مركز بيو للأبحاث من أهم وأكثر مراكز الأبحاث الأميركية مصداقية، وهو يجري بشكل منتظم استطلاعات رأي عام دولية لمساعدة المسئولين الأميركيين على فهم كيف تفكر الشعوب الأخرى في قضاياهم الداخلية وفي علاقتهم مع أميركا.
وبالنسبة لمصر يجرى المركز استطلاعات سنوية لرأي المصريين قد تعود لعقد مضى، ويستخدم هذه المعلومات للمقارنة ليفهم كيف تتغير نظرة المصريين لأنفسهم ولأميركا، وقد أجرى أحدث استطلاعاته لآراء المصريين السياسية في شهر مارس الماضي وأعلن عنها هذا الشهر منذ أيام (16 مايو).
نتائج الاستطلاع قد تكون صادمة للبعض أو مفرحة، ولكنها في النهاية قد تعبر عن الواقع بكل تناقضاته.
وحتى لا نحول هذا المقال المختصر لجدول من الأرقام أو لنسخة أخرى من التقرير، سوف نحاول أن نركز على مغزى التقرير وأهم خلاصاته، وما يمكن أن يخرج به قارئ موضوعي لنتائج الاستطلاع عن الأوضاع في مصر حاليا.
الاستطلاع يقول أولا أن مصر بلد محافظ دينيا وسياسيا، فالناس متدينة وتحترم المؤسسات الدينية وعلماء الدين بشكل كبير (75% يرون أن تأثير علماء الدين إيجابي)، والناس أيضا يحترمون مؤسسات الدولة والجيش (73% يرون أن تأثيره إيجابي) ومؤسسات السلطة المختلفة بما في ذلك القضاء والإعلام إلى حد ما.
التقرير يقول أيضا أن الناس منقسمة وأن الانقسامات باتت واضحة، فأتباع جبهة الإنقاذ سيقولون لك أن مصر تسير في الطريق الخطأ والديمقراطية في خطر وأنهم يريدون دورا أقل للدين في الحياة العامة وللجيش في الحياة السياسية، وفي المقابل سيقف التيار المقابل من الإخوان والسلفيين على النقيض.
وهنا من الواضح أن الإخوان والسلفيين يستفيدون من عقود كاملة وتراث عميق من التدين والحركات الدينية في مصر، كما يستفيدون أيضا من تراث يدعم الاستقرار ومؤسسات الدولة والحاكم، ولذا يمثل التيار المحافظ أغلبية، وتجد المحافظة السياسية رواجا وزواجا غير تقليديا حاليا بين أنصار التيارات الدينية وأنصار الاستقرار.
ثالثا: الزواج الراهن في مصر بين التيارات الدينية وتيار الاستقرار أو بين المحافظة الدينية والمحافظة السياسية يمثل معضلة للتيارات الدينية قبل غيرهم، فقبل عامين ربما وقف عدد لا بأس به من الإخوان والسلفيين ضد سياسات الدولة المختلفة، كما أن أغلبية المصريين تنظر حاليا نظرة سلبية تجاه مؤسسة الشرطة، ولكن تجد أن الإخوان والسلفيين أكثر دعما لسياسات الدولية تجاه المرأة والأقليات وأكثر رضا عن سياسات الرئيس محمد مرسي وتفاؤلا بمستقبل مصر.
وهنا يثور السؤال التالي: هل رضا أنصار الإخوان والسلفيين عن الوضع القائم في مصر هو نتاج لأنهم (1) يعيشون فترة صعود سياسي وهم من المستفيدين من السلطة، (2) لأن مصر تعيش فترة استقطاب شديدة ويجد الإخوان والسلفيون أنفسهم في موقع دفاع محتم عليهم في مواجهة من يهاجمونهم، أم أن (3) الإخوان والسلفيين وقعوا سهوا في فخ دعم السلطة ومساندة حزب الاستقرار نتيجة لترسخ فكرة الاستقرار في الوعي المصري وأن الإخوان والسلفيين سوف يندمون على ذلك في المستقبل.
رابعا: ما يبشر بالأمل هنا هو أن المصريين متمسكين بالديمقراطية رغم شعورهم بعدم تحسن أحوال البلاد، فأغلبية تصل لحوالي الثلثين (66%) تفضل الديمقراطية عن أي نظام حكم أخر وتقول أنها لا تريد العودة لعصر الحاكم القوي على حساب الديمقراطية، وهنا يتضح أن نسبة كبيرة من الإخوان والسلفيين وهم الأغلبية يقفون مع التحول الديمقراطي الراهن.
ما يبشر أيضا بالأمل أن الكتل ليست صماء، فهناك إخوان لا يشعرون بالرضا عن الأوضاع في مصر حاليا أو عن وجهة البلاد السياسية (38%)، وهناك أيضا أنصار لجبهة الإنقاذ يريدون دورا فعالا للدين في الحياة العامة المصرية (46%)، وهنا يتضح أن حالة الاستقطاب الراهنة في مصر أعمت كل فريق عن شركاءه في الفريق المنافس، فالواضح أن هناك نقاط تلاقي كثيرة من الطرفين.
كما أن هناك عدو مشترك فالناس تشعر أن الوضع الاقتصادي بات أسوأ (76%)، وهي لا تفضل شيء على الديمقراطية بقدر ما تفضل الحياة في وضع اقتصادي أفضل، وهنا يثور السؤال حول إذا ما كانت خلافات المعسكرات الإيديولوجية في مصر سوف تأتي على حساب الوضع الاقتصادي مما قد يدفع الناس بشكل عام للتخلي عن الديمقراطية تحت ضغط لقمة العيش.
خلاصة أخرى نهائية، من الواضح أن التيارات غير المحافظة سياسيا في مصر تسبح ضد التيار، فهي تعمل في بلد محافظ للغاية دينيا وسياسيا، ويواجهون زواجا صعبا حاليا بين المحافظة السياسية (حزب الاستقرار) والمحافظة الدينية (الإخوان والسلفيين)، وهذا يعني أن أراء الناس لن تتغير بسهولة، فالناس ربما باتت أكثر نقدا للإخوان والسلفيين، ولكنهم مازالوا يتمتعون بثقة أتباعهم وثقة غيرهم من المحافظين وهم كثر في مصر (63% ينظرون نظرة إيجابية للإخوان)، والله أعلم، ما رأيكم!؟
علاء بيومي
No comments:
Post a Comment