عودة التاريخ ونهاية الأحلام
عرض بقلم: علاء بيومي
يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com
نص العرض
يتضمن الكتاب الراهن اعترافا من قبل مؤلفه المحسوب على تيار المحافظين الجدد بنهاية عصر القطبية الأحادية كما عرفه العالم في الفترة التالية لانهيار الاتحاد السوفيتي، ودعوة صريحة لأوربا والدول الرأسمالية الليبرالية بالتوحد خلف أميركا في مرحلة ما بعد القطبية الأحادية
ويعد روبرت كاجان أحد أشهر الكتاب اليمينيين المحسوبين على تيار المحافظين الجدد، كما عمل كمستشار للشئون الخارجية في حملة المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية السيناتور جون ماكين خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة حيث نجح في ضخ بعض أفكاره المتضمنة في الكتاب الحالي ضمن حملة ماكين في إشارة هامة لمدى النفوذ الذي يتمتع به مؤلف كتابنا في أوساط الجمهوريين واليمين الأميركي
نظام عالمي جديد
الكتاب يتضمن دعوة صريحة للدول الأوربية واليابان والهند للتوحد خلف أميركا في مواجهة القوى العظمى الصاعدة وعلى رأسها الصين وروسيا ضمن نظام عالمي جديد يتكون من قطب أحادي واحد وهو الولايات المتحدة محاط بقوى عظمي عدة يأتي على رأسها أوربا وروسيا والصين والهند واليابان والتي تمتلك كل منها قدرات وطموحات الدول العظمي الساعية إلى خدمة مصالحها والفوز ببعض من النفوذ الهائل الذي كانت تتمتع به أميركا في عصر القطبية الأحادية
إذ يرى كاجان أن القوى العظمى السابقة فيما عدا أوربا تمتلك مشاعر قومية متنامية وذاكرة تاريخية لا تخلو من شعور بالمرارة ورغبة حاضرة في إثبات الذات من خلال توسيع نفوذها السياسي والعسكري على نقيض الأوربيين
ويبني كاجان كتابه على فرضية أن الدول الديمقراطية الليبرالية كانت تأمل بعد نهاية الحرب الباردة في بناء نظام عالمي جديد يسوده السلام عن طريق نشر الديمقراطية والقيم الليبرالية بين الدول والتجارة الحرة والعلاقات الاقتصادية الإيجابية، ومن ثم يتراجع التنافس العسكري والسياسي والذي يعود لعصور سابقة أقل حداثة، ويحل محله التنافس الاقتصادي السلمي بين دول ديمقراطية تعلي القيم الليبرالية المختلفة
ولكنه يرى أن الحلم السابق أثبت فشله، وأن السنوات التالية لنهاية الحرب الباردة شهدت صعود قوى عظمي تقليدية كروسيا والصين والتي رفضت الديمقراطية الليبرالية وتبنت نظما أكثر ديكتاتورية وسياسات خارجية تقليدية تقوم على بناء القوة العسكرية الصرفة وفرض النفوذ السياسي والدخول في حروب إذا تطلب الأمر
وعندما يستعرض كاجان القوى الدولية الكبرى المختلفة بما في ذلك أميركا تشعر بأن أوربا هي الاستثناء وأن الدعوة موجه لها بالأساس بالإضافة إلى اليابان والهند للتوحد خلف أميركا والتي تعرف كيف تتعامل مع القوى العظمي التقليدية وكيف تقود العالم الديمقراطي عبر النظام العالمي الجديد
قوى عظمى عدة
استعراض صعود القوى العظمي التقليدية وسياستها يستهلك جزءا رئيسيا من كتاب روبرت كاجان، فهو الجزء الأول من الحجة التي يريد أثباتها لأوربا والأوربيين
والحجة تقول أن القوى العظمي الصاعدة غير عقلانية لا تؤمن بالقيم الليبرالية والمابعد حداثية التي تؤمن بها أوربا، وأنها في الحقيقة قوى مشغولة بالماضي والتاريخ والصراعات والمرارة والتنافس التقليدي
فروسيا تشعر بالمهانة لفقدانها مكانتها كقطب دولي بعد انهيار الإتحاد السوفيتي وتمتلك حكومة بقيادة بوتين تؤمن بروسيا القيصرية وتعيد بناء قوى روسيا الاقتصادية والعسكرية على حد سواء وتؤجج المشاعر القومية الروسية، ولا تتواني في بسط سيطرتها على الدول المستقلة عن الإتحاد السوفيتي ودول شرق أوربا بل وعلى دول أوربا الغربية ذاتها مستخدمة سلاح النفط وذلك من أجل عودة العظمة والمكانة الروسية مرة أخرى
والصين عاشت معظمها عمرها قوة عظمى أسيوية لا تنازع حتى جاء عصر الاستعمار في أوائل القرن التاسع عشر والذي عانت خلاله الصين مذلة تاريخية، وعلى الرغم من صعود الصين اقتصاديا حاليا وانخراطها في النظام الاقتصادي العالمي إلا أنها لم تنس ما تعرضت له من مهانة على يد الاستعمار ولم تهادن فيما يتعلق بمشاعرها القومية، واليوم تعيش الصين فترة صعود قومي ورغبة في العودة للمكانة التاريخية تدفعها لإنفاق 10% من دخلها على تحديث جيشها وإلى بناء أسطول بحري ضخم تستعرض به إمكاناتها المعاصرة في المياه الدولية المحيطة بها والتي كانت حتى وقت قريب حكرا على الأسطول الأميركي
وحتى اليابان وهي القوة الاقتصادية الثانية في العالم مازالت تعاني من التاريخ والمشاعر القومية، فهي تعاني من ثأر تاريخي مع الصين منافستها التقليدية، حيث لم ينسى الصينيون احتلال اليابان لأراضيهم خلال الحقبة الاستعمارية، وهو أمر دفع اليابانيون للاهتمام بجيشهم وإلى التقرب من أميركا لمواجهة الصعود الصيني وكذلك إلى الدخول في صراع إعلامي مع الصين في جنوب شرق أسيا
وتسير الهند على المنوال نفسه، فعلى الرغم من نموها الاقتصادي الكبير في السنوات الأخيرة إلا أنها مازالت تشعر بمرارة الاستعمار الأوربي وبرغبة في إثبات مكانتها الدولية الجديدة وبقلق واضح من الصين والتي دعمت باكستان في بناء قوتها النووية
خصائص الصراع العالمي الجديد
ويقول كاجان أن التنافس في فترة ما بعد القطبية الأحادية يتميز بخصال مختلفة عن فترة الحرب الباردة، فهو أولا صراع غير إيديولوجي، فالواضح أن الصين وكذلك روسيا لم تعدا معنيتان بأيدلوجية معينة، فما يحركهما الآن هو المصلحة الاقتصادية والمشاعر القومية، فهمهما الأساسي هو العودة إلى العهد القيصري حيث تمتعت الصين وكذلك روسيا بإمبراطورية واسعة يسيطر عليها القيصر أو الإمبراطور الصيني أو الروسي
فهم الدولتين حاليا هو توسيع نفوذهما الاقتصادي والسياسي والعسكري ومصالحهما الوطنية دون تبني أيدلوجية معينة
ثانيا: تقدم الدولتان نموذجا مختلفا للنمو الاقتصادي يقوم على الحكومة المركزية القوية القادرة على إحداث تقدم اقتصادي كبير دون السماح بانفتاح سياسي يوازيه، وهو نموذج يتنافي مع نموذج الحكومة الضعيفة نسبيا والذي تروج له أميركا وأوربا ضمن إيديولوجيتها الديمقراطية الليبرالية
ثالثا وبناء على ما سبق تعلي الصين وروسيا من أهمية القانون الدولي ومن أهمية مبادئ قانونية تقليدية مثل السيادة الوطنية، وترفض حرص الدول الغربية على نشر وتطبيق القيم الليبرالية والتي تمنح تلك الدول بابا للتدخل في شئون الدول الأخرى الأقل ديمقراطية وليبرالية بدعوى الدفاع عن القيم الليبرالية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان
في المقابل تنادي دول عظمى كالصين وروسيا بأن التطور الاقتصادي لا يرتبط فقط بتطبيق القيم الديمقراطية الليبرالية، وأن تطبيق تلك القيم لا يجب أن يكون على حساب القانون الدولي أو السيادة الوطنية
وهي أفكار – كما يدعي كاجان – تجهض أحلام الأوربيين في بناء علاقات دولية قائمة على القيم الليبرالية
وبهذا يتبلور النظام العالمي الجديد في صورة صراع بين الدول الديمقراطية الليبرالية بقيادة أميركا وأوربا والتي تنادي بتطبيق القيم الليبرالية كمعيار للعلاقات الدولية والدول الديكتاتورية بقيادة الصين وروسيا والتي تطالب بإعلاء معايير القانون الدولي والسيادة الوطنية
تحالفات ونقاط تماس جديدة
وبناء على ما سبق تتم إعادة بناء النظام العالمي الجديد في الفترة المقبلة، إذا يتوقع كاجان أن يتم تقسيم العالم لتحالفين أو محورين أساسيين، محور تقوده أميركا وأوربا ودول كاليابان والهند وتنضم إليه الدول الديمقراطية الليبرالية، ومحور تقوده الصين وروسيا وتنضم إليه الديكتاتوريات
ويضرب كاجان مثلا بدولة كإيران وهي على شاكلة روسيا والصين دولة تسيطر عليها المطامع التاريخية والمشاعر قومية وذاكرة تاريخية مليئة بالمرارة لذا تسعى لبناء قوتها النووية وبسط نفوذها الإقليمي مستفيدة من ثروتها النفطية وغير مبالية بالديمقراطية أو بالقيم الليبرالية، لذا من المتوقع أن تجد إيران الحماية والمساندة لدى دول كالصين وروسيا
وعلى شاكلة إيران يمكن النظر إلى دولة كالسودان وغيرها من الدول الأفريقية الديكتاتورية، ويقول كاجان أن نقاط التماس بين محور الديمقراطيات ومحور الديكتاتوريات هي مناطق الصراع في النظام العالمي الجديد، وذلك في دول مثل جورجيا وأوكرانيا في شرق أوربا، وبلدان وسط أسيا المستقلة عن الاتحاد السوفيتي، وتايوان في حالة الصراع بين أميركا والصين ولبنان كساحة صراع إقليمي، وكذلك الدول الأفريقية كساحة للتنافس بين الديمقراطيات والديكتاتوريات
القيادة الأميركية
والواضح على مدى الكتاب أن كاجان يعول على أوربا أكثر من أميركا في مد النظام العالمي الجديد بقيمه الليبرالية الديمقراطية ما بعد الحداثية، وذلك على الرغم من أنه لا يتحدث عن ذلك صراحة، ولكن القارئ يشعر بأن أوربا هي النموذج القيمي الذي يتطلع إليه كاجان، فهي مجموعة الدول التي تخلت عن نزاعاتها الوطنية وفضلت بناء علاقات جديدة سلمية قائمة على التجارة الحرة والقيم الليبرالية
لذا يشعر القارئ أن تفسير كاجان لطبيعة القيادة الأميركية لا يخلو من اعتراف ضمني بتردي نوع السياسات والقيادة الأميركية للعالم
فمن ناحية تبقى أميركا قطب العالم الأوحد المتطلع للقيادة الطموحة، فأميركا تقود العالم من موضوع قوة ترغب من خلاله في تغيير العالم وفي تغيير النظم المعارضة لها، ولكن القيادة الأميركية تعاني من معضلة داخلية تتمثل في رغبة الأميركيين في قيادة العالم قيادة طموحة بأقل تكلفة ممكنة كما يرى كاجان
كما يقر المؤلف أيضا بأن القيادة الأميركية لم تخلو من أخطاء، وأن أميركا تميل للنزعة الفردية في القيادة، وأن العالم يريد الحد من النفوذ الأميركي ومن سيطرة القطبية الأحادية
ولكنه يعود ويقول أن تكلفة تراجع النفوذ الأميركي كبيرة، وأن تراجع النفوذ الأميركي وصعود عالم متعدد الأقطاب قد لا يقود إلى السلام أو الاستقرار، وأن أميركا بمصادر قوتها المتعددة تمثل ضمانة لاستقرار العالم وللحد من طموحات القوى العظمي الديكتاتورية الصاعدة
وهذا يعني أن كاجان يقر ضمنيا بسوء الإدارة الأميركية وبأن السياسات الأميركية قد لا ترتقي بعد للسياسات الأوربية ما بعد الحداثية، ولكنه يرى أن قيادة أميركا لأوربا والدول الديمقراطية الليبرالية ضرورية، فأميركا وحدها تمتلك قدرات قطب العالم الأوحد، كما أن أميركا وحدها القادرة على التعامل مع القوى العظمي التقليدية مثل روسيا والصين
بمعني أخر يريد كاجان أن يقول للأوربيين بأن عليكم التوحد خلفنا فنحنا مازلنا قطب العالم الأوحد وأننا وعلى الرغم من أخطائنا مازلنا قادة الديمقراطيات الليبرالية والقوة القادرة على مواجهة القوى العظمى التقليدية الصاعدة وسياساتها، فنحن على الرغم من عيوبنا الأكثر تأهيلا للقيادة في الوقت الحالي
ويتمنى كاجان أن تتراجع الخلافات الغربية التي نشأت بين أوربا وأميركا بسبب حرب العراق بعد تراجع مكانة الحرب في السياسات الدولية، وأن تتوحد الدول الغربية تباعا خلف أميركا
الشرق الأوسط في النظام العالمي الجديد
أما فيما يتعلق بمكانة الشرق الأوسط في النظام العالمي الجديد فهي تبدو متناقضة كطبيعة حجة كاجان والتي تريد أن توحد قوى العالم الديمقراطية الليبرالية خلف أميركا قطب العالم الأوحد لأنها الدولة الأقوى القادرة على مواجهة القوى العظمي الديكتاتورية، وهي بالطبع دعوة لا تخلو من براجماتية عالية
وعلى نفس المنوال يتوقع أن تنضم الدول العربية إلى تحالف الديمقراطيات مع أميركا وإسرائيل في مواجهة ديكتاتوريات مثل إيران وفي مواجهة ما يسميه بقوى "الإسلام الراديكالي"، وذلك على الرغم من اعتراف كاجان بطبيعة الدول العربية غير الديمقراطية، لذا يقول في نهاية الكتاب أن تحالف أميركا مع الدول العربية لا يجب أن يمنعها في الدفع التدريجي بالديمقراطية داخل تلك الدول
وبهذا يبدو تحالف الديمقراطيات كتحالف لا يخلو من براجماتية واعتبارات سياسية، فهو تحلف لدول مضطرة للتوحد خلف قطب العالم الأوحد المتخبط أحيانا (أميركا) والتحالف مع دول غير ديمقراطية (كدول الشرق الأوسط) لاعتبارات إستراتيجية مختلفة في مواجهة نفوذ القوى الديكتاتورية الصاعدة بقيادة روسيا والصين
يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com
نص العرض
يتضمن الكتاب الراهن اعترافا من قبل مؤلفه المحسوب على تيار المحافظين الجدد بنهاية عصر القطبية الأحادية كما عرفه العالم في الفترة التالية لانهيار الاتحاد السوفيتي، ودعوة صريحة لأوربا والدول الرأسمالية الليبرالية بالتوحد خلف أميركا في مرحلة ما بعد القطبية الأحادية
ويعد روبرت كاجان أحد أشهر الكتاب اليمينيين المحسوبين على تيار المحافظين الجدد، كما عمل كمستشار للشئون الخارجية في حملة المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية السيناتور جون ماكين خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة حيث نجح في ضخ بعض أفكاره المتضمنة في الكتاب الحالي ضمن حملة ماكين في إشارة هامة لمدى النفوذ الذي يتمتع به مؤلف كتابنا في أوساط الجمهوريين واليمين الأميركي
نظام عالمي جديد
الكتاب يتضمن دعوة صريحة للدول الأوربية واليابان والهند للتوحد خلف أميركا في مواجهة القوى العظمى الصاعدة وعلى رأسها الصين وروسيا ضمن نظام عالمي جديد يتكون من قطب أحادي واحد وهو الولايات المتحدة محاط بقوى عظمي عدة يأتي على رأسها أوربا وروسيا والصين والهند واليابان والتي تمتلك كل منها قدرات وطموحات الدول العظمي الساعية إلى خدمة مصالحها والفوز ببعض من النفوذ الهائل الذي كانت تتمتع به أميركا في عصر القطبية الأحادية
إذ يرى كاجان أن القوى العظمى السابقة فيما عدا أوربا تمتلك مشاعر قومية متنامية وذاكرة تاريخية لا تخلو من شعور بالمرارة ورغبة حاضرة في إثبات الذات من خلال توسيع نفوذها السياسي والعسكري على نقيض الأوربيين
ويبني كاجان كتابه على فرضية أن الدول الديمقراطية الليبرالية كانت تأمل بعد نهاية الحرب الباردة في بناء نظام عالمي جديد يسوده السلام عن طريق نشر الديمقراطية والقيم الليبرالية بين الدول والتجارة الحرة والعلاقات الاقتصادية الإيجابية، ومن ثم يتراجع التنافس العسكري والسياسي والذي يعود لعصور سابقة أقل حداثة، ويحل محله التنافس الاقتصادي السلمي بين دول ديمقراطية تعلي القيم الليبرالية المختلفة
ولكنه يرى أن الحلم السابق أثبت فشله، وأن السنوات التالية لنهاية الحرب الباردة شهدت صعود قوى عظمي تقليدية كروسيا والصين والتي رفضت الديمقراطية الليبرالية وتبنت نظما أكثر ديكتاتورية وسياسات خارجية تقليدية تقوم على بناء القوة العسكرية الصرفة وفرض النفوذ السياسي والدخول في حروب إذا تطلب الأمر
وعندما يستعرض كاجان القوى الدولية الكبرى المختلفة بما في ذلك أميركا تشعر بأن أوربا هي الاستثناء وأن الدعوة موجه لها بالأساس بالإضافة إلى اليابان والهند للتوحد خلف أميركا والتي تعرف كيف تتعامل مع القوى العظمي التقليدية وكيف تقود العالم الديمقراطي عبر النظام العالمي الجديد
قوى عظمى عدة
استعراض صعود القوى العظمي التقليدية وسياستها يستهلك جزءا رئيسيا من كتاب روبرت كاجان، فهو الجزء الأول من الحجة التي يريد أثباتها لأوربا والأوربيين
والحجة تقول أن القوى العظمي الصاعدة غير عقلانية لا تؤمن بالقيم الليبرالية والمابعد حداثية التي تؤمن بها أوربا، وأنها في الحقيقة قوى مشغولة بالماضي والتاريخ والصراعات والمرارة والتنافس التقليدي
فروسيا تشعر بالمهانة لفقدانها مكانتها كقطب دولي بعد انهيار الإتحاد السوفيتي وتمتلك حكومة بقيادة بوتين تؤمن بروسيا القيصرية وتعيد بناء قوى روسيا الاقتصادية والعسكرية على حد سواء وتؤجج المشاعر القومية الروسية، ولا تتواني في بسط سيطرتها على الدول المستقلة عن الإتحاد السوفيتي ودول شرق أوربا بل وعلى دول أوربا الغربية ذاتها مستخدمة سلاح النفط وذلك من أجل عودة العظمة والمكانة الروسية مرة أخرى
والصين عاشت معظمها عمرها قوة عظمى أسيوية لا تنازع حتى جاء عصر الاستعمار في أوائل القرن التاسع عشر والذي عانت خلاله الصين مذلة تاريخية، وعلى الرغم من صعود الصين اقتصاديا حاليا وانخراطها في النظام الاقتصادي العالمي إلا أنها لم تنس ما تعرضت له من مهانة على يد الاستعمار ولم تهادن فيما يتعلق بمشاعرها القومية، واليوم تعيش الصين فترة صعود قومي ورغبة في العودة للمكانة التاريخية تدفعها لإنفاق 10% من دخلها على تحديث جيشها وإلى بناء أسطول بحري ضخم تستعرض به إمكاناتها المعاصرة في المياه الدولية المحيطة بها والتي كانت حتى وقت قريب حكرا على الأسطول الأميركي
وحتى اليابان وهي القوة الاقتصادية الثانية في العالم مازالت تعاني من التاريخ والمشاعر القومية، فهي تعاني من ثأر تاريخي مع الصين منافستها التقليدية، حيث لم ينسى الصينيون احتلال اليابان لأراضيهم خلال الحقبة الاستعمارية، وهو أمر دفع اليابانيون للاهتمام بجيشهم وإلى التقرب من أميركا لمواجهة الصعود الصيني وكذلك إلى الدخول في صراع إعلامي مع الصين في جنوب شرق أسيا
وتسير الهند على المنوال نفسه، فعلى الرغم من نموها الاقتصادي الكبير في السنوات الأخيرة إلا أنها مازالت تشعر بمرارة الاستعمار الأوربي وبرغبة في إثبات مكانتها الدولية الجديدة وبقلق واضح من الصين والتي دعمت باكستان في بناء قوتها النووية
خصائص الصراع العالمي الجديد
ويقول كاجان أن التنافس في فترة ما بعد القطبية الأحادية يتميز بخصال مختلفة عن فترة الحرب الباردة، فهو أولا صراع غير إيديولوجي، فالواضح أن الصين وكذلك روسيا لم تعدا معنيتان بأيدلوجية معينة، فما يحركهما الآن هو المصلحة الاقتصادية والمشاعر القومية، فهمهما الأساسي هو العودة إلى العهد القيصري حيث تمتعت الصين وكذلك روسيا بإمبراطورية واسعة يسيطر عليها القيصر أو الإمبراطور الصيني أو الروسي
فهم الدولتين حاليا هو توسيع نفوذهما الاقتصادي والسياسي والعسكري ومصالحهما الوطنية دون تبني أيدلوجية معينة
ثانيا: تقدم الدولتان نموذجا مختلفا للنمو الاقتصادي يقوم على الحكومة المركزية القوية القادرة على إحداث تقدم اقتصادي كبير دون السماح بانفتاح سياسي يوازيه، وهو نموذج يتنافي مع نموذج الحكومة الضعيفة نسبيا والذي تروج له أميركا وأوربا ضمن إيديولوجيتها الديمقراطية الليبرالية
ثالثا وبناء على ما سبق تعلي الصين وروسيا من أهمية القانون الدولي ومن أهمية مبادئ قانونية تقليدية مثل السيادة الوطنية، وترفض حرص الدول الغربية على نشر وتطبيق القيم الليبرالية والتي تمنح تلك الدول بابا للتدخل في شئون الدول الأخرى الأقل ديمقراطية وليبرالية بدعوى الدفاع عن القيم الليبرالية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان
في المقابل تنادي دول عظمى كالصين وروسيا بأن التطور الاقتصادي لا يرتبط فقط بتطبيق القيم الديمقراطية الليبرالية، وأن تطبيق تلك القيم لا يجب أن يكون على حساب القانون الدولي أو السيادة الوطنية
وهي أفكار – كما يدعي كاجان – تجهض أحلام الأوربيين في بناء علاقات دولية قائمة على القيم الليبرالية
وبهذا يتبلور النظام العالمي الجديد في صورة صراع بين الدول الديمقراطية الليبرالية بقيادة أميركا وأوربا والتي تنادي بتطبيق القيم الليبرالية كمعيار للعلاقات الدولية والدول الديكتاتورية بقيادة الصين وروسيا والتي تطالب بإعلاء معايير القانون الدولي والسيادة الوطنية
تحالفات ونقاط تماس جديدة
وبناء على ما سبق تتم إعادة بناء النظام العالمي الجديد في الفترة المقبلة، إذا يتوقع كاجان أن يتم تقسيم العالم لتحالفين أو محورين أساسيين، محور تقوده أميركا وأوربا ودول كاليابان والهند وتنضم إليه الدول الديمقراطية الليبرالية، ومحور تقوده الصين وروسيا وتنضم إليه الديكتاتوريات
ويضرب كاجان مثلا بدولة كإيران وهي على شاكلة روسيا والصين دولة تسيطر عليها المطامع التاريخية والمشاعر قومية وذاكرة تاريخية مليئة بالمرارة لذا تسعى لبناء قوتها النووية وبسط نفوذها الإقليمي مستفيدة من ثروتها النفطية وغير مبالية بالديمقراطية أو بالقيم الليبرالية، لذا من المتوقع أن تجد إيران الحماية والمساندة لدى دول كالصين وروسيا
وعلى شاكلة إيران يمكن النظر إلى دولة كالسودان وغيرها من الدول الأفريقية الديكتاتورية، ويقول كاجان أن نقاط التماس بين محور الديمقراطيات ومحور الديكتاتوريات هي مناطق الصراع في النظام العالمي الجديد، وذلك في دول مثل جورجيا وأوكرانيا في شرق أوربا، وبلدان وسط أسيا المستقلة عن الاتحاد السوفيتي، وتايوان في حالة الصراع بين أميركا والصين ولبنان كساحة صراع إقليمي، وكذلك الدول الأفريقية كساحة للتنافس بين الديمقراطيات والديكتاتوريات
القيادة الأميركية
والواضح على مدى الكتاب أن كاجان يعول على أوربا أكثر من أميركا في مد النظام العالمي الجديد بقيمه الليبرالية الديمقراطية ما بعد الحداثية، وذلك على الرغم من أنه لا يتحدث عن ذلك صراحة، ولكن القارئ يشعر بأن أوربا هي النموذج القيمي الذي يتطلع إليه كاجان، فهي مجموعة الدول التي تخلت عن نزاعاتها الوطنية وفضلت بناء علاقات جديدة سلمية قائمة على التجارة الحرة والقيم الليبرالية
لذا يشعر القارئ أن تفسير كاجان لطبيعة القيادة الأميركية لا يخلو من اعتراف ضمني بتردي نوع السياسات والقيادة الأميركية للعالم
فمن ناحية تبقى أميركا قطب العالم الأوحد المتطلع للقيادة الطموحة، فأميركا تقود العالم من موضوع قوة ترغب من خلاله في تغيير العالم وفي تغيير النظم المعارضة لها، ولكن القيادة الأميركية تعاني من معضلة داخلية تتمثل في رغبة الأميركيين في قيادة العالم قيادة طموحة بأقل تكلفة ممكنة كما يرى كاجان
كما يقر المؤلف أيضا بأن القيادة الأميركية لم تخلو من أخطاء، وأن أميركا تميل للنزعة الفردية في القيادة، وأن العالم يريد الحد من النفوذ الأميركي ومن سيطرة القطبية الأحادية
ولكنه يعود ويقول أن تكلفة تراجع النفوذ الأميركي كبيرة، وأن تراجع النفوذ الأميركي وصعود عالم متعدد الأقطاب قد لا يقود إلى السلام أو الاستقرار، وأن أميركا بمصادر قوتها المتعددة تمثل ضمانة لاستقرار العالم وللحد من طموحات القوى العظمي الديكتاتورية الصاعدة
وهذا يعني أن كاجان يقر ضمنيا بسوء الإدارة الأميركية وبأن السياسات الأميركية قد لا ترتقي بعد للسياسات الأوربية ما بعد الحداثية، ولكنه يرى أن قيادة أميركا لأوربا والدول الديمقراطية الليبرالية ضرورية، فأميركا وحدها تمتلك قدرات قطب العالم الأوحد، كما أن أميركا وحدها القادرة على التعامل مع القوى العظمي التقليدية مثل روسيا والصين
بمعني أخر يريد كاجان أن يقول للأوربيين بأن عليكم التوحد خلفنا فنحنا مازلنا قطب العالم الأوحد وأننا وعلى الرغم من أخطائنا مازلنا قادة الديمقراطيات الليبرالية والقوة القادرة على مواجهة القوى العظمى التقليدية الصاعدة وسياساتها، فنحن على الرغم من عيوبنا الأكثر تأهيلا للقيادة في الوقت الحالي
ويتمنى كاجان أن تتراجع الخلافات الغربية التي نشأت بين أوربا وأميركا بسبب حرب العراق بعد تراجع مكانة الحرب في السياسات الدولية، وأن تتوحد الدول الغربية تباعا خلف أميركا
الشرق الأوسط في النظام العالمي الجديد
أما فيما يتعلق بمكانة الشرق الأوسط في النظام العالمي الجديد فهي تبدو متناقضة كطبيعة حجة كاجان والتي تريد أن توحد قوى العالم الديمقراطية الليبرالية خلف أميركا قطب العالم الأوحد لأنها الدولة الأقوى القادرة على مواجهة القوى العظمي الديكتاتورية، وهي بالطبع دعوة لا تخلو من براجماتية عالية
وعلى نفس المنوال يتوقع أن تنضم الدول العربية إلى تحالف الديمقراطيات مع أميركا وإسرائيل في مواجهة ديكتاتوريات مثل إيران وفي مواجهة ما يسميه بقوى "الإسلام الراديكالي"، وذلك على الرغم من اعتراف كاجان بطبيعة الدول العربية غير الديمقراطية، لذا يقول في نهاية الكتاب أن تحالف أميركا مع الدول العربية لا يجب أن يمنعها في الدفع التدريجي بالديمقراطية داخل تلك الدول
وبهذا يبدو تحالف الديمقراطيات كتحالف لا يخلو من براجماتية واعتبارات سياسية، فهو تحلف لدول مضطرة للتوحد خلف قطب العالم الأوحد المتخبط أحيانا (أميركا) والتحالف مع دول غير ديمقراطية (كدول الشرق الأوسط) لاعتبارات إستراتيجية مختلفة في مواجهة نفوذ القوى الديكتاتورية الصاعدة بقيادة روسيا والصين
1 comment:
نشكرك استاذ علاء على ترجمة الكتاب وتزويد القراء العرب بمعلومات تجحعلهم على اطلاع بما يخطط له قادة اميركا للمستقبل
اذن ستظل الدول العربيه مطلوبه لتلعب دور التابع المخلص لاميركا وذلك بسبب ثرواتها الكبيرة التي لا يمكن تركها للصين وروسيا الشريرات حسب تقييم اميركا وسيبقى التدخل الامريكي في العراق وغيره من الدول العربيه
وايضا تصنيفهم مضحك للدول , هذه دكتاوتوريه وهذه ديمقراطيه, الذين عندهم حس عالي بالهويه واعتزاز بالنفس هؤلاء تصنيفهم دكتاتوريين, والذين يؤمنون بسيادة الاموال والتجاره الحرة فهؤلاء ليبراليين وديمقراطيين
لن تتخلى العقليه الحاكمه في اميركا عن الطريقه العنجهية وتصنيف الدول الى اصدقاء واعداء حسب المصالح الامريكيه دائما
تحياتي واحترامي لك
Post a Comment