فزاعة عمرو حمزاوي
مقال بقلم علاء بيومي
نص المقال:
الظلم مؤلم لأي نفس عادلة، ومن المؤلم أن ترى شاب مصري متعلم ومثقف لعب دورا هاما في الدفاع عن "الإسلاميين" في مصر والعالم العربي وفي مكافحة استخدامهم "كفزاعة" من قبل النظم العربية والغرب، وقد تحول على أيدي بعض من يسمون أنفسهم "بالإسلاميين" إلى فزاعة يخوفون بها أتباعهم على مستقبل مصر والمصريين.
ومن هذا المنطلق أرى أن عمرو حمزاوي تعرض لكثير من الظلم منذ الثورة المصرية خاصة من قبل بعض أبناء التيارات التي تسمى نفسها "سلفية" وأعتقد أن سلوك السلف الصالح بعيد جدا عن ظلم الناس ورميهم بالباطل وحرق الجسور بين المسلمين والمصريين والبشر وبعضهم بعضها.
تحديد المفاهيم
هذا ليس هجوما على التيارات التي ترفع شعارات دينية في مصر، وإن كنت أرى أن بعضها يسئ استخدام تلك الشعارات ولا يدرك حقيقة العلاقة الصحية بين الدين والسياسة ويحاول أن يفرض على مصر والمصريين رؤى ضيقة للدين والسياسة معا وللعلاقة بينهما.
كما أني لا أهاجم التيارات التي تسمى نفسها بالسلفية، وحقيقة أنا ضد تلك التسمية، فجميع المسلمين يتبعون السلف الصالح، ولا أدري لماذا تستخدم أي جماعة شعار كهذا فتعرضه لكثير من الأذى والنقد البشري وتلصقه بها وبسلوكياتها البشرية المحدودة بحكم محدودية الذات البشرية.
كما أن فهم المسلمين لأفكار وسلوك السلف الصالح يتغير ويختلف، لذا قد يرى البعض أن في أفكار بعض أبناء تلك التيارات وسلوكهم يعارض كثيرا فهم وسلوك الجيل الأول من المسلمين.
عموما يبدو أن سنوات القهر التي عاشتها مصر والمصريون أدت إلى قمع الجماعات الأكثر مشاركة وانفتاحا على الأخر ودعمت الجماعات الأكثر عزلة، ويبدو لي من متابعة سلوك وتصريحات بعض أتباع التيارات التي تسمي نفسها بالسلفية أنها تعاني من كثير من العزلة.
وعزلتهم هذه فرضت عليهم، كما أنها خطأ وقعوا فيه، وكمصريين ومسلمين وبشر علينا التناصح، لذا أكتب هذا المقال لدعوتهم لمراجعة علاقتهم بعمرو حمزاوي وأمثاله، فالظلم ظلمات يوم القيامة.
علاقتي بحمزاوي
أقول بداية أني لو شاركت في حزب مصري فلن أنتمي لحزب حمزاوي لأني أؤمن أني أنتمي ليمين الوسط المصري، وحمزاوي أكثر ليبرالية مني كما أتصور، وأنا أكثر محافظة منه كما أتصور أيضا.
أقول أيضا أن حمزاوي ليس ملاكا، فهو بشر يخطئ ويصيب، وأنا أول المستعدين لنقده، ولا أعتقد أنه هبة من السماء أو أفضل من كثير من المصريين الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل قيمهم وأفكارهم، وأنا هنا لا أزايد عل أحد فقد أكون أقل هؤلاء، كما أن الله وحدهم أعلم بمن هو أتقانا.
بعد كل هذه المقدمة أقول أني متابعتي لنشاط عمرو حمزاوي وفكره تعود لعام 2004 أو 2005 حين تابعت أحد المحاضرات التي ألقاها عمرو حمزاوي بمركز الحوار العربي الأميركي بواشنطن عن السياسة الأميركية، وأتذكر هنا مديح الأستاذ صبحي الغندور – الصحفي العربي القدير ومدير المركز وأحد أكثر الساعين لتوحيد العرب في أميركا – عن عمرو بعد المحاضرة، إذ امتدح الغندور معرفة عمرو عن أميركا والعرب في أن واحد وقدرته على الحديث عنهما بطلاقة.
في ذلك الوقت لم أكن أعرف عن حمزاوي الكثير، خاصة وأنه كان حديث العهد بواشنطن على ما أعتقد، ولكن إعجابي بقدراته البحثية زاد يوما بعد يوم، فالرجل كان قادرا على الحديث عن قضايا أميركا للعرب وعن قضايا العرب لأميركا بعدل وإنصاف أكثر من كثير من العرب والأميركيين في آن واحد.
وازداد تقديري لعمرو بعد الدور الذي لعبه بمركز كارنيجي للأبحاث، وهو من أشهر مراكز الأبحاث الليبرالية بواشنطن والولايات المتحدة، والليبرالية هنا لا تعني الانحراف الأخلاقي أو الدعوة للإباحية والشذوذ كما حولها البعض في مصر.
فليبرالية كارنيجي تعني أنه مركز يعارض مواقف اليمين الأميركي المتشددة ضد المسلمين والعرب في أميركا وخارجها، كما أنه مركز منفتح على الأخر حول العالم ويحاول أن يبحث في قضايا السلام العالمي.
وعلى مدى خمس سنوات تابعت ظهور عمرو في الفضائيات وفي مراكز الأبحاث، وقد وجدت فيه دائما شاب مثقف متعلم يتحدث سريعا في كثير من الأحيان ويستخدم لغة أعتقد أنها صعبة قد لا يفهمها الرجل العادي، خاصة وأن حمزاوي متدفق دائما في حديثه ويستخدم عدد كبير من المصطلحات السياسية الغربية.
ومع ذلك تقديري لدور عمرو زاد يوما بعد يوم، فهو يفهم ما يقول، ويقف بجوار قضايا العرب بشكل رائع ونادر من باحث في موقعه، فهو مع حقوق العرب والمسلمين ضد تعدي أميركا والغرب وضد أي ظلم قد يتعرضون له دون تشدد أو نفاق أو حدة وغضب.
إنصاف حمزاوي للإسلاميين
أما أكثر ما أثار تقديري لعمرو فهو ما قام به خلال انتخابات مجلس الشعب المصري الأخيرة 2010، ففي تلك الفترة كان اليأس قد دب في نفوس كثير من المصريين، وزادت الصورة سوادا بشكل غير مسبوق.
ويبدو أن عمرو بعزيمة الشباب الذي لا ييأس وبقدرات نادرة وسط الباحثين المصريين المعاصرين والمعروفين في الخارج وخاصة الشباب منهم استطاع تحويل مركز كارنيجي بمشاركته - وربما بقدراته البحثية وقيادته - لمرجع تعود إليه الصحافة العالمية للتعرف على ما يجري في الانتخابات المصرية.
في تلك الفترة - وكصحفي وباحث معني بتغطية الإعلام الأجنبي (الإنجليزي) بتغطية قضايا الشرق الأوسط، وهي مهنة قضيت فيها حتى الآن أكثر من عشر سنوات - كنت أبحث عمن يقدم صورة دقيقة عن مصر والمصريين والعرب والمسلمين، وأعجبت كثيرا بما كتبه عمرو وزملائه بمركز كارنيجي عن الانتخابات المصرية، وخاصة دراسة كتبها عن مشاركة الإسلاميين - وخاصة الإخوان - في السياسة المصرية، ولما انتهيت من قراءة تلك الدراسة حرصت على الكتابة عنها باللغة العربية ولم أجد لمقالي خير من عنوان "معهد كارنيجي وإنصاف إخوان مصر".
كان ذلك في صيف عام 2010 وقبل شهور قليلة من الانتخابات وحقيقة لم أجد دراسة أفضل من دراسة حمزاوي عن الإخوان في تلك الفترة، فالرجل بكل موضوعية رصد ما أنجزوه والتحديات التي يتعرضون لها، وطالب الحكومة المصرية برفع القيود عنهم وتركهم يشاركون ويفوزون بنصيبهم الطبيعي من أصوات المصريين، وذلك دون الانحياز للإخوان أو عليهم، فقد رأي حمزاوي أن موقف الإخوان مازال ملتبسا تجاه عدد من القضايا وعبر عن انتقادات شائعة على ألسنة المصريين بما في ذلك قيادات من الإخوان أنفسهم.
وبعد ذلك زادت سعادتي بمتابعة نجاح عمرو وكارنيجي حيث لاحظت متابعة زملائي من الصحفيين الأجانب لمركز كارنيجي "المنصف" لمعرفة موقفه وتحليلاته للانتخابات المصرية، وأتذكر أني قرأت مقالا أجنبيا يقول فيما معناه أن حمزاوي نجح في تحويل كارنيجي لمرجع أول للانتخابات المصرية لدى الصحفيين الأجانب.
حمزاوي ومعتز عبد الفتاح
وبهذا لعب حمزاوي الشاب المصري المنفتح والمتعلم والذي عاش في أوربا وأميركا والشرق الأوسط دورا هاما في توعية الإعلام الأجنبي بقضايا الشعب المصري والإسلاميين وبحقوقهم وبالظلم الذي يتعرضون له.
وحتى اليوم يلعب حمزاوي هذا الدور، فالرجل معروف لكثير من الصحفيين الأجانب وكلمته معروفة ومشهود لها بالموضوعية.
وأتذكر أني اتصلت بحمزاوي بعد انتخابات مجلس الشعب المصري لأحصل على تعليق منه كجزء من مقال كتبته باللغة الانجليزية عن الانتخابات المصرية، وكان تأكيده هو أن أكبر خاسر في تلك الانتخابات المزورة - والتي فاز فيها الحزب الوطني - هو الحزب الوطني نفسه.
بعد الثورة سعدت بعودة أمثال عمرو حمزاوي ومعتز عبد الفتاح لمصر، فهما شابان متعلمان منفتحان نجحا خارج مصر وداخلها، ورأيت فيهما مستقبل مصر الشاب المنفتح المتعلم، فمصر في أمس الحاجة لشباب صغير العمر نسبيا (أوائل الأربعينيات) يجيد لغة الشباب والعالم.
شباب يعرف معني الديمقراطية ومارسها ودرسها حتى يساعد مصر في فترة التحول الديمقراطي الراهنة.
حمزاوي ليبرالي وعبد الفتاح يميل ليمين الوسط، ولكن كلاهما واحد في وجهة نظري ودورهما واحد، وإسهامها واحد، وربما يكون مستقبلهما واحد، فخسارة حمزاوي هي خسارة لعبد الفتاح، ولو لفظت مصر أحدهما فسوف تلفظ الأخر عاجلا أو أجلا.
دور حمزاوي السياسي
تابعت بإعجاب مشاركة حمزاوي في الحياة السياسة المصرية ومشاركته في لجنة الحكماء ومجلس حقوق الإنسان، ولجان الوساطة في حوادث التوتر الطائفي، ومساعيه لتأسيس حزب مصري.
أحيانا لم أفهم ما يفعل فليس لدي معلومات دقيقة وأنا بعيد، فأنا لا أعرف مثلا طبيعة دوره في لجنة الحكماء والتي انتقدها الكثيرون، كما أني لا أتباع كل تحركاته عن قرب ولا أعرف إذا كان قد انحاز لفئة على فئة أخرى، فقد يكون قد انحاز للعلمانيين أو الليبراليين أو الإسلاميين أو للثوريين في فترة ما، وهذا وارد.
ولكني تابعت كتاباته باستمرار ومشاركته في بعض البرامج وفي حلقة نقاش مع المهندس عبد المنعم الشحات القيادي في التيار "السلفي"، وفي كل مرة رأيت فيه رجل صادق مع نفسه يعبر عن الأفكار الليبرالية التي تعلمها ويؤمن بها ويريد أن يطبقها في مصر لأنها تعني له التسامح وحماية حقوق جميع المصريين في المشاركة السياسية.
أحيانا كنت أرى أن حمزاوي أقل صبرا على "الإسلاميين" مقارنة بعبد الفتاح، فحمزاوي ليبرالي وعبد الفتاح ينتمي ليمين الوسط، والخطأ وارد فحمزاوي إنسان معرض للخطأ والتسرع ونفاذ الصبر.
ولكني أرى أن حمزاوي صادق مع نفسه خاصة بعد أن قرر بناء حزب ليبرالي يعبر عن أفكار جديدة ورفض الانضمام لحزب قائم، وهذا يعني أنه لو رحب المصريون بحمزاوي واحتضنوه قد يتمكن يوما من تأسيس حزب ليبرالي حقيقي يثري الحياة السياسية.
ولا أريد هنا أن أبالغ في قدرات حمزاوي فقد ينجح أو يفشل، وقد يكون هناك من هو أقدر منه على القيام بهذا الدور على الساحة المصرية.
ولكني دائما أتذكر حمزاوي الذي لعب دورا هاما خلال السنوات الأخيرة في الدفاع عن الديمقراطية في مصر وعن حقوق الإسلاميين في المشاركة في دوائر البحث الأجنبية، وأقول أن وجود حمزاوي في مصر يفيد لا يضر بل هو أمر إيجابي يجب تشجيعه.
هجوم بعض "السلفيين"
كل هذا وأنا أتابع هجوم أبناء بعض التيارات التي تسمى نفسها "سلفية" أو "إسلامية" على حمزاوي حتى أني شاهدت مقاطع فيديو تستخدم تأثيرات صوتية وموسيقية وخطب دينية لتصوير حمزاوي ومجموعة أخرى من المصريين كالدكتور محمد البرادعي على أنه خطر على الإسلام في مصر، وحقيقة شعرت أحيانا بالخوف على حياة حمزاوي، فقد يؤمن بعض ضعاف العقول والنفوس بتلك المواد ويعرضون حياة حمزاوي ومن ذكرهم الشريط المصور للخطر (لا قدر الله).
وكنت أتمنى أن لدي الوقت لكي أدرس مواقف جميع الفاعلين السياسيين الرئيسيين في مصر بكل دقة وعلمية وأعرضها على القارئ لعلي أساعد على إيضاح الصورة وبيان الحقيقة وبناء الجسور.
ونظرا لأني أتابع حمزاوي وعمله منذ سنوات فقد شعرت بفداحة الظلم الذي يتعرض له، ورأيت الكتابة عنه.
وأتذكر حلقة نقاش جمعته بعبد المنعم الشحات في ضيافة الأستاذ المحترم صادق سليمان والذي عاش فترة في أميركا وأعتقد أن قادر على بناء الجسور بين أبناء التيارات الدينية والتيارات الأخرى.
وأتذكر أن نقد الشحات لعمرو حمزاوي لم يكن موضوعي ولا دقيق، وأنه للأسف لم يدرس مواقف حمزاوي دراسة جيدة.
وأنا هنا لا أطالب الشحات بأن يدرس بدقة وعلمية مواقف جميع الفاعلين السياسيين بمصر، فهذا أمر يحتاج لمركز أبحاث متخصص، ولكني كنت أتصور أن هجوم بعض أبناء التيار الذي يسمي نفسه بالسلفي على حمزاوي يعني أن لديهم من الأدلة والبراهين ما يدين حمزاوي بشكل دقيق وقاطع.
ولكني وجدت في حديث الشحات وفي قراءتي لكثير من التعليقات المنشورة عن حمزاوي سطحية بالغة، وتجني، وتسرع في استعداء الآخرين بشكل غير مبرر.
وكثر ما قرأت تعليقات حديثة تتحدث عن دعم حمزاوي للزواج المدني في مصر، وذلك على الرغم من أن حمزاوي سبق وأكد أنه لم يقصد هذا التصريح أو يعنيه ولا يعبر عن أفكار وأنه تحدث عنه خطئا في أحد البرامج وهو شارد الذهن.
بناء الجسور
وأقول هنا أن من حق أي تيار الاختلاف مع حمزاوي سياسيا وفكريا، ولكني لا أفهم لماذا يضطر بعض الأشخاص لتحويل باحث مصري شاب وقدير ومشرف أمضى سنوات من عمره في الدفاع عن حق جميع المصريين في المشاركة السياسية بما في ذلك الإسلاميين إلى فزاعة.
يعني حمزاوي الذي حارب استخدام النظام المصري للإسلاميين كفزاعة حوله بعض الإسلاميين إلى فزاعة بعد ثورة قامت لتحرير حميع المصريين، ويا لها من المفارقة.
ألم يكن من الأولى للتيارات التي تسمى نفسها "إسلامية" بناء جسور الحوار مع حمزاوي والتعاون معه بدلا من تحويله إلى فزاعة بدون مبرر، ألم يكن الأفضل التعاون على القواسم المشتركة كمصريين نسعى لخير مصر، والتسامح فيما نختلف فيه، أين الدقة في الخلاف؟ أين أمانه النقل والاقتباس؟ أين العدل؟
وفي النهاية أود أن أؤكد مرة أخرى أني لم أقصد الدفاع عن حمزاوي أو الهجوم على "السلفيين"، وإنما فقط أطالب ببعض العدل مع حمزاوي وأمثاله فبلادنا في أمس الحاجة إلى جهود وطاقات كل أبنائها، فالظلم ظلمات يوم القيامة، والعدل قاسي على كل نفس نقية تأبي الظلم.
هذه شهادتي بكل أمانه وصدق، لا أريد منها إلا الإصلاح ما استطعت، والله على ما أقول شهيد.
يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره www.alaabayoumi.com
No comments:
Post a Comment