قراءة أولية في مسودة الدستور
هذه قراءة
متواضعة وأولية لأني لست من المتخصصين في القانون الدستوري ولا في النظام السياسي
المصري، وأكتب كصحفي وباحث مصري مهتم بشئون بلاده وتابعها قدر الإمكان منذ ثورة
يناير المباركة.
ولهذا حرصت على قراءة المسودة الأولى والثانية من الدستور، رغم صعوبة النصوص
القانونية والدستورية، كما حرصت أيضا على قراءة بعض المقالات والدراسات عما ننتظره
من الدستور، ومع ذلك لم أكون ما
يكفي من
المعرفة والخبرات للحكم بشكل جيد، ولا أعتقد أن الوقت المتبقي يسمح بذلك.
ولهذا أيضا أقدر جهود أعضاء الجمعية التأسيسية وخاصة المتخصصين منهم وجهود كل من
تفرغوا لدراسة هذا العمل الهام والمساعدة على إتمامه، وأخص بالشكر حزب مصر القوية
على الرأي المفصل الذي نشره بخصوص مسودة الدستور والذي توافقت معه كثيرا وساعدني
على فهم بعض جوانب الدستور التي استعصى علي فهمها.
وحتى لا أطيل على القارئ وأدخل نفسي في متاهات قانونية ليست من باب تخصصي، سوف
أحاول تلخيص نقدي للدستور في نقاط قليلة أساسية.
أولها وبداية بباب الحريات والمقومات الأساسية للدولة، فالواضح أن بعض التيارات
الدينية ذات الحضور القوي داخل الجمعية التأسيسية لم تكتف بالمادة الثانية والتي
تقر أن "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي لتشريع" وراحت تقيدها
داخل الدستور.
والمعروف أن المادة الثانية محل إجماع كبير، ويرى كثيرون أن تطبيقها يكفي لتطبيق
الشريعة الإسلامية في مصر دون الدخول في متاهات التفاصيل والحد من سعة الشريعة
الإسلامية وروافدها، ومع ذلك تظهر لنا خلال الدستور مواد على سبيل "يؤخذ رأي
كبار العلماء بالأزهر في الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية"، و"تلتزم
الدولة باتخاذ كافة التدابير التي ترسخ مساواة المرأة مع الرجل ... دون إخلال
بأحكام الشريعة الإسلامية"، وأن "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها
الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة".
وحقيقة نرى في المحاولات السابقة مساعي لفرض فهم ضيق للشريعة الإسلامية من خلال
العودة لجهة معينة لتفسيرها أو النص على تعريف محدد وضيق لها في الدستور، أو الحد
منها في بعض البنود، وهي محاولات تضعف المادة الثانية وتظهر إصرار البعض على فرض
هواجس معينة لن تساعد على نشر التدين في مصر، فالدين لا ينشر بقوة الدولة، ولكنه
يأتي من المجتمع، الذي يجب أن يتحرر قدر الإمكان من سلطة الحكومة.
ثانيا: كما يظهر في الدستور سيطرة لتوجهات دينية ضيقة يظهر أيضا توجه لعسكرته،
وهنا نتحدث عن الفصل السادس من الباب الثالث من الدستور الذي يتحدث عن مجلس الدفاع
الوطني، حيث تجد أن وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة ويعين من بين
ضباطها، وأن مجلس الدفاع الوطني يختص بالنظر في الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد
وسلامتها ويسيطر عليه عسكريون، وأن موازنة القوات المسلحة تدرج رقما واحدا في
الموازنة العامة للدولة، وهو شيء لا يحدث في أميركا نفسها ذات التقاليد السياسية
الواضحة والمستقرة وصاحبة أكبر وأقوى جيش في العالم.
وهذا يبدو أن القوى التي اقترحت هذه المواد لم تتعلم الدرس، فوضع القوات المسلحة
بهذه الصورة لا يرتقي أبدا لتطلعات المصريين بعد ثورة يناير، ويعني إننا مازلنا
بعيدين عن الدستور المبتغى وإننا نعود إلى الوراء بفرض وضع خاص للقوات المسلحة لا
يخضعها تقريبا لسلطات المدنيين والنص عليه في الدستور.
ثالثا: تبدو السلطة القضائية وتحديدا المحكمة الدستورية العليا مفرطة في
اسقلاليتها - وتحديدا عن سلطة المجالس التشريعية، فهي تختار قادتها أو يعينون وفقا
لقوانين محددة بقرار من رئيس الجمهورية، وفي دولة كأميركا يسمي الرئيس الأميركي
أعضاء المحكمة الدستورية العليا ويوافق عليهم مجلس الشيوخ بعد عرض تاريخهم وسجلهم
على الشعب، وأعتقد أنه يجب إتباع نموذج مماثل في مصر يضمن موافقة ممثلي الشعب على
قادة المؤسسات القضائية الأهم في البلاد على أن يتم تحديدها دون تهديد استقلالية
القضاء.
أخيرا: يشير حزب مصر القوية إلى أن المحليات لا تحظى في الدستور بالسلطة الكافية
أو الواضحة في مقابل سلطة الحكومة المركزية، وأن النظام الذي يضعه الدستور نظام
رئاسي وسلطة الحكومة محدودة مقارنة بالرئيس، وقد نتفق معه في الجزء الأولى، ولا
نعرف إذا كان عودة النظام الرئاسي في مصر مفيد أو مضر.
وعموما يبدو أن مسودة الدستور لا ترتقي لحجم التوقعات الكبيرة في باب الحريات
والعلاقات المدنية العسكرية، وتحتاج تطويرا وإصلاحا في أبواب السلطة القضائية
والتنفيذية والمحليات.
ويحتوي رأي حزب مصر القوية على شرح أطول ومفصل قد نختلف معه في أجزاء قليلة مثل
الحاجة لمجلس شورى من عدمها، وعموما يبدو أن التوافق السياسي بين القوى الرئيسية
لم يتحقق بشكل كافي، وأن العمل على الوصول إلى الإجماع مازال بعيدا، وأن الجمعية
التأسيسية تتحمل جزءا واضحا من القصور، ولا نعرف إذا كان سيتم تلافيه في الوقت
المناسب أم لا، والوقت يمر سريعا.
ونحن إذ نؤمن بالتوافق، فإننا نشعر بخيبة الأمل إذا ما تم التوافق على دستور جديد
لا يرتقي للطموحات، ونرى أن الدستور ليس ساحة للصراعات السياسية، ولا للأغلبية
والتنافسية، فهو بناية لنظام سياسي كامل، يجب أن يتم بموضوعية وتجرد.
لذا نرفض المسودة الراهنة للدستور بصورتها الحالية للأسباب الموضحة أعلاه، وننتظر
نسخة أفضل وتلافي العيوب، ولا نقول إلا والله أعلم، ونؤكد مرة أخرى أنه رأي أولي
متواضع بسيط، نقدمه من باب الواجب ليس أكثر دون فرضه على أحد، والله أعلم.
بقلم: علاء
بيومي