كيف نقرأ السياسة الخارجية لباراك أوباما؟
بقلم: علاء بيومي
الناشر: مركز الجزيرة للدراسات، 25 فبراير 2009، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص المقال
كثير من الإحباط الذي يشعر به المتابعون لسياسات الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما بعد قضائه عامه الأول في الحكم نابع – في اعتقادي - من فصلهم سياسات أوباما عن سياقها الواقعي عند تحليلها
فسياسات أوباما تبدو أكثر منطقية – وربما نجاحا – لو تناولناها – كما نبرهن خلال هذا المقال - ضمن السياق الذي حدده أوباما لنفسه والذي تفرضه البيئة السياسية في واشنطن وحول العالم
السياق الأول: الحزب الديمقراطي
أوباما وصل إلى الحكم كممثل عن الحزب الديمقراطي الأميركي، والذي بات حزب أقلية منذ نهاية الستينيات، حين انقسم على نفسه بين تيارين سياسيين رئيسيين ومتناحرين،[1] أولهما تيار محافظ سيطر على قيادات الحزب السياسية ومؤسساته، وثانيهما تيار ليبرالي تقدمي انتشر وسط شباب الحزب وناخبيه الجدد[2]
التيار المحافظ رفض التغيير السريع وخاصة على طريقة ناخبي الحزب الجدد، والذين تبنوا أجندة "اليسار الجديد" المؤيدة للأقليات والمهاجرين والأفارقة الأميركيين والعمال والفقراء والمعادية للحروب، وهي أجندة ليبرالية باقتدار جذابة براقة - مثل بعض أجزاء خطاب أوباما في الوقت الراهن، ولكنها أفكار لا يجمع عليها السياسيون الأميركيون وخاصة نخبهم، لذا عجز "اليسار الجديد" عن الدفع بأي من قادته السياسيين إلى سدة الحكم في أميركا حتى الآن[3]
أما محافظو الحزب الديمقراطي فظلوا في صراع مع جناحه "اليساري الجديد" منذ ذلك الحين فخسروا السلطة فيما عدا أربع سنوات تولى فيها جيمي كارتر الحكم في أواخر السبعينيات، ثم وصلوا مرة أخرى إلى الحكم في عام 1992 مع بيل كلينتون والذي فاز بولاية ثانية، ولكنه مال إلى اليمين في فترة حكمه لدرجة أزعجت كثير من الديمقراطيين[4]
ونتيجة لذلك خسر آل جور - نائب كلينتون - أمام المرشح الجمهوري قليل الخبرة والحيلة جورج دبليو بوش في انتخابات عام 2000 الرئاسية،[5] ليقود بوش بعد توليه الحكم فترة مد جمهوري جديدة، ولمدة ثماني سنوات أهدر خلالها موارد أميركا بشكل غير مسبوق، مما دفع البعض إلى تسمية فترة حكمه "بالعقد الأميركي المفقود" أو ببداية انحسار الإمبراطورية الأميركية[6]
سنوات حكم بوش كانت بمثابة امتداد لعقود من هيمنة الجمهوريين على السياسة الأميركية ـ عقود سيطروا فيها على واشنطن والإعلام والناخبين الأميركيين
السياق الثاني: أميركا اليمينية
في هذه الظروف ظهر أوباما، وهو يدرك أنه مرشح في بلد مال إلي اليمين كثيرا، وأن قوى اليمين في أميركا مازالت نافذة، وأن غضب الأميركيين على حروب بوش وعلى الأزمة الاقتصادية دفعهم إلى اليسار إلى حين
وأن أميركا مازالت يمينية سياسيا إلى حد كبير، فحتى صعود الديمقراطيين سياسيا منذ عام 2006 ارتبط بالتفافهم وراء عدد لا بأس به من "الديمقراطيين المحافظين"،[7] الذين جمعوا بين الأجندة المحافظة على المستويات الأخلاقية وربما على مستويات داخلية عديدة وبين أجندة خارجية رافضة لحروب بوش وإن لم تكن رافضة للحرب في حد ذاتها
لذا حذر بعض المتابعين قادة الحزب الديمقراطي من الغرور أو الزهو بانتصاراتهم في انتخابات 2006 و2008[8]
فأميركا – وفقا لهؤلاء - تبدو متقلبة المزاج بوضوح مؤخرا، فقد أعطت الجمهوريين السيطرة على البيت الأبيض وعلى الكونجرس بمجلسيه في عام 2002 ونزعتها منهم خلال ست سنوات فقط، لتمنح النصر للديمقراطيين في المؤسسات الثلاثة السابقة مجتمعة في عام 2008
كما أن مشكلات أميركا الكبرى وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية قد تدفع الأميركيين لقوى كالدين والوطنية والانعزالية ومن ثم اليمين[9]
السياق الثالث: أوباما والبحث عن "وسط اليسار"
لذا تبنى أوباما نفسه - منذ البداية - أجندة مالت إلى "الوسط" أو إلى "وسط اليسار" الأميركي، وهي أجندة عبر عنها بوضوح خلال حملته الانتخابية
أجندة أوباما "الوسطية" نالت إعجاب كثير من الديمقراطيين لأنها كانت بمثابة الأمل في أن يمتلكوا "وسط" السياسة الأميركية من جديد، فالديمقراطيون أدركوا جيدا أن بقائهم في الحكم لا يتوقف على رضا قواعدهم الجماهيرية الليبرالية بقدر ما هو مرهون بالقدرة على سحب البساط من تحت أقدام الجمهوريين
لذا ظل الديمقراطيون يمنون أنفسهم بوجه ديمقراطي جديد مثل أوباما يتبنى أجندة تجمع بين اليمين واليسار[10]
وجه جديد لا يحمل إرث الماضي وصراعاته، سياسي يمكن أن يعيد الديمقراطيين إلى حزب الأغلبية من جديد، ويغير صورتهم إلى صورة الحزب الوسطي القادر على حماية أميركا وإيجاد حلول عملية لمشاكلها المختلفة
ويبدو أن أوباما كان الفارس المنتظر، فهو وجه جديد غير معروف يتبنى خطابا براقا يجمع بين تناقضات السياسة الأميركية المختلفة، وهو ليبرالي يدافع عن حقوق الشواذ ولكنه في نفس الوقت متدين لا يجد غضاضة في الحديث عن تدينه، وهو أسود من أم بيضاء يتحدث عن المصالحة العرقية، وهو معارض لحرب العراق لا يعارض الحروب في حد ذاتها[11]
الأفكار السابقة كانت رسالة أوباما منذ البداية، فرغبة أوباما "المثالية" في تخطي تناقضات السياسة الأميركية، كان بمثابة سعي حثيث وواعي لتوسيع خيمة الديمقراطيين السياسية وتمكينهم من إعادة السيطرة على وسط السياسة الأميركية من جديد[12]
السياق الرابع: الظروف الدولية والانحسار الأميركي
من المهم أيضا التذكرة بأن أوباما انتخب لحظة انحسار نفوذ أميركا الدولي كقطب العالم الأوحد،[13] وهو نفوذ قائم على دعائم ثلاثة أساسية، وهي قوة الاقتصاد والجيش الأميركيين، ثم النفوذ السياسي
والواضح هنا أن الأزمة الاقتصادية الدولية الأخيرة ألحقت ضررا بالغا بالأساس الاقتصادي للقوة الأميركية، وأسرعت بعملية انحسار النفوذ الأميركي العام بشكل غير متوقع، وذلك لأن الأزمة الاقتصادية أفقدت ثروة أميركا كدولة وشعب ترليونات الدولارات التي تبخرت مع الأزمة، وأثقلت ميزانيتها بالديون، وحدت من قدرتها على الإنفاق، وزعزعت ثقة العالم في عملتها[14]
نتيجة لما سبق تراجعت الدعامة الاقتصادية للقوة الأميركية واضطرت الدول الغربية إلى إفساح المجال أمام قوى جديدة صاعدة لقيادة العالم اقتصاديا وعلى رأسها الصين والهند والبرازيل، وتحولت قيادة النظام الاقتصادي العالمي من مجموعة الثمانية إلى مجموعة العشرين[15]
على المستوى السياسي أثبتت حروب بوش الصعوبة الكبيرة التي يواجهها الجيش الأميركي في الفوز بحروب خارج أرضه، كما كشفت أيضا عن عيوب خطيرة في التخطيط والرؤية والقدرة على خوض الحروب الطويلة
وبالطبع تضرر نفوذ أميركا السياسي إلى حد كبير نتيجة لما سبق، فقد بدت أميركا في نهاية حكم بوش سيئة السمعة والصورة جماهيريا على الأقل، كما تبدو حاليا أكثر احتياجا لدعم القوى الكبرى مثل الصين وروسيا في التعامل مع إيران وكوريا الشمالية، وأكثر اعتمادا على دول حلف الناتو في التعامل مع أفغانستان
أخطر منذ ذلك تشير استطلاعات الرأي الأميركية إلى ارتفاع غير مسبوق في نزعة العزلة الدولية لدى الشعب الأميركي لدرجة تفوق شعور الأميركيين بالعزلة والانكفاء على الداخل خلال حرب فيتنام[16]
في ظل الظروف السابقة بدت مهمة أوباما في علاج مشاكل أميركا أصعب بكثير، فعلى عكس كلينتون تولي أوباما حكم أميركا في فترة كساد وانحسار وانكسار، وبات على أوباما القيام بمهمة صعبة للغاية، فعليه الظهور بمظهر القوي في ظل موارد أقل، وعليه تحسين صورة أميركا في العالم بدون الظهور بصورة الضعيف
هذا يعني أن أوباما مقيدا في حركته، وأن عليه القبول ببعض السياسات البرجماتية التي تفرضها عليه محدودية موارد أميركا من ناحية ورغبته في الحفاظ على هيبتها ونفوها من ناحية أخرى
السياق الخامس: أسلوب صناعة القرار
في ظل السياقات الأربعة السابقة، رأي البعض أن فوز أوباما في الانتخابات كان بمثابة ثورة بلا ثوار،[17] فأوباما فاز في انتخابات حملت شعار التغيير، ولكنه سرعان ما أحاط نفسه على مستوى السياسة الخارجية بشخصيات براجماتية وواقعية إن لم تكن صقورية[18]
فنائبة جون بايدن لا يمكن أن يوصف بالثورية ولا هو وجه جديد أو من دعاة التغيير، فهو براجماتي إلى حد كبير، وجزء من المؤسسة السياسية الأميركية منذ السبعينيات
وكبير موظفي البيت الأبيض رام إيمانويل أكثر صقورية وتحزبا من بايدن حيث اشتهر بدعمه لحرب العراق وبتحزبه الواضح
كما احتفظ أوباما بوزير دفاع ولاية بوش الثانية روبرت جايتس، وأعطي وزارة الخارجية لهيلاري كلينتون المعروفة بصقوريتها
وأحاط نفسه بعدد متزايد من الصقور مثل ريتشارد هولبروك مبعوث أوباما لأفغانستان، ودينيس روس مستشار الرئيس "للمنطقة الوسطى" بمجلس الأمن القومي، والجنرال السابقة جايمس جونز كمستشار للأمن القومي الأميركي
وتبدي مقالات نشرت عن صناعة قرار السياسة الخارجية الأميركية في عهد أوباما تعجبها من هذا العدد الكبير من المستشارين والخبراء الكبار الذين أحاط بهم أوباما نفسه في مجال السياسة الخارجية، ورأي البعض أن قبول أوباما بهذا الوضع خطأ ينذر بصدام وصراع هؤلاء السياسيين مع أوباما أو مع بعضهم البعض[19]
ومع ذلك وبعد مرور عام على حكم أوباما أبدى كثيرون إعجابهم بأسلوب صناعة القرار الخارجي داخل الإدارة الأميركية، حيث رأي هؤلاء أن أوباما نجح في فرض أسلوبه على الجميع، وأن أوباما ينصت للجميع وأنه حريص على التعلم وعلى فهم القضايا المختلفة كما يفهمها مستشاروه ووزراءه الكبار[20]
ويرى هؤلاء أن أوباما نجح إلى حد كبير في صناعة السياسة الخارجية خلال عامه الأول، فلم يعرف العام الماضي صراعات تذكر بين مستشاري أوباما الكبار، كما أنه لم يعرف التسريبات إلا نادرا،[21] كما أن أوباما ظهر بشكل مستمر كصانع قرار قوي وواعي، واستطاع الحد من جموح كثير من مستشاريه الكبار مثل هيلاري كلينتون، والتي بدت مستسلمة – إلى حد كبير - في منصبها كوزيرة للخارجية
في المقابل أبدى فريق أخر استيائهم من أسلوب أوباما السابق، حيث رأى إليوت إبرامز - المسئول السابق في إدارة بوش عن ملف الديمقراطية والشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي وأحد أهم رموز المحافظين الجدد - أن أوباما أنفرد مع رام إيمانويل ومع مبعوثه لعملية السلام جورج ميتشل بصناعة السياسة الأميركية تجاه عملية السلام في العام الماضي، وبالطبع لم يكن إبرامز راضيا عن تلك السياسة ولا عن أسلوب صناعتها ولا عن دور أوباما[22]
سادسا: مبادئ أوباما
في هذا السياق تنبى أوباما سياسة خارجية مازالت في طور التشكيل، ولم تكتمل بعد جميع معالمها لقصر المدة وعدم اكتمال التطبيق،[23] وإن كان هذا لا يمنعنا من الإشارة إلى بعض أهم تلك المعالم
أولا: أوباما يؤمن باستخدام القوة أو الحرب كخيار أخير، وهو يرى أن الحرب جزء ضروري من التاريخ البشري المفتقد للكمال[24]
ولعل حرب أفغانستان هي نموذج أوباما للحرب العادلة، فهو يرى أنها فرضت على أميركا بعد 11-9، وذلك على عكس حرب العراق والتي عارضها منذ البداية[25]
ويبدو أوباما هنا متسقا مع وعوده قبل الفوز بالرئاسة الأميركية، حيث عبر عن رغبته في الانسحاب من العراق بشكل نهائي وتدريجي، كما عبر عن رغبته في تحقيق النصر في أفغانستان باعتبارها حرب أميركا الحقيقة ضد القاعدة
ثانيا: يؤمن أوباما بالعمل الدولي، فهو يهدف إلى تقوية المؤسسات الدولية المختلفة وإلى بناء التحالفات وإلى دعوة دولة العالم المختلفة إلى تحمل مسئولياتها تجاه قضايا عديدة لا تقتصر على الأمن[26]
وتظهر هنا رغبة أوباما في الحوار مع قوى كالصين وروسيا، وفي التعاون الدولي في قضايا المناخ، وفي دعمه لجهود الحد من انتشار الأسلحة النووية
ثالثا: ينادي أوباما بضرورة فتح الباب بشكل مستمر إمام الخصوم أو النظم المعارضة للسياسات الأميركية من أجل العودة إلى المجتمع الدولي، ويكون ذلك من خلال الدبلوماسية المباشرة مع النظم المعارضة وتجنب الدخول في صراعات مباشرة متعجلة معها ومن خلال السعي إلى بناء تحالفات دولية لمواجهتها ثم الضغط عليها بوسائل مختلفة كالعقوبات الاقتصادية والسياسية أولا مع عدم استبعاد الحرب كخيار بديل[27]
وتمثل إيران الخيار الأبرز في هذا السبيل، حيث يقاوم أوباما – كما يرى البعض[28] - الضغوط الرامية إلى الدفع بأميركا في مواجهة مسلحة مع إيران في الوقت الراهن، ويفضل في المقابل الدبلوماسية والردع وبناء التحالفات الدولية وفرض العقوبات تجنبا للحرب
رابعا: انطلاقا من المبدأ السابق يبدو أوباما أكثر واقعية وبرجماتية في التعامل مع قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، فهو يريد إلزام أميركا بتطبيق تلك المعايير أولا، ومطالبة الآخرين بالالتزام بها ثانيا، وترك الباب مفتوحا أمام الدول الديكتاتورية لتحسين سجلها [29]
سابعا: في نقد اليسار واليمين لسياسات أوباما
مبادئ أوباما السابقة وتطبيقاتها خلال عامه الأول لم تسلم من نقيد اليمين واليسار على حد سواء
حيث عارض اليمين الأميركي رسائل أوباما الدبلوماسية إلى إيران وتردده في دعم المعارضة الإيرانية لنتائج الانتخابات الرئاسية (يونيو 2009)، كما عارضوا توجهه الدبلوماسي وسعيه لبناء تحالف دولي ضد إيران، ورأوا في ذلك مضيعة للوقت[30]
وعلى المنوال نفسه عارضوا رفض أوباما خطط بوش السابقة لإقامة حائط صاروخي في شرق أوربا (بولندا والتشيك)، ورأوا في ذلك إضعافا لأميركا ولموقفها الإستراتيجي[31]
ورفضوا أيضا لغة أوباما الدبلوماسية نحو الصين وإحجامه عن نقد سجلها الداخلي[32]
كما رفضوا ضغط أوباما على إسرائيل ومطالبته الحكومة الإسرائيلية بوقف المستوطنات، ورأوا أنه ساهم في رفع توقعات عباس والفلسطينيين مما وضع عباس نفسه في موقف حرج، كما أنه لم يفهم طبيعة الأوضاع داخل إسرائيل وصعوبة الضغط على تحالفها الحكومي الهش[33]
وقد رأي اليمنيون في السياسات السابقة خطرا على نفوذ أميركا، وتنازلات غير مبررة، وإضعاف لصورتها في عيون العالم[34]
ورأي بعضهم أن أوباما لا يمتلك منهجا واضحا أو أيدلوجية أو خطة بعيدة المدى، وأن حديثه عن الدبلوماسية والعمل الدولي هو حديث عن أدوات يفتقر لرؤية شاملة، وأنه حديث لم يختبر بجدية خاصة في حالة إيران[35]
أما على اليسار، فقد انتقد الليبراليون أوباما لأسباب مختلفة وعلى رأسها عدم إغلاقه لمعسكر جوانتانامو، وإرساله مزيد من الجنود الأميركيين إلى أفغانستان، وإشعاله عجلة الحرب في باكستان، ولتجنبه إثارة قضايا الديمقراطية وحقوق في التعامل مع النظم الديكتاتورية حول العالم، ولأن سياسته لم ترتق لمستوى خطابه البراق وبددت أكثر حذرا وترددا[36]
ثامنا: تبريرات مؤيدو أوباما
أما مؤيدو أوباما فقد رصدوا الأسباب التالية لتأييده
أولا: أن أوباما نجح في تغيير خطاب السياسة الخارجية الأميركية إلى حد كبير، وأن النجاح الخطابي هذا هام لأنه غير صورة أميركا في عيون العالم، وغير لهجة الخطاب السياسي داخل واشنطن ومال كثيرا إلى الجانب الدبلوماسي والدولي، كما ترك تبعات سياسية يصعب إنكارها خاصة على صعيد خفض حدة التنافس والصراع مع قوى كروسيا والصين[37]
ثانيا: أوباما واجه ضغوطا كثيرا للتشدد في سياسته ضد روسيا والصين وإيران، وأن أوباما نجح في مواجهة تلك الضغوط ورفض الدفع في بلاده في مواجهات أخرى وخاصة في مواجهة عسكرية ضد إيران[38]
ثالثا: أوباما يصنع قراره الخارجي بحكمة وتريث ويصبر ويستمع للآخرين كما يبحث عن طرق وسط،[39] ويضرب هؤلاء بقرار إرسال مزيد من القوات الأميركية إلى أفغانستان نموذجا على الأسلوب الجديد لصناعة السياسة الخارجية الأميركية في عهد أوباما، حيث استغرق أوباما فترة طويلة في اتخاذ القرار، وحرص على سماع أراء مختلف مستشاريه، ورفض الضغوط المفروضة عليه من قبل الجمهوريين لاتخاذ قرار سريع ومتشدد[40]
رابعا: يرى مؤيدو أوباما أن الظروف الدولية لم تسعفه، فعلى سبيل المثال تبدو الظروف بالشرق الأوسط أكثر تعقيدا واستعصاء، فالفلسطينيون منقسمون بشكل غير مسبوق، وكذلك الإسرائيليون، مما يترك أميركا بلا شريك قوي قادر على اتخاذ قرارات سياسية جريئة تدفع عملية السلام إلى الأمام
خامسا: يذكر مؤيدو أوباما خصومه بإرثه الثقيل، فهو لم يبدأ حربي أفغانستان والعراق وإنما ورثهما، كما أنه ورث سياسة خارجية مثقلة بالديون وبأعباء الأزمة الاقتصادية في الداخل والخارج، مما يعني أن اللحظة التاريخية لم تكن مواتية لتغيير كبير في سياسة أميركا[41]
سادسا: يؤكد مساندو أوباما على فكرة أن للسياسات الأميركية تبعات، فالانسحاب الفوري من العراق – والذي يرفضه أوباما – قد يؤدي إلى انهيار النظام السياسي العراقي الهش، والحال نفسه ينطبق على أفغانستان والتي تجاور بلد نووي يعاني هو الأخر من عدم الاستقرار السياسي[42]
خاتمة: حدود وسطية أوباما
بقى لنا أن نركز على عدد من الدروس الأساسية المستفادة من تحليلنا السابق
أولا: يجب النظر إلى أوباما كرئيس ساعي لحلول وسط ترضي اليمين واليسار الأميركيين، وهي حلول مفروضة على أوباما لاعتبارات أو قيود داخلية وخارجية عديدة يصعب التخلص منها، كما أنها لن ترضي الجميع، وإن يتوقع لها أن تكون أقل صقورية من سياسات اليمين الأميركي، وأقل مثالية من سياسات اليسار[43]
ثانيا: وسطية أوباما هذا لا تعني عدم ارتكابه لأخطاء وتغليبه الواقعي على المثالي، ولعل تراجعه أمام إسرائيل فيما يتعلق بالمستوطنات، واعترافه بهذا التراجع وقوله أنه لم يكن يدري حجم الصعوبات الخاصة بعمليه السلام، وأنه لم يكن "ليرفع التوقعات" لو علم بحجم "المشاكل السياسية على الطرفين"،[44] مثالا على تغليب أوباما للاعتبارات البرجماتية الواقعية قصيرة النظر على التغيير الجذري بعيد النظر
ثالثا: السعي إلى الوسطية عملية صعبة للغاية، فهي عمليه تدريجية طويلة تنذر بنفاذ صبر المعارضين والمؤيدين على حد سواء[45]
كما أن السياسة الأميركية لا تعرف وسطا واحدا، فالوسطية بين اليسار واليمين الأميركيين ليست نقطة واحدة واضحة للجميع يسهل الوصول إليها، فهي على العكس مساحة متحركة يصعب الإمساك بها، وهذا يعني أن أوباما في مساعيه للوسطية قد يتحرك يمينا أكثر من اللازم كما فعل بيل كلينتون قبله، وهو سيناريو خطير يجب الحذر منه ومراقبته[46]
خاصة أن أمام أوباما تحديات سياسة ضخمة وعلى رأسها التعامل مع إيران وعلاقته بقوى كروسيا والصين وإمكانية فشل الحرب الأميركية في باكستان وأفغانستان وتدهور الأوضاع هناك، وهي ملفات صعبة قد تنذر بفشل الدبلوماسية الأوباماوية وتبني أوباما مواقف أكثر تشددا[47]
رابعا: خطاب أوباما يحتوي على قدر كبير من المثالية والأخلاقية وسياساته لا تخلو من قدر كبير من الواقعية والبرجماتية، والخطر هو أن يستمر أوباما في تقديم تبريرات أخلاقية ومثالية لسياساته المختلفة حتى لو انزلقت نحو اليمين أو نحو التشدد والصقورية[48]
[1] Thomas B. Edsall, “The Implosion Of the Democrats; And Why Prospects for a Party Revival Are Bleak,” The Washington Post, 20 Nov 1994, C3.
Daniel Larison, “Battling Over What's Left,” American Conservative, 18 June 2007, Vol. 6, No. 12, 16.
[2] Norman Podhoretz, “Life of His Party; How Bill Clinton saved the Democrats,” National Review, 13 Sept 1999, Vol. LI, No. 8.
[3] Thomas B. Edsall, “Show of Party Unity Masks Scars of Ideological Battle; Center Wins Day in Democrats' Tug of War,” The Washington Post, 13 July 1992, A1.
Kurt Shillinger, “Democrats' Bugbear: Who Are We, Anyway?,” Christian Science Monitor, 26 August 1996, 1.
[4] Leon Hadar, “Symbolic Bow to a New Geo-Political Balance; Obama's Conciliatory Stance is Part of an Effort to Adjust American Position in the Asia-Pac,” The Business Times Singapore, 24 Nov 2009.
[5] Peter Beinart, “A Fighting Faith,” The New Republic, 13 Dec 2004, 17.
Larison, “Battling Over What's Left.”
[6] Jeffrey Kuhner, “A Decade of Decline” The Washington Times, 1 Jan 2010.
Christopher Layne and Benjamin Schwarz, “After the Pax,” Los Angeles Times, 29 Sept 2009, 25.
Timothy Garton Ash, “Obama's Beijing Balancing Act Points to the New Challenge for the West,” The Guardian, 19 Nov 2009, 31.
[7] Michael Lind, “A warning for Democrats?,” Salon.com, 9 June 2009.
[8] Michael Lind, “A warning for Democrats?.”
[9] Michael Lind, “A warning for Democrats?.”
[10] Ken Brociner, “The Left's Identity Crisis,” In These Times, Nov 2007, 38.
[11] Sullivan, “The new face of America.”
E. J. Dionne Jr., “Obama’s Eloquent Faith,” The Washington Post, 30 June 2006.
Jonathan Chait, “Obama Nation: Liberating Democrats from the Clinton’s Siege Mentality,” The New Republic, 13 Feb 2008.
[12] E.J. Dionne, “Obama's Centre-Left Two-Step; The President's Goal is to Create a Durable Coalition that Excludes Only the Far Right,” The Toronto Star, 26 May 2009, A23.
[13] Andrew Sullivan, “America Wakes up to the Shift in Global Power,” The Sunday Times (London), 6 Dec 2009, 21.
[14] Peter Goodspeed, “Future Shock; America's Pre-Eminence in World Affairs Fading,” National Post (Canada), 26 Dec 2009, A18.
Christopher and Schwarz, “After the Pax.”
[15] Clark Campbell, “Rich Nations Give India and China More Sway in IMF,” The Globe and Mail (Canada), 26 September 2009, A19.
[16] Andrew Sullivan, “America Wakes up.”
[17] Horace G Campbell, “Obama and the Revolutionary Moment without Revolutionaries: Reflections on the Electoral Victory of Barack Hussein Obama,” The Tennessee Tribune, 22-28 Jan 2009, A5 Vol. 20 No. 4.
[18] Paul Richter, “No Sure Things for Obama Advisors; The President Fills out his Foreign Policy Team Largely with Centrists, Overlooking Many Liberal Loyalists,” Los Angeles Times, 11 Feb 2009, A14.
E. J. Dionne Jr., “Obama's Bush Doctrine,” The Washington Post, 28 Nov 2008, A29.
[19] Doyle McManus, “Reality and a Team of Rivals, “Los Angeles Times,” 26 July 2009, A33.
Jon Ward, “An 'Empire of Envoys'; Policy Patchwork Confusing, Unclear,” The Washington Times, 25 August 2009.
[20] Michael Crowley, “The Decider: Who Runs U.S. Foreign Policy?,” The New Republic, 12 August 2009, 24.
[21] Doyle McManus,” Reality and a Team of Rivals.”
[22] Elliott Abrams, “All Process, No Peace: The Obama Administration Needs to Press the Reset Button on Its Middle East Diplomacy,” The Weekly Standard, 25 Jan 2010, Vol. 15, No. 18.
[23] David E. Sanger, “Obama Embraces 'Just war' Belief; Over 11 Months, Policy has Evolved and Taken on a Much Harder Edge,” The International Herald Tribune, 12 Dec 2009.
[24] David Brooks, “Obama’s Foreign Policy: A Cold War Liberal Hones His Doctrine,” The Oregonian, 16 Dec 2009.
E. J. Dionne Jr., “Obama's Bush Doctrine”.
[25] David E. Sanger, “Obama Embraces 'Just war' Belief.”
[26] David Ignatius, “Testing Obama's Doctrine; Lofty Ideals and Afghan Reality,” The Washington Post, 8 Oct 2009, A29.
Michael Gerson, “Death of a Doctrine; Obama Discovers Engagement's Limits,” The Washington Post, 29 July 2009, A17.
[27] Scott Wilson, “Shared Interests Define Obama's World; In Engaging Adversaries, The President Sometimes Unsettles Allies,” The Washington Post, 2 Nov 2009.
Doyle McManus, “The Obama Doctrine Takes Shape,” Guelph Mercury (Ontario, Canada), 15 Dec 2009, A11.
[28] Talk of the Nation, “Brzezinski Assesses Obama's Foreign,” National Public Radio (NPR), 14 Dec 2009.
[29] Barack Obama, “Remarks by the President at the Acceptance of the Nobel Peace Prize,” 10 Dec 2009, http://www.whitehouse.gov/the-press-office/remarks-president-acceptance-nobel-peace-prize.
[30] Michael Gerson, “Death of a Doctrine.”
[31] Jim Inhofe, “Obama's 'You're on Your Own' Foreign Policy,” The Washington Examiner, 23 Sept 2009.
Frank J. Gaffney Jr., “The Obama Doctrine; Capitulation Sugarcoated With Smart Words,” The Washington Times, 23 Sept 2009, A19.
[32] John Pomfret, “U.S. Hopes to Strengthen Ties.”
Timothy Garton Ash, “Obama's Beijing balancing act.”
[33] Frank J. Gaffney Jr., “The Obama Doctrine.”
Elliott Abrams, “All Process, No Peace.”
[34] Scott Wilson, “Shared Interests Define Obama's World.
[35] David Ignatius, “Testing Obama's Doctrine.”
[36] Leon Hadar, “Symbolic Bow to a New Geo-Political Balance.”
[37] Talk of the Nation, “Brzezinski Assesses Obama's Foreign.”
Doyle McManus, “Reality and a Team of Rivals.”
[38] Talk of the Nation, “Brzezinski Assesses Obama's Foreign.”
[39] Michael Crowley, “The Decider.”
[40] Michael Crowley, “The Decider.”
[41] Michael O'Hanlon, “Four Global Crisis Spots; American Decisions Shape Security,” The Washington Times, 5 Jan 2010.
Talk of the Nation, “Brzezinski Assesses Obama's Foreign.”
Andrew Sullivan, “America Wakes up.”
[42] Talk of the Nation, “Brzezinski Assesses Obama's Foreign.”
[43] Matt Miller, “Obama Wants to Move the Center Left: The President’s Liberal Critics Miss the Bigger Picture,” The Wall Street Journal, 24 Feb 2009.
[44] Amy Teibel, “US Envoy Starts Mideast Tour Amid Obama Pessimism,” The Associated Press, 22 Jan 2010.
[45] E.J. Dionne, “Obama's Centre-Left Two-Step.”
[46] Leon Hadar, “Symbolic Bow to a New Geo-Political Balance.”
[47] David E. Sanger, “Obama Embraces 'Just war' Belief.”
Doyle McManus, “The Obama Doctrine Takes Shape.”
[48] E.J. Dionne, “Obama's Centre-Left Two-Step.”
الناشر: مركز الجزيرة للدراسات، 25 فبراير 2009، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص المقال
كثير من الإحباط الذي يشعر به المتابعون لسياسات الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما بعد قضائه عامه الأول في الحكم نابع – في اعتقادي - من فصلهم سياسات أوباما عن سياقها الواقعي عند تحليلها
فسياسات أوباما تبدو أكثر منطقية – وربما نجاحا – لو تناولناها – كما نبرهن خلال هذا المقال - ضمن السياق الذي حدده أوباما لنفسه والذي تفرضه البيئة السياسية في واشنطن وحول العالم
السياق الأول: الحزب الديمقراطي
أوباما وصل إلى الحكم كممثل عن الحزب الديمقراطي الأميركي، والذي بات حزب أقلية منذ نهاية الستينيات، حين انقسم على نفسه بين تيارين سياسيين رئيسيين ومتناحرين،[1] أولهما تيار محافظ سيطر على قيادات الحزب السياسية ومؤسساته، وثانيهما تيار ليبرالي تقدمي انتشر وسط شباب الحزب وناخبيه الجدد[2]
التيار المحافظ رفض التغيير السريع وخاصة على طريقة ناخبي الحزب الجدد، والذين تبنوا أجندة "اليسار الجديد" المؤيدة للأقليات والمهاجرين والأفارقة الأميركيين والعمال والفقراء والمعادية للحروب، وهي أجندة ليبرالية باقتدار جذابة براقة - مثل بعض أجزاء خطاب أوباما في الوقت الراهن، ولكنها أفكار لا يجمع عليها السياسيون الأميركيون وخاصة نخبهم، لذا عجز "اليسار الجديد" عن الدفع بأي من قادته السياسيين إلى سدة الحكم في أميركا حتى الآن[3]
أما محافظو الحزب الديمقراطي فظلوا في صراع مع جناحه "اليساري الجديد" منذ ذلك الحين فخسروا السلطة فيما عدا أربع سنوات تولى فيها جيمي كارتر الحكم في أواخر السبعينيات، ثم وصلوا مرة أخرى إلى الحكم في عام 1992 مع بيل كلينتون والذي فاز بولاية ثانية، ولكنه مال إلى اليمين في فترة حكمه لدرجة أزعجت كثير من الديمقراطيين[4]
ونتيجة لذلك خسر آل جور - نائب كلينتون - أمام المرشح الجمهوري قليل الخبرة والحيلة جورج دبليو بوش في انتخابات عام 2000 الرئاسية،[5] ليقود بوش بعد توليه الحكم فترة مد جمهوري جديدة، ولمدة ثماني سنوات أهدر خلالها موارد أميركا بشكل غير مسبوق، مما دفع البعض إلى تسمية فترة حكمه "بالعقد الأميركي المفقود" أو ببداية انحسار الإمبراطورية الأميركية[6]
سنوات حكم بوش كانت بمثابة امتداد لعقود من هيمنة الجمهوريين على السياسة الأميركية ـ عقود سيطروا فيها على واشنطن والإعلام والناخبين الأميركيين
السياق الثاني: أميركا اليمينية
في هذه الظروف ظهر أوباما، وهو يدرك أنه مرشح في بلد مال إلي اليمين كثيرا، وأن قوى اليمين في أميركا مازالت نافذة، وأن غضب الأميركيين على حروب بوش وعلى الأزمة الاقتصادية دفعهم إلى اليسار إلى حين
وأن أميركا مازالت يمينية سياسيا إلى حد كبير، فحتى صعود الديمقراطيين سياسيا منذ عام 2006 ارتبط بالتفافهم وراء عدد لا بأس به من "الديمقراطيين المحافظين"،[7] الذين جمعوا بين الأجندة المحافظة على المستويات الأخلاقية وربما على مستويات داخلية عديدة وبين أجندة خارجية رافضة لحروب بوش وإن لم تكن رافضة للحرب في حد ذاتها
لذا حذر بعض المتابعين قادة الحزب الديمقراطي من الغرور أو الزهو بانتصاراتهم في انتخابات 2006 و2008[8]
فأميركا – وفقا لهؤلاء - تبدو متقلبة المزاج بوضوح مؤخرا، فقد أعطت الجمهوريين السيطرة على البيت الأبيض وعلى الكونجرس بمجلسيه في عام 2002 ونزعتها منهم خلال ست سنوات فقط، لتمنح النصر للديمقراطيين في المؤسسات الثلاثة السابقة مجتمعة في عام 2008
كما أن مشكلات أميركا الكبرى وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية قد تدفع الأميركيين لقوى كالدين والوطنية والانعزالية ومن ثم اليمين[9]
السياق الثالث: أوباما والبحث عن "وسط اليسار"
لذا تبنى أوباما نفسه - منذ البداية - أجندة مالت إلى "الوسط" أو إلى "وسط اليسار" الأميركي، وهي أجندة عبر عنها بوضوح خلال حملته الانتخابية
أجندة أوباما "الوسطية" نالت إعجاب كثير من الديمقراطيين لأنها كانت بمثابة الأمل في أن يمتلكوا "وسط" السياسة الأميركية من جديد، فالديمقراطيون أدركوا جيدا أن بقائهم في الحكم لا يتوقف على رضا قواعدهم الجماهيرية الليبرالية بقدر ما هو مرهون بالقدرة على سحب البساط من تحت أقدام الجمهوريين
لذا ظل الديمقراطيون يمنون أنفسهم بوجه ديمقراطي جديد مثل أوباما يتبنى أجندة تجمع بين اليمين واليسار[10]
وجه جديد لا يحمل إرث الماضي وصراعاته، سياسي يمكن أن يعيد الديمقراطيين إلى حزب الأغلبية من جديد، ويغير صورتهم إلى صورة الحزب الوسطي القادر على حماية أميركا وإيجاد حلول عملية لمشاكلها المختلفة
ويبدو أن أوباما كان الفارس المنتظر، فهو وجه جديد غير معروف يتبنى خطابا براقا يجمع بين تناقضات السياسة الأميركية المختلفة، وهو ليبرالي يدافع عن حقوق الشواذ ولكنه في نفس الوقت متدين لا يجد غضاضة في الحديث عن تدينه، وهو أسود من أم بيضاء يتحدث عن المصالحة العرقية، وهو معارض لحرب العراق لا يعارض الحروب في حد ذاتها[11]
الأفكار السابقة كانت رسالة أوباما منذ البداية، فرغبة أوباما "المثالية" في تخطي تناقضات السياسة الأميركية، كان بمثابة سعي حثيث وواعي لتوسيع خيمة الديمقراطيين السياسية وتمكينهم من إعادة السيطرة على وسط السياسة الأميركية من جديد[12]
السياق الرابع: الظروف الدولية والانحسار الأميركي
من المهم أيضا التذكرة بأن أوباما انتخب لحظة انحسار نفوذ أميركا الدولي كقطب العالم الأوحد،[13] وهو نفوذ قائم على دعائم ثلاثة أساسية، وهي قوة الاقتصاد والجيش الأميركيين، ثم النفوذ السياسي
والواضح هنا أن الأزمة الاقتصادية الدولية الأخيرة ألحقت ضررا بالغا بالأساس الاقتصادي للقوة الأميركية، وأسرعت بعملية انحسار النفوذ الأميركي العام بشكل غير متوقع، وذلك لأن الأزمة الاقتصادية أفقدت ثروة أميركا كدولة وشعب ترليونات الدولارات التي تبخرت مع الأزمة، وأثقلت ميزانيتها بالديون، وحدت من قدرتها على الإنفاق، وزعزعت ثقة العالم في عملتها[14]
نتيجة لما سبق تراجعت الدعامة الاقتصادية للقوة الأميركية واضطرت الدول الغربية إلى إفساح المجال أمام قوى جديدة صاعدة لقيادة العالم اقتصاديا وعلى رأسها الصين والهند والبرازيل، وتحولت قيادة النظام الاقتصادي العالمي من مجموعة الثمانية إلى مجموعة العشرين[15]
على المستوى السياسي أثبتت حروب بوش الصعوبة الكبيرة التي يواجهها الجيش الأميركي في الفوز بحروب خارج أرضه، كما كشفت أيضا عن عيوب خطيرة في التخطيط والرؤية والقدرة على خوض الحروب الطويلة
وبالطبع تضرر نفوذ أميركا السياسي إلى حد كبير نتيجة لما سبق، فقد بدت أميركا في نهاية حكم بوش سيئة السمعة والصورة جماهيريا على الأقل، كما تبدو حاليا أكثر احتياجا لدعم القوى الكبرى مثل الصين وروسيا في التعامل مع إيران وكوريا الشمالية، وأكثر اعتمادا على دول حلف الناتو في التعامل مع أفغانستان
أخطر منذ ذلك تشير استطلاعات الرأي الأميركية إلى ارتفاع غير مسبوق في نزعة العزلة الدولية لدى الشعب الأميركي لدرجة تفوق شعور الأميركيين بالعزلة والانكفاء على الداخل خلال حرب فيتنام[16]
في ظل الظروف السابقة بدت مهمة أوباما في علاج مشاكل أميركا أصعب بكثير، فعلى عكس كلينتون تولي أوباما حكم أميركا في فترة كساد وانحسار وانكسار، وبات على أوباما القيام بمهمة صعبة للغاية، فعليه الظهور بمظهر القوي في ظل موارد أقل، وعليه تحسين صورة أميركا في العالم بدون الظهور بصورة الضعيف
هذا يعني أن أوباما مقيدا في حركته، وأن عليه القبول ببعض السياسات البرجماتية التي تفرضها عليه محدودية موارد أميركا من ناحية ورغبته في الحفاظ على هيبتها ونفوها من ناحية أخرى
السياق الخامس: أسلوب صناعة القرار
في ظل السياقات الأربعة السابقة، رأي البعض أن فوز أوباما في الانتخابات كان بمثابة ثورة بلا ثوار،[17] فأوباما فاز في انتخابات حملت شعار التغيير، ولكنه سرعان ما أحاط نفسه على مستوى السياسة الخارجية بشخصيات براجماتية وواقعية إن لم تكن صقورية[18]
فنائبة جون بايدن لا يمكن أن يوصف بالثورية ولا هو وجه جديد أو من دعاة التغيير، فهو براجماتي إلى حد كبير، وجزء من المؤسسة السياسية الأميركية منذ السبعينيات
وكبير موظفي البيت الأبيض رام إيمانويل أكثر صقورية وتحزبا من بايدن حيث اشتهر بدعمه لحرب العراق وبتحزبه الواضح
كما احتفظ أوباما بوزير دفاع ولاية بوش الثانية روبرت جايتس، وأعطي وزارة الخارجية لهيلاري كلينتون المعروفة بصقوريتها
وأحاط نفسه بعدد متزايد من الصقور مثل ريتشارد هولبروك مبعوث أوباما لأفغانستان، ودينيس روس مستشار الرئيس "للمنطقة الوسطى" بمجلس الأمن القومي، والجنرال السابقة جايمس جونز كمستشار للأمن القومي الأميركي
وتبدي مقالات نشرت عن صناعة قرار السياسة الخارجية الأميركية في عهد أوباما تعجبها من هذا العدد الكبير من المستشارين والخبراء الكبار الذين أحاط بهم أوباما نفسه في مجال السياسة الخارجية، ورأي البعض أن قبول أوباما بهذا الوضع خطأ ينذر بصدام وصراع هؤلاء السياسيين مع أوباما أو مع بعضهم البعض[19]
ومع ذلك وبعد مرور عام على حكم أوباما أبدى كثيرون إعجابهم بأسلوب صناعة القرار الخارجي داخل الإدارة الأميركية، حيث رأي هؤلاء أن أوباما نجح في فرض أسلوبه على الجميع، وأن أوباما ينصت للجميع وأنه حريص على التعلم وعلى فهم القضايا المختلفة كما يفهمها مستشاروه ووزراءه الكبار[20]
ويرى هؤلاء أن أوباما نجح إلى حد كبير في صناعة السياسة الخارجية خلال عامه الأول، فلم يعرف العام الماضي صراعات تذكر بين مستشاري أوباما الكبار، كما أنه لم يعرف التسريبات إلا نادرا،[21] كما أن أوباما ظهر بشكل مستمر كصانع قرار قوي وواعي، واستطاع الحد من جموح كثير من مستشاريه الكبار مثل هيلاري كلينتون، والتي بدت مستسلمة – إلى حد كبير - في منصبها كوزيرة للخارجية
في المقابل أبدى فريق أخر استيائهم من أسلوب أوباما السابق، حيث رأى إليوت إبرامز - المسئول السابق في إدارة بوش عن ملف الديمقراطية والشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي وأحد أهم رموز المحافظين الجدد - أن أوباما أنفرد مع رام إيمانويل ومع مبعوثه لعملية السلام جورج ميتشل بصناعة السياسة الأميركية تجاه عملية السلام في العام الماضي، وبالطبع لم يكن إبرامز راضيا عن تلك السياسة ولا عن أسلوب صناعتها ولا عن دور أوباما[22]
سادسا: مبادئ أوباما
في هذا السياق تنبى أوباما سياسة خارجية مازالت في طور التشكيل، ولم تكتمل بعد جميع معالمها لقصر المدة وعدم اكتمال التطبيق،[23] وإن كان هذا لا يمنعنا من الإشارة إلى بعض أهم تلك المعالم
أولا: أوباما يؤمن باستخدام القوة أو الحرب كخيار أخير، وهو يرى أن الحرب جزء ضروري من التاريخ البشري المفتقد للكمال[24]
ولعل حرب أفغانستان هي نموذج أوباما للحرب العادلة، فهو يرى أنها فرضت على أميركا بعد 11-9، وذلك على عكس حرب العراق والتي عارضها منذ البداية[25]
ويبدو أوباما هنا متسقا مع وعوده قبل الفوز بالرئاسة الأميركية، حيث عبر عن رغبته في الانسحاب من العراق بشكل نهائي وتدريجي، كما عبر عن رغبته في تحقيق النصر في أفغانستان باعتبارها حرب أميركا الحقيقة ضد القاعدة
ثانيا: يؤمن أوباما بالعمل الدولي، فهو يهدف إلى تقوية المؤسسات الدولية المختلفة وإلى بناء التحالفات وإلى دعوة دولة العالم المختلفة إلى تحمل مسئولياتها تجاه قضايا عديدة لا تقتصر على الأمن[26]
وتظهر هنا رغبة أوباما في الحوار مع قوى كالصين وروسيا، وفي التعاون الدولي في قضايا المناخ، وفي دعمه لجهود الحد من انتشار الأسلحة النووية
ثالثا: ينادي أوباما بضرورة فتح الباب بشكل مستمر إمام الخصوم أو النظم المعارضة للسياسات الأميركية من أجل العودة إلى المجتمع الدولي، ويكون ذلك من خلال الدبلوماسية المباشرة مع النظم المعارضة وتجنب الدخول في صراعات مباشرة متعجلة معها ومن خلال السعي إلى بناء تحالفات دولية لمواجهتها ثم الضغط عليها بوسائل مختلفة كالعقوبات الاقتصادية والسياسية أولا مع عدم استبعاد الحرب كخيار بديل[27]
وتمثل إيران الخيار الأبرز في هذا السبيل، حيث يقاوم أوباما – كما يرى البعض[28] - الضغوط الرامية إلى الدفع بأميركا في مواجهة مسلحة مع إيران في الوقت الراهن، ويفضل في المقابل الدبلوماسية والردع وبناء التحالفات الدولية وفرض العقوبات تجنبا للحرب
رابعا: انطلاقا من المبدأ السابق يبدو أوباما أكثر واقعية وبرجماتية في التعامل مع قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، فهو يريد إلزام أميركا بتطبيق تلك المعايير أولا، ومطالبة الآخرين بالالتزام بها ثانيا، وترك الباب مفتوحا أمام الدول الديكتاتورية لتحسين سجلها [29]
سابعا: في نقد اليسار واليمين لسياسات أوباما
مبادئ أوباما السابقة وتطبيقاتها خلال عامه الأول لم تسلم من نقيد اليمين واليسار على حد سواء
حيث عارض اليمين الأميركي رسائل أوباما الدبلوماسية إلى إيران وتردده في دعم المعارضة الإيرانية لنتائج الانتخابات الرئاسية (يونيو 2009)، كما عارضوا توجهه الدبلوماسي وسعيه لبناء تحالف دولي ضد إيران، ورأوا في ذلك مضيعة للوقت[30]
وعلى المنوال نفسه عارضوا رفض أوباما خطط بوش السابقة لإقامة حائط صاروخي في شرق أوربا (بولندا والتشيك)، ورأوا في ذلك إضعافا لأميركا ولموقفها الإستراتيجي[31]
ورفضوا أيضا لغة أوباما الدبلوماسية نحو الصين وإحجامه عن نقد سجلها الداخلي[32]
كما رفضوا ضغط أوباما على إسرائيل ومطالبته الحكومة الإسرائيلية بوقف المستوطنات، ورأوا أنه ساهم في رفع توقعات عباس والفلسطينيين مما وضع عباس نفسه في موقف حرج، كما أنه لم يفهم طبيعة الأوضاع داخل إسرائيل وصعوبة الضغط على تحالفها الحكومي الهش[33]
وقد رأي اليمنيون في السياسات السابقة خطرا على نفوذ أميركا، وتنازلات غير مبررة، وإضعاف لصورتها في عيون العالم[34]
ورأي بعضهم أن أوباما لا يمتلك منهجا واضحا أو أيدلوجية أو خطة بعيدة المدى، وأن حديثه عن الدبلوماسية والعمل الدولي هو حديث عن أدوات يفتقر لرؤية شاملة، وأنه حديث لم يختبر بجدية خاصة في حالة إيران[35]
أما على اليسار، فقد انتقد الليبراليون أوباما لأسباب مختلفة وعلى رأسها عدم إغلاقه لمعسكر جوانتانامو، وإرساله مزيد من الجنود الأميركيين إلى أفغانستان، وإشعاله عجلة الحرب في باكستان، ولتجنبه إثارة قضايا الديمقراطية وحقوق في التعامل مع النظم الديكتاتورية حول العالم، ولأن سياسته لم ترتق لمستوى خطابه البراق وبددت أكثر حذرا وترددا[36]
ثامنا: تبريرات مؤيدو أوباما
أما مؤيدو أوباما فقد رصدوا الأسباب التالية لتأييده
أولا: أن أوباما نجح في تغيير خطاب السياسة الخارجية الأميركية إلى حد كبير، وأن النجاح الخطابي هذا هام لأنه غير صورة أميركا في عيون العالم، وغير لهجة الخطاب السياسي داخل واشنطن ومال كثيرا إلى الجانب الدبلوماسي والدولي، كما ترك تبعات سياسية يصعب إنكارها خاصة على صعيد خفض حدة التنافس والصراع مع قوى كروسيا والصين[37]
ثانيا: أوباما واجه ضغوطا كثيرا للتشدد في سياسته ضد روسيا والصين وإيران، وأن أوباما نجح في مواجهة تلك الضغوط ورفض الدفع في بلاده في مواجهات أخرى وخاصة في مواجهة عسكرية ضد إيران[38]
ثالثا: أوباما يصنع قراره الخارجي بحكمة وتريث ويصبر ويستمع للآخرين كما يبحث عن طرق وسط،[39] ويضرب هؤلاء بقرار إرسال مزيد من القوات الأميركية إلى أفغانستان نموذجا على الأسلوب الجديد لصناعة السياسة الخارجية الأميركية في عهد أوباما، حيث استغرق أوباما فترة طويلة في اتخاذ القرار، وحرص على سماع أراء مختلف مستشاريه، ورفض الضغوط المفروضة عليه من قبل الجمهوريين لاتخاذ قرار سريع ومتشدد[40]
رابعا: يرى مؤيدو أوباما أن الظروف الدولية لم تسعفه، فعلى سبيل المثال تبدو الظروف بالشرق الأوسط أكثر تعقيدا واستعصاء، فالفلسطينيون منقسمون بشكل غير مسبوق، وكذلك الإسرائيليون، مما يترك أميركا بلا شريك قوي قادر على اتخاذ قرارات سياسية جريئة تدفع عملية السلام إلى الأمام
خامسا: يذكر مؤيدو أوباما خصومه بإرثه الثقيل، فهو لم يبدأ حربي أفغانستان والعراق وإنما ورثهما، كما أنه ورث سياسة خارجية مثقلة بالديون وبأعباء الأزمة الاقتصادية في الداخل والخارج، مما يعني أن اللحظة التاريخية لم تكن مواتية لتغيير كبير في سياسة أميركا[41]
سادسا: يؤكد مساندو أوباما على فكرة أن للسياسات الأميركية تبعات، فالانسحاب الفوري من العراق – والذي يرفضه أوباما – قد يؤدي إلى انهيار النظام السياسي العراقي الهش، والحال نفسه ينطبق على أفغانستان والتي تجاور بلد نووي يعاني هو الأخر من عدم الاستقرار السياسي[42]
خاتمة: حدود وسطية أوباما
بقى لنا أن نركز على عدد من الدروس الأساسية المستفادة من تحليلنا السابق
أولا: يجب النظر إلى أوباما كرئيس ساعي لحلول وسط ترضي اليمين واليسار الأميركيين، وهي حلول مفروضة على أوباما لاعتبارات أو قيود داخلية وخارجية عديدة يصعب التخلص منها، كما أنها لن ترضي الجميع، وإن يتوقع لها أن تكون أقل صقورية من سياسات اليمين الأميركي، وأقل مثالية من سياسات اليسار[43]
ثانيا: وسطية أوباما هذا لا تعني عدم ارتكابه لأخطاء وتغليبه الواقعي على المثالي، ولعل تراجعه أمام إسرائيل فيما يتعلق بالمستوطنات، واعترافه بهذا التراجع وقوله أنه لم يكن يدري حجم الصعوبات الخاصة بعمليه السلام، وأنه لم يكن "ليرفع التوقعات" لو علم بحجم "المشاكل السياسية على الطرفين"،[44] مثالا على تغليب أوباما للاعتبارات البرجماتية الواقعية قصيرة النظر على التغيير الجذري بعيد النظر
ثالثا: السعي إلى الوسطية عملية صعبة للغاية، فهي عمليه تدريجية طويلة تنذر بنفاذ صبر المعارضين والمؤيدين على حد سواء[45]
كما أن السياسة الأميركية لا تعرف وسطا واحدا، فالوسطية بين اليسار واليمين الأميركيين ليست نقطة واحدة واضحة للجميع يسهل الوصول إليها، فهي على العكس مساحة متحركة يصعب الإمساك بها، وهذا يعني أن أوباما في مساعيه للوسطية قد يتحرك يمينا أكثر من اللازم كما فعل بيل كلينتون قبله، وهو سيناريو خطير يجب الحذر منه ومراقبته[46]
خاصة أن أمام أوباما تحديات سياسة ضخمة وعلى رأسها التعامل مع إيران وعلاقته بقوى كروسيا والصين وإمكانية فشل الحرب الأميركية في باكستان وأفغانستان وتدهور الأوضاع هناك، وهي ملفات صعبة قد تنذر بفشل الدبلوماسية الأوباماوية وتبني أوباما مواقف أكثر تشددا[47]
رابعا: خطاب أوباما يحتوي على قدر كبير من المثالية والأخلاقية وسياساته لا تخلو من قدر كبير من الواقعية والبرجماتية، والخطر هو أن يستمر أوباما في تقديم تبريرات أخلاقية ومثالية لسياساته المختلفة حتى لو انزلقت نحو اليمين أو نحو التشدد والصقورية[48]
[1] Thomas B. Edsall, “The Implosion Of the Democrats; And Why Prospects for a Party Revival Are Bleak,” The Washington Post, 20 Nov 1994, C3.
Daniel Larison, “Battling Over What's Left,” American Conservative, 18 June 2007, Vol. 6, No. 12, 16.
[2] Norman Podhoretz, “Life of His Party; How Bill Clinton saved the Democrats,” National Review, 13 Sept 1999, Vol. LI, No. 8.
[3] Thomas B. Edsall, “Show of Party Unity Masks Scars of Ideological Battle; Center Wins Day in Democrats' Tug of War,” The Washington Post, 13 July 1992, A1.
Kurt Shillinger, “Democrats' Bugbear: Who Are We, Anyway?,” Christian Science Monitor, 26 August 1996, 1.
[4] Leon Hadar, “Symbolic Bow to a New Geo-Political Balance; Obama's Conciliatory Stance is Part of an Effort to Adjust American Position in the Asia-Pac,” The Business Times Singapore, 24 Nov 2009.
[5] Peter Beinart, “A Fighting Faith,” The New Republic, 13 Dec 2004, 17.
Larison, “Battling Over What's Left.”
[6] Jeffrey Kuhner, “A Decade of Decline” The Washington Times, 1 Jan 2010.
Christopher Layne and Benjamin Schwarz, “After the Pax,” Los Angeles Times, 29 Sept 2009, 25.
Timothy Garton Ash, “Obama's Beijing Balancing Act Points to the New Challenge for the West,” The Guardian, 19 Nov 2009, 31.
[7] Michael Lind, “A warning for Democrats?,” Salon.com, 9 June 2009.
[8] Michael Lind, “A warning for Democrats?.”
[9] Michael Lind, “A warning for Democrats?.”
[10] Ken Brociner, “The Left's Identity Crisis,” In These Times, Nov 2007, 38.
[11] Sullivan, “The new face of America.”
E. J. Dionne Jr., “Obama’s Eloquent Faith,” The Washington Post, 30 June 2006.
Jonathan Chait, “Obama Nation: Liberating Democrats from the Clinton’s Siege Mentality,” The New Republic, 13 Feb 2008.
[12] E.J. Dionne, “Obama's Centre-Left Two-Step; The President's Goal is to Create a Durable Coalition that Excludes Only the Far Right,” The Toronto Star, 26 May 2009, A23.
[13] Andrew Sullivan, “America Wakes up to the Shift in Global Power,” The Sunday Times (London), 6 Dec 2009, 21.
[14] Peter Goodspeed, “Future Shock; America's Pre-Eminence in World Affairs Fading,” National Post (Canada), 26 Dec 2009, A18.
Christopher and Schwarz, “After the Pax.”
[15] Clark Campbell, “Rich Nations Give India and China More Sway in IMF,” The Globe and Mail (Canada), 26 September 2009, A19.
[16] Andrew Sullivan, “America Wakes up.”
[17] Horace G Campbell, “Obama and the Revolutionary Moment without Revolutionaries: Reflections on the Electoral Victory of Barack Hussein Obama,” The Tennessee Tribune, 22-28 Jan 2009, A5 Vol. 20 No. 4.
[18] Paul Richter, “No Sure Things for Obama Advisors; The President Fills out his Foreign Policy Team Largely with Centrists, Overlooking Many Liberal Loyalists,” Los Angeles Times, 11 Feb 2009, A14.
E. J. Dionne Jr., “Obama's Bush Doctrine,” The Washington Post, 28 Nov 2008, A29.
[19] Doyle McManus, “Reality and a Team of Rivals, “Los Angeles Times,” 26 July 2009, A33.
Jon Ward, “An 'Empire of Envoys'; Policy Patchwork Confusing, Unclear,” The Washington Times, 25 August 2009.
[20] Michael Crowley, “The Decider: Who Runs U.S. Foreign Policy?,” The New Republic, 12 August 2009, 24.
[21] Doyle McManus,” Reality and a Team of Rivals.”
[22] Elliott Abrams, “All Process, No Peace: The Obama Administration Needs to Press the Reset Button on Its Middle East Diplomacy,” The Weekly Standard, 25 Jan 2010, Vol. 15, No. 18.
[23] David E. Sanger, “Obama Embraces 'Just war' Belief; Over 11 Months, Policy has Evolved and Taken on a Much Harder Edge,” The International Herald Tribune, 12 Dec 2009.
[24] David Brooks, “Obama’s Foreign Policy: A Cold War Liberal Hones His Doctrine,” The Oregonian, 16 Dec 2009.
E. J. Dionne Jr., “Obama's Bush Doctrine”.
[25] David E. Sanger, “Obama Embraces 'Just war' Belief.”
[26] David Ignatius, “Testing Obama's Doctrine; Lofty Ideals and Afghan Reality,” The Washington Post, 8 Oct 2009, A29.
Michael Gerson, “Death of a Doctrine; Obama Discovers Engagement's Limits,” The Washington Post, 29 July 2009, A17.
[27] Scott Wilson, “Shared Interests Define Obama's World; In Engaging Adversaries, The President Sometimes Unsettles Allies,” The Washington Post, 2 Nov 2009.
Doyle McManus, “The Obama Doctrine Takes Shape,” Guelph Mercury (Ontario, Canada), 15 Dec 2009, A11.
[28] Talk of the Nation, “Brzezinski Assesses Obama's Foreign,” National Public Radio (NPR), 14 Dec 2009.
[29] Barack Obama, “Remarks by the President at the Acceptance of the Nobel Peace Prize,” 10 Dec 2009, http://www.whitehouse.gov/the-press-office/remarks-president-acceptance-nobel-peace-prize.
[30] Michael Gerson, “Death of a Doctrine.”
[31] Jim Inhofe, “Obama's 'You're on Your Own' Foreign Policy,” The Washington Examiner, 23 Sept 2009.
Frank J. Gaffney Jr., “The Obama Doctrine; Capitulation Sugarcoated With Smart Words,” The Washington Times, 23 Sept 2009, A19.
[32] John Pomfret, “U.S. Hopes to Strengthen Ties.”
Timothy Garton Ash, “Obama's Beijing balancing act.”
[33] Frank J. Gaffney Jr., “The Obama Doctrine.”
Elliott Abrams, “All Process, No Peace.”
[34] Scott Wilson, “Shared Interests Define Obama's World.
[35] David Ignatius, “Testing Obama's Doctrine.”
[36] Leon Hadar, “Symbolic Bow to a New Geo-Political Balance.”
[37] Talk of the Nation, “Brzezinski Assesses Obama's Foreign.”
Doyle McManus, “Reality and a Team of Rivals.”
[38] Talk of the Nation, “Brzezinski Assesses Obama's Foreign.”
[39] Michael Crowley, “The Decider.”
[40] Michael Crowley, “The Decider.”
[41] Michael O'Hanlon, “Four Global Crisis Spots; American Decisions Shape Security,” The Washington Times, 5 Jan 2010.
Talk of the Nation, “Brzezinski Assesses Obama's Foreign.”
Andrew Sullivan, “America Wakes up.”
[42] Talk of the Nation, “Brzezinski Assesses Obama's Foreign.”
[43] Matt Miller, “Obama Wants to Move the Center Left: The President’s Liberal Critics Miss the Bigger Picture,” The Wall Street Journal, 24 Feb 2009.
[44] Amy Teibel, “US Envoy Starts Mideast Tour Amid Obama Pessimism,” The Associated Press, 22 Jan 2010.
[45] E.J. Dionne, “Obama's Centre-Left Two-Step.”
[46] Leon Hadar, “Symbolic Bow to a New Geo-Political Balance.”
[47] David E. Sanger, “Obama Embraces 'Just war' Belief.”
Doyle McManus, “The Obama Doctrine Takes Shape.”
[48] E.J. Dionne, “Obama's Centre-Left Two-Step.”