في المهارات السياسية لبديع الإخوان
بقلم: علاء بيومي
أول مرة أشاهد حوار طويل للدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر كانت اليوم على الفضائية المصرية، وقد جذبني لمشاهدته حالة الاستقطاب السياسي الأيدلوجي بمصر حاليا وما يثار إعلاميا حول صورة وتصريحات بعض ممثلي الإخوان.
بعد مشاهدة الحوار شعرت بأن أكثر ما لفت انتباهي هو القدرات السياسية التي يتمتع د. بديع، وهذا ليس دعما أو نقدا لأحد، ودعني أوضح لك ما أعنيه.
الرجل تحمل عدد كبير من الأسئلة اللاذعة، ومع ذلك بدا هادئا طوال الوقت وحتى عندما غضب على بعض التشبيهات كتشبيهه من قبل المذيع (الذي أجرى الحوار) بأحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطني لم يرفع د. بديع صوته أو يتصادم مع المذيع بشكل منفر، وهذا يعني – لمن اعتادوا متابعة أداء السياسيين في ثقافات مختلفة – أن الرجل يتمتع بقدرات فطرية تجعله يبدو هكذا هادئا حتى في غضبه.
أما أكثر ما لفت انتباهي فهو لغته السياسية، فالرجل يتحدث بخطاب شديد الوضوح والبساطة، وأعتقد أنه خطاب قادر على الوصول إلى أعداد كبيرة جدا من المصريين (خاصة المسلمين منهم) فالرجل يتحدث لغة سهلة للغاية، كما يتحدث بدرجة من الثقافة تجعله مفهوما للإنسان العادي وللمثقف في آن واحد، كما أنه يستخدم استعارات دينية عديدة لابد وأنها تجذب قطاعات واسعة من المصريين المتدينين.
في تصوري، هذا يعني أن الرجل تعود على مدى سنوات طويلة على العمل السياسي الجماهيري في مصر، وأعتقد أن امتلاك جماعة ما لقيادي يتحدث بأسلوب كهذا ليس عملية سهلة أبدا، فهو أمر يحتاج عملية فرز طويلة بين أشخاص يمتلكون قدرات فطرية على التحدث للجماهير كالهدوء حتى في حالة الغضب، وأهم من ذلك يحتاج أشخاص تدربوا على مدى فترة زمنية طويلة للغاية للحديث لأعداد كبيرة من الجماهير داخل ثقافة معينة.
وأقول داخل ثقافة معينة، لأن نجاح د.بديع في الحديث للشعب المصري بلغة يفهمها قد لا يعني بالضرورة نجاحه في الحديث للشعب أجنبي كالشعب الأميركي مثلا، فلكل شعب ثقافته السياسية.
أضف إلى ذلك أن لغة د. بديع بدت لي لغة قيادي جماهيري بامتياز، فالرجل لا يتحدث كمثقف يستخدم في حديثه عددا كبيرا من المصطلحات السياسية التي لا يفهمها المواطن المصري العادي، كما أنه لا يتحدث كمتحدث إعلامي باسم حزب أو جماعة بلغة سريعة وبعدد كبير من الأفكار المتلاحقة، كما أنه أيضا لا يتحدث كسياسي متكبر أو متعالي.
على النقيض تلقى د. بديع عددا كبيرا من الأسئلة اللاذعة وضعته في موضع الدفاع خلال جزء كبير من المقابلة.
على الجانب الأخر شعرت أن د. بديع أفرط بعض الشيء في أمرين: أولهما الحديث عن جماعة الإخوان المسلمين، وثانيهما المصطلحات الدينية الإسلامية.
حديث د. بديع المتكرر عن الإخوان رسخ في ذهن المستمع أنه يمثل جماعة بعينها وحرمه من الظهور بمظهر "السياسي الوطني" الذي يتحدث بضمير "نحن المصريين".
وربما يعود هذا إلى أن الحلقة خصصت لمناقشة مواقف الجماعة، أو أن د. بديع تعود على الحديث كممثل للجماعة بالأساس، أو لأنه شارك في البرنامج بالأساس للدفاع عن جماعته والحديث باسمها، ولكني شعرت أنه أفرط قليلا في ذلك، وأنه كان عليه التوقف أحيانا والحديث كقائد جماهيري مصري يبحث عن أجندة وطنية.
الأمر الثاني هو استخدامه المتكرر لمصطلحات دينية إسلامية، وهو أمر قد يروق للقطاعات المسلمة المتدينة بالشعب المصري، ولكنه قد يشعر المصريين الأقباط والعلمانيين بأن لغة بديع دينية أكثر من اللازم.
عموما وحتى لا أفرط في التحليل يجب أن أقر أني لم أشاهد عدد كافي من أحاديث د. بديع لكي أعلق بدقة على مهاراته في مجال التواصل السياسي – وفقا لمعرفتي المتواضعة بهذا المجال، كما أني لم أشاهد بقية المقابلة (والتي يذاع جزئها الثاني يوم الأحد المقبل)، وقد منعني السبب الثاني من التعليق على خطابه السياسي أو مضمون الأفكار التي تحدث بها.
ولكني رأيت تسجيل بعض ملاحظاتي الأولية على مهارات د. بديع الإعلامية لسبب أساسي وهو الجدل الدائر حاليا وسط المصريين حول القدرات السياسية للقوى المختلفة، وعن بعض الأخطاء الإعلامية التي ارتكبها قادة الأخوان مؤخرا، وهو ما جذبني لمشاهدة مقابلة د. بديع كما ذكرت في بداية المقال.
وقد خرجت بانطباع "أولي" مفاده أن امتلاك أي جماعية سياسية مصرية قيادات جماهيرية تتمتع بمهارات د. بديع عمليه ليست سهلة وقد تستغرق سنوات طويلة لتطوير كوادر خاصة بأي جماعة، وهذا يعني أن منافسة أشخاص يتحدثون بهذه القدرة واللغة ليست عملية سهلة في البيئة السياسية المصرية الراهنة.
عموما هذا ليس دعما أو نقدا لأحد، ولكنه تسجيل لبعض انطباعاتنا الأولية على المشهد السياسي المصري الراهن، والله أعلم.