فلسطين: سلام لا تفرقة
عرض بقلم: علاء بيومي
الناشر: الجزيرة نت، فبراير 2007
نص العرض
كتاب الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر "فلسطين: سلام لا تفرقة" يمثل خدمة جليلة للمعنيين بتوعية الشعب الأميركي بحقوق الشعب الفلسطيني وبمواجهة ماكينة الدعاية المساندة لإسرائيل في الولايات المتحدة، وذلك لطبيعة ومضمون الكتاب اللذان نأمل توضيحهما للقارئ بأكبر قدر ممكن في العرض الراهن
شهادة للتاريخ
الكتاب أشبه بشهادة يقدمها كارتر للتاريخ تتضمن مذكراته وإنطباعاته الشخصية كمواطن أميركي مسيحي متدين معني بإحلال السلام في العالم بشكل عام وفي الأراضي المقدسة بشكل خاص، وكسياسي أميركي وصل لأعلى المناصب السياسية وبنى شبكة علاقات شخصية واسعة ومباشرة مع قادة العالم المعنيين بالصراع العربي الإسرائيلي، وشارك بصفته رئيسا للولايات المتحدة - وبعد تركه كرسي الرئاسة - في العديد من اللقاءات الرسمية وغير الرسمية المعنية بإحلال السلام في الشرق الأوسط
لذا يبدأ كارتر كتابه بتسجيل تشوقه لزيارة إسرائيل كرجل مسيحي متدين قرأ دوما عن إسرائيل والأراضي المقدسة في الإنجيل، ثم يتحدث عن أول زيارة قام بها لإسرائيل في عام 1973 ردا على دعوة قدمها له إسحاق رابين - عندما كان كارتر حاكما لولاية جورجيا الأميركية - وذلك ضمن جهود إسرائيل لتحسين صورتها وسط القادة الأميركيين، ثم يبدأ كارتر عبر كتابه في تسجيل إنطباعاته عن إسرائيل والفلسطينين وقيادات الطرفين وعن دور القوى المختلفة المعنية بصراع الشرق الأوسط منذ ذلك الحين وحتى نهاية عام 2006 تقريبا بما في ذلك تبعات الهجوم الإسرائيلي على لبنان، مرورا بإتفاقات كامب دايفيد وأسلو والإنتخابات الفلسطينية المختلفة وحائط الفصل الذي تعمل إسرائيل على بناءه حاليا
لذا يتميز الكتاب بمسحة من المصداقية النابعة من أن مؤلفه هو جيمي كارير بما يتمتع به من مكانة وكاريزما لدى الشعب الأميركي، ومن المشاعر والملاحظات الشخصية التي يسجلها كارتر في الكتاب كسياسي أميركي متدين معني بإحلال السلام في العالم إختار بعد نهاية فترة رئاستة لأميركا أن يبني معهدا لنشر السلام في العالم
أضف إلى ذلك سهولة الكتاب الملفتة للنظر، حيث يقع محتوى الكتاب الرئيسي في حوالي 200 صفحة من القطع الصغير المزودة بالخرائط المبسطة والملاحق التي توضح أهم إتفاقات السلام، كما أن الكتاب مكتوب بلغة سهلة واضحة تبتعد عن الغوص في التفاصيل الدقيقة لصراع الشرق الأوسط، لذا قد لا يقدم الكتاب شيئا جديدا من الناحية العلمية، ولكنه يقدم خدمة جليلة لحقوق الشعب الفلسطيني بالولايات المتحدة، فهو هدية يقدمها كارتر للفلسطينيين والذين يجب عليهم أن يعملوا بدورهم على تقديمها لكل مواطن أميركي
البداية كانت في كامب دايفيد
نقطة إنطلاق مضمون الكتاب هي إتفاقات كامب دايفيد بين مصر - ممثلة في الرئيس أنور السادات - وإسرائيل - ممثلة في رئيس وزرائها مناحيم بيجن - والولايات المتحدة - ممثلة في جيمي كارتر والذي كان رئيسا لأميركا في ذلك الوقت وأشرف بنفسه على الإتفاقية وعلى إنجاح المفاوضات التي قادت إليها
حيث يعبر كارتر - عبر صفحات كتابه - عن إرتباطه القوي بتلك الإتفاقية، ويعود إليها تكرارا لأنه أشرف عليها من ناحية ولأنها تضمنت كما يؤكد في أكثر من موضع إتفاقا شاملا على سبل ومتطلبات إحلال السلام في الشرق الأوسط إلتزمت به مصر ولم تلتزم به إسرائيل بشكل يجعل إسرائيل منتهكة لإتفاقية كامب دايفيد ولجهود إحلال السلام منذ توقيع الإتفاقية في عام 1978
ويقول كارتر في الفصل الثالث من الكتاب أن "السادات أراد إتفاقية سلام شاملة" وأنه لم يأت إلى كامب دايفد بحثا عن إتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل فقط، ولكنه جاء يبحث عن إتفاقية سلام عربية شاملة مع إسرائيل تقوم على إعادة الأرض المحتلة وضمان حقوق الشعب الفلسطيني ووقف بناء المستوطنات وتطبيق قرارالأمم المتحدة رقم 242
ويقول كارتر أن بيجن تعهد لفظيا بشروط السلام التي طالب بها السادات ولم تنص عليها إتفاقية كامب دايفيد ولكن بيجن لم يف بوعوده، وهنا يشير كارتر إلى أن "الجوهر الأصلي للإتفاقية المتعلق بالأراضي الحتلة الأخرى (غير المصرية) تم التخلي عنه أو تغييره بشكل كبير"، كما يذكر أن "أخطر شيئ حذف من إتفاقية كامب دايفيد كان الفشل في توضيح – كتابتا - وعود بيجن اللفظية الخاصة بتجميد المتسوطنات خلال محادثات السلام التالية"، كما يوضح أن "إسرائيل لم تعطي أي إستقلالا ذا معنى للفلسطينيين وبدلا من أن يسحبوا قواتهم العسكرية والسياسية قام قادة إسرائيل بتقوية قبضتهم على الأراضي المحتلة"
وهنا يعبر كارتر عن إنتقاده لقادة إسرائيل السياسيين بما في ذلك مناحم بيجن موضحا أنه "لم يكن سرا أنه كان بيني وبين بيجن خلافات علنية تتعلق بتفسير إتفاقات كامب دايفيد ... وللأسف قادت هذه الخلافات إلى بعض الخلافات الشخصية أيضا"، كما أوضح كارتر أن إنتقاده لبيجن ولموقف إسرائيل من عملية السلام دفع بيجن لسوء معاملته وتجاهل الرد على أسئلته في إحدى اللقاءات التي جمعتهما
السادات والأسد
أما السادات فيخصه كارتر بأكبر قدر من المديح والتقدير حيث يقول في الفصل الخامس من الكتاب - وفي معرض حديث كارتر عن دور دول الجوار في الصراع العربي الإسرائيلي - أن "من بين حوالي مائة رئيس دولة تقابلت معهم عندما كنت رئيسا كان هو (السادات) صديقي الشخصي المفضل والأقرب"
كما يمتد حديث كارتر الإيجابي عن قادة عرب أخرين تعاني صورتهم لدرجة كبيرة من التشويه في دوائر الإعلام الأميركية وعلى رأسهم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد حيث يتحدث كارتر عن لقاءه الأول بالأسد في سويسرا في عام 1977 ويقول واصفا الأسد "وجدت الأسد – كما يصفونه – أكثر قائد لباقة في التعبير عن جوهر المعتقدات العربية الخاصة بإسرائيل وبفرص السلام"، وهنا يبدأ كارتر في وصف تلك المتعقدات بلهجة تتحلى بالموضوعية مؤكدا على أن "من المهم تلخيص آراء الأسد والتي نادرا ما تسمع في العالم الغربي"
وهنا يتحدث كارتر على لسان الأسد عن رفض إسرائيل منذ نشأتها عودة اللاجئين الفلسطينيين ورغبة بعض أهم قادتها في بناء إسرائيل كبرى وكيف أن هؤلاء القادة يؤمنون بأن التوسع والغزو وضم أراضي جديدة هو أفضل وسيلة لحماية أمن وحدود إسرائيل، هذا إضافة إلى إيمان إسرائيل بحقها في إعادة بناء دولة إنهارت منذ آلاف السنيين في حين ترفض منح الفلسطينيين حقهم في بناء دولة عاشوا عليها لأجيال، ناهيك عن نظرة إسرائيل إلى اليهود عبر العالم على أنهم شعب واحد في حين ترفض النظر إلى الفلسطينيين كشعب متجانس
كما يؤكد كارتر على "استعداد" الأسد للعمل من أجل السلام إذا كان قائما على احترام جميع قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي، ومنح الفلسطينيين حقهم في تقرير مصيرهم، واحترام القوانين الدولية التي تحرم إغتصاب الأراضي بالقوة، واحترام حدود الدول
الفلسطينيون
يبدأ كارتر في الفصل السابع من كتابه في الحديث المفصل عن الفلسطينيين ولقاءاته معهم ومع قياداتهم وعن ظروف معيشتهم تحت الإحتلال، حيث يذكر أن عدد المسيحيين الفلسطينيين "فاجئه" وكيف أن نفوذ الأحزاب الدينية اليهودية داخل إسرائيل وأجندة تلك الأحزاب أدت إلى تقييد حريات الفلسطينيين المسيحيين الدينية، وكيف يعامل الجنود الإسرائيليين المواطنين الفلسطينيين معاملة غير إنسانية
كما تحدث كارتر - في الفصل نفسه - عن سياسة العقابات الجماعية التي تمارسها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني وعن المعتقلين وعن غياب العدالة القانونية وعن تواجد اليهود المتطرفين في الأراضي المقدسة وعن المستوطنين الإسرائيليين وكيف يعيش بضعة آلاف منهم في الأراضي الفلسطينينة المحتلة محاطين بعدد أكبر منهم من الجنود الإسرائيليين المكلفين بحمايتهم، وكيف ينفرد هؤلاء المستوطنين بموارد وثروات الأراضي المحتلة الطبيعية بمقادير تفوق بمرات مضاعفة ما يعيش عليه الفلسطينيون أنفسهم
لذا يقول كارتر في نهاية الفصل السادس من كتابة "بدا واضحا لى أكثر فأكثر أن هناك إسرائيليتان، واحدة تحتوي على الثقافة والقيم الأخلاقية القديمة للشعب اليهودي كما تعرفها الكتب الدينية اليهودية، وهي النسخة التي اعتدت عليها منذ الصغر والتي تمثل دولة إسرائيل الشابة كما يتصورها غالبية الأميركيين، والأخرى توجد في الأراضي المحتلة وتمارس سياسات قائمة على رفض الإعتراف بأبسط حقوق الإنسان الخاصة بالمواطنين وعدم احترامها"
كما يتحدث كارتر في بداية من الفصل السابع من كتابه عن إتفاقات أوسلو وما تبعها من جهود فلسطينية لإحلال السلام وإجراء إنتخابات وبناء سلطة وطنية مستقلة بعض الشيء، ويتحدث عن مراقبته للإنتخابات الفلسطينية أكثر من مرة وكيف شاهد بشكل مباشرة العراقيل التي تضعها إسرائيل أمام مشاركة الفلسطيينين في الإنتخابات خاصة أهالي القدس الشرقية، وكيف أنه هدد إسرائيل في إحدى المرات بأن يعقد مؤتمرا صحفيا دوليا للتنديد بتلك العراقيل ما لم تقم إسرائيل فورا بإزالتها، وكيف أن إسرائيل تراجعت أمام تهديده بعد أن ضعيت جزءا كبيرا من يوم الإنتخابات وإخافت أهل القدس الشرقية من المشاركة
كما يتضمن الفصل الحادي عشر من الكتاب شهادة ضرورية تنصف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والذي نجحت إسرائيل في تصويره على أنه رفض فرصة ذهبية لإحلال السلام في نهاية عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون، حيث يقول كارتر أنه ما عرضه كلينتون وإيهود باراك – رئيس الوزراء الإسرائيلي آن ذاك – على عرفات كان مجحفا في جوانب عدة مثل حق عودة اللاجئين وإبطال القرارات الدولية السابقة والتي تحمي حقوق الشعب الفلسطيني وتمزيق الضفة الغربية بين المستوطنات الإسرائيلية وعزلها عن الأردن
ويقول كارتر "لم يكن هناك أي إحتمال أن يقبل أي قائد فلسطيني هذه البنود ويضمن لنفسه البقاء، ولكن البيانات الرسمية من واشنطن والقدس نجحت في إلقاء كل ثقل الفشل على عرفات"
الخلاصة والمستقبل
في الفصل قبل الأخير من الكتاب يتحدث كارتر عن حائط الفصل الذي بدأت إسرائيل في بناءه بكل تفاصيله المجحفة والتي يقدمها كارتر بتبسيط ووضوح متميزين، ويقول أن الحائط تجسيد لرؤى التطرف الإسرائيلية التي أعاقت عملية السلام، وأنه أشبة بالفصل العنصري الذي مارسته جنوب إفريقيا وإن كان الفصل الإسرائيلي هو فصل بين شعبين لا بين عنصرين
ويتحدث كارتر في خاتمة كتابه عن عقبات ثلاثة رئيسية لعملية السلام وهي الإحتلال الإسرائيلي والموقف الأميركي المساند له والموقف الدولي الذي غض الطرف عما يحدث، كما يتحدث في إقتضاب عن دور لوبي إسرائيل في الولايات المتحدة
ولكنه يعود ليؤكد على تفائله أن غالبية الإسرائيليين والفلسطينيين باتوا يريدون السلام وباتوا تتفقون على التفاصيل الرئسية لأي تسوية نهائية ويؤكد في نهاية كتابة على أن "السلام سوف يحل في إسرائيل والشرق الأوسط فقط عندما تكون حكومة إسرائيل مستعدة للتوافق مع القانون الدولي ومع خريطة الطريق ومع السياسة الأميركية ومع أماني غالبية مواطنيها ومستعدة لإحترام إلتزاماتها السابقة والقبول بحدودها التي يعرفها القانون"