موقف لوبي إسرائيل واليمين الأميركي من الثورة المصرية
بقلم علاء بيومي
يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره:
نص المقال:
رصد موقف لوبي إسرائيل وقيادات اليمين الأميركي المتشدد من الثورة المصرية ضروري لفهم حجم التحدي الخارجي للثورة وللثوار المصريين، لذا ترصد هذه الورقة القصيرة بعض أبرز ما نشرته منابر لوبي إسرائيل واليمين الأميركي بهذا الخصوص، لعل ذلك يذكر الثوار بالمهمة الصعبة التي تنتظرهم وتساعدهم في اختيار استراتيجياتهم الدولية في المستقبل المنظور.
خوف وأمل
غالبية المقالات المرصودة عبرت عن حالة اهتمام بالغ في الأوساط الدولية بالثورة المصرية، يهود أميركا وإسرائيل واليمينيون الأميركيون لم يكونوا استثناءا، فكلهم عبروا اهتمام بالغ جمدهم أمام شاشات التلفاز لأيام لمتابعة أخبار الثورة والتي احتلت عناوين أخبار العالم لحوالي ثلاثة أسابيع.
لوبي إسرائيل واليمين الأميركي لا يخطئان الحديث، لذا عبرا في البداية عن حق المصريين في الحرية والديمقراطية وفي حياة بلا ديكتاتورية.[1]
ولكنهم تحدثوا بعد ذلك عن حالة يتنازع فيها "الخوف والأمل" داخل صدورهم،[2] حيث قال البعض أنه يتمنى غدا أفضل لمصر والشرق الأوسط والعرب والعالم وأن الثورة تعطيه الأمل في هذا الغد، ولكنهم يشعرون في ذات الوقت بالخوف مما قد تؤل إليه الثورة، حيث كرر هؤلاء قولهم بأن الثورات لا تقود بالضرورة إلى الديمقراطية، والديمقراطيات لا تقود بالضرورة إلى الاستقرار أو إلى حرية الشعوب والسلام الدولي.[3]
خصوم إسرائيل
وبالطبع صب معظم هؤلاء غالبية مخاوفهم على جماعة "الأخوان المسلمون" بالأساس ومن بعدهم المعارض المصري المعروف محمد البرادعي، وعمرو موسى الأمين العام لجماعة الدول العربية، والمرشح الرئاسي وأيمن نور زعيم حزب الغد، واليساريين المصريين وحركة كفاية.[4]
الأخوان المسلمون حازوا على النصيب الأعظم لأنهم إسلاميون، ولتصريحات بعض قادتهم بخصوص رغبتهم في مراجعة اتفاقية السلام مع إسرائيل، حيث رأى حذر هؤلاء من صعود الإخوان، ومن أن إسرائيل سوف تكون محاصرة بإسلاميين من جميع الجهات مع وجود حركة حماس في غزة، وجبهة العمل الإسلامي بالأردن وحزب الله بلبنان. [5]
البرادعي جاء بعد الإخوان لأنه انفتح عليهم وبسبب مواقفه المنفتحة على إيران والناقدة لإسرائيل والمساندة للفلسطينيين، كما يرى هؤلاء، وهي مواقف سابقة اتخذها البرادعي قبل وبعد عودته إلى مصر.[6]
أما عمرو موسي فقد انتقده لوبي إسرائيل بسبب تصريحاته وجرأته في نقد إسرائيل وجاء بعده أيمن نور.[7]
ولم تسلم حركة "كفاية" من النقد، حيث رأي البعض أن الإخوان متحالفون في مصر مع اليسار المعادي لأميركا وإسرائيل، وأن الطرفين معا يمثلان جيل 1967 الذي شعر بالمهانة والمذلة في النكسة وثار ضد السادات، وأن هذا الجيل لم ينس ثأره حتى قاد مرة أخرى – هو وأبناءه – ثورة 25 يناير.[8]
مشكلة لوبي إسرائيل واليمين الأميركي لم تقتصر على صعود الإسلاميين واليسار المصري والبرادعي وموسى فقط، فالأهم بالنسبة لهم كان سقوط الرئيس المصري السابق حسني مبارك ونظامه.
معنى نظام مبارك
التدقيق في الكتابات يشعرك بمعنى نظام مبارك بالنسبة لهؤلاء، فهو لا يقتصر على وجود مبارك في الحكم ونفوذ رموز نظامه كما يرى المصريون في الداخل.
نظام مبارك يعني للوبي إسرائيل واليمين الأميركي معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979 والتي أعادت بناء الشرق الأوسط وأدخلت مصر العصر الأميركي وجعلت من مصر حليف هام لأميركا وإسرائيل والغرب، كما تعني تعاون مبارك مع إسرائيل ضد إيران والإسلاميين، ودعم مصر لحلفاء أميركا في المنطقة، وتفرغ جيش إسرائيل لجبهات قتال ومواجهة أخرى وتقليله لفرص الحرب مع مصر وما يعنيه ذلك من تغيير لخطط الجيش وتسليحه وعدد قواته ونوع عتاده، بل ونوع تدريب قواته.[9]
انهيار نظام مبارك كان يعني للوبي إسرائيل اختلال المعادلات السابقة جميعها، يعني أن إسرائيل سوف تعيد بناء إستراتيجيتها العسكرية في المنطقة، وأن أميركا سوف تعيد بناء سياساتها وأن حلفاء أميركا سوف يعيدون تقييم مواقفهم، لذا شعر البعض بالحسرة على مبارك خاصة وأنه وصول لدرجة كبيرة في التعاون مع إسرائيل ضد إيران والإسلاميين في الوقت الحالي.
كما وصل البعض في مخاوفه وتحيزه إلى القول بأن سقوط مبارك سوف يعني تراجع مصر العلمانية والغربية – كما يريدها هؤلاء.[10]
دعم مبارك والضغط على الجيش
نتيجة لما سبق شن بعض قادة لوبي إسرائيل واليمين الأميركي المتشدد – والذي يقود ما يعرف بحركة "الشاي الأميركية" –حملة ضد أوباما في أيام الثورة الأولي للمطالبة بدعم مبارك، وذلك من أمثال تشارلز كروتهامر الكاتب المساند لإسرائيل والمعبر عن تيار المحافظين الجدد، وجيلين بك المذيع التلفزيوني المعبر عن حركة الشاي واليمين الأميركي المتشدد، ورش ليمبو الإذاعي اليميني المتشدد واسع النفوذ والذي دعم مبارك على طول الخط خلال الثورة، والمنظمة الصهيونية الأميركية وهي أحد أكبر منظمات لوبي إسرائيل.[11]
شن هؤلاء وغيرهم حملة طالبوا فيها بدعم مبارك في مقابل الثوار، ورأوا في أي نقد أميركي له رسالة لحلفاء أميركا بالمنطقة بأن أميركا مستعدة للتخلي عنهم كما تخلى أوباما عن مبارك، وبعد أن اتضح لهم أن مبارك بات جزءا من التاريخ، بدأ هؤلاء في التفكير في سبل الحفاظ على نظام مبارك بعد رحيله،[12] من خلال عدد من المطالب الرئيسية.
أول هذه المطالب الضغط على الجيش لمنع وصول الإسلاميين سريعا إلى السلطة، وذلك من خلال إطالة فترة التحول الديمقراطي في مصر، والتي قد تحتاج لعقود كما يرى هؤلاء - مثل دانيال بايبس مدير منبر دراسات الشرق الأوسط (مقره فيلاديفيا)، والمعروف بمواقفه المتشددة في مساندة إسرائيل.[13]
ثانيا: طالبوا الإدارة الأميركية بالتدخل سريعا واستغلال فترة التحول الديمقراطي لدعم مناصري أميركا في مصر في مواجهة معارضيها، ومن الذين دعموا لتلك الفكرة بوضوح مايكل بارون الباحث بمعهد أميركان انتربرايز المحافظ، وجون بولتون سفير جورج دبليو بوش السابق بالأمم المتحدة.[14]
ثالثا: استخدام سلاح المساعدات الأميركية والعلاقة مع الجيش والسياحة والاقتصاد للضغط على الجيش والمصريين، وربطها بمدى التعاون مع أميركا وإسرائيل، وهذا يعني إعادة تقييم مواقف مصر الجديدة باستمرار واستخدام أوراق الضغط الأميركية على مصر لتغيير سياسات الثورة المصرية بديناميكية متحركة ومتجددة.[15]
رابعا: وهو الأكثر تشددا نادي البعض باستبعاد الإسلاميين من الانتخابات، وبرفض إشراك الإسلاميين في الانتخابات المقبلة في مصر على غرار رفض مشاركة الإسلاميين في انتخابات الشرق الأوسط منذ فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وذلك من خلال وضع شروط مسبقة على مشاركتهم، وقد اقترب من هذا التوجه النائبة الجمهورية عن ولاية فلوريدا إليانا روزلنتين رئيسة لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأميركي والمعروفة بتشددها في مساندة إسرائيل.[16]
إدارة أوباما
وبالطبع لم يشعر هؤلاء بالثقة في المستقبل وبالقدرة على تحقيق أهدافهم السابقة لأكثر من سبب، وعلى رأسها شعورهم بأن الأمور باتت خارج سيطرة أميركا وإسرائيل، وأن أميركا تلهث وراء الأحداث، حتى طالب بعضهم بمحاسبة الاستخبارات الأميركية على فشلها في التنبؤ بالثورة، ورأي هؤلاء أن الاستخبارات الأميركية اكتفت بالتعاون مع الاستخبارات المصرية خلال السنوات الماضية في قضايا مثل مكافحة "الإرهاب" ونست جمع معلومات عن مصر، الأمر الذي افقد أوباما المبادرة وحصر سياسته في موقف "رد الفعل" المتأخرة.[17]
كما رأي البعض أن إسرائيل وقفت أمام الأحداث في حالة ارتباك عاجزة عن إدراك ما يحدث وتحديد موقفها بخصوصه، حتى نصح البعض قادة إسرائيل بالصمت في الفترة الراهنة، معتبرين أن الصمت أمام ما يحدث من ذهب.[18]
أما السبب الثاني للشك فهو ضعف إدارة أوباما – والتي يعاديها لوبي إسرائيل واليمين الأميركي من البداية، وقد وصف هؤلاء موقف أوباما من الثورة بالتردد الشديد، وأنها كانت كاللاعب على الحبال أو كمن مارس "التحوط" في إدارة الأزمة، فتارة يدعم أوباما مبارك إذا شعر بأن الأخير باق في السلطة، وتارة يدعم أوباما الثوار إذا شعر بأن الثوار منتصرون لا محالة.[19]
تحديات أمام الثورة
وبعض النظر عن ثقة لوبي إسرائيل واليمين الأميركي المتشدد في قدراته وخياراتهما، أو عدمها، يحب على الثوار إدراك ما يلي:
أولا: حجم التحدي الدولي الذي يواجههم وجهود توضيح الصورة ومواجهة لوبيات نافذة ومتحفزة.
ثانيا: أن الصراع على الرأي العام الدولي قائم وصعب ومتشعب وأن الدبلوماسية المصرية الرسمية والشعبية مازال أمامهما الكثير.
ثالثا: أن هناك عيون وأقلام متربصة ومستعدة لتشويه الصورة، وأن كل ما يكتب أو يقال يرصد وقد يساء استخدامه، وأن نجاح خطاب الثورة الذي أذهل العالم يتطلب قدرا عاليا من الالتزام والذكاء والحنكة والقدرة على مخاطبة الأخر.
رابعا: أن العلاقات المصرية الأميركية متشعبة وذات جوانب متعددة سياسية واقتصادية وعسكرية، وأن أوراق الضغط عديدة وقديمة ومتشعبة، وأنه من الأولى فهم تلك العلاقات وجوانبها المختلفة والبدائل المتاحة أمام السياسي المصري قبل المطالبة بتغييرها.
في الخاتمة، نعتقد أن الثورة المصرية حققت لمصر دبلوماسيا الكثير، وربما أكثر مما كان يتوقع الكثيرون في فترة قصيرة للغاية لا تتعدى ثلاثة أسابيع، ولكن الحفاظ على تلك المكتسبات لن يكون بالمهمة السهلة على الإطلاق في مواجهة لوبيات قوية ومتحفزة ومنظمة، لذا لا بديل عن الالتزام الخطابي في الوقت الراهن، والدبلوماسية النشطة في أقرب فرصة، والتريث والتدريج في المواقف الدبلوماسية في المستقبل المنظور، والله أعلم.
[1] Joel Rubin, American Jews must stand up for the New Middle East, Jewish Chronicle, February 10, 2011, Pg. 6 Vol. 53 No. 41.
Michael Hirsh, Mideast Uprisings Could Mean Grim Tidings for Israel, The National Journal, February 3, 2011.
[2] Howard Cooper, Face to faith: It is an act of bad faith for Jews to respond to Egypt's revolution with fear instead of hope, The Guardian, February 19, 2011, Pg. 37.
[3] Steven Erlanger, Israeli strategists grapple with new Arab order, The International Herald Tribune, February 24, 2011, Pg. 5.
Michael Barone, The risk that 2/11/11 will end up like Iran’s 2/11/79, Washington Examiner, February 13, 2011.
[4] Barry Rubin, Obama must back Egypt's regime, The Christian Science Monitor, January 31, 2011.
Michael Hirsh, Mideast Uprisings Could Mean Grim Tidings for Israel, The National Journal, February 3, 2011.
[5] Edmund Sanders and Batsheva Sobelman, Signs in Egypt of Anti-Israeli Backlash, The Baltimore Sun, February 22, 2011, Pg. 10A.
[6] Douglas M. Bloomfield, Egypt's revolution may trample peace process, Washington Jewish Week, February 3, 2011, Pg. 15 Vol. 47 No. 5.
Ron Kampeas, The Diaspora dilemma, Washington Jewish Week, February 3, 2011, Pg. 19 Vol. 47 No. 5.
[7] Steven Erlanger, Israeli strategists grapple with new Arab order, The International Herald Tribune, February 24, 2011, Pg. 5.
[8] Stanley Kurtz, A Frightful Democracy - The Egyptian revolution's leaders have an illiberal agenda, National Review, March 07, 2011.
[9] Ron Kampeas, The Diaspora dilemma, Washington Jewish Week, February 3, 2011, Pg. 19 Vol. 47 No. 5.
Yossi Alpher, Israel's Stakes, Egypt's Streets, The Forward, February 11, 2011, Pg. 9.
[10] The Washington Times, Egypt's blood on Obama's hands?, The Washington Times, February 3, 2011, B, EDITORIALS; Pg. 2.
[11] William Kristol, Stand for Freedom, The Weekly Standard, February 14, 2011, Vol. 16 No. 21.
Barry Rubin, Obama must back Egypt's regime, The Christian Science Monitor, January 31, 2011.
Stephen F. Hayes, Liberty, Not the Brotherhood; What we should want for Egypt?, The Weekly Standard, Vol. 16 No. 21.
Ron Kampeas, The Diaspora dilemma, Washington Jewish Week, February 3, 2011, Pg. 19 Vol. 47 No. 5 .
Daniel Pipes, Megabyte revolution; Egypt's chance for change, The Washington Times, February 15, 2011, Pg. 3.
[12] Reuel Marc Gerecht, The Egyptian Army and Obama, The Weekly Standard, February 21, 2011, Vol. 16 No. 22.
Michael Hirsh, Mideast Uprisings Could Mean Grim Tidings for Israel, The National Journal, February 3, 2011.
[13] Daniel Pipes, Revolutions or coup d'etats?, Jerusalem Post, February 2, 2011, Pg. 13.
[14] The Washington Times, Egypt's blood on Obama's hands?, The Washington Times, February 3, 2011, B, EDITORIALS; Pg. 2.
Michael Barone, The risk that 2/11/11 will end up like Iran’s 2/11/79, Washington Examiner, February 13, 2011.
John R. Bolton, How to make Egypt safe for democracy, Standpoint Magazine, February 25, 2011.
[15] Alan Elsner, Egypt's turmoil leaves Israel silent, worried, Washington Jewish Week, February 3, 2011, Pg. 15 Vol. 47 No. 5.
[16] Ron Kampeas, The Diaspora dilemma, Washington Jewish Week, February 3, 2011, Pg. 19 Vol. 47 No. 5.
[17] Abe Shulsky and Gary Schmitt, Another Intelligence Failure?; What did the CIA know and when did it know it?, The Weekly Standard, February 28, 2011, Vol. 16 No. 23.
[18] Jeremy Ruden, Silence is golden, Jerusalem Post, January 31, 2011, Pg. 15.
[19] The Baltimore Sun, History in Egypt: Our View: Mubarak’s departure marks a hopeful moment but one whose promise is not guaranteed, The Baltimore Sun, February 13, 2011, Pg. 18A.
Douglas M. Bloomfield, Egypt's revolution may trample peace process, Washington Jewish Week, February 3, 2011, Pg. 15 Vol. 47 No. 5.
1 comment:
يرى البعض أن إعلان نتنياهو فى بداية الثورة المصرية خوفه من سقوط مبارك هو سياسة حرق الحليف
فهو يعلم جيداً كراهية الشعب المصرى الشديدة لتطبيع مبارك مع إسرائيل و كان متأكد من سقوط مبارك فى نهاية الثورة ، لذا .. فقد عمل بالخبث الصهيونى الشهير على إستفزاز الشعب المصرى أكثر فأكثر للتعجيل بنهاية حليفه الذى أصبح بالنسبة له كارت محروق .
Post a Comment