صورة إسرائيل لدى الرأي العام الأمريكي منذ 11/9
نص المقال
يسعى المقال الراهن إلى البرهنة على حجة تنادي بأنه على الرغم من التأييد الذي تتمتع به إسرائيل في أوساط النخب الأميركية الحاكمة فإن صورة إسرائيل لدى الرأي العام الأميركي تعاني سلبيا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 على الأقل، حيث مرت صورة إسرائيل في عيون الأميركيين منذ ذلك الحين بأكثر من أزمة واضحة، أولهما في أعقاب الأحداث الإرهابية، وثانيهما في أعقاب فشل التدخل الأميركي في العراق
كما يرصد المقال الراهن عدد من العوامل المساعدة على استمرار تدهور صورة إسرائيل لدى الرأي العام الأميركي خلال الفترة الحالية وعلى رأس تلك العوامل الأخطاء الدبلوماسية التي وقعت فيها إسرائيل في حربها على لبنان، وصعود وسائل الإعلام البديلة - وعلى رأسها الإنترنت، وانتشار الأصوات المتعاطفة مع المسلمين والعرب في أوساط شعبية أمريكية معينة واستمرار تدهو الأوضاع في العراق بصفة خاصة وتخبط السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بصفة عامة، وهي عوامل تشكل إضعافا مستمرا لصورة إسرائيل لدى الرأي العام الأميركي، كما أنها قد تقود إلى إدخال صورة إسرائيل أزمات جديدة عميقة في أوساط الأميركيين
الأزمة الأولى
تقرير "لوبي إسرائيل" الصادر في مارس 2006 من تأليف اثنين من أكبر أساتذة العلوم السياسية بأميركا وهما ستيفين والت وجون ميرشماير تحدث - في بعض أجزاءه - عن تحديات ضخمة واجهها لوبي إسرائيل من قبل الجامعات الأمريكية بعد انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2002
ويقول التقرير أن لوبي إسرائيل وجد صعوبة في التعامل مع النقد المتزايد لإسرائيل بالجامعات الأمريكية مما دفعه لإطلاق عدد من المبادرات الجديدة للتعامل مع الأزمة، حيث أنشأ بعض الأكاديميين الموالين لإسرائيل منظمة لمراقبة الحرم الجامعي تشجع طلاب الجامعات على كتابة تقارير ضد أساتذتهم الناقدين لإسرائيل، كما سعى آخرون للضغط على الكونجرس لمنع الدعم عن الجامعات التي ينتشر بها نقد إسرائيل
التحديات السابقة يمكن النظر إليها كجزء من أزمة أكبر مرت بها صورة إسرائيل في أمريكا بعد 11/9 وارتبطت بسعي الأمريكيين لفهم الأسباب التي قادت إليها، حيث انقسم الأمريكيون إلى فئتين رئيسيتين، أولهما رأت أن السياسة الخارجية الأميركية خاصة تجاه الشرق الأوسط هي السبب، أما الفئة الثانية فرأت أن الإرهابيين يكرهون أمريكا بسبب قيمها، وبمرور الوقت ونظرا لنفوذ المحافظين الجدد داخل الإدارة الأميركية وفي أوساط الإعلام الأميركي انتصرت الفئة الثانية على الفئة الأولى، ولكن ذلك لم يمنع الأميركيين من إعادة التفكير في طبيعة سياسات بلدهم تجاه الشرق الأوسط ودورها في تأجيج العداء الدولي لأميركا، ساعد على ذلك التدهور الذي شهدته عملية السلام في عامي 2001 و2002
لذا كشفت بعض وسائل الإعلام اليهودية الأمريكية خلال عامي 2002 و2003 عن شعور بعض قادة أكبر المنظمات المساندة لإسرائيل بأمريكا بأن صورة إسرائيل في عيون الأميركيين تمر بأزمة
فعلى سبيل المثال نشرت وكالة جيوش تلغراف في 17 ديسمبر 2003 مقالا تحدث عن انتشار شعور بان "إسرائيل تخسر معركة التأثير على عقول وقلوب الأمريكيين" في دوائر المنظمات المساندة لإسرائيل والتي شرعت منذ عام ونصف في تنفيذ حملة علاقات عامة واسعة لمواجهة تدهور صورة إسرائيل في أوساط الرأي العام الأميركي
وذكر التقرير أن إسرائيل التي نجحت في الحفاظ على النخب السياسية الأمريكية الحاكمة لسياساتها باتت تواصل مشكلة في التواصل مع الشعب الأمريكي، كما أشار إلى استطلاع لتوجهات الأميركيين أجرته منظمة تدعى "مشروع إسرائيل" في نوفمبر 2003 وجد أن نسبة الأمريكيين الراغبين في أن تقف أمريكا موقفا محايدا تجاه صراع الشرق الأوسط وصلت إلى 62% مقارنة مع 43% في منتصف عام 2002
كما كشف التقرير - وتقارير أخرى نشرت حول القضية ذاتها - أن صورة إسرائيل تعاني بدرجة أكبر في أوساط ثلاث فئات أمريكية أساسية وهي الجامعات الأمريكية والأفارقة الأمريكيين وأصحاب التوجه السياسي الليبرالي، وذكرت بعض المصادر أن هجوم إسرائيل الدائم على أعدائها لا يكفي لتحسين صورتها لدى الرأي العام الأميركي والذي بات يشعر أن إسرائيل لا تمتلك مشروعا لتحقيق السلام بالشرق الأوسط
ولكن التقارير نفسها عادت وتحدثت عن جهود تقوم بها المنظمات الموالية لإسرائيل لتحسين الصورة كإنشاء منظمات جديدة للتعامل مع الجامعات وتوعية الطلاب، وأخرى للدعاية والإعلان، هذا إضافة إلى هجوم لوبي إسرائيل الناجح على عدد من أعضاء الكونجرس المساندين لإسرائيل في انتخابات عام 2002 التشريعية حيث نجح اللوبي في إسقاط عدد من أبرز أعضاء الكونجرس المساندين للقضية الفلسطينية وهما النائبة سنثيا ماكيني والنائب إريل هلليار
الأزمة الثانية
يمكن القول أن تحركات لوبي إسرائيل لاحتواء الأزمة الأولى - والتي لم توازيها تحركات متكافئة من حيث الحجم والنوع من قبل الأطراف المسلمة والعربية - والظروف التي مرت بها أمريكا في العامين التاليين لأحداث 11/9 وصعود نجم المحافظين الجدد ومن ورائهم المسيحيين المتدينين وقوى اليمين الأميركي التي دفعت بأمريكا لحرب العراق - ساهمت معا في تخطي صورة إسرائيل أزمتها الأولى، ولكن هذا لم يحول دون دخول صورة إسرائيل أزمة ثانية على أثر تردي الأوضاع بالعراق
ويمثل تقرير لوبي إسرائيل - الذي أشرنا إليه في بداية المقال - علامة فارقة في هذه الأزمة، فقد نشر عن أكاديميين معروفين يعملان بأهم الجامعات الأميركية ممتلئا بنقد لمختلف الحجج الإستراتيجية والأخلاقية التي يستخدمها أنصار إسرائيل لإقناع الرأي العام الأميركي بأن مساندة إسرائيل تصب في مصلحتهم، حيث رفض مؤلفا التقرير هذه الحجج مؤكدين على أن السبب الرئيسي للتأييد الذي تحظى به إسرائيل هو لوبي إسرائيل وقدراته التنظيمية
كما ركز التقرير على نفوذ المحافظين الجدد داخل إدارة الرئيس جورج دبليو بوش وكيف لعب عدد منهم ومن كبار أعضاء لوبي إسرائيل دورا هاما في إقناع الإدارة والرأي العام الأمريكي بالحرب على العراق، وكيف حلموا هم وساسة إسرائيل بإعادة تشكيل الشرق الأوسط بعد إسقاط النظام العراقي
ويمكن القول أن تقرير لوبي إسرائيل لم يكن المؤشر الأول على الأزمة التي مرت بها إسرائيل في عيون الأميركيين نتيجة لأخطاء الحرب على العراق، بل كان - في الغالب - نتاجا لهذه الأزمة وليس سببا لها، حيث ارتبطت الأزمة الحقيقية بحالة الرفض والسخط الشديدين التي طغت على غالبية الدوائر الأكاديمية والثقافية الأميركية تجاه سياسة الإدارة التي قادت إلى الحرب على العراق، والتي أصبحت يضرب بها المثل في سوء التخطيط والإدارة السياسية ليس فقط من قبل اليسار الأميركي فقط ولكن أيضا من قبل كتاب يمينيين معروفين كفرانسيس فوكوياما
وترتب على ذلك طغيان حالة من الفشل والصمت على المحافظين الجدد في أوائل عام 2006، ويكفي هنا الإشارة إلى أن مشروع "القرن الأمريكي الجديد" وهو مشروع فكري يضم قيادات المحافظين الجدد المشروع لم ينشر أي كتابات جديدة عن الشرق الأوسط منذ سبتمبر 2005
ولم يكن مستغربا أن يتأكد شعور الأمريكيين بالرغبة في الحياد تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، حيث وجد استطلاع لأراء الأميركيين أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في أواخر عام 2005 أن 63% من الأمريكيين باتوا يعتقدون أن طرفي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يقفان على جانب الصواب بشكل متساوي وذلك مقارنة بنسبة 50% في أواخر عام 2004
مقدمات الأزمة الثالثة
إضافة إلى الأزمتين السابقين يمكن الإضافة إلى عدد من العوامل الهامة التي من شأنها إستمرار تدهور صورة إسرائيل لدى الرأي العام الأميركي خلال الفترة الحالية
أولا: لم تتمكن إسرائيل خلال السنوات الخمس الأخيرة من علاج الجذور الفعلية للأزمة التي تعانيها لدى الرأي العام الأميركي، وعلى رأسها فشل عمليه السلام وعدم وجود خطط إسرائيلية مقنعة لتحقيق السلام المنشود في الشرق الأوسط
ثانيا: حالة التأييد العام التي تمتعت بها إسرائيل من قبل الولايات المتحدة حكومة وشعبا في أعقاب بداية حرب لبنان قد لا تعبر عن حقيقة شعور الرأي العام الأميركي تجاه السياسات الإسرائيلية بقدر ما هي رد فعل لموقف النخب الأميركية السياسية والإعلامية المساند لإسرائيل، ولطبيعة المشاعر الوطنية الأميركية والتي تدعو الأميركيين للتوحد في أوقات الأزمات، لذا أكد استطلاع أجراه كير في نهاية يوليو 2006 أن الحرب على لبنان لم تغير موقف غالبية الشعب الأميركي (63%) المطالب بالمحايد تجاه صراع الشرق الأوسط
ثالثا: هناك تغيرات تكنولوجية وديمغرافية بعيدة المدى تعمق أزمة صورة إسرائيل يصعب إيجاد حلول سريعة لها، وعلى رأس هذه العوامل صعود الإنترنت كمصدر للمعلومات، وزيادة أعداد المسلمين والعرب بالولايات المتحدة وأوربا، وزيادة شعور الرأي العام الأوربي السلبي تجاه السياسات الإسرائيلية مما يمثل عامل ضغط هام على نظيره الأميركي، هذا إضافة إلى انفتاح بعض فئات الشعب الأميركي على وجهة النظر العربية وعلى رأسها الأفارقة الأمريكيين وأصحاب التوجه السياسي الليبرالي والجامعات
رابعا: فشلت إسرائيل في كسب التعاطف الدولي في حربها على لبنان بسبب إفراطها في استخدام القوة ورفضها الحلول الدبلوماسية التي ساندتها غالبية دول العالم والمنظمات الدولية
خامسا: تقرير "لوبي إسرائيل" تبعته موجة من المقالات التي ناقشت دور اللوبي – وهي تمثل في حد ذاتها – مادة هامة عن دور اللوبي تستحق الدراسة والإهتمام، كما أنها أوجدت درجة عالية من النقاش عن دور لوبي إسرائيل الذي يندر الحديث عنه
كما ظهرت منذ ذلك الحين دراسات وتقارير هامة تحرج إسرائيل أمام الرأي العام الأميركي وعلى رأسها كتاب الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر "فلسطين: سلام لا تفرقة"، وتقرير لجنة بيكر هاميلتون والذي تحدث عن أهمية إيجاد حل سياسي لمشاكل المنطقة كطريق لحل أزمة العراق
ويضع كتاب بيكر على وجه الخصوص العبئ الرئيسي في تدهور عملية السلام على إكتاف قادة إسرائيل ومن خلفهم الولايات المتحدة، حيث يرى كارتر في خلاصة كتابه الرئيسية أن إسرائيل تكاد تكون في حالة إنتهاك مستمرة لإتفاقات السلام مع العرب منذ إتفاقات كامب دايفيد مع مصر
خاتمة وتحذير
بقى لنا أن نحذر من أن دخول صورة إسرائيل لدى الرأي العام الأميركي أزمة كبرى جديدة في الفترة الحالية ليس أمرا حتميا فهو يعتمد على توافر عدد من العوامل القابلة للتغيير، وعلى رأس تلك العوامل فشل لوبي إسرائيل في احتواء المستجد من التحديات التي تمر بها صورة إسرائيل على الرغم مما يتمتع بها من قدرة على المبادرة وانتشار أفقي ورأسي بدوائر تشكيل الرأي العام الأميركي، وقدرة الأطراف المسلمة والعربية على استغلال تلك التحديات على الرغم من الإمكانيات المحدودة التي يتمتع بها اللوبيين العربي والمسلم بأمريكا وعدم وجود خطة علاقات عامة شاملة ترعاها الدول العربية أو الإسلامية بأميركا
هذا إضافة إلى صمت النخب السياسية الأميركية المسيطرة الذريع عن كل ما قد يمثل نقدا لإسرائيل
------
مقالات ذات صلة
فلسطين سلام لا تفرقة
الإنجليكيون وإعادة صياغة السياسة الخارجية الأمريكية
تناول الإعلام الأمريكي لدور لوبي إسرائيل في الأزمة الراهنة
لوبي إسرائيل وسياسة أمريكا الخارجية
يسعى المقال الراهن إلى البرهنة على حجة تنادي بأنه على الرغم من التأييد الذي تتمتع به إسرائيل في أوساط النخب الأميركية الحاكمة فإن صورة إسرائيل لدى الرأي العام الأميركي تعاني سلبيا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 على الأقل، حيث مرت صورة إسرائيل في عيون الأميركيين منذ ذلك الحين بأكثر من أزمة واضحة، أولهما في أعقاب الأحداث الإرهابية، وثانيهما في أعقاب فشل التدخل الأميركي في العراق
كما يرصد المقال الراهن عدد من العوامل المساعدة على استمرار تدهور صورة إسرائيل لدى الرأي العام الأميركي خلال الفترة الحالية وعلى رأس تلك العوامل الأخطاء الدبلوماسية التي وقعت فيها إسرائيل في حربها على لبنان، وصعود وسائل الإعلام البديلة - وعلى رأسها الإنترنت، وانتشار الأصوات المتعاطفة مع المسلمين والعرب في أوساط شعبية أمريكية معينة واستمرار تدهو الأوضاع في العراق بصفة خاصة وتخبط السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بصفة عامة، وهي عوامل تشكل إضعافا مستمرا لصورة إسرائيل لدى الرأي العام الأميركي، كما أنها قد تقود إلى إدخال صورة إسرائيل أزمات جديدة عميقة في أوساط الأميركيين
الأزمة الأولى
تقرير "لوبي إسرائيل" الصادر في مارس 2006 من تأليف اثنين من أكبر أساتذة العلوم السياسية بأميركا وهما ستيفين والت وجون ميرشماير تحدث - في بعض أجزاءه - عن تحديات ضخمة واجهها لوبي إسرائيل من قبل الجامعات الأمريكية بعد انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2002
ويقول التقرير أن لوبي إسرائيل وجد صعوبة في التعامل مع النقد المتزايد لإسرائيل بالجامعات الأمريكية مما دفعه لإطلاق عدد من المبادرات الجديدة للتعامل مع الأزمة، حيث أنشأ بعض الأكاديميين الموالين لإسرائيل منظمة لمراقبة الحرم الجامعي تشجع طلاب الجامعات على كتابة تقارير ضد أساتذتهم الناقدين لإسرائيل، كما سعى آخرون للضغط على الكونجرس لمنع الدعم عن الجامعات التي ينتشر بها نقد إسرائيل
التحديات السابقة يمكن النظر إليها كجزء من أزمة أكبر مرت بها صورة إسرائيل في أمريكا بعد 11/9 وارتبطت بسعي الأمريكيين لفهم الأسباب التي قادت إليها، حيث انقسم الأمريكيون إلى فئتين رئيسيتين، أولهما رأت أن السياسة الخارجية الأميركية خاصة تجاه الشرق الأوسط هي السبب، أما الفئة الثانية فرأت أن الإرهابيين يكرهون أمريكا بسبب قيمها، وبمرور الوقت ونظرا لنفوذ المحافظين الجدد داخل الإدارة الأميركية وفي أوساط الإعلام الأميركي انتصرت الفئة الثانية على الفئة الأولى، ولكن ذلك لم يمنع الأميركيين من إعادة التفكير في طبيعة سياسات بلدهم تجاه الشرق الأوسط ودورها في تأجيج العداء الدولي لأميركا، ساعد على ذلك التدهور الذي شهدته عملية السلام في عامي 2001 و2002
لذا كشفت بعض وسائل الإعلام اليهودية الأمريكية خلال عامي 2002 و2003 عن شعور بعض قادة أكبر المنظمات المساندة لإسرائيل بأمريكا بأن صورة إسرائيل في عيون الأميركيين تمر بأزمة
فعلى سبيل المثال نشرت وكالة جيوش تلغراف في 17 ديسمبر 2003 مقالا تحدث عن انتشار شعور بان "إسرائيل تخسر معركة التأثير على عقول وقلوب الأمريكيين" في دوائر المنظمات المساندة لإسرائيل والتي شرعت منذ عام ونصف في تنفيذ حملة علاقات عامة واسعة لمواجهة تدهور صورة إسرائيل في أوساط الرأي العام الأميركي
وذكر التقرير أن إسرائيل التي نجحت في الحفاظ على النخب السياسية الأمريكية الحاكمة لسياساتها باتت تواصل مشكلة في التواصل مع الشعب الأمريكي، كما أشار إلى استطلاع لتوجهات الأميركيين أجرته منظمة تدعى "مشروع إسرائيل" في نوفمبر 2003 وجد أن نسبة الأمريكيين الراغبين في أن تقف أمريكا موقفا محايدا تجاه صراع الشرق الأوسط وصلت إلى 62% مقارنة مع 43% في منتصف عام 2002
كما كشف التقرير - وتقارير أخرى نشرت حول القضية ذاتها - أن صورة إسرائيل تعاني بدرجة أكبر في أوساط ثلاث فئات أمريكية أساسية وهي الجامعات الأمريكية والأفارقة الأمريكيين وأصحاب التوجه السياسي الليبرالي، وذكرت بعض المصادر أن هجوم إسرائيل الدائم على أعدائها لا يكفي لتحسين صورتها لدى الرأي العام الأميركي والذي بات يشعر أن إسرائيل لا تمتلك مشروعا لتحقيق السلام بالشرق الأوسط
ولكن التقارير نفسها عادت وتحدثت عن جهود تقوم بها المنظمات الموالية لإسرائيل لتحسين الصورة كإنشاء منظمات جديدة للتعامل مع الجامعات وتوعية الطلاب، وأخرى للدعاية والإعلان، هذا إضافة إلى هجوم لوبي إسرائيل الناجح على عدد من أعضاء الكونجرس المساندين لإسرائيل في انتخابات عام 2002 التشريعية حيث نجح اللوبي في إسقاط عدد من أبرز أعضاء الكونجرس المساندين للقضية الفلسطينية وهما النائبة سنثيا ماكيني والنائب إريل هلليار
الأزمة الثانية
يمكن القول أن تحركات لوبي إسرائيل لاحتواء الأزمة الأولى - والتي لم توازيها تحركات متكافئة من حيث الحجم والنوع من قبل الأطراف المسلمة والعربية - والظروف التي مرت بها أمريكا في العامين التاليين لأحداث 11/9 وصعود نجم المحافظين الجدد ومن ورائهم المسيحيين المتدينين وقوى اليمين الأميركي التي دفعت بأمريكا لحرب العراق - ساهمت معا في تخطي صورة إسرائيل أزمتها الأولى، ولكن هذا لم يحول دون دخول صورة إسرائيل أزمة ثانية على أثر تردي الأوضاع بالعراق
ويمثل تقرير لوبي إسرائيل - الذي أشرنا إليه في بداية المقال - علامة فارقة في هذه الأزمة، فقد نشر عن أكاديميين معروفين يعملان بأهم الجامعات الأميركية ممتلئا بنقد لمختلف الحجج الإستراتيجية والأخلاقية التي يستخدمها أنصار إسرائيل لإقناع الرأي العام الأميركي بأن مساندة إسرائيل تصب في مصلحتهم، حيث رفض مؤلفا التقرير هذه الحجج مؤكدين على أن السبب الرئيسي للتأييد الذي تحظى به إسرائيل هو لوبي إسرائيل وقدراته التنظيمية
كما ركز التقرير على نفوذ المحافظين الجدد داخل إدارة الرئيس جورج دبليو بوش وكيف لعب عدد منهم ومن كبار أعضاء لوبي إسرائيل دورا هاما في إقناع الإدارة والرأي العام الأمريكي بالحرب على العراق، وكيف حلموا هم وساسة إسرائيل بإعادة تشكيل الشرق الأوسط بعد إسقاط النظام العراقي
ويمكن القول أن تقرير لوبي إسرائيل لم يكن المؤشر الأول على الأزمة التي مرت بها إسرائيل في عيون الأميركيين نتيجة لأخطاء الحرب على العراق، بل كان - في الغالب - نتاجا لهذه الأزمة وليس سببا لها، حيث ارتبطت الأزمة الحقيقية بحالة الرفض والسخط الشديدين التي طغت على غالبية الدوائر الأكاديمية والثقافية الأميركية تجاه سياسة الإدارة التي قادت إلى الحرب على العراق، والتي أصبحت يضرب بها المثل في سوء التخطيط والإدارة السياسية ليس فقط من قبل اليسار الأميركي فقط ولكن أيضا من قبل كتاب يمينيين معروفين كفرانسيس فوكوياما
وترتب على ذلك طغيان حالة من الفشل والصمت على المحافظين الجدد في أوائل عام 2006، ويكفي هنا الإشارة إلى أن مشروع "القرن الأمريكي الجديد" وهو مشروع فكري يضم قيادات المحافظين الجدد المشروع لم ينشر أي كتابات جديدة عن الشرق الأوسط منذ سبتمبر 2005
ولم يكن مستغربا أن يتأكد شعور الأمريكيين بالرغبة في الحياد تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، حيث وجد استطلاع لأراء الأميركيين أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في أواخر عام 2005 أن 63% من الأمريكيين باتوا يعتقدون أن طرفي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يقفان على جانب الصواب بشكل متساوي وذلك مقارنة بنسبة 50% في أواخر عام 2004
مقدمات الأزمة الثالثة
إضافة إلى الأزمتين السابقين يمكن الإضافة إلى عدد من العوامل الهامة التي من شأنها إستمرار تدهور صورة إسرائيل لدى الرأي العام الأميركي خلال الفترة الحالية
أولا: لم تتمكن إسرائيل خلال السنوات الخمس الأخيرة من علاج الجذور الفعلية للأزمة التي تعانيها لدى الرأي العام الأميركي، وعلى رأسها فشل عمليه السلام وعدم وجود خطط إسرائيلية مقنعة لتحقيق السلام المنشود في الشرق الأوسط
ثانيا: حالة التأييد العام التي تمتعت بها إسرائيل من قبل الولايات المتحدة حكومة وشعبا في أعقاب بداية حرب لبنان قد لا تعبر عن حقيقة شعور الرأي العام الأميركي تجاه السياسات الإسرائيلية بقدر ما هي رد فعل لموقف النخب الأميركية السياسية والإعلامية المساند لإسرائيل، ولطبيعة المشاعر الوطنية الأميركية والتي تدعو الأميركيين للتوحد في أوقات الأزمات، لذا أكد استطلاع أجراه كير في نهاية يوليو 2006 أن الحرب على لبنان لم تغير موقف غالبية الشعب الأميركي (63%) المطالب بالمحايد تجاه صراع الشرق الأوسط
ثالثا: هناك تغيرات تكنولوجية وديمغرافية بعيدة المدى تعمق أزمة صورة إسرائيل يصعب إيجاد حلول سريعة لها، وعلى رأس هذه العوامل صعود الإنترنت كمصدر للمعلومات، وزيادة أعداد المسلمين والعرب بالولايات المتحدة وأوربا، وزيادة شعور الرأي العام الأوربي السلبي تجاه السياسات الإسرائيلية مما يمثل عامل ضغط هام على نظيره الأميركي، هذا إضافة إلى انفتاح بعض فئات الشعب الأميركي على وجهة النظر العربية وعلى رأسها الأفارقة الأمريكيين وأصحاب التوجه السياسي الليبرالي والجامعات
رابعا: فشلت إسرائيل في كسب التعاطف الدولي في حربها على لبنان بسبب إفراطها في استخدام القوة ورفضها الحلول الدبلوماسية التي ساندتها غالبية دول العالم والمنظمات الدولية
خامسا: تقرير "لوبي إسرائيل" تبعته موجة من المقالات التي ناقشت دور اللوبي – وهي تمثل في حد ذاتها – مادة هامة عن دور اللوبي تستحق الدراسة والإهتمام، كما أنها أوجدت درجة عالية من النقاش عن دور لوبي إسرائيل الذي يندر الحديث عنه
كما ظهرت منذ ذلك الحين دراسات وتقارير هامة تحرج إسرائيل أمام الرأي العام الأميركي وعلى رأسها كتاب الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر "فلسطين: سلام لا تفرقة"، وتقرير لجنة بيكر هاميلتون والذي تحدث عن أهمية إيجاد حل سياسي لمشاكل المنطقة كطريق لحل أزمة العراق
ويضع كتاب بيكر على وجه الخصوص العبئ الرئيسي في تدهور عملية السلام على إكتاف قادة إسرائيل ومن خلفهم الولايات المتحدة، حيث يرى كارتر في خلاصة كتابه الرئيسية أن إسرائيل تكاد تكون في حالة إنتهاك مستمرة لإتفاقات السلام مع العرب منذ إتفاقات كامب دايفيد مع مصر
خاتمة وتحذير
بقى لنا أن نحذر من أن دخول صورة إسرائيل لدى الرأي العام الأميركي أزمة كبرى جديدة في الفترة الحالية ليس أمرا حتميا فهو يعتمد على توافر عدد من العوامل القابلة للتغيير، وعلى رأس تلك العوامل فشل لوبي إسرائيل في احتواء المستجد من التحديات التي تمر بها صورة إسرائيل على الرغم مما يتمتع بها من قدرة على المبادرة وانتشار أفقي ورأسي بدوائر تشكيل الرأي العام الأميركي، وقدرة الأطراف المسلمة والعربية على استغلال تلك التحديات على الرغم من الإمكانيات المحدودة التي يتمتع بها اللوبيين العربي والمسلم بأمريكا وعدم وجود خطة علاقات عامة شاملة ترعاها الدول العربية أو الإسلامية بأميركا
هذا إضافة إلى صمت النخب السياسية الأميركية المسيطرة الذريع عن كل ما قد يمثل نقدا لإسرائيل
------
مقالات ذات صلة
فلسطين سلام لا تفرقة
الإنجليكيون وإعادة صياغة السياسة الخارجية الأمريكية
تناول الإعلام الأمريكي لدور لوبي إسرائيل في الأزمة الراهنة
لوبي إسرائيل وسياسة أمريكا الخارجية