عبد الموجود درديري قائد
جماهيري مصري بمواصفات عالمية
الثورات تأتي بأخبار جديدة كل يوم، بعض
تلك الأخبار سعيد ومبشر، ومنها ما قرأته مؤخرا عن خوض الدكتور عبد الموجود درديري –
الأستاذ بجامعة جنوب الوادي المصرية - انتخابات مجلس الشعب المصري عن محافظة
الأقصر مرشحا من قبل حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين
المصرية.
بغض النظر عن انتماءات د. درديري
الحزبية أو توجهاته الأيدلوجية، والتي قد تؤثر على فرص انتخابه وعلى موقف المصريين
من حملته، لابد وأن يسعد أي إنسان موضوعي بترشح أمثال الدكتور درديري لعضوية
البرلمان المصري، وأن يشكر الثورة المصرية والثوار والظروف والأحزاب التي أتاحت
الفرصة أمام د. درديري وأمثاله لتصدر العمل السياسي والعام في مصر في فترة ما بعد
الثورة المصرية – فترة بناء مصر الجديدة.
فالرجل يعد باختصار نموذجا للمصريين الذين
يجب الافتخار والاحتفال بهم لما يملكونه من قدرات فطرية في مجال القيادة
الجماهيرية والذين طوعوا تلك القدرات على مدى زمني طويل في خدمة قضاياهم أوطانهم
انطلاقا من قناعات فكرية أصلية ومثالية إلى حد كبير.
عرفت د. درديري لمدة عامين خلال الفترة من
عام 1998 إلى عام 2000 في مدينة بتسبرج بولاية بنسلفانيا الأميركية خلال دراستي
بإحدى جامعات المدينة للحصول على شهادة الماجستير، وهي فترة أتاحت لي متابعة د. درديري عن قرب والتعلم
منه والاستفادة كثيرا من خبراته، لأتذكر دوما - منذ ذلك الحين وحتى الآن - القدرات
الهائلة التي يتمتع بها د. درديري في مجالين من أهم مجالات ومهارات العمل السياسي
على الإطلاق، وهما القيادة الجماهيرية والتواصل السياسي.
ومرت السنوات وانقطع اتصالي بدكتور
درديري، فلم أره منذ ذلك الحين، ولم أتحدث معه إلا مرتين على الهاتف كان أخرها منذ
ثلاثة سنوات تقريبا، وربما أتاحت أدوات التواصل الاجتماعي – كالفايس بوك - فرصة
متابعة أخبار د. درديري من بعيد، لأننا أصدقاء على الفايس بوك ومن خلاله علمت بخوض د. درديري الانتخابات.
ورغم بعد المسافة والسنوات وتعدد
الخبرات بقى دكتور درديري في ذاكرتي في مكان محفوظ لأنه ببساطة كان تطبيق عملي
مبكر لأحد فروع المعرفة السياسية والعمل العام التي شاء القدر أن أتباعها عن قرب
من خلال القراءة والعمل لسنوات طويلة.
فقد أتاحت لي الظروف متابعة عدد كبير
من الحملات الانتخابية الأميركية والقادة الجماهيريين والإعلاميين والسياسيين
الأميركيين والعرب في أميركا والشرق الأوسط على حد سواء، ومتابعة كيف يكتبون
ويتحدثون للجماهير والإعلام (وخاصة الأجنبي الإنجليزي منه)، والقدرات التي يتمتعون
بها وتساعدهم على ذلك وهي مهارات صعبة بعضها فطري وتحتاج سنوات لثقلها.
تابعت بحرص تلك المهارة الهامة
المتعلقة بالقدرة على التواصل مع الجماهير والإعلام، وهي مهارة هائلة ونادرة في
بلادنا يحتفل بها الأميركيون كثيرا كلما وجدوها في سياسي – صغر أو كبر - من
أبنائهم، وهم من تفوقوا في فنون الدعاية والإعلان والحملات السياسية.
لذا كنت دائما أشعر بأن علينا أن نحتفل
بقياداتنا من أصحاب تلك المهارات، ومن استطاعوا تطويرها وتطويعها لخدمة قضايانا،
وأن ننزلهم مكانهم الصحيح، وساعتها كنت دائما أتذكر د. درديري.
تابعت د. درديري عن قرب لمدة عامين في
الغربة وفي السفر وفي بلد غربي أجنبي هو أميركا، وفي مدينة معبئة بالحضارة والتاريخ
والثقافة والتفاعل بين الأديان والثقافات، وهي مدينة بتسبرج التي كانت تزخر
بمجتمعات متعددة الأديان ذات تاريخ محلي وبحركة متدفقة من الطلاب والزوار
الوافدين، وهناك رأيت قدرات د. درديري في احتضان الشباب والمهاجرين الجدد وفي
التواصل مع الأميركيين من جميع الأديان والفئات ومع السياسيين الأميركيين المحليين.
في تلك الأثناء كان د. درديري أحد
القادة الجماهيريين العرب المحليين الذين يحسب لهم ألف حساب في أوساط العرب
والأميركيين على حد سواء، فالرجل كان شعلة من النشاط وترأس لجان محلية للعرب
والمسلمين في المدينة ولعب دائما دورا أساسيا كجسر وحلقة وصل بينهم وبين الجماعات
الأميركية المحيطة بهم.
كما كان في مقدمة العرب المتفاعلين مع
المجتمع الأميركي والداعين للإيجابية والنشاط وللحوار والمشاركة السياسية وتعلم
الحياة والسياسة الأميركية لبناء الجسور والدفاع عن الحقوق وتوضيح الصورة وبناء
قوى العرب والمسلمين ومؤسساتهم في المجتمع الأميركي.
وأهم ما ميز د. درديري كان دائما خطابه
الذي نجح دائما في تجنب الصدام وفي تحويل الخلاف إلى نقطة للتعارف وفي حض المهاجر
الجديد الذي وطئت قدماه أميركا منذ عدة شهور على الإيجابية وعلى أن ينفض ما علق به
من خبرات ثقافية أو سياسية سلبية سابقة عن الغرب وأن يتحول في المقابل إلى سفير
متعلم وناضج لبلاده في بتسبرج.
وقد ساعد د. درديري على لعب أدواره
السابقة قدراته وإمكاناته الفردية الهائلة في مجال التواصل السياسي، فالرجل هادئ
دائما لا يتسلل الغضب إلى نفسه أو وجهه، يعمل بجد ولا يشتكي وكأنه يغرف من نهر
طاقة وهدوء متدفقين، وهو من هؤلاء الأشخاص الذين إذا تحدثت معهم نقلوا إليك شعور غريب
بالحماس والطاقة والرغبة في العمل والحركة الإيجابية.
د. درديري أيضا خطيب مفوه من نوعه خاص،
نوع أميركي الصناعة إذا صح وأمكن التعبير، فالرجل يجيد الانجليزية بطلاقة، ويجيد
الحديث إلى أعداد غفيرة من الجماهير بكل طلاقة وهدوء، ويجيد أيضا الحديث من داخل
الثقافات المختلفة، بمعني أخر درديري يفهم الثقافة العربية جيدا، ويفهم الثقافة
الغربية بعمق فهي إحدى تخصاصاته العلمية والأكاديمية، لذا عندما يتحدث إلى العرب
يتحدث إليهم من داخل ثقافتهم، وعندما يتحدث مع الأميركيين يتحدث كواحد منهم، وهي
مهارات لم أراها إلا في عدد قليل جدا من العرب الذين ينبغي أن نحتفل بهم وندعمهم
في ظل حالة الانفصال والصدام الحضاريين التي نعاني منها جميعا في الفترة الحالية.
درديري مقل في كتاباته، ويبدو أنه لا
يميل إلى الكتابة بغزارة – كما يظهر لي منى بعيد، وهذه ميزة وعيب، عيب لأننا لا
نتابع كثيرا من أخباره وأفكاره كحال الصحفيين والكتاب الذين يجيدون فن المقال
والكتابة، لذا قد لا يمتلك شهرة بعض الكتاب المعروفين، وهي ميزة لأنني - وبعد
متابعة عدد كبير من السياسيين والكتاب والإعلاميين - أدركت أن هناك فئة حيوية من
المثقفين بأي مجتمع تجد طاقتها ولذتها وإنتاجها الرئيسي في الحديث مع الناس وفي
توجيههم وفي العيش وسطهم.
بمعني أخر د. درديري - كما أتذكره -
قائد سياسي بالفطرة، ونوع نادر من السياسيين الجماهيريين، ومتحدث إعلامي يمتلك
مؤهلات نادرة في الحديث للإعلام الأجنبي (الإنجليزي) أكثر من العربي - كما أتصور.
وحتى أكون أمينا في شهادتي عن د.
درديري لأبد وأن أذكر القارئ – بما ذكرت في بداية المقال – وهو أن أخبار د. درديري انقطعت
عني منذ أكثر من عقد من الزمن، وأنه لم تتاح لي فرصة اللقاء معه في مصر أو خارجها
منذ ذلك الحين، ولم أتمكن من رؤيته وهو يتحدث للمصريين أو لأبناء الأقصر ومدنها
وقراها، ولا أعرف إذا كان قد تمكن في تطوير خطابه الذي كان يركز على الحوار بين
الأديان والحضارات إلى خطاب سياسي يركز على علاج قضايا المصريين وأبناء الأقصر
وفقراءها وعمالها وشبابها.
ولا أعرف إذا كان قد ركز
بما يكفي على دراسة السياسات المصرية وعلى احتياجات المصريين الأساسية من اقتصاد
وأمن ونظام سياسي جديد، وهي قضايا لابد وأن تشغل الناخب في الأقصر وتؤثر على
قراراه، ولا أعرف أيضا إمكاناته المادية، وقدرته على تنظيم حملة سياسية ناجحة
بالمعايير المصرية (والتي أعرف عنها القليل للغاية بحجم بعد المكان والزمان والخبرات
مع تعدد سنوات السفر).
لكني مازلت أقدر - كل تقدير - مهارات
د. درديري، وأعتقد أنه مدرسة بشرية متنقلة يجب التعلم منها فنون ومهارات التواصل
الجماهيري والحوار بين الثقافات الكبرى، وأعتقد أيضا أنه رجل يحب الناس ويحب العيش
وسطهم، ورأيت بعيني كيف تمسك بجذوره المصرية والعربية والصعيدية الأصيلة وهو خارج
مصر بعيد عنها وقد انقطعت روابطه المادية بمصر، فتمسك بمصر كقيمة وفكرة في قلبه
وعقله، في حين اختار غيره الذوبان في المحيط الأميركي ونسيان بلاده وخلفيته وأهله.
سمعت أيضا أن د. درديري الذي سافر إلى
أميركا للدراسة منذ ربع قرن تقريبا تردد على مصر كثيرا خلال العقد الأخير، وأنه
أقام في مصر لفترات طويلة ودرس في جامعاتها وعلم طلابها، وأنه استمر في التنقل بين
مصر وأميركا، وهي بدون شك خبرات هامة لابد وأن تكون قد أثقلت خبراته الكبيرة،
وأتمنى أن يكون قد تمكن بقدراته الجماهيرية الهائلة من خدمة أبناء الأقصر خلال
العقد الأخير كما جمع حوله كثير من المصريين والعرب في بتسبرج لسنوات.
أخيرا، أتمنى لدكتور درديري كل نجاح
كإنسان وكقائد جماهيري نحتاج أمثاله، وهذا ليس دعم مني لدرديري السياسي مرشح حزب
معين يخوض حملة انتخابية ضد مرشحين منافسين، ولكنه تقدير مني لدرديري الإنسان
والقائد الجماهيري القدير، ولو كنت من حزبه لاستفدت كثيرا من قدراته في الحديث إلى
الإعلام الدولي خاصة وأن بلادنا في أمس الحاجة لمن يعبر تعبيرا هادئا وصحيحا
ومبدعا عن قضاياها في الفترة الحالية، وأتمنى لو فاز في الانتخابات وأصبح عضوا
بالبرلمان أن يهتم بقضية صورة بلادنا ودبلوماسيتها وتعليم أجيالها الجديدة خاصة
وأنه عمل كجسر إنساني بين الثقافات لعقدين أو أكثر من الزمان.
مقال بقلم: علاء
بيومي