لماذا يتمتع باراك أوباما بكل هذه الكاريزما؟
مقال بقلم: علاء بيومي
الناشر: جريدة البديل المصرية
نص المقال
سواء فاز باراك أوباما بالرئاسة الأميركية أو خسر فسيتذكره العالم لسنوات قادمة بعدما خلب الأذهان عبر أميركا والعالم بكاريزميته التاريخية التي يصعب تكرارها
أوباما يعد بحق تذكيرا ناصعا بأهمية الكاريزما في السياسية وبفضل ودور الكاريزما السياسية، فالرجل أينما حل قادر على جميع تجمعات جماهيرية غير مسبوقة وتبرعات مالية غير مسبوقة أيضا، هذا إضافة إلى تغطية إعلامية لا تنتهي، وإعجاب جماهيري منقطع النظير
مصادر الإعجاب بأوباما كثيرة فهو أول أميركي أسود يصل منصبه الحالي، كما أنه شاب نسبيا (46 عاما) من أصل مهاجر (ولد لأب كيني وأم أميركية) عمل بعد تخرجه من الجامعة في تنميه المجتمعات المحلية (بمدينة شيكاغو الأميركية) ثم انتقل لجامعة هارفارد (أحد أعرق الجامعات الأميركية) ليدرس القانون وليدخل عالم الشهرة والسياسية بسرعة منقطعة النظير حتى صار مرشحا رئاسيا بعد أربع سنوات فقط من وصوله واشنطن في عام 2004
كما امتلك أوباما الجراءة لاتخاذ بعض القرارات السياسية الصعبة من بينها معارضته لحرب العراق منذ عام 2002، ودعوته للحوار مع دول مثل إيران وسوريا أمام مرشحين صقور مثل هيلاري كلينتون وجون ماكين
قصة أوباما نفسها مثيرة للإعجاب، تصلح كفيلم سينمائي قبل أن تكون سيرة ذاتية رائجة، لما لا وقد كتب أوباما نفسه سيرته الذاتية بعد تخرجه من هارفارد، ويقول من قرءوها أنها كشفت عن كاتب بارع مرهف الحس على الرغم من أنها لم تشتهر إلا بعد ترقي أوباما سياسيا
أما سر الإعجاب بأوباما فيكمن في قدراته الخطابية الهائلة التي أشاد بها خصومه قبل مسانديه، مع العلم بأن خصومه هؤلاء هم من أقدر الأميركيين على الخطابة وإجادة فن تحريك الجماهير، فمن بينهم بيل كلينتون القادر على حبس أنفاس مستمعيه خلال خطاباته حتى بعد خروجه عن الحكم، وزوجته هيلاري أشهر سياسية أميركي حاليا وأكثرهم نفوذا، وجون ماكين مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية والبطل القومي الأميركي الذي تحولت سيرته الذاتية إلى فيلم سينمائي بالفعل
هذا يعني أننا أمام عبقرية خطابية فريدة تقوم على عناصر مختلفة مثل تركيز أوباما في خطاباته على الإيجابية والمستقبل والأمل والقيم الأميركية وبحثه عن أميركا أفضل، ورفضه للتحزب والتشدد والحروب السياسية الأميركية الداخلية، كما تقوم أيضا على لباقة أوباما في الحديث وعلى استخدامه لتعبيرات لغوية مجازية ممتعة، وهدوءه الواضح الذي لا يفقده أعصابه في أصعب الظروف
هذا إضافة إلى ملامح وجهه الهادئة، وابتسامته الدائمة غير المبالغ فيها، وشبابه النسبي، وطول عوده ونحافته غير المفرطة، وقدرته على التحكم في عضلات وجهه ونبرات صوته بشكل يخدم خطابه، وطريقة سيره وتحيته للجمهور التي لا تخلو من كبرياء لا يصل لحد الغرور، هذا إضافة إلى أناقته الملفتة للنظر وقدرته على الحديث أمام جموع جماهيرية غفيرة وكاميرات التلفاز
امتلاك إنسان ما لمثل هذه القدرات هي موهبة فطرية بالأساس يصعب زرعها في شخصية لا تتمتع بها، ولكنها أيضا نتاج لثقافة سياسية ديمقراطية حرة تشجع الكاريزما السياسية وتبحث عنها وتنمينها
وبدون شك جزء من كاريزما أوباما هو نتاج إعلامي، فالعدد الهائل من وسائل الإعلام الأميركي التي تغطي الانتخابات الرئاسية الأميركية عبر ساعات تغطية لا تحصى من شئنها تضخيم أي بعد من أبعاد الانتخابات بما في ذلك شخصية المرشحين
هذا إضافة إلى أن الثقافة الأميركية تعترف بالبطولة والكاريزما وترحب بهما، والسياسة الأميركية تسمح بذلك لأن بها قدر كبير من الحراك والحرية السياسية والديمقراطية
وأنا شخصيا أعتقد أن لا سياسية حقيقية بدون كاريزما، فلو افتقد السياسي للقدرة على التواصل مع الجماهير فلن يكون سياسيا بالمفهوم الحقيقي للكلمة، فالسياسية هي فهي جزء منها فن الفوز برضا الجماهير والقدرة على تحريكهم لتحقيق غايات سياسة معينة
أما بالنسبة للعالم العربي فالواضح أن الكاريزما السياسية تعاني لسببين، أولهما غياب الديمقراطية مما يضع عدد كبير من الشخصيات التي تفتقر للكاريزما في مناصب سياسية بالتعيين، وبالطبع يحول هؤلاء مناصبهم بمرور الوقت لمناصب بيروقراطية تحكم بعيدا عن الجماهير
وثانيهما تيار من المثقفين العرب المثاليين والذي نسوا المعنى الحقيقي للسياسة بسبب بعدهم الطويل عنها وعدم معايشتهم لتجارب سياسية حقيقية مما يدفعهم لوضع تصورات مثالية للسياسة والسياسيين تصورهم كأنبياء - لا بشر - يتحركون بناء على معايير وقيم مثالية للغاية تتعالى على المصالح البشرية
وبالطبع لن تتحقق رؤى المثاليين العرب، فلا يوجد سياسيين بهذا الشكل، فالسياسة تقوم على المهادنة والبحث عن الحلول الوسط وقدر كبير من الاعتراف بالقصور البشري وصعوبة العمل الجماعي
لذا نأمل أن يجد العالم العربي في باراك أوباما فرصة للتذكرة بأهمية السياسة والعمل مع الجماهير ومخاطبة ودهم وأحلامهم حتى لا تتحول السياسة في العالم العربي لبيروقراطية مملة عاجزة عن الفوز بتأييد الجماهير في أي انتخابات حرة ونزيهة، أو لأفكار مثالية تزيد من عزلة الجماهير العربية عن السياسية بمعناها الحقيقي أكثر مما هو قائم حاليا
الناشر: جريدة البديل المصرية
نص المقال
سواء فاز باراك أوباما بالرئاسة الأميركية أو خسر فسيتذكره العالم لسنوات قادمة بعدما خلب الأذهان عبر أميركا والعالم بكاريزميته التاريخية التي يصعب تكرارها
أوباما يعد بحق تذكيرا ناصعا بأهمية الكاريزما في السياسية وبفضل ودور الكاريزما السياسية، فالرجل أينما حل قادر على جميع تجمعات جماهيرية غير مسبوقة وتبرعات مالية غير مسبوقة أيضا، هذا إضافة إلى تغطية إعلامية لا تنتهي، وإعجاب جماهيري منقطع النظير
مصادر الإعجاب بأوباما كثيرة فهو أول أميركي أسود يصل منصبه الحالي، كما أنه شاب نسبيا (46 عاما) من أصل مهاجر (ولد لأب كيني وأم أميركية) عمل بعد تخرجه من الجامعة في تنميه المجتمعات المحلية (بمدينة شيكاغو الأميركية) ثم انتقل لجامعة هارفارد (أحد أعرق الجامعات الأميركية) ليدرس القانون وليدخل عالم الشهرة والسياسية بسرعة منقطعة النظير حتى صار مرشحا رئاسيا بعد أربع سنوات فقط من وصوله واشنطن في عام 2004
كما امتلك أوباما الجراءة لاتخاذ بعض القرارات السياسية الصعبة من بينها معارضته لحرب العراق منذ عام 2002، ودعوته للحوار مع دول مثل إيران وسوريا أمام مرشحين صقور مثل هيلاري كلينتون وجون ماكين
قصة أوباما نفسها مثيرة للإعجاب، تصلح كفيلم سينمائي قبل أن تكون سيرة ذاتية رائجة، لما لا وقد كتب أوباما نفسه سيرته الذاتية بعد تخرجه من هارفارد، ويقول من قرءوها أنها كشفت عن كاتب بارع مرهف الحس على الرغم من أنها لم تشتهر إلا بعد ترقي أوباما سياسيا
أما سر الإعجاب بأوباما فيكمن في قدراته الخطابية الهائلة التي أشاد بها خصومه قبل مسانديه، مع العلم بأن خصومه هؤلاء هم من أقدر الأميركيين على الخطابة وإجادة فن تحريك الجماهير، فمن بينهم بيل كلينتون القادر على حبس أنفاس مستمعيه خلال خطاباته حتى بعد خروجه عن الحكم، وزوجته هيلاري أشهر سياسية أميركي حاليا وأكثرهم نفوذا، وجون ماكين مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية والبطل القومي الأميركي الذي تحولت سيرته الذاتية إلى فيلم سينمائي بالفعل
هذا يعني أننا أمام عبقرية خطابية فريدة تقوم على عناصر مختلفة مثل تركيز أوباما في خطاباته على الإيجابية والمستقبل والأمل والقيم الأميركية وبحثه عن أميركا أفضل، ورفضه للتحزب والتشدد والحروب السياسية الأميركية الداخلية، كما تقوم أيضا على لباقة أوباما في الحديث وعلى استخدامه لتعبيرات لغوية مجازية ممتعة، وهدوءه الواضح الذي لا يفقده أعصابه في أصعب الظروف
هذا إضافة إلى ملامح وجهه الهادئة، وابتسامته الدائمة غير المبالغ فيها، وشبابه النسبي، وطول عوده ونحافته غير المفرطة، وقدرته على التحكم في عضلات وجهه ونبرات صوته بشكل يخدم خطابه، وطريقة سيره وتحيته للجمهور التي لا تخلو من كبرياء لا يصل لحد الغرور، هذا إضافة إلى أناقته الملفتة للنظر وقدرته على الحديث أمام جموع جماهيرية غفيرة وكاميرات التلفاز
امتلاك إنسان ما لمثل هذه القدرات هي موهبة فطرية بالأساس يصعب زرعها في شخصية لا تتمتع بها، ولكنها أيضا نتاج لثقافة سياسية ديمقراطية حرة تشجع الكاريزما السياسية وتبحث عنها وتنمينها
وبدون شك جزء من كاريزما أوباما هو نتاج إعلامي، فالعدد الهائل من وسائل الإعلام الأميركي التي تغطي الانتخابات الرئاسية الأميركية عبر ساعات تغطية لا تحصى من شئنها تضخيم أي بعد من أبعاد الانتخابات بما في ذلك شخصية المرشحين
هذا إضافة إلى أن الثقافة الأميركية تعترف بالبطولة والكاريزما وترحب بهما، والسياسة الأميركية تسمح بذلك لأن بها قدر كبير من الحراك والحرية السياسية والديمقراطية
وأنا شخصيا أعتقد أن لا سياسية حقيقية بدون كاريزما، فلو افتقد السياسي للقدرة على التواصل مع الجماهير فلن يكون سياسيا بالمفهوم الحقيقي للكلمة، فالسياسية هي فهي جزء منها فن الفوز برضا الجماهير والقدرة على تحريكهم لتحقيق غايات سياسة معينة
أما بالنسبة للعالم العربي فالواضح أن الكاريزما السياسية تعاني لسببين، أولهما غياب الديمقراطية مما يضع عدد كبير من الشخصيات التي تفتقر للكاريزما في مناصب سياسية بالتعيين، وبالطبع يحول هؤلاء مناصبهم بمرور الوقت لمناصب بيروقراطية تحكم بعيدا عن الجماهير
وثانيهما تيار من المثقفين العرب المثاليين والذي نسوا المعنى الحقيقي للسياسة بسبب بعدهم الطويل عنها وعدم معايشتهم لتجارب سياسية حقيقية مما يدفعهم لوضع تصورات مثالية للسياسة والسياسيين تصورهم كأنبياء - لا بشر - يتحركون بناء على معايير وقيم مثالية للغاية تتعالى على المصالح البشرية
وبالطبع لن تتحقق رؤى المثاليين العرب، فلا يوجد سياسيين بهذا الشكل، فالسياسة تقوم على المهادنة والبحث عن الحلول الوسط وقدر كبير من الاعتراف بالقصور البشري وصعوبة العمل الجماعي
لذا نأمل أن يجد العالم العربي في باراك أوباما فرصة للتذكرة بأهمية السياسة والعمل مع الجماهير ومخاطبة ودهم وأحلامهم حتى لا تتحول السياسة في العالم العربي لبيروقراطية مملة عاجزة عن الفوز بتأييد الجماهير في أي انتخابات حرة ونزيهة، أو لأفكار مثالية تزيد من عزلة الجماهير العربية عن السياسية بمعناها الحقيقي أكثر مما هو قائم حاليا