Tuesday, August 03, 2010


مأزق الحركة الشيوعية المصرية: الجذور التاريخية .. والخيارات المستقبلية
عرض بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره

http://www.alaabayoumi.com/

نص العرض

كتاب يستحق القراءة والإشادة والتقييم، وأبرز ما فيه أسلوب مؤلفه، فهو أشبه بمرافعة فكرية مفيدة ومسلية في آن واحد، كتبت على مهل لتثبت وجهة نظر مؤلفها والذي يحتفظ بخلاصة أفكاره حتى نهاية الكتاب في أسلوب لا يخلو من تشويق ورشاقة يحسد عليه المؤلف

طلعت رميح – مؤلف الكتاب – يحاول أن يجيب على سؤال أساسي يتعلق بالأسباب الحقيقية لمأزق الحركة الشيوعية المصرية، ويتبع في ذلك أسلوب مميز يعتمد على قدرة واضحة على كتابة الأفكار البحثية بلغة صحفية سلسلة وواضحة

بين العرض والمرض

فعلى مدار صفحات الكتاب يطرح رميح سببا تلو الأخر من أسباب أزمة الشيوعية المصرية، ثم يثبت للقارئ أن السبب الهام ليس إلا عرضا من أعراض المرض، وأن المرض أعمق كثيرا من السبب الشائع والهام في حد ذاته

وهو يرصد على مدار كتابه عددا لا يستهان به من أسباب تأزم الحركة الشيوعية المصرية، فيقول للقارئ أن الحركة الشيوعية المصرية فشلت في تطوير نظرية شيوعية تتعلق بالواقع المصري، فهي في حقيقة الأمر مجرد ترجمات لأفكار ولدت – ومات بعضها بمرور الزمن - في الخارج، أفكار مكتوبة بلغات أجنبية عن واقع أجنبي روسي أو أوربي أو صيني، أو غير ذلك

ولكنها في النهاية لم تدرس المصريين، ولا حياتهم، ولا احتياجاتهم، فماركس كتب عن الواقع الأوربي، ومؤلفو الروس كتبوا عن واقعهم من منطلق مصالحهم الوطنية الضيقة، والصينيون رفضوا الروس وماركس معا وطوروا نظرية خاصة بهم

أما الشيوعيون المصريون فظلوا يبحثون عن تطبيق حرفي للنظريات الشيوعية القديمة، والتي تتحدث عن ثورة العمال، مع أن العمال في مصر ليسوا أكثر الطبقات فقرا ولا ثورية، فالفلاحون في مصر كان يمكن أن يلعبوا دورا بديلا للعمال في نظريات ماركس عند تطبيقها في مصر، ومع ذلك لم يهتم قيادات الماركسية المصرية ومنظروها بالفلاح المصري ودوره

عرض رميح لمأزق الشيوعية المصرية شيق ولكنه يشعرك بالشفقة - وربما السخرية أحيانا - من ضياع الحركة الشيوعية المصرية بالشكل الذي تظهر عليه في الكتاب

فالحركة بدأت مبكرا في مصر وكونت حزبا في العشرينيات وكان لها وجود قوي في الأربعينيات، ولكنها حلت نفسها وانضمت لحزب ناصر الاشتراكي في الستينيات، ولم يعد لها تأثير يذكر في الشارع المصري منذ أعادها السادات وأعاد التعددية المصرية - الشكلية - في السبعينيات، ويكاد يقتصر نشاطهم حاليا على انتقاد الإسلاميين

مقارنة مع الإخوان

وهنا يعقد رميح عدد من المقارنات المثيرة بين الشيوعيين والإخوان في مصر، والتي تصب في صالح الإخوان، فهو يقول أن الإخوان تعرضوا للقمع الأمني أكثر مما تعرض له الشيوعيون، ولكن الإخوان كانوا دائما أقرب للمصريين وأكثر نضالا، فقد حاربوا مع المصريين ضد الاستعمار وهو شيء لم يفعله الشيوعيون، كما أن الإخوان لم يعلنوا أبدا حل أنفسهم أو الانضمام إلى السلطة

ولما أعاد السادات الإخوان في السبعينيات إلى الساحة السياسية المصرية العلنية كما أعاد اليسار وسمح لهم بالعمل السياسي، تمكن الإخوان في البقاء سياسيا وفي الشارع وعلى المستوى الجماهيري وعجز عن ذلك الشيوعيون

وهنا يتناول طلعت رميح قضية تاريخية ويحسمها لصالح الإخوان، فهو يقول أن السادات أعاد الإخوان إلى الحياة السياسية وسمح لهم بالعمل لمواجهة نفوذ الشيوعيين مما أثار حفيظة الشيوعيين ضد الإخوان وجعل منهم مناهضا واضحا للإخوان باستمرار، ولكن الإخوان انتصروا في معركة أهم وهي معركة الجماهير والتي فشل فيها الشيوعيون

فالإخوان كما يرى رميح تحالفوا مع السادات تحالف "مصالح" أو "التقاء مصالح" في السبعينيات، ولكنهم لم يذوبوا في حزبه ولم يذوبوا في سلطته ولم ينسلخوا عن الجماهير، لذا بقى الإخوان بعد السادات بينما عجز الشيوعيين عن البقاء

انقطاع بلا استمرارية

ويبدو من الكتاب أن مشكلة استمرارية الشيوعيين وبقائهم هي مشكلة تاريخية، فتاريخهم في مصر هو تاريخ انقطاع وتفرق لا استمرارية وتواصل

فحركة الشيوعيين في مصر – كما يصورها المؤلف – هي حركة غريبة من الصعود ثم الظهور على الساحة السياسية ثم التشرذم والخلاف والصراع، ثم التراجع والانقطاع، فحتى أجيال الشيوعيين لا تتعلم من بعضها ولا تتواصل – كما يصورها الكتاب

وهنا يقول المؤلف أن ظهور الشيوعيين وصعودهم في مصر في العشرينيات – لأول مرة – ثم في الأربعينيات – خلال فترة صعودهم الثانية – ارتبط بظروف الحرب بالأساس، فخلال الحربين العالميتين الأولى والثانية أضطر الاستعمار إلى الاعتماد على المصانع المصرية التي كانت بعيدة عن الحرب، مما ساعد على نموها ونمو فئات واسعة من العمال

ومع انتهاء الحروب يعود الاستعمار إلى مصانعه الوطنية ويضغط على الصناعة المصرية الوليدة فتنهار، ويتم تسريح آلاف العمال فيثورا وتلتقي مصالحهم مع مصالح النخب السياسية الشيوعية في مصر والتي تصعد سياسيا لفترة مؤقتة ثم تعود للانشقاق والخلاف والانقسام والتراجع السياسي خلال فترة وجيزة

وهنا يتعجب المؤلف من طبيعة الحركة الشيوعية المصرية والتي تعجز عن الاستمرارية رغم قدم جذورها السياسية في مصر (بنت أول أحزابها في العشرينيات)، كما يتعجب أيضا من فترات الانقطاع شبه الكاملة التي تمر بها ومن عدم تواصلها تاريخيا

نخب أجنبية

ويقول أيضا أن الحركة ظلت دوما مقصورة على نخب من المثقفين القادرين على فهم أدبيات الحركة الأجنبية وأفكارها الغريبة عن الواقع المصري

أكثر من ذلك سيطر على الحركة في موجتي صعودها الأولى والثانية - في العشرينيات والأربعينيات من القرن العشرين - نخب أجنبية وبعضها يهودي وصهيوني، ويقول أن ذلك رجع إلى بعض النخب اليهودية في مصر والتي عجزت عن الذوبان في الحركة الوطنية المصرية - والتي ذاب فيها مسلمو ومسيحيو مصر ضمن أحزاب مصرية مختلفة

أما اليهود فقد عجزوا عن ذلك وفضلوا فكرة وحركة سياسية علمانية بعيدة عن الدين، ووجدوا ضالتهم في الشيوعية

لذا ربط شيوعيو مصر أنفسهم – تحت قياداتهم الأجنبية واليهودية الصهيونية أحيانا – بالإتحاد السوفيتي خلال العشرينيات وربطوا أنفسهم بأفكاره وبحزبه الشيوعي واعتبروا أنفسهم جزءا من الأمة الشيوعية ينتمون إليها ويدينون بالولاء لإخوانهم الشيوعيين وأحزابهم وأفكارهم في الإتحاد السوفيتي وحول العالم

وخلال الحرب العالمية الثانية التقت مصالح قيادات الحركة الشيوعية المصرية - وهم يهود وبعضهم صهيوني - مع مصالح الاستعمار البريطاني لدرجة ما

وهنا يؤكد المؤلف على أنه لا يتهم جميع أبناء الحركة الشيوعية المصرية بالخيانة أو بالولاء للخارج أو بالعمالة للصهيونية، ولكنه يؤكد على التوجهات الأجنبية لقيادات الحركة خلال النصف الأول من القرن العشرين

لذا يقول أن الشيوعيين لم يحاربوا الاستعمار البريطاني كباقي المصريين، وأنهم هادنوه نسبيا وفقا لمواقفه تجاه إسرائيل، وعلاقة مع الإتحاد السوفيتي

وهنا يظهر مأزق الشيوعيين المصريين المرتبطين بالخارج بالأساس كمصدر للفكر والدعم والتوجهات والهوية كذلك، وربما يفسر هذا عجزهم عن تطوير أفكار خاصة بالواقع المصري

ويقول طلعت رميح أن الثورة نقت الحركة الشيوعية المصرية من الوجود الصهيوني واليهودي، وأن الحركة حلت نفسها وانضمت للحزب الاشتراكي في واقعة تثير التعجب – وربما السخرية – من حزب ثوري يدعم الجماهير ضد السلطة

وهنا يشير رميح إلى مفارقة أخرى من مفارقات الشيوعيين في مصر، فيقول أن حركتهم السياسية ظلت دوما "إصلاحية" غير ثورية، فهدفهم ظل دائما نظريا أكاديميا نخبويا ثقافيا بعيدا كل البعد عن الحركة الشيوعية الثورية التي تتحدث عنها مؤلفاتهم، وهذا لا يعني أن المؤلف ينظر إلى الثورة السياسية كأداة وحيدة للإصلاح، ولكنه يسعى إلى إبراز تناقض واضح من تناقضات الحركة الشيوعية المصرية

التناقضات السابقة يرصدها المؤلف بالتفصيل على مدى صفحات الكتاب (208 صفحة) بلا تكرار أو تسرع، فأسلوبه الرشيق لا يسمح للممل بالتسرب إلى عقل القارئ

ففي كل فصل يرصد رميح عرضا من أعراض مرض الشيوعية المصرية، ثم يرصد أبعاده التاريخية، ويتبع ذلك بعدد من الأسئلة والتي تشعرك بأن المشكلة أعمق بكثير ويستمر الحال على نفس المنوال حتى الربع الأخير من الكتاب تقريبا

المأزق التاريخي للحركة الشيوعية المصرية

وفي النهاية يبلغك المؤلف بأن مأزق الحركة الشيوعية المصرية هو مأزق تاريخي يرتبط بأسباب وظروف وطبيعة نشأتها وفشلها في تخطي تلك الظروف، فالحركة نشأت في فترة هزيمة مصر والأمة الإسلامية، فترة تراجعت فيها مصر سياسيا وثقافيا وحضاريا، ففي البداية هاجم الاستعمار مؤسسة الخلافة، ثم هاجموا الدين، وسعوا إلى فصله عن العلوم الطبيعية وعن السياسية، ثم سعوا إلى فصله عن الثقافة وحياة المصريين

لذا ظهر الإخوان كرد فعل لفترة الهجوم على الدين ذاته وليس الخلافة العثمانية وحدها، فقد بات الإسلام والمجتمع الإسلامي والتدين هدفا للاستعمار في العشرينيات بعدما نجح في فك الارتباط بين الدول الإسلامية وبعضها بعضا

ولهذا ظهرت حركات تدافع عن الدين والتدين والمتدينين ودورهم في مجتمع إسلامي كان من المفترض آلا يشهد تناقضا بين الدين والمجتمع خاصة وأن الدين الإسلامي لم يكن جزءا من مشكلة المجتمعات الإسلامية كما كانت الحال بالنسبة للمسيحية في أوربا

في تلك الفترة نشأت الشيوعية المصرية على أيدي أجانب ويهود وصهاينة رفضوا الانخراط في الحركة الوطنية المصرية، وفضلوا حركة علمانية لا دينية ترتبط بالخارج لا بالداخل

وهكذا ظلت الشيوعية المصرية في صدام مع الداخل وفي تبعية للخارج، تحاول أن تربط نفسها بالسوفيت مرة، ثم تهادن الاستعمار مرة أخرى، وأحيانا تتفق مصالحها مع الحضارة الغربية – الموطن الأصلي لأفكارها النظرية، وأحيانا أخرى تهاجم التدين والدين والحركات الإسلامية، وهي في كل ذلك عاجزة عن الارتباط بمصر والمصريين كحركة سياسية قادرة على النمو والبقاء

ويقول رميح أن أزمة الشيوعية المصرية تأزمت في التسعينيات مع انهيار الاتحاد السوفيتي ذاته، وتحول الدول الاشتراكية نحو الرأسمالية، وتبني الغرب لنظرية صراع الحضارات في إدارة علاقاته الدولية مع العالم الإسلامي، مما حتم على الشيوعية المصرية إعادة البحث في توجهها الحضاري وهويتها

تقدير لإنجازات الشيوعية واليسار

خلال ذلك يكن رميح قدرا من التقدير للشيوعية المصرية وبعض رموزها الوطنية ودورها في نقد الرأسمالية الغربية وتبعاتها في الداخل، كما يقدر دورها في "بلورة ملامح البرنامج السياسي للحركة الوطنية المصرية عبر تاريخها على نحو أو آخر"

وهنا يبدو أن هدف رميح الأساسي هو بيان المأزق الحضاري الذي وقعت فيه الحركة الشيوعية المصرية على مدى تاريخها، والذي منعها من الارتباط بمصر والمصريين

فرميح – فيما يبدو – يكن قدرا كبيرا من الاحترام لليسار المصري ولكنه يشعر أن "الحركة الشيوعية" فشلت كحركة سياسية مصرية لأنه وضعت نفسها منذ البداية في صدام مع قيم وهوية وثقافة وواقع المجتمع المصري وربطت نفسه بحركة وأفكار وتوجهات جهات أجنبية لها مصالحها الخاصة، فالسوفيت استغلوا الشيوعية المصرية في مهادنة الغرب والاستعمار عندما اقتدت مصالحهم ذلك

وكان حري بالشيوعيين المصريين ربط أنفسهم بمصر والمصريين منذ البداية، وإدارة ظهورهم نحو الخارج، والتوجه نحو الداخل بالدراسة والفهم والاحترام الضروريين لبناء حركة شيوعية مصرية قدرة على الاستمرارية والمنافسة

نقد وخاتمة

وفي النهاية بقى لنا أن نشير إلى بعض عيوب الكتاب – من وجهة نظرنا والتي لا تقلل من قيمته

ومنها أن الكتاب يشير على فترات متقطعة لمنجزات الشيوعية المصرية دون أن يفصل في أهمية هذه المنجزات وتأثيرها المحدد على اليسار المصري بشكل خاص وعلى بقية الحركات المصرية بشكل عام

ثانيا: ينتهي الكتاب بعدد من الأسئلة المتعلقة بمستقبل الحركة الشيوعية المصرية دون الإجابة عليها مما يشعرك بأن المؤلف تجنب تقديم إجابة واضحة فيما يتعلق برؤيته لمستقبل الحركة بناء على فهمه لتاريخها وطبيعة قيادتها الحالية

أخيرا، تمنينا عبر الكتاب أن يتناول المؤلف بقدر من التفصيل العلاقة بين الحركة الشيوعية المصرية واليسار المصري – وهو الرحاب الأوسع للحركة الشيوعية وغيرها من الحركات اليسارية في أي بلد

فهل تنسحب أزمة الشيوعية المصرية على أزمة اليسار المصري بشكل عام؟ وهل تتطابق معها؟ وما هو الفارق بينهما؟ وهل تختلف إنجازات اليسار المصري عن إنجازات الشيوعية المصرية والتي يتركك الكتاب بانطباع أنها فشلت في تحقيق أهدافها بشكل كبير في الماضي وربما في المستقبل أيضا؟

وفي الختامة لا ننسى الإشادة مرة أخرى بما يقدمه الكتاب من قراءة مفيدة في تاريخ وواقع الحركات السياسية المصرية من خلال تناول مأزق الحركة الشيوعية المصرية التاريخي بأسلوب رشيق يحسد عليه

----

معلومات الكتاب

مأزق الحركة الشيوعية المصرية: الجذور التاريخية .. والخيارات المستقبلية

المؤلف: طلعت رميح

الناشر: مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع

الطبعة الأولى: 2010

1 comment:

Lager Mieten said...

الله معكم .. اتمنى عرض الجديد بأستمرار