Wednesday, June 08, 2011

دعوة لخصخصة الإعلام الحكومي في مصر


بقلم: علاء بيومي

أتمنى أن تعرف مصر الثورة عددا أقل من وسائل الإعلام المملوكة للدولة، وأن تتخلص الحكومة المصرية في أسرع فرصة مناسبة من هذا الكم الهائل من الصحف والمجلات والإذاعات وقنوات التلفزيون التي يعجز عن إحصائها غالبية المصريين.

كما أتمنى آلا تبقى مصر الثورة على أكثر من صحيفة واحدة وإذاعة وقناة تلفزيون تحت ملكية الدولة على الأكثر، وهذا إذا كانت مضطرة إلى ذلك وهناك سياسة واضحة لإدارة تلك الوسائل الإعلامية، أما بقية وسائل الإعلام المملوكة للدولة المصرية حاليا فيتم تخصيصها في أقرب فرصة بشكل يضمن حقوق العاملين فيها حتى لا تتكرر مشاكل الخصخصة التي يمقتها المصريون.

ولدي أسباب عديدة:

أولا: مصر تريد أن تدخل عهد الدولة الديمقراطية القوية، والتي تعرف مجتمع قوي من خلال منظماته المدنية وإعلامه الحر وأحزابه، وحكومة تمتع بالكفاءة ولكنها صغيرة الحجم، وهذا يعني أن الاحتفاظ بجيش هائل من وسائل الإعلام الحكومية يديرها موظفون حكوميون تعينهم الدولة هو دعوة صريحة لبقاء الحال على ما هي عليه، ولتركيز السلطات والموارد والأمر والنهي في يد الحكومة، وهو أمر يجب أن يتوقف فورا.

الحكومات حول العالم لا تحتاج ولا يجب أن تمتلك صحف أو مجلات أو إذاعات تعبر عنها، فهي مؤسسة كمؤسسات المجتمع، وإذا كان لديها معلومات فلتعلن عنها، وبحكم أنها مؤسسة كبيرة ومهمة للغاية، فسوف يهتم بأخبارها الإعلام بطبيعة الأمور لأنها "مصدر هام الأخبار"، ولو تخلصنا من هرم وسائل الإعلام الحكومية الموجودة حاليا فسوف ندفع الحكومة لمزيد من التواصل مع الإعلام والصراحة والشفافية.

ثانيا: نريد توفير النفقات والإعلام مهنة مكلفة، ولا نعرف لماذا يتحمل دافع الضرائب المصري الفقير تكاليف إنتاج برامج ومسلسلات وأفلام وعدد هائل من الصحف والمجلات، فمن الأولى توجيه هذه النفقات إلى خدمات مباشرة يستفيد منها المواطن كالتعليم ومحو الأمية والصحة والمواصلات، أما أن تذهب أموال دافع الضرائب المصري الفقير لإطلاق قنوات تلفزيونية وتمويل عدد هائل من وسائل الإعلام التي لا يعجز المثقف المتخصص عن تتبعها أو فهم سبب تواجدها أصلا، فهو أمر غير لائق.

ثالثا: العمل الإعلامي ليس من وظائف الحكومة أو أنشطتها، فالحكومة فهو سلطة مستقلة يجب أن تستقل عن سيطرة الدولة لتبقى حرة، وهذا لا يعني انتفاء دور الحكومة في المجال الثقافي، فالحكومة يمكنها أن تلعب دورا هاما من خلال نشر التعليم ومحو الأمية وفتح المكتبات والمتاحف، وهي أنشطة نتمنى أن يقوم بها القطاع الخاص بغالبيتها إذا أمكن، ولكن بعضها بطبيعته يعود للملكية العامة، فلا يمكن أن نتصور مثلا خصخصة الآثار المصرية والمتاحف، أما بالنسبة للصحف ووسائل الإعلام فخصخصتها باتت الأصل حول العالم وليس الاستثناء.

وقد يقول البعض أن من واجبات الحكومة المصرية تقديم نموذج إعلامي مميز يضمن للمواطن المصري حد أدني من العمل الإعلامي الحرفي الذي ينشر المعلومة الصحيحة، وفي هذه الحالة أعتقد إننا لا نحتاج أكثر من صحيفة واحدة وإذاعة وقناة تلفزيون فقط لا غير، على أن تدار تلك المؤسسات من خلال هيئات عامة مستقلة لا تخضع لرقابة السلطة التنفيذية وحدها، وأن تتمتع بأكبر قدر من الكفاءة والحرفية بشكل يوفر النفقات لأقصى حد ويضمن تقديم أفضل خدمة إعلامية للمواطن المصري.

رابعا: للأسف فشلت وسائل الإعلام المملوكة للدولة في الاختبار على مدى عقود، وقد يقول البعض أن هناك آلاف الشرفاء يعملون بتلك الوسائل، وأرد قائلا بأن هذا محتمل، ولكن الفكرة نفسها خاطئة وما أسس على باطل فهو باطل.

وسائل الإعلام الحكومية في مصر تحولت على مدى عقود لأبواق للسلطة، وسرعان ما انصرف عنها المصريون عندما توفرت لهم وسائل إعلام محلية ودولية بديلة، وحتى بعد الثورة وبعد مرور أكثر من ثلاثة شهور عليها أعتقد أن غالبية المصريين لا يتابعون وسائل الإعلام الحكومية خاصة وأن وسائل الإعلام الخاصة اجتذبت أفضل الإعلاميين المصريين وتقدم خدمات أفضل في كثير من الأحيان، فلماذا يعود المواطنون للوسائل الإعلام الحكومية أصلا!؟

خامسا: أعلم أن هذه الدعوة قد تكون صادمة ومخيفة لآلاف من الإعلاميين والموظفين المصريين العاملين بتلك المؤسسات، خاصة وأن عمليات الخصخصة في مصر قادت إلى نتائج سلبية عديدة خلال العقدين الماضيين، ولكن الصحفي شخصي قيادي بطبيعته يسعى للبحث عن الحقيقة وقيادة مجتمعه إلى الأفضل، وأعتقد أن القطاع الخاص هو الأقدر على إدارة الجزء الأكبر من حياتنا الثقافية حتى لا نقع جديد أسرى للاستبداد السياسي والحكومي، وإذا كان المجتمع المصري قد تحرك منذ زمن بعيد نحو الحرية والتخلص من سيطرة الحكومة، فقد حان الوقت أن يلحق بهم الصحفيون المصريون من خلال خصخصة الغالبية العظمي من الإعلام الحكومي المملوك للدولة.

No comments: