعود الجماعات اليمينية الدينية بنظرتها الحدية تجاه الأخر والكساد الاقتصادي
كما ضرب بيومي مثالا ثالثا بكتاب صدر حديثا بعنوان "أمريكا وتحديات التنوع الديني" لروبرت وثوناو وهو أستاذ اجتماع بجامعة برينستون الأمريكية، وهو كتاب يؤكد على أن الأمريكيين ما زالوا يبحثون عن أساليب أفضل للتعامل مع التنوع الديني المتزايد داخل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يرى وثوناو أن الأمريكيين معنيين بهويتهم الدينية وأن هويتهم الدينية جزء من هويتهم القومية، وأن الأمريكيين تعاملوا على مدى فترات تاريخية طويلة مع قضية التنوع الديني من خلال منهج أساسي قائم على مبدأ تجنب التعامل مع قضية التنوع الديني برمتها
ورأي بيومي أن الكتاب الأخير وغيره من الكتب الصادر عن تحديات الهوية الوطنية الأمريكية تؤكد على أن التاريخ لم ينته، وعلى أن أمريكا والمجتمعات الغربية المختلفة تمر بمرحلة بحث عن الهوية في ظل توجهات فكرية متصاعدة ومتصارعة في كثير من الأحيان
ما العمل؟
وفي نهاية حديثه أشار بيومي إلى بعض التقارير المحايدة التي نشرت مؤخرا والتي قدم بعضها للكونجرس الأمريكي والتي تشير إلى أن الجدل السائد بالولايات المتحدة حول قضية المهاجرين والهوية يتضمن بعض الأفكار النمطية السلبية الشائعة والخطيرة
فعلى سبيل المثال يركز البعض على تواجد المهاجرين في الوظائف الفقيرة التي يرفض الأمريكيين القيام بها، مع أن هناك تقارير تشير إلى أن ربع العاملين في مجال الأطباء والممرضين في أمريكا هم من المهاجرين، كما يدعي البعض أن المهاجرين يضرون بسوق العمل الأمريكية وبفرص الأمريكيين في الحصول على وظائف مناسبة برواتب وشروط ترضيهم، في الوقت نفسه يهمل هؤلاء دور المهاجرين في جلب الخبرات لأمريكا والحفاظ على الوظائف داخل الولايات المتحدة بدل من تصديرها للخارج
لذا نصح بيومي الحضور بالنظر إلى الجدل الدائر حول الهوية الأمريكية والهويات الغربية في الفترة الحالية على أنه جدل سياسي قابل للنقد، كما نصحهم بالنشاط في المشاركة في صياغة هذا الجدل وتوعية الرأي العام الأمريكي بالإسهام الإيجابي للمهاجرين – خاصة المسلمين والعرب منهم – في المجتمع الأمريكي
كما أكد بيومي على أهمية التوجهات السائدة في أوساط التجمعات المسلمة والعربية بالولايات المتحدة والتي تؤكد على الاستيطان في أمريكا وتنادي بسرعة الاندماج الإيجابي والمشاركة في فعاليات المجتمع المدني الأمريكي فذلك من شأنه أن يساعد المسلمين والعرب على ترك بصمة إيجابية على الهوية الأمريكية وعلى الجدل الدائر حولها بالرغم من التحديات التي تواجههم خلال الفترة الحالية