بالأرقام: ثقة المصريين ضعيفة في مختلف الأحزاب القائمة، وهذه هي الأسباب
مقال بقلم: علاء بيومي
يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره www.alaabayoumi.com
نص المقال:
تشير استطلاعات حديثة لأراء المصريين السياسية إلى مأزق تواجهه مختلف الأحزاب السياسية المصرية الموجودة على الساحة حاليا يتمثل في ضعف معرفة المواطن المصري بتلك الأحزاب، وقلة ثقته في قدرتها على قيادة الحكومة المقبلة بشكل عام، وتردده في منح أي منها صوته في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
كما تشير الاستطلاعات إلى عدة أسباب رئيسية لضعف ثقة المصريين في أحزابهم السياسية، يأتي على رأسها ضعف معرفة المصريين بمختلف الأحزاب القائمة، وقلة ثقتهم في الأحزاب مقارنة بالحركات الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المصري الأخرى، وكون المشاكل الاقتصادية لا الأيدلوجية هي التي تحتل قمة أولويات المواطن المصري، هذا إضافة إلى نفور المصريين من الاستقطاب الأيدلوجي.
إذا يشير استطلاع جديد لأراء المصريين السياسية أصدره مؤخرا مركز أبحاث أميركي يسمى "معهد السلام الدولي" ومقره نيويورك، إلى أن أكثر الأحزاب المصرية شعبية حاليا - وهما حزبي الوفد وحزب الحرية والعدالة - لن يحصل أي منهما على أكثر من 12% من أصوات الناخبين المصريين إذا أجريت الانتخابات البرلمانية في الوقت الراهن، في حين ستحصل أحزاب أخرى على نسب ضئيلة جدا من أصوات الناخبين، كحصول الحزب الناصري على 4% وأحزاب التجمع والغد والعدالة على 1% لكل منها.
ويقول الاستطلاع الذي أجري في أواخر شهر مايو الماضي - وأعلنت نتائجه في منتصف الشهر الجاري - أن 49% من المصريين لم يحددوا بعد الحزب الذي سيمنحونه أصواتهم في الانتخابات المقبلة، وتبقى أصوات غالبية المصريين (51%) مقسمة بشدة بين أكثر من 15 حزب سياسي موجود على الساحة الآن.
عدم ثقة سياسية
المثير هنا أن أزمة عدم ثقة المصريين في أحزابهم تبدو سياسية بامتياز، فالاستطلاعات تشير إلى أن المصريين أكثر ثقة في مؤسسات مختلفة بالمجتمع المصري كالجيش والقضاء والمؤسسات الدينية مقارنة بالأحزاب وقدرتها على الحكم، كما أنهم أكثر ثقة في الحركات السياسية المختلفة مثل حركة 6 أبريل والأخوان المصريين، ولكن هذه الثقة لا تنسحب بالضرورة على الأحزاب السياسية المعبرة عن تلك الحركات.
فعلى سبيل المثال – وكما سنشرح تباعا بالتفاصيل – تنظر نسبة كبيرة من المصريين نظرة إيجابية لحركة الإخوان المسلمين، ولكن أقلية منهم ترغب في منح أصواتها لحزب الحرية والعدالة المنبثق عن الحركة.
ثقة في مؤسسات المجتمع
استطلاع مؤسسة جالوب الأميركية للأبحاث الصادر في أوائل شهر يونيو يقول أن 94% من المصريين يثقون في الجيش، و80% منهم يثقون في القضاء، و66% يثقون في الحكومة الانتقالية، ويلاحظ هنا أن التقرير أجرى في أواخر شهر مارس الماضي، وربما تغيرت هذه النسب حاليا.
ويقول استطلاع أخر أجرته مؤسسة بيو الأميركية لاستطلاعات الرأي – أجري أيضا في نهاية شهر مارس – أن 88% من المصريين ينظرون إيجابيا للجيش، و81% ينظرون إيجابيا لدور المؤسسات الدينية، و67% ينظرون إيجابيا لدور القضاء.
ويلاحظ هنا أن الاستطلاعين السابقين أجريا في أواخر شهر مارس الماضي - وهي فترة عبر خلالها المصريون عن شعورهم بالتفاؤل بخصوص مستقبل مصر بعد الثورة بنسب كبيرة تتراوح بين 60-80%، ويلاحظ أيضا أن نظرة المصريين لمؤسسات المجتمع ودورها الحالي تتفاوت من استطلاع لأخر، ولكنها تبقى مرتفعة وتعبر عن رضا غالبية المصريين.
ويقول استطلاع معهد السلام الدولي والذي أجري في أواخر شهر مايو الماضي أو بعد شهرين من الاستطلاعين السابقين أن نظرة المصريين للجيش والقضاء مازالت إيجابية بنسبتي 94% و76% على التوالي، ويقول الاستطلاع إلى أن نظرة المصريين الإيجابية للجيش تعود إلى شعور 35% منهم بأن الجيش دعم الثورة، وشعور 31% بأن الجيش حافظ على الأمن والاستقرار، ولتقدير 15% من المصريين لدور الجيش حاليا في حكم البلاد.
وهذا يعني أن تقدير المصريين للجيش يعود بالأساس لدوره كمؤسسة وطنية دعمت الثورة وحافظت على الأمن والاستقرار بالأساس، ويبدو أن تقدير المصريين للجيش يقل كلما اقترب الأمر من السياسة والحياة السياسية ودور الجيش في حكم البلاد.
وتتضح الفكرة أكثر إذا تناولنا نظرة المصريين لقادة الجيش، حيث يقول استطلاع المعهد العالمي للسلام أن 64% من المصريين ينظرون إيجابيا للمشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري الحاكم في مصر، ولكن لما سئل الاستطلاع المصريين عن إمكانية منح أصواتهم للمشير طنطاوي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، قال 8% منهم فقط أن طنطاوي هو اختيارهم الأول، وقال 12% أن طنطاوي هو اختيارهم الثاني.
وهذا يعني أن المصريين يميزون بشدة بين مؤسسات المجتمع من ناحية، ودور تلك المؤسسات في الحكم وفي الحياة السياسية من ناحية أخرى، وقادة تلك المؤسسات من ناحية ثالثة، وأن الخلط بين تأييد المصريين لهؤلاء جميعا أمر خاطئ وغير دقيق.
ثقة في الحركات الاجتماعية لا أحزابها
ثقة المصريين في بعض مؤسسات دولتهم الرئيسية كالجيش والقضاء والمؤسسات الدينية تنسحب أيضا على بعض الحركات السياسية والاجتماعية الكبرى.
حيث يشير استطلاع مركز بيو إلى أن 70% من المصريين ينظرون نظرة إيجابية إلى حركة 6 أبريل، وأن 75% ينظرون إيجابيا إلى الإخوان، وهي نسبة أقل قليلا من نظرتهم الإيجابية نحو الجيش (88%) ونحو المؤسسات الدينية (81%)، وأكثر من نظرتهم الإيجابية نحو مؤسسة القضاء (67%)، ونحو دور الإعلام (69%) وفقا للاستطلاع نفسه، والذي يقول أن نسبة المصريين الذين ينظرون نظرة إيجابية نحو مؤسسة الشرطة تبلغ 34% فقط.
ولما سئل الاستطلاع نفسه المصريين عن الحزب الذي سيمنحونه أصواتهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة، قال 20% أنهم سيصوتون للوفد، وحصل الإخوان على 17%، والغد على 16%، والتجمع على 11%، و10 % لبقايا الوطني.
أما استطلاع جالوب فيقول أن 15% من المصريين سيصوتون للإخوان، و9% للوفد، و10 % لبقايا الحزب الوطني، و5% لحزب الوسط.
وهذا يعني أن المصريين يفرقون بين حركة كفاية والأحزاب التي قد تعبر عن الجماعات المشكلة للحركة، ويفرقون بين حركة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة المعبر عنها، وذلك كما يظهر في البون الشاسع بين نظرة المصريين الإيجابية للحركات الاجتماعية والسياسية الأم واستعدادهم لمنح أصواتهم للأحزاب المعبرة عن تلك الحركات.
أكثر من ذلك يفرق المصريون بين نظرتهم للحزب واستعدادهم لمنحه أصواتهم في الانتخابات.
حيث يشير استطلاع المعهد الدولي للسلام إلى أن 40% من المصريين ينظرون إيجابيا لحزب الوفد، و31% لحزب الحرية والعدالة، و24% للحزب الناصري، و18% للغد، و16% للتجمع، ومع ذلك عبرت نسب أقل بكثير من المصريين عن استعدادها منح تلك الأحزاب أصواتها في الانتخابات المقبلة، وهي كالتالي 12% للوفد، و12% للحرية والعدالة، و4% للناصري، و1% للغد، و1% للتجمع.
ويلاحظ أيضا أن الاستطلاعين السابقين أجريا في أواخر شهر مارس، وأن النسب تتفاوت بين استطلاع وأخر، ولكنها تجمع على عجز أي حزب مصري على الفوز بأكثر من خمس أصوات الناخبين لو أجريت الانتخابات فورا.
ولما سئل استطلاع معهد السلام الدولي المصريين عن وجهة أصواتهم في أواخر شهر مايو الماضي، لم يحصل أي حزب على أكثر من 12% من أصوات المصريين والتي حصل عليها حزبي الوفد والحرية والعدالة، أما بقية الأحزاب فقد حصلت على نسب ضئيلة للغاية تقل عن 6%.
ويقول الاستطلاع أن الأحزاب الليبرالية ستحصد مجتمعة 20% من أصوات الناخبين، والإسلامية ستحصد 19% من أصواتهم، واليسارية ستفوز بنسبة 5% فقط من الأصوات، وتبقى أصوات 49% من الناخبين المصريين معلقة بلا وجهة حتى الآن.
أسباب عدم الثقة
قراءة نتائج الاستطلاعات الثلاثة تكشف عن عدة أسباب رئيسية لتردد المصريين في منح أصواتهم لأي حزب من الأحزاب السياسية القائمة، ويأتي على رأي هذه الأسباب ما يلي:
أولا: ضعف معرفة المصريين بمختلف الأحزاب القائمة، حيث يشير استطلاع معهد السلام الدولي إلى أن أشهر الأحزاب المصرية هو حزب الحرية والعدالة والذي يعرفه 60% من المصريين (بما في ذلك من ينظرون سلبيا للحزب ونسبتهم 29% من المصريين كما يقول الاستطلاع).
ويأتي بعد الحرية والعدالة حزب الوفد بنسبة معرفة تبلغ 59%، ثم الناصري بنسبة 41%، والنور بنسبة 42%، والتجمع بنسبة 37%، ثم حزب الوسط بنسبة 30%، والنسب السابقة هي نسبة من يعرفون الحزب بما في ذلك مؤيديه ومعارضة.
أما بقية الأحزاب المصرية القائمة فلا يعرف عنها أكثر من 30% من المصريين، وهذا يعني وبصيغة أخرى أن خمسة أحزاب مصرية فقط معروفة لأكثر من 30% من المصريين، وأن غالبية الأحزاب المصرية القائمة غير معروفة لأكثر من 70% من المصريين.
ثانيا: الشهرة وحدها لا تكفي، فالمواطن المصري يفرق بين الحزب والجماعة التي يعبر عنها والأشخاص الذين يمثلونه واستعداده لمنح صوته لأي الحزب في الانتخابات، وهي النقطة التي حاولنا التدليل عليها في الجزء الأكبر من هذا المقال.
فعلي سبيل المثال تقول الاستطلاعات المختلفة أن 75% من المصريين ينظرون نظرة إيجابية لجماعة الإخوان المسلمين، في حين ينظر 31% فقط من المصريين نظرة إيجابية لحزب الحرية والعدالة المكون من قبل الحركة، ولا يبدي أكثر من 15% من المصريين استعدادهم للتصويت لحزب الحرية والعدالة إذا أجريت الانتخابات الآن، وينطبق الأمر نفسه على بقية الأحزاب المصرية، فالمصريون ينظرون إيجابيا لتلك الأحزاب أكثر من استعدادهم منح أصواتهم لها.
ثالثا: يظهر من الاستطلاعات أن المصريين مهتمون حاليا بالأساس بقضايا كالاقتصاد وإعادة الأمن والاستقرار للبلاد أكثر من اهتمامهم بقضايا السياسة المجردة كالصراعات الأيدلوجية حول قضايا الديمقراطية والعلاقة بين الدين والسياسة، ويبدو من الاستطلاعات أيضا أن المصريين رافضين للاستقطاب الأيدلوجي وقد يعاقبون سياسيا من يؤججه.
استطلاع معهد السلام الدولي يقول أن أكبر أولوية للمصريين حاليا هي الاقتصاد بنسبة 54%، يليها الخوف من تأثير المظاهرات على الأوضاع بالبلاد بنسبة 15%، ثم إعادة الأمن بنسبة 13%، ومكافحة الفساد بنسبة 6%.
وتعكس الأرقام السابقة حقيقة أظهرتها مختلف الاستطلاعات التي أجريت لأراء المصريين السياسية، وهي أنهم مشغولون كثيرا بالأوضاع الاقتصادية والأمنية للبلاد بعد الثورة، إذا يقول استطلاع جالوب (أجري في أواخر مارس) أن 53% من المصريين يشعرون بتراجع الاقتصاد، وأن 39% يشعرون بتراجع الأمن.
ويقول استطلاع بيو أن تحسين الأوضاع الاقتصادية يحتل قمة أولويات المصريين بالنسبة للمستقبل بشكل عام بنسبة 82%، يليه بناء قضاء عادل (79%)، ثم حرية التعبير (63%)، وفرض القانون (63%)، وحرية الانتخابات (55%)، والسماح للأحزاب الدينية بالمشاركة في الحكم (50%)، والمساواة بين الرجال والنساء في الحقوق (39%)، وحريات الأقليات الدينية (36%).
وهذا يعني أن إصلاح الاقتصاد وبسط سلطة القانون يتقدمان على قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ومشاركة الأحزاب الدينية والقضايا الحقوقية.
ولما طلب استطلاع بيو من المصريين التفضيل بين الديمقراطية والاستقرار اختار 54% منهم الديمقراطية مقابل 32% اختاروا الاستقرار، ولما طلب منهم المفاضلة بين اقتصاد قوي والديمقراطية فضل 49% منهم بناء اقتصاد قوي على الديمقراطية (47%).
وبالطبع تأتي قضايا كمشاركة الأحزاب الدينية والحريات والأقليات في مرتبة أقل، وهذا يعني أن التركيز على هذه القضايا وتجاهل القضايا الأهم - وهي الاقتصاد والأمن - من شأنه أن يعمق أزمة الأحزاب السياسية التي تعاني أصلا من عدم الثقة المواطنين فيها وقلة معرفتهم لها.
رابعا: يظهر أيضا أن المصريين لا يفضلون الأحزاب التي ترتبط بالاستقطاب الأيدلوجي، ويظهر هذا جليا في حالة حزب النور الذي يعبر عن التيار السلفي، وهو حزب حديث للغاية يقع أيدلوجيا على يمين السياسة المصرية وعلى يمين أحزاب ذات خلفيات إسلامية أخرى كحزب الحرية والعدالة المعبر عن تيار الإخوان.
حيث يشير استطلاع معهد السلام العالمي إلى أن 42% من المصريين يعرفون بالحزب حديث العهد، وأن نسبة من ينظرون سلبيا للحزب (30%) تمثل أضعاف من ينظرون إليه إيجابيا (12%)، وقد يعود هذه إلى الضجة الإعلامية التي أثيرت حول تصريحات بعض قيادات التيار السلفي.
وتعاني أحزاب كالجبهة الديمقراطية والغد والتجمع من استقطاب مماثل، ولكنه أقل من حالة حزب النور، فحزب الجبهة يؤيده 7% ويعارضه 13% وهي نسبة تصل للضعف تقريبا، أما الغد فيفضله 18% ولا يفضله 24%، وبالنسبة لحزب التجمع فيقبله 16% ويرفضه 21%.
خامسا: من الواضح من الاستطلاعات السابقة أن تفاؤل المصريين بالنسبة للمستقبل بعد الثورة في تراجع، خاصة وأن الثورة زادت من توقعاتهم الإيجابية لمستقبل مصر لأول مرة منذ فترة طويلة، وقد تؤدي ثورة التوقعات هذه وشعور المصريين بمشاكل كالاقتصاد والأمن - وقلة اهتمام الأحزاب بتلك القضايا وانشغالهم بصراعات أيدلوجية أخرى - إلى قنوط المصريين من تلك الأحزاب ونفاذ صبرهم عليها.
وهي رسالة هامة تفرض على جميع الأحزاب المصرية القائمة التواضع وإدراك أن الطريق أمامها طويل للغاية قبل أن يعرف كل المصريين بأي منها هذا ناهيك عن حصول أي منها على أغلبية أصوات المصريين وثقتهم السياسية، وقد يكون أقصر طريق لشعبية تلك الأحزاب هو الاهتمام بقضايا المصريين الرئيسية، وعلى رأسها الاقتصاد والتمنية والبعد عن الاستقطاب الأيدلوجي الذي ينفر المصريين لا يجذبهم.
أخيرا، قد يقول البعض أن الاستطلاعات التي اعتمدنا عليها في المقال الحالي هي استطلاعات أميركية مغرضة لا يعول عليها خاصة وأن غالبية المصريين لا يثقون في أميركا وما يأتي منها كما تؤكد الاستطلاعات التي استخدمناها في التقرير نفسها، وفي الرد أقول أن لا أحد سيقف على حقيقة توجهات المصريين السياسية كاملة إلا يوم الانتخابات، وأن الاستطلاعات السابقة صادرة على مؤسسات بحثية أميركية معروفة، وأن تواترها قد يفيد في التحقق من نتائجها، وأننا نقرأها في ضوء قراءتنا لمصادر أخرى مصرية عديدة تعبر عن الواقع ذاته، ونأمل أن يجد القارئ فيها بعض المساعدة على فهم ما يجري في مصر حاليا، والله أعلم.