صعود المستوطن الإرهابي
هو عنوان مقال بحثي مطول بدورية فورين أفايرز أو الشئون الخارجية الأميركية
المعروفة الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركية في شهر سبتمبر الماضي.
المقال لأستاذ جامعي - بجامعة جورج تاون ومركز بروكينجز للأبحاث - متعاطف مع
إسرائيل يدعى دانيال بيمان، وقد كتب مقاله ناصحا لإسرائيل ومسئوليها خوفا من
التأثير السلبي لصعود إرهاب المستوطنين على إسرائيل وصورتها ومصالحها.
ولكنه في نفس الوقت يوثق ويؤرخ لصعود إرهاب المستوطنين بشكل يساعد على فهم
الظاهرة، ويستحق وقفة سريعة.
بيمان يقول أن إرهاب المستوطنين قديم ظهر في أوائل الثمانينيات مع جماعة تدعى يهود
تحت السطح أو Jewish Underground والتي قامت بسلسلة من التفجيرات ضد عمد عرب للقرى والمدن
الفلسطينية وأطلقت النار على بعض الطلاب الفلسطينيين في الضفة الغربية، كما قام
أحدهم باغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في 1995.
لكن الظاهرة زادت مؤخرا لأكثر من سبب.
أولا: زيادة عدد المستوطنين الإسرائيليين بالضفة الغربية، حيث زاد عددهم من حوالي
24 ألفا في أوائل الثمانينيات إلى 300 ألف حاليا، وذلك في ظل تشجيع الدولة
الإسرائيلية لحركة الاستيطان وتقديمها كثير من التخفيضات الضريبية والمساعدات والتسهيلات
للمستوطنين.
ثانيا: صعود الحركات الدينية في أوساط المستوطنين اليهود والمجتمع
الإسرائيلي بشكل عام، حيث يرفض المتدينون سيطرة قادة التجمعات الاستيطانية
التقليدية في الضفة وهم من العلمانيين اليهود، كما يرفضون أيضا سيطرة الدولة
العلمانية عليهم، ويرى دانيال بيمان في ذلك خطرا كبيرا على سيطرة وصورة الدولة
الإسرائيلية.
ثالثا: صعود التيارات الدينية والحركات الاستيطانية داخل السياسة الإسرائيلية
وتوغل اليمين المتطرف داخل حزب الليكود مما يوفر غطاءا سياسيا للحركات الاستيطانية
الدينية واليمينية المتشددة.
رابعا: تفكيك المستوطنات في غزة في عام 2005 رغم رفض بعض الحركات الاستيطانية
المتدينة المتشددة له مما أشعرهم بتخلي الدولة الإسرائيلية عنهم، وضرورة أن يحموا
أنفسهم وحلمهم الاستيطاني والديني بأنفسهم.
خامسا: تراجع اهتمام المجتمع الإسرائيلي بمفاوضات السلام مع الفلسطينيين وعدم
اهتمامه بالضغط على المستوطنين الراديكاليين.
سادسا: عدم تعقب قوات الأمن الإسرائيلية والقضاء جرائم المستوطنين، حيث رصدت منظمة
حقوقية إسرائيلية تسمى يش دين ارتكاب المستوطنين 781 حادثة انتهاكات في حقوق
الفلسطينيين منذ عام 2005 ووجدت أن السلطات الإسرائيلية أغلقت 90% منها بدون توجيه
اتهام رسمي لأحد.
نتيجة لكل ما سبق صعدت ظاهرة إرهاب المستوطنين والتي تقودها حاليا جماعة تسمى
نفسها Hilltop Youth أو شباب الربوة، وهي جماعة متطرفة تقوم بهجمات إرهابية ضد
الفلسطينيين بالضفة الغربية وقوات الأمن الإسرائيلية كذلك في بعض الأحيان.
وتعرف هجماتها باسم "السعر" أو Price Tag في إشارة إلى التكلفة التي يجب أن يدفعها الفلسطينيون بسبب تفكيك
أي مستوطنات بما في ذلك بعض البؤر الاستيطانية العشوائية التي لا تعترف بها
الحكومة الإسرائيلية نفسها.
ويقول المقال أن عدد أعضاء تلك الجماعة المتطرفة قد لا يتعدى ألفي شخص ولكنها
"أقلية خطيرة"، لا تحترم الدولة الإسرائيلية ولا قادة المستوطنات حتى
إنها اعتدت على قوات الاحتلال الإسرائيلية، مما دفع المسئول العسكري الإسرائيلي في
الضفة الغربية وهو الجنرال نيتسان أيلون في العام الماضي بوصف عنف تلك الجماعات بأنه
"إرهاب" وطالب الجيش الإسرائيلي بفعل المزيد لوقفهم.
وتقول تحقيقات للأمم المتحدة أن في عام 2011 قام مستوطنون متطرفون بحوالي 300 هجوم
على الممتلكات الفلسطينية مما أدى أصاب أكثر من 100 فلسطيني وتدمير جزئي أو كلي
لعشرة آلاف شجرة للفلاحين الفلسطينيين.
ويقول تقرير أخر للأمم المتحدة أن حوادث الاعتداء العنيف ضد الفلسطينيين زادت من
200 في عام 2009 إلى 400 في عام 2011.
نتيجة ما سبق – كما يرى المؤلف – هو إضعاف الدولة الإسرائيلية من الداخل وإضعاف
صورتها في الخارج وإظهارها في صورة دولة ضعيفة غير قادرة على التحكم في مواطنيها
والوفاء بمتطلبات السلام في حالة إذا ما قررت في المستقبل العودة للمفاوضات،
وإضعاف صورة القوى الفلسطينية التي مازالت راغبة في الجلوس على طاولة المفاوضات.
لذا يطالب الكاتب الحريص على صورة إسرائيل ومصالحها الدولة الإسرائيلية بعدم
التسامح مع المستوطن الإرهابي وتطبيق القانون عليه وتشجيع قادة الدين والمجتمع على
الوقوف في وجهه.
بالنسبة لنا، أرى أن رصد الظاهرة بهذا الوضوح مفيد، وأنها تستحق مزيد من الرصد
والتوضيح للعرب والمجتمع الدولي على حد سواء، والله أعلم.
بقلم: علاء بيومي
No comments:
Post a Comment