Friday, October 03, 2008

انتصار واضح لجوزيف بايدن على سارة بالين في مناظرة الأمس
مقال بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com

نص المقال

في اعتقادي أن السيناتور الديمقراطي جوزيف بايدن حقق انتصارا واضحا على حاكمة ولاية ألاسكا الجمهورية سارة بالين في مناظرة الأمس الرئاسية للأسباب الثلاثة التالية

أولا: أن المناظرات بين مرشحي الرئاسة باراك أوباما وجون ماكين ونائبيهما جوزيف بايدن و سارة بالين - على التوالي - لا تحتوي على أي جديد بالنسبة لمواقف المرشحين، فهي بالأساس تكرار لمواقفهم السياسية المعروفة مسبقا منذ بداية الانتخابات الرئاسية

وقد عبرنا مسبقا عن عدم رضانا على مواقف جوزيف بايدن المتعلقة بالقضية الفلسطينية على وجه التحديد، ورأينا أن اختيار أوباما لبايدن – المعبر عن تيار الليبراليين الجدد – هو
تغليب للنزعة الواقعية على المثالية في حملة انتخابات أوباما الرئاسية، خاصة وأن بايدن سبق وأن أيد حرب العراق كما بدأ متشددا في دعمه لإسرائيل


وفي الحقيقية عدم رضانا عن مواقف بايدن لا يقل عن رفضنا لمواقف سارة بالين تجاه السياسة الخارجية، وهي مواقف غير معروفة في غالبيتها لأن بالين نفسها لم تكن معروفة على الساحة الوطنية الأميركية حتى اختارها ماكين نائبة له منذ حوالي خمسة أسابيع كما ذكرت هي في مناظرة الأمس

ولكن التقارير الصحفية - والمقابلات القليلة التي أجرتها وسائل الإعلام الأميركية مع بالين - كشفت عن مواقف ساذجة في تشددها، فبالين ليست فقط متشددة في مواقفها تجاه قضايا كحرب العراق والعلاقة مع إسرائيل، ولكنها تبدو ساذجة مدفوعة بدوافع أيدلوجية ودينية خطرة ومتطرفة تذكرنا بالمرشح الجمهوري مايك هاكابي المقرب من البروتستانت التبشيريين كما تذكرنا بجورج دبليو بوش نفسه

ثانيا: في ضوء ما سبق تعد المناظرات فرصة للتعرف على شخصية ونفسية المرشح بالأساس من خلال أداءه خلال المناظرة وحديثه المباشر إلى الجمهور ورده على أسئلة المحاور، وذلك من خلال قراءة ما بين السطور كما يقول المحللون، وهي عملية ليست سهلة لأن المناظرات الرئاسية كحال الانتخابات الأميركية تحولت لفيلم سينمائي يديره معدون ومنتجون وكتاب سيناريو ومخرجون ويلعب دور البطولة فيه سياسيون لا يقلون مهارة عن كبار نجوم السينما الأميركية

وبهذا تتوارى الحقيقة والقضايا السياسية الحقيقية خلف براعة أداء السياسيين الأميركيين خلال الحملات والتي تأتي بعد تدريب شاق على أيدي خبراء علاقات عامة وبفعل أموال ضخمة تنفق لبناء شخصية المرشح على نطاق واسع

وقد ظهرت بارعة بالين ليلة أمس في أسلوب حديثها للكاميرا، فبالين صحفية سابقة تجيد الحديث لعدسات التلفاز، وقد ظهرت هذه البراعة في مناظرة أمس بشكل مصطنع في كثير من الأحيان، حيث شعرت بأن بالين تحولت أحيانا لمراسلة تلفزيونية أو مقدمة نشرات أو ممثلة بارعة تتحدث من نص مكتوب مسبقا ولكنها في نفس الوقت حريصة على أن تظهر تلقائية أمام الكاميرا، وعلى الرغم من أن تلك الصفات إيجابية لدى الإعلاميين والممثلين - حيث يطلب منها التعبير عن مواقف وأراء لا يؤمنون بها بالضرورة - إلا إنها غير صادقة لدى السياسي المفترض أن يعبر بصدق عن قضايا يؤمن بها ويدافع عنها

أما براعة بايدن فظهرت في تحكمه في نفسه وفي خطابه وفي رفضه الهجوم على بالين حتى لا يظهر وكأنه يقلل من شأنها أمام المشاهدين، وذلك لأن حملة أوباما كانت ومازالت تخشى من تهميش أصوات النساء بعد هزيمة أوباما لهيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية

وجاء اختيار ماكين لسارة بالين كنائبة له ليعزز هذه المخاوف، لذا حرص بايدن على آلا يقلل من شأن سارة بالين بأي حال من الأحوال خلال المناظرة حتى لا يكسبها تعاطف الناخبات الأميركيات بشكل من الأشكال

حتى أن بادين تمادى أحيانا في الخضوع لهجومها وفي رفض الهجوم على مواقفها وبيان أخطائها، حتى أن كاد يبكي عن رده على سؤال حول أسرته، وكأن بايدن السياسي المخضرم واسع الشهرة والنفوذ والسطوة بواشنطن كان يريد الظهور أكثر نعومة وحساسية ورقة من سارة بالين حاكمة ولاية آلاسكا قليلة الخبرة والدراية السياسية

ثالثا: أسوأ ما في شخصية بالين هو سذاجتها وتشددها في آن واحد، فالاستماع لبالين ليلة أمس يشعرك بأنها لا تتعدى كونها مساعدة أو سكرتيرة حسناء لجون ماكين تجيد التعامل مع الكاميرات وترضى قواعد الحزب الجمهوري اليمينية المتشددة

وهذا لا يعني أن سارة بالين بلا مستقبل سياسي أمامها، فهي تجيد التعامل مع الإعلام، ويمكن أن يكون أمامها مستقبل سياسي كبير إذا حصلت على التدريب اللازم، ولكنها في الوقت الحالي لا تتعدى موظفة مخلصة تردد ما تريده حملة ماكين

فهي لم تتحدث عن مواقفها وخبرتها السياسية آلا نادرا، كما أن لغتها وأفكارها بسيطة للغاية، وكل مواقفها هي تكرار ودعم لمواقف جون ماكين

وعلى الرغم من سذاجة بالين وضعف سجلها السياسي وفشلها في الحديث المفصل عن مواقف ماكين خلال المناظرة أو حتى في الرد على انتقادات بايدن لسجل ماكين تجاه قضايا معنية كالرعاية الصحية، إلا إنها بدت متشددة حريصة على مهاجمة خصومها الديمقراطيين بشكل شخصي ومباشر أحيانا، وكان من الأولى بها أن تميل قليلا إلى الاعتدال والتواضع على أمل كسب ثقة الناخبين المستقلين، ولكنها فضلت التشدد لكي ترضي قواعد الحزب الجمهوري المتشددة، على أن تترك الاعتدال والإجابات الذكية لجون ماكين في مناظرتيه المتبقيتين أمام باراك أوباما

وبهذا تذكرنا بالين في سذاجتها بجورج دبليو بوش، ولكنها بدت أكثر غرورا من بوش عندما كان مرشحا رئاسيا في عام 2000

أما بايدن فقد بدا واسع الدراية والمعرفة والقدرة على إبراز العيوب في مواقف ماكين وعلى مساعدة أوباما أو قيادة أميركا في حالة الضرورة، وهي بالطبع أخبار سارة لحملة أوباما التي تعيش فترة صعود في الفترة الأخيرة بسبب أزمة الاقتصاد الأميركي التي يلومها الأميركيون على بوش والجمهوريين

ويبدو أن أوباما يستفيد الآن من غضب الأميركيين العام على بوش والجمهوريين، كما يستفيد من تفوق نائبه الواضح على سارة بالين، هذا إضافة إلى الصعوبة التي يواجهها ماكين في جذب أصوات المستقلين، فمواقف بالين وتشدد قواعد الحزب الجمهوري والغضب الأميركي العام على سياسات بوش وأيدلوجية اليمين الأميركي يصبون جميعا في غير صالح ماكين

ويبدو أن حملة أوباما تشعر أحيانا بأن لو تمكنت من ركوب موجة الغضب العارم على بوش والجمهوريين فأنها سوف تصل إلى البيت الأبيض بسلام، وأنها يكفيها أحيانا أن تتعالى على نقد ماكين والجمهوريين وتتركهم يتمادون في هذا النقد حتى يغرقوا فيه على أن يعتلي أوباما والديمقراطيين موجة أكبر، وهي موجة الغضب الشعبي العارم ضد الجمهوريين في الفترة الحالية، ولعل هذا يفسر إحجام أوباما وبايدن عن الهجوم القوي على ماكين وبالين في المناظرتين السابقتين

ولكني أعتقد أن نجاح الإستراتيجية السابقة تتطلب من أوباما تحقق فوزا واضحا على ماكين في واحدة من المناظرتين الرئاسيتين المتبقيتين، فوز يعزز ثقة الناخبين الديمقراطيين في أوباما ويشعر الناخبين المستقلين بان أوباما يمتلك الحجة العليا وأنه قادر على التعبير عن سخطهم على مواقف بوش والجمهوريين في صورة ماكين، وقد يسعى أوباما لتحقيق ذلك خلال المناظرة الثانية أو الثالثة والأخيرة، أو قد يؤثر السلامة ويفضل الوسطية والهدوء على أن يترك مهمة عقاب الجمهوريين للشعب الأميركي نفسه في الرابع نوفمبر المقبل

لذا علينا أن ننتظر حتى الثلاثاء المقبل (موعد المناظرة الرئاسية الثانية) لنعرف قرار أوباما، وقد يكون لماكين رأي أخر ويحقق مفاجأة لم يتوقعها أحد

----

علاء بيومي، باحث في الشؤون الأميركية، صدر له مؤخرا كتاب "
جون ماكين والشرق الأوسط والولاية الثالثة للمحافظين الجدد"، (مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، قطر، أغسطس 2008)

No comments: