فهم إيران: دراسة لمركز راند الأميركي للأبحاث
عرض بقلم: علاء بيومي
يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com
نص المقال
يتضمن التقرير التالي الصادر عن مؤسسة راند الأميركية للأبحاث عدد من الاعترافات أو الحجج المثيرة عن موقف أميركا تجاه إيران من بينها أن صانع القرار الأميركي لا يفهم ما يدور في إيران، وأن على صانع القرار الأميركي آلا ينساق وراء مواقف الحكومات العربية تجاه إيران فلتلك الحكومات مصالحها الخاصة، وأن إيران تمتلك نظام سياسي متعدد الأقطاب ويتميز بقدر كبير من السيولة التي تحميه من الداخل
أما أهم تلك الاعترافات فهي أن إيران المستفيد الأكبر من مشروع "الشرق الأوسط الجديد" - الذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش بغزوه العراق - مما يعزز شعور المفاوض الإيراني بالثقة الإستراتيجية في مواجهة المفاوض الأميركي وأميركا المستغرقة في حربي العراق وأفغانستان
الاعترافات السابقة هي نتاج لتقرير مكتوب بحرص كبير على تحقيق هدفين أولهما تقديم صورة مركبة وغير سطحية عن إيران لصانع القرار الأميركي، وثانيهما البحث عن مكامن القوة والضعف داخل النظام الإيراني بما يفيد المفاوض الأميركي
لذا يوضح التقرير - في مقدمته وخاتمته - أن صانع القرار الأميركي لا يفهم إيران ولا يعرف الكثير عنها، فهو لا يتحدث الفارسية ولا يزور إيران ولا يتواصل مع الإيرانيين بشكل كافي، فسنوات القطيعة بين أميركا وإيران ساهمت في ظهور جيل من الدبلوماسيين وصناع القرار الأميركيين الذين لا يعرفون الكثير عن إيران ولا يمتلكون أصدقاء هناك ولا يفهمون الرسائل التي يرسلها القادة الإيرانيون حتى ولو كانت رسائل تعاون مع الأميركيين، ولهذا فشلت إدارة بوش في الرد الإيجابي على رسائل إيران الراغبة في التعاون مع أميركا بعد حربي أفغانستان والعراق وأهدرت فرص هامة لتغيير سلوك النظام الإيراني
ويقول التقرير الصادر في أوائل العام الحالي أن عدم الفهم دفع بعض صناع القرار الأميركي إلى النظر إلى إيران نظرة سطحية تعتمد على الصور النمطية السلبية التي تصور إيران كبلد عصي على الفهم بلا مؤسسات، بلد يسيطر عليها أفراد أو جماعات بعينها، وعلى النقيض يؤكد التقرير – في رسالته الرئيسية – أن إيران كأي بلد أخر يمتلك نظاما له خصوصيته من حيث المؤسسات التي تتحكم فيه ولكنه ليس عصيا على الفهم، وأن النظام الإيراني يمتلك مؤسسات وتيارات رئيسية ودرجة كافية من التنوع والتعقيد التي تحمي النظام الإيراني من الداخل
لذا ينصح التقرير صانع القرار الأميركي بضرورة التواصل المباشر مع الإيرانيين لفهمهم ولبناء المعارف والأصدقاء ولتجنب سوء الفهم ولإيجاد فرص التأثير على إيران من الداخل حتى ولو فشلت المفاوضات الخاصة ببرنامج إيران النووي
أما بقية التقرير فهو مخصص لشرح النظام الإيراني ذاته لصانع القرار الأميركي على مستويات أربعة رئيسية، وهي المستوى السياسي، والاقتصادي، وسياسة إيران الإقليمية، وسلوك إيران التفاوضي
فعلى المستوى السياسي يقول التقرير أن الثورة الإسلامية بإيران نجحت في بناء نظام سياسي متعدد الأقطاب يتربع على رأسه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية على خامنئي والذي يصمه البعض بضعف الكاريزما والمؤهلات العملية الدينية مقارنة بنظرائه، ولكن التقرير يقول أن سلطة خامنئي في ازدياد خاصة خلال سنوات حكم أحمدي نجاد المتحالف مع خامنئي بشكل كبير، ولأن صراعات أحمدي نجاد العديدة في الداخل والخارج عززت سلطة خامنئي كمرجع يعود له الإيرانيون لحل تلك الصراعات
ويقول التقرير أن خامنئي يشعر خلال الفترة الحالية بدرجة كبيرة من الثقة في الذات وبأن إيران هي المستفيد الأكبر من مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي أطلقه بوش بغزو العراق، حيث ساهمت أخطاء بوش في العراق وتوغله في أفغانستان وحروب مثل حرب إسرائيل على لبنان في 2006 في توسيع نفوذ إيران بشكل غير مسبوق، لذا يشعر خامنئي بأن نفوذ إيران في صعود مستمر وأنه لا يحتاج إلى التراجع أو إلى تقديم أي تنازلات - خاصة وأن المفاوض الإيراني يشعر دوما بأنه ضحية لمؤامرات غربية وهو شعور يعزز رفض خامنئي والمفاوضين الإيرانيين بالتراجع إلا تحت ضغط شديد كما حدث بعد غزو العراق في منتصف عام 2003 حين عرض الإيرانيون على الأميركيين التعاون
ويقول التقرير أن خامنئي يحكم ويسيطر بشكل مباشر وغير مباشر، فهو رأس النظام السياسي الإيراني والقائد الأعلى للقوات المسلحة مما يعطيه سيطرة مباشرة، ولكنه أيضا يسيطر بشكل غير مباشر من خلال تعيين مساعديه والمقربين منه على رأس المؤسسات السياسية والاقتصادية في البلاد
كما يتناول التقرير مؤسسة الحرس الثوري الإيراني باعتبارها أهم المؤسسات السياسية والعسكرية في إيران لسببين رئيسيين، أولهما أن المؤسسة تتحكم في الملفات العسكرية الأكثر أهمية في إيران وعلى رأسها ملف الأسلحة غير التقليدية والصواريخ بعيدة المدى والبرنامج النووي الإيراني، وثانيهما أن دور المؤسسة لا يقتصر على الأمن فقط بل يتعداه إلى الاقتصاد والإعلام والثقافة، فقادة وضباط الحرس الثوري السابقين يسيطرون على مؤسسات اقتصادية وإعلامية وثقافية هامة داخل المجتمع الإيراني مما يجعلهم شبكة هامة للغاية من شبكات النفوذ داخل المجتمع الإيراني وأحد أهم جماعات المصالح فيه، ولكن هذا لا يعني أن الحرس الثوري الإيراني مؤسسة واحدة بلا تيارات سياسية، إذ يؤكد التقرير أن الحرس الثوري الإيراني متعدد الأقطاب والتيارات كبقية المجتمع الإيراني
وانعكست الحالة السياسية المسيطرة على البلاد في ظهور ثلاثة تيارات سياسية غير طبقية كما يشير التقرير، وهي التيار المحافظ ويمثله أشخاص مثل خمانئي وأحمدي نجاد، والتيار الإصلاحي الأكثر انفتاحا ويمثله قادة مثل مهدي خروبي ومحمد خاتمي، والتيار البراجماتي ويمثله الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني
ويقول التقرير أن التيارات الثلاثة الرئيسية تؤمن بمبادئ الثروة الإسلامية وتعمل من داخلها وتتميز بقدر كبير من السيولة والتداخل مع بعضها البعض مما يعزز صورة النظام السياسي الإيراني كنظام متعدد الأقطاب المرنة إذا صح التعبير، كما يقول التقرير أن من الخطأ البحث وسط التيارات الثلاثة عن تيار مساند لأميركا كلية بالصورة التي تريدها أميركا، فالتيارات الثلاثة تتبنى مشروع الثورة الإسلامية ولكنها تختلف أحيانا على التطبيق
فعلى سبيل المثال يذكر التقرير أن التيارات الثلاثة تنظر إلى المشروع النووي الإيراني كمشروع وطني يدعم استقلالية وسيادة إيران ولكنها تخلف حول التكلفة التي يجب أن تتحملها إيران من أجل هذا المشروع، كما أن بعض المؤسسات داخل إيران – مثل الحرس الثوري وهيئة الطاقة النووية الإيرانية – أكثر دفاعا عن المشروع مقارنة من غيرها لأنها هي المؤسسات الأكثر عملا على تنفيذ المشروع واستثمارا فيه، ومن ثم فإن مصلحتها الشخصية والفئوية أكثر ارتباطا بالمشروع النووي الإيراني مما يجعلها أكثر دفاعا عنه واستعدادا لتحمل تكاليف باهظة لتنفيذه
أما بالنسبة للاقتصاد الإيراني فينظر إليه التقرير بصفة عامة كنقطة ضعف وذلك لضعف هيكلة الاقتصاد الإيراني، إذ يرى التقرير أن الاقتصاد الإيراني يعاني من نقمة النفط والذي يوفر قدرا كبيرة من السيولة النقدية للحكومة الإيرانية (35% من الناتج القومي وحوالي 60 مليار دولار في 2007) تحميها من الإجابة على الأسئلة الصعبة التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني
فالتقرير يرى أن القرار الاقتصادي الإيراني بما في ذلك القرار النفطي يعاني من البيروقراطية والتخبط فهو موزع على وزارات وهيئات وشركات عديدة بشكل يصعب حتى من عملية تتبعه، كما أن الحكومات الإيرانية منذ عام 1990 لم تتمكن من مواجهة مشاكل حقيقية كالبطالة والفقر والتضخم وضعف الاستثمارات الأجنبية (بما في ذلك داخل قطاع النفط ذاته) وهي مشاكل تضرب الاقتصاد الإيراني منذ فترة واكتفت حكومة أحمدي نجاد بالحديث عن إعادة توزيع الثروة وتقديم مساعدات مباشرة للفقراء وهي سياسات قائمة على السيولة التي توفرها مبيعات النفط ولكنها لا تمتلك رؤية اقتصادية مستقبلية واضحة، وترتب على ذلك هجرة نسبة هامة من رأس المالي الإيراني إلى الخارج - مثل دبي - بحثا عن مناخ أفضل للاستثمار
أما على مستوى السياسات الإقليمية، فيشير التقرير إلى الصراع الدائر بين إيران والدول العربية على النفوذ الإقليمي، فإيران تتخطى الحكومات العربية وتتحدث إلى الشارع العربي مباشرة من خلال تبنيها سياسات قومية تجاه قضايا على رأسها إسرائيل تفوق في حدتها مواقف النظم العربية والتي تسعى إلى الحد من النفوذ الإيراني بوسائل مختلفة بما في ذلك تعبئة الشارع العربي تجاه تزايد النفوذ الشيعي في المنطقة – كما صرح بعض رؤساء الدول العربية – في السنوات الأخيرة
ويرى التقرير أن تعميق المخاوف من الخطر الشيعي هو سلاح ذو حدين لأنه قد يتحول إلى نبوءة تحقق نفسها من خلال دفع الأقليات الشيعية في العالم العربي إلى التشدد والتوجه نحو إيران بسبب الضغط المستمر عليها، في حين يرى التقرير أن تلك الأقليات قد تدين بالولاء الروحي والأخلاقي لإيران لاعتبارات دينية، ولكنها لا تدين لإيران سياسيا، فولائها السياسي هو لبلدانها
ويقول التقرير أن الصراع على الرأي العام بين النظم الإيرانية والعربية مستمر وأن إيران تنجح أحيانا وتفشل أحيانا أخرى كما ظهر في تراجع نفوذ الفضائية الإيرانية الناطقة باللغة العربية (العالم) مقارنة بالفضائيات العربية الكبرى مثل الجزيرة والعربية، كما يظهر أيضا من استياء الرأي العام العربي من دور إيران في العراق
لذا ينصح التقرير صانع القرار الأميركي بعد الانسياق وراء صراعات النظم العربية مع النظام الإيراني وعدم الانزلاق في قضايا مثل تعميق الصراع السني الشيعي
أخيرا يؤكد التقرير أن المفاوض الإيراني يشعر حاليا بالقوة بسبب التوغل الأميركي الصعب في العراق وأفغانستان وحاجة أميركا لإيران في الحربين، وهو وضع يختلف عن شعور قادة إيران في عامي 2002 و2003 حين عرضوا على إدارة بوش التعاون في بناء الجيش الأفغاني وفي العراق تحت تهديد ضغوط إدارة بوش وطمعا في علاقة مختلفة مع أميركا
ولكن "الثقة الإستراتيجية" حلت محل مخاوف إيران من إدارة بوش الأولى، وبات المفاوض الإيراني حاليا أكثر ثقة في الذات وأقل رغبة في التراجع أو المهادنة، وعلى الرغم من ذلك ينصح التقرير صانع القرار الأميركي باستمرار الحوار والتواصل مع الإيرانيين لأن غياب التواصل والمعرفة يعيق صانع القرار الأميركي بشكل واضح في تعامله مع إيران، فهو يحرمه من فهم وانتهاز فرص التأثير المختلفة على النظام الإيراني
يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com
نص المقال
يتضمن التقرير التالي الصادر عن مؤسسة راند الأميركية للأبحاث عدد من الاعترافات أو الحجج المثيرة عن موقف أميركا تجاه إيران من بينها أن صانع القرار الأميركي لا يفهم ما يدور في إيران، وأن على صانع القرار الأميركي آلا ينساق وراء مواقف الحكومات العربية تجاه إيران فلتلك الحكومات مصالحها الخاصة، وأن إيران تمتلك نظام سياسي متعدد الأقطاب ويتميز بقدر كبير من السيولة التي تحميه من الداخل
أما أهم تلك الاعترافات فهي أن إيران المستفيد الأكبر من مشروع "الشرق الأوسط الجديد" - الذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش بغزوه العراق - مما يعزز شعور المفاوض الإيراني بالثقة الإستراتيجية في مواجهة المفاوض الأميركي وأميركا المستغرقة في حربي العراق وأفغانستان
الاعترافات السابقة هي نتاج لتقرير مكتوب بحرص كبير على تحقيق هدفين أولهما تقديم صورة مركبة وغير سطحية عن إيران لصانع القرار الأميركي، وثانيهما البحث عن مكامن القوة والضعف داخل النظام الإيراني بما يفيد المفاوض الأميركي
لذا يوضح التقرير - في مقدمته وخاتمته - أن صانع القرار الأميركي لا يفهم إيران ولا يعرف الكثير عنها، فهو لا يتحدث الفارسية ولا يزور إيران ولا يتواصل مع الإيرانيين بشكل كافي، فسنوات القطيعة بين أميركا وإيران ساهمت في ظهور جيل من الدبلوماسيين وصناع القرار الأميركيين الذين لا يعرفون الكثير عن إيران ولا يمتلكون أصدقاء هناك ولا يفهمون الرسائل التي يرسلها القادة الإيرانيون حتى ولو كانت رسائل تعاون مع الأميركيين، ولهذا فشلت إدارة بوش في الرد الإيجابي على رسائل إيران الراغبة في التعاون مع أميركا بعد حربي أفغانستان والعراق وأهدرت فرص هامة لتغيير سلوك النظام الإيراني
ويقول التقرير الصادر في أوائل العام الحالي أن عدم الفهم دفع بعض صناع القرار الأميركي إلى النظر إلى إيران نظرة سطحية تعتمد على الصور النمطية السلبية التي تصور إيران كبلد عصي على الفهم بلا مؤسسات، بلد يسيطر عليها أفراد أو جماعات بعينها، وعلى النقيض يؤكد التقرير – في رسالته الرئيسية – أن إيران كأي بلد أخر يمتلك نظاما له خصوصيته من حيث المؤسسات التي تتحكم فيه ولكنه ليس عصيا على الفهم، وأن النظام الإيراني يمتلك مؤسسات وتيارات رئيسية ودرجة كافية من التنوع والتعقيد التي تحمي النظام الإيراني من الداخل
لذا ينصح التقرير صانع القرار الأميركي بضرورة التواصل المباشر مع الإيرانيين لفهمهم ولبناء المعارف والأصدقاء ولتجنب سوء الفهم ولإيجاد فرص التأثير على إيران من الداخل حتى ولو فشلت المفاوضات الخاصة ببرنامج إيران النووي
أما بقية التقرير فهو مخصص لشرح النظام الإيراني ذاته لصانع القرار الأميركي على مستويات أربعة رئيسية، وهي المستوى السياسي، والاقتصادي، وسياسة إيران الإقليمية، وسلوك إيران التفاوضي
فعلى المستوى السياسي يقول التقرير أن الثورة الإسلامية بإيران نجحت في بناء نظام سياسي متعدد الأقطاب يتربع على رأسه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية على خامنئي والذي يصمه البعض بضعف الكاريزما والمؤهلات العملية الدينية مقارنة بنظرائه، ولكن التقرير يقول أن سلطة خامنئي في ازدياد خاصة خلال سنوات حكم أحمدي نجاد المتحالف مع خامنئي بشكل كبير، ولأن صراعات أحمدي نجاد العديدة في الداخل والخارج عززت سلطة خامنئي كمرجع يعود له الإيرانيون لحل تلك الصراعات
ويقول التقرير أن خامنئي يشعر خلال الفترة الحالية بدرجة كبيرة من الثقة في الذات وبأن إيران هي المستفيد الأكبر من مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي أطلقه بوش بغزو العراق، حيث ساهمت أخطاء بوش في العراق وتوغله في أفغانستان وحروب مثل حرب إسرائيل على لبنان في 2006 في توسيع نفوذ إيران بشكل غير مسبوق، لذا يشعر خامنئي بأن نفوذ إيران في صعود مستمر وأنه لا يحتاج إلى التراجع أو إلى تقديم أي تنازلات - خاصة وأن المفاوض الإيراني يشعر دوما بأنه ضحية لمؤامرات غربية وهو شعور يعزز رفض خامنئي والمفاوضين الإيرانيين بالتراجع إلا تحت ضغط شديد كما حدث بعد غزو العراق في منتصف عام 2003 حين عرض الإيرانيون على الأميركيين التعاون
ويقول التقرير أن خامنئي يحكم ويسيطر بشكل مباشر وغير مباشر، فهو رأس النظام السياسي الإيراني والقائد الأعلى للقوات المسلحة مما يعطيه سيطرة مباشرة، ولكنه أيضا يسيطر بشكل غير مباشر من خلال تعيين مساعديه والمقربين منه على رأس المؤسسات السياسية والاقتصادية في البلاد
كما يتناول التقرير مؤسسة الحرس الثوري الإيراني باعتبارها أهم المؤسسات السياسية والعسكرية في إيران لسببين رئيسيين، أولهما أن المؤسسة تتحكم في الملفات العسكرية الأكثر أهمية في إيران وعلى رأسها ملف الأسلحة غير التقليدية والصواريخ بعيدة المدى والبرنامج النووي الإيراني، وثانيهما أن دور المؤسسة لا يقتصر على الأمن فقط بل يتعداه إلى الاقتصاد والإعلام والثقافة، فقادة وضباط الحرس الثوري السابقين يسيطرون على مؤسسات اقتصادية وإعلامية وثقافية هامة داخل المجتمع الإيراني مما يجعلهم شبكة هامة للغاية من شبكات النفوذ داخل المجتمع الإيراني وأحد أهم جماعات المصالح فيه، ولكن هذا لا يعني أن الحرس الثوري الإيراني مؤسسة واحدة بلا تيارات سياسية، إذ يؤكد التقرير أن الحرس الثوري الإيراني متعدد الأقطاب والتيارات كبقية المجتمع الإيراني
وانعكست الحالة السياسية المسيطرة على البلاد في ظهور ثلاثة تيارات سياسية غير طبقية كما يشير التقرير، وهي التيار المحافظ ويمثله أشخاص مثل خمانئي وأحمدي نجاد، والتيار الإصلاحي الأكثر انفتاحا ويمثله قادة مثل مهدي خروبي ومحمد خاتمي، والتيار البراجماتي ويمثله الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني
ويقول التقرير أن التيارات الثلاثة الرئيسية تؤمن بمبادئ الثروة الإسلامية وتعمل من داخلها وتتميز بقدر كبير من السيولة والتداخل مع بعضها البعض مما يعزز صورة النظام السياسي الإيراني كنظام متعدد الأقطاب المرنة إذا صح التعبير، كما يقول التقرير أن من الخطأ البحث وسط التيارات الثلاثة عن تيار مساند لأميركا كلية بالصورة التي تريدها أميركا، فالتيارات الثلاثة تتبنى مشروع الثورة الإسلامية ولكنها تختلف أحيانا على التطبيق
فعلى سبيل المثال يذكر التقرير أن التيارات الثلاثة تنظر إلى المشروع النووي الإيراني كمشروع وطني يدعم استقلالية وسيادة إيران ولكنها تخلف حول التكلفة التي يجب أن تتحملها إيران من أجل هذا المشروع، كما أن بعض المؤسسات داخل إيران – مثل الحرس الثوري وهيئة الطاقة النووية الإيرانية – أكثر دفاعا عن المشروع مقارنة من غيرها لأنها هي المؤسسات الأكثر عملا على تنفيذ المشروع واستثمارا فيه، ومن ثم فإن مصلحتها الشخصية والفئوية أكثر ارتباطا بالمشروع النووي الإيراني مما يجعلها أكثر دفاعا عنه واستعدادا لتحمل تكاليف باهظة لتنفيذه
أما بالنسبة للاقتصاد الإيراني فينظر إليه التقرير بصفة عامة كنقطة ضعف وذلك لضعف هيكلة الاقتصاد الإيراني، إذ يرى التقرير أن الاقتصاد الإيراني يعاني من نقمة النفط والذي يوفر قدرا كبيرة من السيولة النقدية للحكومة الإيرانية (35% من الناتج القومي وحوالي 60 مليار دولار في 2007) تحميها من الإجابة على الأسئلة الصعبة التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني
فالتقرير يرى أن القرار الاقتصادي الإيراني بما في ذلك القرار النفطي يعاني من البيروقراطية والتخبط فهو موزع على وزارات وهيئات وشركات عديدة بشكل يصعب حتى من عملية تتبعه، كما أن الحكومات الإيرانية منذ عام 1990 لم تتمكن من مواجهة مشاكل حقيقية كالبطالة والفقر والتضخم وضعف الاستثمارات الأجنبية (بما في ذلك داخل قطاع النفط ذاته) وهي مشاكل تضرب الاقتصاد الإيراني منذ فترة واكتفت حكومة أحمدي نجاد بالحديث عن إعادة توزيع الثروة وتقديم مساعدات مباشرة للفقراء وهي سياسات قائمة على السيولة التي توفرها مبيعات النفط ولكنها لا تمتلك رؤية اقتصادية مستقبلية واضحة، وترتب على ذلك هجرة نسبة هامة من رأس المالي الإيراني إلى الخارج - مثل دبي - بحثا عن مناخ أفضل للاستثمار
أما على مستوى السياسات الإقليمية، فيشير التقرير إلى الصراع الدائر بين إيران والدول العربية على النفوذ الإقليمي، فإيران تتخطى الحكومات العربية وتتحدث إلى الشارع العربي مباشرة من خلال تبنيها سياسات قومية تجاه قضايا على رأسها إسرائيل تفوق في حدتها مواقف النظم العربية والتي تسعى إلى الحد من النفوذ الإيراني بوسائل مختلفة بما في ذلك تعبئة الشارع العربي تجاه تزايد النفوذ الشيعي في المنطقة – كما صرح بعض رؤساء الدول العربية – في السنوات الأخيرة
ويرى التقرير أن تعميق المخاوف من الخطر الشيعي هو سلاح ذو حدين لأنه قد يتحول إلى نبوءة تحقق نفسها من خلال دفع الأقليات الشيعية في العالم العربي إلى التشدد والتوجه نحو إيران بسبب الضغط المستمر عليها، في حين يرى التقرير أن تلك الأقليات قد تدين بالولاء الروحي والأخلاقي لإيران لاعتبارات دينية، ولكنها لا تدين لإيران سياسيا، فولائها السياسي هو لبلدانها
ويقول التقرير أن الصراع على الرأي العام بين النظم الإيرانية والعربية مستمر وأن إيران تنجح أحيانا وتفشل أحيانا أخرى كما ظهر في تراجع نفوذ الفضائية الإيرانية الناطقة باللغة العربية (العالم) مقارنة بالفضائيات العربية الكبرى مثل الجزيرة والعربية، كما يظهر أيضا من استياء الرأي العام العربي من دور إيران في العراق
لذا ينصح التقرير صانع القرار الأميركي بعد الانسياق وراء صراعات النظم العربية مع النظام الإيراني وعدم الانزلاق في قضايا مثل تعميق الصراع السني الشيعي
أخيرا يؤكد التقرير أن المفاوض الإيراني يشعر حاليا بالقوة بسبب التوغل الأميركي الصعب في العراق وأفغانستان وحاجة أميركا لإيران في الحربين، وهو وضع يختلف عن شعور قادة إيران في عامي 2002 و2003 حين عرضوا على إدارة بوش التعاون في بناء الجيش الأفغاني وفي العراق تحت تهديد ضغوط إدارة بوش وطمعا في علاقة مختلفة مع أميركا
ولكن "الثقة الإستراتيجية" حلت محل مخاوف إيران من إدارة بوش الأولى، وبات المفاوض الإيراني حاليا أكثر ثقة في الذات وأقل رغبة في التراجع أو المهادنة، وعلى الرغم من ذلك ينصح التقرير صانع القرار الأميركي باستمرار الحوار والتواصل مع الإيرانيين لأن غياب التواصل والمعرفة يعيق صانع القرار الأميركي بشكل واضح في تعامله مع إيران، فهو يحرمه من فهم وانتهاز فرص التأثير المختلفة على النظام الإيراني
بقى لنا أن نشير إلى أن التقرير مكتوب من وجهة نظر أميركية قد لا نتفق معها بالضرورة، وأنه صادر عن مركز راند للأبحاث والذي لا تخلو تقاريره من مواقف وتوصيات حصدت نقدا واسعا في أوساط الرأي العام الأميركي والعربي في السنوات الأخيرة بسبب تبنيها مواقف يمينية مساندة لسياسات إداراتي الرئيس جورج دبليو بوش في الشرق الأوسط
----
للإطلاع على النص الكامل للتقرير، يرجى زيارة