مسلمو أمريكا بعد أربع سنوات على 11/9
بقلم: علاء بيومي
الناشر: جريدة الوطن الكويتية، 10 سبتمبر 2005
نص المقال
لو حاولنا أن نلخص - في كلمات قليلة - تبعات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 – في ذكراها السنوية الرابعة - على مسلمي أمريكا لقلنا أن 11/9 لم تتمكن من وقف مسيرة مسلمي أمريكا الكفاحية الطويلة نحو الاندماج الإيجابي في المجتمع الأمريكي
فعندما ننظر لمسلمي أمريكا - بعد مرور أربع سنوات طويلة وصعبة تخللتها أحداث هزت العالم عامة والمجتمعات الغربية خاصة كحرب العراق وتفجيرات لندن ومدريد – نجد أنفسنا أمام أقلية أمريكية رفضت الاستسلام للضغوط السلبية العديدة المحيطة بها
نجد أنفسنا أمام أقلية مسلمة أمريكية أكدت بشكل متكرر لا يترك مجالا للشك إصرارها على استكمال مسيرتها نحو الاندماج الإيجابي في المجتمع الأمريكي، اندماج يحفظ لها هويتها الدينية ويساعدها على الاستفادة من كل ما توصلت إليه الحضارة الأمريكية من تقدم على كافة المستويات
أقلية حاولت أقصى طاقاتها استخدام ما يتوافر لها من موارد سياسية وإعلامية وتنظيمية محدودة نسبيا لإيصال موقفها الرافض للعزلة والتهميش للمجتمعين الأمريكي والدولي
حيث وقفت الغالبية الكاسحة من المسلمين الأمريكيين – سبعة ملايين نسمة ممثلين من خلال أكثر من 2500 مؤسسة مدنية متنوعة – خلال السنوات الأربعة الأخيرة موقفا صريحا ضد الإرهاب والعنصرية والتمييز والحرب وضد التأليب الديني والعنصري، ومع التعددية والتسامح والحريات والسلام والأمن داخل الولايات المتحدة وعبر العالم، وعبرت عن موقفها هذا بسيل لا يحصى من البيانات الرسمية والأنشطة الجماهيرية والمبادرات الإعلامية والسياسية والقانونية
فالخطاب السائد في أوساط مسلمي أمريكا اليوم وبعد أربع سنوات صعبة وطويلة هو خطاب اندماجي يرفض العزلة والانكفاء على الذات، كما يرفض الذوبان والتنازل عن الهوية والمصالح المسلمة
خطاب يطالب مسلمي أمريكا بتحدي أنفسهم والظروف المحيطة وبتخطي الفترة الحالية الصعبة، بل ويطالب المسلمين الأمريكيين بعدم الاكتفاء بمواجهة التحديات العديدة الخطيرة التي تهددهم وتهدد أوضاعهم وتخطيها للدفاع عن القضايا التي تمس مصالح وحياة المواطن الأمريكي بشكل عام
لذا يندر - وربما يستحيل العثور - على منظمة أو تجمع مسلم أمريكي معروف وذي مصداقية داخل أوساط مسلمي أمريكا خرج عن الخطاب السابق
الحقائق السابقة أكدتها الإحصاءات العلمية القليلة التي أجريت عن توجهات مسلمي أمريكا نحو الاندماج بالمجتمع الأمريكي قبل أحداث سبتمبر – كمشروع دراسة توجهات قادة المساجد بالولايات المتحدة والذي أشرف عليه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في أوائل عام 2001 – أو بعد أحداث سبتمبر – كالإحصاءات التي أصدرها مشروع المسلمين الأمريكيين في الساحات العامة والذي تشرف عليه جامعة جورج تاون الأمريكية العريقة
حيث أكدت الدراسات السابقة بشكل متكرر أن مسلمي أمريكا يجمعون بمعدلات تفوق نسبة 90% على ضرورة الانخراط الإيجابي في المجتمع الأمريكي من خلال المشاركة في شتى مؤسساته المدنية والسياسية، ومن خلال السعي للبحث عن – والبناء على - نقاط التقارب الثقافي والحضاري بين الإسلام والحضارة الأمريكية الغربية
ولو حاولنا تفسير هذه الظاهرة وموقف المسلمين الأمريكيين الرافض للعزلة والتهميش على الرغم من كل الضغوط التي قد تدفعهم في ذلك الاتجاه السلبي لوجب علينا الإشادة بمجموعتين رئيسيتين من العوامل أسهمتا في ذلك، المجموعة الأولى داخلية ترتبط بخصائص مسلمي أمريكا أنفسهم والمجموعة الثانية ترتبط بخصائص المجتمع الأمريكي ذاته
فالواضح أن قوانين الهجرة الأمريكية - والتي تعد أداة هامة في يد الحكومة الأمريكية لاستقدام الخبرات العلمية التي يفتقد لها سوق العمل الأمريكي من شتى أنحاء العالم - استقدمت لأمريكا خلال العقود الخمسة الماضية موجات متدفقة من المهاجرين المسلمين من أصحاب الخبرات العلمية والأكاديمية المرتفعة، وهو أمر أثرى المجتمع المسلم الأمريكي بشكل فريد
لذا عندما ننظر للأقلية المسلمة الأمريكية اليوم نجد أنفسنا أمام أقلية ناشئة تمتلك مقومات نهضة عديدة على رأسها ارتفاع المستوى التعليمي والثقافي لغالبية أعضائها
أضف إلى ذلك دور عدد يصعب إحصاءه من القيادات المسلمة التي ضحت بجهدها وبأموالها وراحة بالها من أجل العمل على بناء مؤسسات المسلمين بالولايات المتحدة، وبغض النظر عن أي نقائص قد تعتري هذه القيادات بحكم كونها أجيال مؤسسة لمنظمات المسلمين في أمريكا يعتريها ما يعتري الآباء المؤسسين لأي كيان اجتماعي من عيوب كقلة الخبرة وضعف التنظيم إلا أن التاريخ لا بد وأن يسجل لهذا الجيل دوره الريادي التأسيسي والذي لولاه لما تمكن المسلمون الأمريكيون من الوصول إلى أي وضع متقدم قد يحتلونه في المجتمع الأمريكي في الفترة الحالية أو في المستقبل
السبب الثالث لقوة مسلمي أمريكا الداخلية هو الجنود المجهولون بأي مجتمع والمسئولون كل نجاح كبير يحدث له وعن كل جيل مسلم أمريكي جديد متفوق ناجح، وذلك دون أن يعرفهم أحد ودون أن تسجل كتب التاريخ أسمائهم، وتضم هذه الفئة كل أم مسلمة أو أب مسلم حرصوا على تنشئة أولادهم تنشئة علمية ودينية وعملية ناجحة في ظروف المجتمع الأمريكي المليئة بالتحديات للشباب المسلم الناشئ، وكل مسلم أو مسلمة مجد في علمه يقود بالمثال الإيجابي وليس بمجرد الحديث، وكل من على شاكلة هؤلاء
السبب الرابع - وليس الأخير – هو طبيعة الاندماج الذي يسعى المسلمون الأمريكيون إلى تحقيقه، فالتيار العام المعبر عن مسلمي أمريكا ومنظماتهم يؤمن وينادي بالاندماج الإيجابي الذي يحفظ لمسلمي أمريكا هويتهم ويدفعهم في ذات الوقت إلى الانخراط بكل طاقتهم في شتى مؤسسات وقضايا المجتمع الأمريكي، حيث يرفض هذا التيار وجود تناقض بين إمكانية أن يكون الفرد مسلما حريصا على دينه وعلى قضايا أمته الإسلامية وأمريكيا محبا لوطنه ومدافعا عن قضاياه ومصالحه الحقيقية في آن واحد
وجود وانتشار هذا الفكر الوسطي الإيجابي في أوساط مسلمي أمريكا مثل أقوى درع لحماية المجتمع المسلم الأمريكي أمام محاولات تهميشه وعزله القادمة من داخلة أو من خارجه
المجموعة الثانية من الأسباب التي ساعدت مسلمي أمريكا على رفض القوى الساعية لعزلهم تعود للمجتمع الأمريكي ذاته، ذلك المجتمع الذي وصل خلال فترة قصيرة من الزمن إلى مستوى حضاري وإنساني ريادي
فمسلمو أمريكا يستفيدون اليوم بثمار تجارب كفاح خاضتها جماعات أمريكية عديدة – نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر حركة الحقوق المدنية وجماعات السلام والأقليات الأمريكية الدينية والعرقية الأقدم والعديد من الجماعات الليبرالية المختلفة - الجماعات السابقة خاضت على مدى التاريخ الأمريكي معارك عديدة لتصل بالمجتمع الأمريكي للمستوى الذي وصل إليه اليوم من التحضر والقبول بالآخر واحترام الحقوق والحريات المدنية
ولولا كفاح هذه الجماعات والتغيرات التي أدخلتها على المجتمع لكان وضع المسلمين في أمريكا اليوم - وبعد مرور أربع سنوات على أزمة بحجم محنة الحادي عشر من سبتمبر - مختلف لدرجة بعيدة
أضف إلى ذلك حقيقة هامة يشار إليها تكرارا عند الحديث عن خبرة اندماج الأقليات الدينية الأمريكية، وهي تتعلق بالفصل الأمريكي للدين عن الدولة، وهو فصل أدى – كما يرى عديد من المؤرخين – إلى تقوية الدين في الولايات المتحدة لا إضعافه
فعدم تدخل الدولة الأمريكية في أمور الدين أدى إلى تقوية المؤسسات والتجمعات الدينية بشكل غير مسبوق لأنه أعطي هذه الهيئات كل الحرية للعمل والحركة داخل المجتمع المدني الأمريكي، كما أنه دفع المؤسسات الدينية للاعتماد على الذات وعدم الاتكال على دولة تحميها وتدعمها
وقد أدى هذا إلى تقوية المؤسسات الدينية الأمريكية المختلفة بعد أن علمها الاعتماد على النفس، وبدون شك استفاد المسلمون الأمريكيون من هذه الخبرة، فلدى المسلمون الأمريكيون اليوم أكثر من 2500 مؤسسة مدنية مستقلة تكافح من أجل البقاء واجتذاب الأعضاء والنمو معتمدة على الذات
بقى لنا أن نشير إلى أن خبرة مسلمي أمريكا نحو الاندماج الإيجابي بالمجتمع الأمريكي لا تمر بدون تحديات، يأتي على رأسها تحديان رئيسيان، التحدي الأول خارجي قادم من القوى العنصرية الواقفة خلف حوادث الاعتداء على حقوق وحريات مسلمي أمريكا ومساعي تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وهي قوى مازالت في صعود خلال السنوات الأخيرة مستفيدة من عوامل عدة قد ترتبط أو لا ترتبط بالصراعات الدولية الراهنة
ويكفي أن هنا أن نشير إلى أن الإحصاءات الخاصة بحقوق مسلمي أمريكا المدنية تؤكد زيادة حوادث التمييز ضد مسلمي أمريكا بنسبة 400% خلال الفترة 2001-2004 وفقا للتقارير السنوية الصادرة عن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)
كما تشير الاستطلاعات الخاصة بموقف الرأي العام الأمريكي تجاه الإسلام إلى أن 40% من الشعب الأمريكي ينظرون نظرة عامة سلبية تجاه الدين الإسلامي وهي بدون شك نسبة مرتفعة على الرغم من تحسن نظرة الأمريكيين للإسلام خلال العامين الماضيين كما تشير أحدث الإحصاءات الخاصة بذلك
الأمر الذي يشير إلى حجم التحدي الكبير الذي ينبغي على المسلمين الأمريكيين مواجهته
التحدي الثاني هو حقيقة أن مسلمي أمريكا لم يترجموا حتى الآن رغبتهم العارمة في المشاركة في مؤسسات المجتمع الأمريكي المدنية والسياسية إلى مستوى عالي من المشاركة الفعلية، فالرغبة في المشاركة قائمة والعزلة مرفوضة بالإجماع
ولكن المشاركة الفعلية والتواجد بالمراكز القيادية داخل مؤسسات المجتمع الأمريكي لم تتحقق بالشكل المناسب حتى الآن، خاصة أن المشاركة المناسبة لن يتحقق إلا بوجود جيل كامل من القيادات المسلمة الأمريكية الناشطة في مختلف مؤسسات المجتمع الأمريكي وعلى كافة المستويات
وقد تحدث طفرات وتجد هذا المسلم الأمريكي أو ذاك في موقع قيادي سياسي أو إعلامي أو مدني ما، ولكن نجاح هذا الفرد لا ولن يعد علامة على وصول مسلمي أمريكا لمستوى المشاركة التي يرغبون في الوصول إليها
فهذا الأمر يحتاج – كما أشرنا من قبل – لجيل كامل من القيادات المسلمة المؤهلة والناجحة، وهو ما يعني أن طريق المسلمين الأمريكيين نحو الاندماج الإيجابي في المجتمع الأمريكي هو طريق كفاحي طويل كما ذكرنا في مقدمة هذا المقال