مسلمو أميركا والصراع مع لوبيات واشنطن الاستئصالية
بقلم: علاء بيومي
يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com
نص المقال
الحملة التي شنها بعض أعضاء الكونجرس اليمينيين في أوائل الشهر الحالي على مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) بتهمة أن المجلس يعمل على "زرع" متدربين مسلمين في لجان ومكاتب أعضاء الكونجرس "للتجسس عليهم" تستحق وقفة جادة من الجميع
الحملة تأتي بعد عشرين عاما تقريبا من جهود المسلمين الأميركيين لتنظيم أنفسهم على الصعيد السياسي والإعلامي عبر أميركا وخاصة في العاصمة واشنطن مركز القرار الأميركي السياسي والإعلامي
حيث تشير الدراسات المختلفة المتعلقة بتطور المسلمين الأميركيين السياسي أن أقلية نشطة سياسيا منهم رأت في نهاية الثمانينيات أن الوقت بات مناسبا لتفعيل جهود مسلمي أميركا على المستوى السياسي بعدما أنفقوا عقودا في أميركا في بناء مؤسساتهم الدينية والثقافية كالمساجد والمدارس الإسلامية والجمعيات الخيرية
لذا توجهت أقلية طموحة منهم إلى السياسة وقاموا ببناء عدة منظمات برز منها المجلس الإسلامي الأميركي ومجلس العلاقات الإسلامية الأميركية ومجلس الشئون العامة الإسلامية والاتحاد الإسلامي الأميركي والجمعية الإسلامية الأميركية
تبنت هذه المنظمات في غالبيتها أساليب العمل السياسي والإعلامي المعروفة في واشنطن والتي يتبعها الجميع والتي تقوم على تنظيم وتوحيد جهود المسلمين السياسية والإعلامية من الأسفل إلى أعلى - أي من المدن والقرى الأميركية وصولا إلى واشنطن
وبالطبع بعد أحدث 11/9 زادت الضغوط على مسلمي أميركا بشكل عام وعلى منظماتهم النشطة سياسيا بوجه خاص، وتم وضعهم جميعا تحت مجهر كبير، وتم استهداف منظماتهم المختلفة وعلى رأسها المنظمات الإغاثة ذات العلاقة المباشر مع دول العالم الإسلامي
وبالفعل أغلقت عدد من أكبر منظماتهم الإغاثة وقلت التبرعات بسبب الخوف وزادت حالات التمييز بشكل يفوق قدرات الأقلية المسلمة الأميركية ومنظماتها الحقوقية الناشئة وتعالت الحملة الإعلامية والسياسية ضدهم خاصة مع سيطرة تحالف المحافظين الجدد والمسيحيين الصهاينة واليمينيين المتشددين على مراكز هامة بدوائر صنع القرار السياسي والإعلامي بواشنطن خلال سنوات حكم جورج دبليو بوش
ولا نقول هنا أن مسلمي أميركا مثاليون منزهون عن الخطأ، فمنظمات مسلمي أميركا ظلت وسوف تظل لفترة منظمات جيل مؤسس، بناها مسلمون مهاجرون وأفارقة وبيض أسلموا، وهم جميعا طليعة أجيال المسلمين الأميركيين الأولى في أميركا، وبالطبع يعاني هؤلاء بشكل عام من جميع عيوب الأجيال المؤسسة في أي مجتمع، وعلى رأس تلك العيوب قلة الخبرة التنظيمية والسياسية، فالأجيال المؤسسة تأتي غالبا من المجتمع المدني ولا تأتي من منظمات السياسة والإعلام والحكم بواشنطن كحال قيادات اللوبيات الأميركية الأكثر رسوخا وتأثيرا
عموما المنظمات المسلمة الأميركية كانت تعمل على نشر أفكارها في أوساط الشباب وعلى البحث عن قيادات أصغر بينهم وعلى توطين مؤسساتها ورسالتها
كانت تبحث أيضا عن بناء جسور أفضل بين أميركا والعالم الإسلامي وعلى نشر ثقافة السلام والحوار والتعاطف بين المسلمين والأميركيين
ولكن للأسف لم تهتم لوبيات واشنطن المعادية والمتشددة لتلك المنظمات بكل ما سبق ولم ترد أن تمنح منظمات المسلمين الأميركيين الفرصة للتعلم وتطور نفسها، وذلك لسبب أساسي لا يتعلق بطبيعة تلك المنظمات وجوهرها وإنما يتعلق ببعض أهدافها الرامية إلى التأثير على سياسة أميركا تجاه الشرق الأوسط هذا إضافة إلى طبيعتها كمنظمات مسلمة تريد توعية الأميركيين بصورة الإسلام الحقيقية، وهو أمر لم يعجب المنظمات اليمينية المتشددة والتي رأت في ذلك تهديدا لنقاء القيم الأميركية التقليدية وجزء من حملة اليسار الأميركي لتحويل أميركا بعيدا عن تراثها التاريخي التقليدي كما يعرفه اليمين المتشدد
لذا بقت القيادات المسلمة دائما متهمة، ظلت دائما في عيون اللوبيات المعادية كلوبي إسرائيل وجماعات اليمين المتشددة والمسيحيين الصهاينة مدانة إلى الأبد حتى لو ثبتت براءتها
فهدف لوبيات واشنطن المعادية والاستئصالية دار دائما حول اتهام تلك قيادات مسلمي أميركا ومنظماتهم بالانتماء إلى أيدلوجية إسلامية سياسية معادية لأميركا، ثم بالانتماء لمنظمات الإسلامي السياسي الأجنبية المعروفة خارج أميركا، ثم بدعم ومساندة منظمات مسلمة تضعها أميركا على قائمة المنظمات الإرهابية، وهكذا تدريجيا حتى تتهم تلك المنظمات وقادتها بدعم القاعدة العدو اللدود لأميركا منذ 11/9
وبالطبع لا ترضى اللوبيات عن أحد، وتصنف الجميع في خانة واحدة، ولا تفرق بين أيدلوجيا وأخرى، وبين قائد مسلم أميركي وأخر، كما لا تفرق في نظرتها لجماعات الإسلام السياسي المختلفة عبر العالم العربي والإسلامي
فمع صعود أي قيادة مسلمة أميركية جديدة سياسيا أو إعلاميا يتم البحث عن خلفيها وعن المنظمات التي عملت بها وعن الصور التي ظهروا فيها في الإعلام وعن المظاهرات التي شاركوا فيها حيث تعثر اللوبيات على شبهة ولو بعيدة تضع هذا السياسي المسلم في قفص الاتهام والذي ينمو بلا حدود أو التوقف
عمليه الاتهام وإلصاق التهم هذه أو تشويه السمعة تتم بدرجة عالية من الحرفية والذكاء، كما يقوم عليها عدد كبير للغاية من المنظمات والصحفيين المتشددين والمتعاطفين مع اللوبيات
فلو شاركت في ندوة تسبقك اللوبيات إلى الندوة وترسل إلى منظميها اتهامات تشوه سمعتك، ثم تنشر الاتهامات الكاذبة نفسها في الصحف اليمينية وعلى الموقع الإلكترونية والمدونات التي لا تحصى، ولو شاركت في فعالية سياسية بواشنطن ترسل الاتهامات مرة أخرى إلى السياسي الراعي للقاء وتتصاعد الاتهامات شيئا فشيئا حتى تصير جبلا يصعب تخطيه، وهذا ما يسمى أحيانا في وسائل الإعلام الأميركية "باغتيال الشخصية"
كير هي أحد أهم المنظمات السياسية والإعلامية للمسلمين في واشنطن، ومنذ نشأتها في عام 1994 وهي محل ضغط وهدف لكبار محترفي اغتيال الشخصيات السياسية المسلمة
فنجاح المنظمة على الصعيد السياسي والإعلامي زاد من أعدائها، وقد سجلت أكبر وسائل الإعلام الأميركية سجل نجاحات كير على مدى سنوات عمرها الخمسة عشر، كما أني قرأت من المقالات التي كتبت لمهاجمة كير المئات وربما الآلاف على مدى السنوات العشر الماضية، وكنت أتوقع أن تنحسر تلك المقالات والاتهامات مع صعود الديمقراطيين إلى الحكم ومع تولي باراك أوباما الرئاسة
ولكن يبدو أن ميراث بوش ثقيل، وأن الليبراليين لا يدافعون بشكل كافي عن تلك المنظمات، وأن لوبيات واشنطن الاستقصائية لن تختفي بين عشية وضحاها، وأن الحملات تستمر وربما تتزايد، لذا أسفت لسماع اتهامات أعضاء الكونجرس لكير بزرع متدربين مسلمين بمكاتب أعضاء الكونجرس للتجسس عليهم
فكان من المفترض أن يرحب هؤلاء بالمتدربين المسلمين لأن وجودهم بالكونجرس سوف يسرع عجلة اندماج المسلمين الأميركيين في المجتمع الأميركي ومن ثم يحول دون العزلة أو التشدد إن وجدا في أوساط المسلمين الأميركيين
فأنت تسمع دائما أن أميركا تريد الحوار مع المسلمين وتريد دمج مسلمي أميركا وتريد كسر أي عزلة يعانون منهم وتريد مكافحة التشدد إن وجد، وأن أقصر طريق لتحقيق كل ما سبق – من وجهة نظر أميركا نفسها - هو المشاركة على كافة الأصعدة
ولكن يبدو أنها مشاركة مقننة، فلوبيات واشنطن الاستئصالية الاستبعادية تمارس لعبة مزدوجة وحقيرة، فهي تريد أن تعزل المخالفين لهم وتستبعدهم وتستأصلهم وتريد في نفس الوقت أن تتهمهم بالعزلة، تريد أن تلومهم على عدم المشاركة وتتهم في نفس الوقت بالخطر والتشدد وبأنهم طابور خامس إذا شاركوا
وبهذا تقضي تلك اللوبيات المنافقة على فرص الحوار والتعاون والسلام، فهي تريد أن تسيطر على واشنطن، وأن يسود بواشنطن صوت واحد فقط هو صوتها
الإيجابي في الأمر هو أن كير وجدت دعما من أعضاء كونجرس آخرين حيث كتب تجمع لأعضاء كونجرس من أصول أفريقية ولاتينية أميركية ومن خلفيات ليبرالية بيانا للدفاع عن كير في وجه معارضيها، ونحن نأمل أن تساعد جهودهم في دعم كير وغيرها من المنظمات السياسية الأميركية الأخرى
ولكن نبقى متشائمين لسببين، أولهما جهود لوبيات واشنطن الاستئصالية المتشددة التي لا تتوقف، وثانيهما موقف العالم العربي والإسلامي البعيد كثيرا عما يدور بواشنطن، فالعالم العربي يبدو مكتفيا إلى حد كبير بالتعامل مع أميركا من الخارج فقط وعلى مستوى نخبوي رسمي ومن بعيد
العالم العربي يبدو مشغولا بمشاكله الداخلية والصراعات بين جماعاته المختلفة بعضها بعضا، وبين تلك الجماعات والنظم الحاكمة لها، وكنا نأمل أن يعرف العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة جهد أكثر وعيا بما يدور بواشنطن وبما يمكن فعله لمواجهة اللوبيات المعادية لهم في واشنطن وداخل واشنطن نفسها، ولكن أملنا هذا يبدو في الوقت الحالي ضعيفا فاترا
أخيرا نختم مقالاتنا هذه بأمر إيجابي وهو تزايد وعي الأميركيين بقضايانا وتعاطفهم معنا، وهو أمر يبدو باديا في تزايد التعاطف مع قضايا العالم العربي والإسلامي في أوساط الليبراليين والأقليات والمهاجرين والشباب والمتعلمين والجامعات بأميركا، ولعلنا نتمكن من حصد مزيد من دعمهم بقليل من الجهد والتنظيم الإضافي
لذا نعود نطالب مسلمي أميركا أنفسهم بمزيد من الجهد والمؤسسات والإصلاح، فأعداد منظماتهم مازالت قليلة، وقياداتهم محدودة، ونفوذهم السياسي قليل لا يتناسب مع إمكاناتهم البشرية، لذا نطالبهم بمزيد من الإصلاح والتطوير والتنظيم، فالتغيير يبدأ دائما من الداخل، ولعل السنوات القليلة المقبلة تشهد مفاجئات سارة
يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com
نص المقال
الحملة التي شنها بعض أعضاء الكونجرس اليمينيين في أوائل الشهر الحالي على مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) بتهمة أن المجلس يعمل على "زرع" متدربين مسلمين في لجان ومكاتب أعضاء الكونجرس "للتجسس عليهم" تستحق وقفة جادة من الجميع
الحملة تأتي بعد عشرين عاما تقريبا من جهود المسلمين الأميركيين لتنظيم أنفسهم على الصعيد السياسي والإعلامي عبر أميركا وخاصة في العاصمة واشنطن مركز القرار الأميركي السياسي والإعلامي
حيث تشير الدراسات المختلفة المتعلقة بتطور المسلمين الأميركيين السياسي أن أقلية نشطة سياسيا منهم رأت في نهاية الثمانينيات أن الوقت بات مناسبا لتفعيل جهود مسلمي أميركا على المستوى السياسي بعدما أنفقوا عقودا في أميركا في بناء مؤسساتهم الدينية والثقافية كالمساجد والمدارس الإسلامية والجمعيات الخيرية
لذا توجهت أقلية طموحة منهم إلى السياسة وقاموا ببناء عدة منظمات برز منها المجلس الإسلامي الأميركي ومجلس العلاقات الإسلامية الأميركية ومجلس الشئون العامة الإسلامية والاتحاد الإسلامي الأميركي والجمعية الإسلامية الأميركية
تبنت هذه المنظمات في غالبيتها أساليب العمل السياسي والإعلامي المعروفة في واشنطن والتي يتبعها الجميع والتي تقوم على تنظيم وتوحيد جهود المسلمين السياسية والإعلامية من الأسفل إلى أعلى - أي من المدن والقرى الأميركية وصولا إلى واشنطن
وبالطبع بعد أحدث 11/9 زادت الضغوط على مسلمي أميركا بشكل عام وعلى منظماتهم النشطة سياسيا بوجه خاص، وتم وضعهم جميعا تحت مجهر كبير، وتم استهداف منظماتهم المختلفة وعلى رأسها المنظمات الإغاثة ذات العلاقة المباشر مع دول العالم الإسلامي
وبالفعل أغلقت عدد من أكبر منظماتهم الإغاثة وقلت التبرعات بسبب الخوف وزادت حالات التمييز بشكل يفوق قدرات الأقلية المسلمة الأميركية ومنظماتها الحقوقية الناشئة وتعالت الحملة الإعلامية والسياسية ضدهم خاصة مع سيطرة تحالف المحافظين الجدد والمسيحيين الصهاينة واليمينيين المتشددين على مراكز هامة بدوائر صنع القرار السياسي والإعلامي بواشنطن خلال سنوات حكم جورج دبليو بوش
ولا نقول هنا أن مسلمي أميركا مثاليون منزهون عن الخطأ، فمنظمات مسلمي أميركا ظلت وسوف تظل لفترة منظمات جيل مؤسس، بناها مسلمون مهاجرون وأفارقة وبيض أسلموا، وهم جميعا طليعة أجيال المسلمين الأميركيين الأولى في أميركا، وبالطبع يعاني هؤلاء بشكل عام من جميع عيوب الأجيال المؤسسة في أي مجتمع، وعلى رأس تلك العيوب قلة الخبرة التنظيمية والسياسية، فالأجيال المؤسسة تأتي غالبا من المجتمع المدني ولا تأتي من منظمات السياسة والإعلام والحكم بواشنطن كحال قيادات اللوبيات الأميركية الأكثر رسوخا وتأثيرا
عموما المنظمات المسلمة الأميركية كانت تعمل على نشر أفكارها في أوساط الشباب وعلى البحث عن قيادات أصغر بينهم وعلى توطين مؤسساتها ورسالتها
كانت تبحث أيضا عن بناء جسور أفضل بين أميركا والعالم الإسلامي وعلى نشر ثقافة السلام والحوار والتعاطف بين المسلمين والأميركيين
ولكن للأسف لم تهتم لوبيات واشنطن المعادية والمتشددة لتلك المنظمات بكل ما سبق ولم ترد أن تمنح منظمات المسلمين الأميركيين الفرصة للتعلم وتطور نفسها، وذلك لسبب أساسي لا يتعلق بطبيعة تلك المنظمات وجوهرها وإنما يتعلق ببعض أهدافها الرامية إلى التأثير على سياسة أميركا تجاه الشرق الأوسط هذا إضافة إلى طبيعتها كمنظمات مسلمة تريد توعية الأميركيين بصورة الإسلام الحقيقية، وهو أمر لم يعجب المنظمات اليمينية المتشددة والتي رأت في ذلك تهديدا لنقاء القيم الأميركية التقليدية وجزء من حملة اليسار الأميركي لتحويل أميركا بعيدا عن تراثها التاريخي التقليدي كما يعرفه اليمين المتشدد
لذا بقت القيادات المسلمة دائما متهمة، ظلت دائما في عيون اللوبيات المعادية كلوبي إسرائيل وجماعات اليمين المتشددة والمسيحيين الصهاينة مدانة إلى الأبد حتى لو ثبتت براءتها
فهدف لوبيات واشنطن المعادية والاستئصالية دار دائما حول اتهام تلك قيادات مسلمي أميركا ومنظماتهم بالانتماء إلى أيدلوجية إسلامية سياسية معادية لأميركا، ثم بالانتماء لمنظمات الإسلامي السياسي الأجنبية المعروفة خارج أميركا، ثم بدعم ومساندة منظمات مسلمة تضعها أميركا على قائمة المنظمات الإرهابية، وهكذا تدريجيا حتى تتهم تلك المنظمات وقادتها بدعم القاعدة العدو اللدود لأميركا منذ 11/9
وبالطبع لا ترضى اللوبيات عن أحد، وتصنف الجميع في خانة واحدة، ولا تفرق بين أيدلوجيا وأخرى، وبين قائد مسلم أميركي وأخر، كما لا تفرق في نظرتها لجماعات الإسلام السياسي المختلفة عبر العالم العربي والإسلامي
فمع صعود أي قيادة مسلمة أميركية جديدة سياسيا أو إعلاميا يتم البحث عن خلفيها وعن المنظمات التي عملت بها وعن الصور التي ظهروا فيها في الإعلام وعن المظاهرات التي شاركوا فيها حيث تعثر اللوبيات على شبهة ولو بعيدة تضع هذا السياسي المسلم في قفص الاتهام والذي ينمو بلا حدود أو التوقف
عمليه الاتهام وإلصاق التهم هذه أو تشويه السمعة تتم بدرجة عالية من الحرفية والذكاء، كما يقوم عليها عدد كبير للغاية من المنظمات والصحفيين المتشددين والمتعاطفين مع اللوبيات
فلو شاركت في ندوة تسبقك اللوبيات إلى الندوة وترسل إلى منظميها اتهامات تشوه سمعتك، ثم تنشر الاتهامات الكاذبة نفسها في الصحف اليمينية وعلى الموقع الإلكترونية والمدونات التي لا تحصى، ولو شاركت في فعالية سياسية بواشنطن ترسل الاتهامات مرة أخرى إلى السياسي الراعي للقاء وتتصاعد الاتهامات شيئا فشيئا حتى تصير جبلا يصعب تخطيه، وهذا ما يسمى أحيانا في وسائل الإعلام الأميركية "باغتيال الشخصية"
كير هي أحد أهم المنظمات السياسية والإعلامية للمسلمين في واشنطن، ومنذ نشأتها في عام 1994 وهي محل ضغط وهدف لكبار محترفي اغتيال الشخصيات السياسية المسلمة
فنجاح المنظمة على الصعيد السياسي والإعلامي زاد من أعدائها، وقد سجلت أكبر وسائل الإعلام الأميركية سجل نجاحات كير على مدى سنوات عمرها الخمسة عشر، كما أني قرأت من المقالات التي كتبت لمهاجمة كير المئات وربما الآلاف على مدى السنوات العشر الماضية، وكنت أتوقع أن تنحسر تلك المقالات والاتهامات مع صعود الديمقراطيين إلى الحكم ومع تولي باراك أوباما الرئاسة
ولكن يبدو أن ميراث بوش ثقيل، وأن الليبراليين لا يدافعون بشكل كافي عن تلك المنظمات، وأن لوبيات واشنطن الاستقصائية لن تختفي بين عشية وضحاها، وأن الحملات تستمر وربما تتزايد، لذا أسفت لسماع اتهامات أعضاء الكونجرس لكير بزرع متدربين مسلمين بمكاتب أعضاء الكونجرس للتجسس عليهم
فكان من المفترض أن يرحب هؤلاء بالمتدربين المسلمين لأن وجودهم بالكونجرس سوف يسرع عجلة اندماج المسلمين الأميركيين في المجتمع الأميركي ومن ثم يحول دون العزلة أو التشدد إن وجدا في أوساط المسلمين الأميركيين
فأنت تسمع دائما أن أميركا تريد الحوار مع المسلمين وتريد دمج مسلمي أميركا وتريد كسر أي عزلة يعانون منهم وتريد مكافحة التشدد إن وجد، وأن أقصر طريق لتحقيق كل ما سبق – من وجهة نظر أميركا نفسها - هو المشاركة على كافة الأصعدة
ولكن يبدو أنها مشاركة مقننة، فلوبيات واشنطن الاستئصالية الاستبعادية تمارس لعبة مزدوجة وحقيرة، فهي تريد أن تعزل المخالفين لهم وتستبعدهم وتستأصلهم وتريد في نفس الوقت أن تتهمهم بالعزلة، تريد أن تلومهم على عدم المشاركة وتتهم في نفس الوقت بالخطر والتشدد وبأنهم طابور خامس إذا شاركوا
وبهذا تقضي تلك اللوبيات المنافقة على فرص الحوار والتعاون والسلام، فهي تريد أن تسيطر على واشنطن، وأن يسود بواشنطن صوت واحد فقط هو صوتها
الإيجابي في الأمر هو أن كير وجدت دعما من أعضاء كونجرس آخرين حيث كتب تجمع لأعضاء كونجرس من أصول أفريقية ولاتينية أميركية ومن خلفيات ليبرالية بيانا للدفاع عن كير في وجه معارضيها، ونحن نأمل أن تساعد جهودهم في دعم كير وغيرها من المنظمات السياسية الأميركية الأخرى
ولكن نبقى متشائمين لسببين، أولهما جهود لوبيات واشنطن الاستئصالية المتشددة التي لا تتوقف، وثانيهما موقف العالم العربي والإسلامي البعيد كثيرا عما يدور بواشنطن، فالعالم العربي يبدو مكتفيا إلى حد كبير بالتعامل مع أميركا من الخارج فقط وعلى مستوى نخبوي رسمي ومن بعيد
العالم العربي يبدو مشغولا بمشاكله الداخلية والصراعات بين جماعاته المختلفة بعضها بعضا، وبين تلك الجماعات والنظم الحاكمة لها، وكنا نأمل أن يعرف العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة جهد أكثر وعيا بما يدور بواشنطن وبما يمكن فعله لمواجهة اللوبيات المعادية لهم في واشنطن وداخل واشنطن نفسها، ولكن أملنا هذا يبدو في الوقت الحالي ضعيفا فاترا
أخيرا نختم مقالاتنا هذه بأمر إيجابي وهو تزايد وعي الأميركيين بقضايانا وتعاطفهم معنا، وهو أمر يبدو باديا في تزايد التعاطف مع قضايا العالم العربي والإسلامي في أوساط الليبراليين والأقليات والمهاجرين والشباب والمتعلمين والجامعات بأميركا، ولعلنا نتمكن من حصد مزيد من دعمهم بقليل من الجهد والتنظيم الإضافي
لذا نعود نطالب مسلمي أميركا أنفسهم بمزيد من الجهد والمؤسسات والإصلاح، فأعداد منظماتهم مازالت قليلة، وقياداتهم محدودة، ونفوذهم السياسي قليل لا يتناسب مع إمكاناتهم البشرية، لذا نطالبهم بمزيد من الإصلاح والتطوير والتنظيم، فالتغيير يبدأ دائما من الداخل، ولعل السنوات القليلة المقبلة تشهد مفاجئات سارة