مطالب أميركية بالانفتاح الاقتصادي على مصر
هناك شعور أميركي بالرغبة في التأثير على ما يجري في مصر بأسلوب غير مباشر قدر
الإمكان، فالأميركيون يشعرون بأن مصر تمر بمرحلة تحول ضخمة، وأن دورهم المباشر
الذي كانوا يلعبونه في الماضي من خلال المساعدات والعلاقات الأمنية بات مرفوضا،
وأن عليهم البحث عن طرق أخرى.
وهنا تحذر ميرديث برودبنت – المسئولة الأميركية السابقة والتي تعمل حاليا
باحثة في مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بواشنطن - من ميل بعض السياسيين
الأميركيين وخاصة في الكونجرس للانغلاق والتردد فيما يتعلق بسياسات بلدهم تجاه مصر
نظرا لغموض عملية صناعة القرار السياسي في مصر وعدم وضوح مسار التحول السياسي فيها
ومستقبله بالإضافة إلى الضغوط التي تتعرض لها الميزانية الأميركية خلال الفترة
الراهنة.
لذا تدعو برودبنت - في دراسة نشرها لها المركز المعروف في ديسمبر الماضي - الحكومة
الأميركية إلى الانفتاح على مصر اقتصاديا من خلال تطوير اتفاقات التجارة المشتركة
بين البلدين كخطوة على صعيد التفاوض حول وإقرار اتفاقية للتجارة الحرة بين
البلدين.
وترى الباحثة أن تعميق اتفاقات التجارة بين مصر وأميركا والسير نحو اتفاقية
تجارة حرة من شأنه أن يدعم أهداف أميركا في مصر على أكثر من مستوى.
فسوف يضمن سياسيا دفع مصر في اتجاه الحد من سيطرة الحكومة المركزية على
الاقتصاد وسوف يضمن أيضا التفاعل مع قادة مصر الجدد وبناء علاقات إيجابية واضحة،
كما أنه سوف يدفع في اتجاهات اقتصادية وسياسية مشتركة تدعمها أميركا في مصر
كالشفافية ومحاربة الفساد وسيادة القانون.
أما اقتصاديا فترى الباحثة - والتي عملت كمساعدة لممثل التجارة الأميركي
خلال الفترة من 2003 إلى 2005 – أن أميركا سوف تستفيد كثيرا من تطوير علاقتها
التجارية مع مصر والدخول تدريجيا في مفاوضات إقامة اتفاقية تجارة حرة معها للأسباب
التالية:
أولا: تشير الدراسة إلى تقارير دولية مختلفة ترشح مصر كأحد الدول الصاعدة
اقتصاديا خلال الفترة المقبلة، حيث تتنبأ تلك التقارير بمعدلات نمو سنوية كبيرة
لمصر (حوالي 5% سنويا) مقارنة بمعدلات نمو الدول المتقدمة (حوالي 2% سنويا)، وتتنبأ
دراسات أخرى بأن مصر سوف تكون أحد الدول الدافعة لنمو التجارة الدولية عالميا مع
دول كالهند والصين والبرازيل وفيتنام وإندونيسيا خلال الفترة من 2011 إلى 2025.
وهنا تشير الدراسة إلى موقع مصر الاستراتيجي الهام حيث تتلاقى خطوط التجارة
الدولية، وكون مصر هي مفتاح رئيسي لمنطقة الشرق الأوسط سياسيا واقتصاديا على حد
سواء، ولكون منطقة الشرق الأوسط بسكانها البالغ عددهم 400 مليون نسمة وناتجها
الإجمالي المقدر 2.4 ترليون دولار في عام 2011 تعد الاقتصاد التاسع عالميا.
هذا ناهيك عن حجم الطبقة الوسطى المصرية مما يجعل البلد جاذبا للاستثمارات
في الشرق الأوسط ودوليا.
وهنا تشيد الدراسة ببعض الإصلاحات الاقتصادية القاسية التي طبقتها مصر خلال الفترة
من 2005 إلى 2008 والتي دفعت في اتجاه اقتصاد السوق، وتقول الدراسة أن الإصلاحات
السابقة شجعت المستثمرين ولكنها لم تنجح في تحقيق توزيع عادل للثروة وثمار الإصلاح
الاقتصادي داخليا مما ساهم في ثورة 25 يناير.
ولكنها تعود وتقول أن الضغوط الاقتصادية الضخمة التي تعرضت لها مصر منذ
ثورة يناير 2011 لم تؤثر على الانفتاح الاقتصادي المصري ولم تدفع المسئولين
المصريين لتبني سياسات انغلاقية مما يؤشر على حرصهم على سياسات الانفتاح
الاقتصادي.
وهنا تشير الدراسة إلى أن حجم الاستثمارات الأجنبية التي دخلت مصر منذ عام
2005 والتي وصلت إلى قمتها في عام 2006 حيث بلغت 11.5 مليار دولار أميركي وتراجعت
بعد الأزمة الاقتصادية الدولية في 2008 لتصل في عام 2010 إلى 6.3 مليار دولار.
ثانيا: تقول الدراسة أن العوامل السابقة تجعل من مصر دولة هامة للشركات
الأميركية وهو أمر يجب مراعاته من قبل المسئولين الأميركيين خلال الفترة الحالية
وخاصة في الكونجرس الأميركي، لأن الشركات الأميركية تبحث عن فرص جديدة في ظل
منافسة متنامية مع دول وكيانات أخرى كالإتحاد الأوربي والصين.
وهنا تشير الدراسة إلى توسع الاتحاد الأوربي كشريك تجاري في مصر منذ عام
2006 مقارنة بالولايات المتحدة، ففي عام 2006 بلغت واردات مصر من أميركا والاتحاد
الأوربي 1.6 مليار دولار و3.9 مليار دولار أميركي على التوالي، أما في عام 2010
فقد بلغت وردت مصر من أميركا والاتحاد الأوربي 4.9 مليار و14.1 مليار تباعا.
وتقول الدراسة أن سبب التوسع الأوربي في السوق المصرية يعود نسبيا إلى اتفاقية
التجارة التي وقعتها مصر مع الاتحاد الأوربي في 2004 والتي حققت لأوربا مكاسب
كثيرة من بينها خفض متبادل للجمارك وبناء أكثر من هيئة تجارية مشتركة بين مصر
والاتحاد الأوربي ونشر المعايير التجارية الأوربية في مصر حتى بات التجار
الأميركيون أنفسهم مطالبين بإتباع بعض تلك المعايير في تجارتهم مع مصر.
وتقول الدراسة ومؤلفتها أن نشر المعايير التجارية الأوربية في مصر هو جزء من
السباق الأوربي الأميركي على التحكم في المعايير القياسية للتجارة الدولية وأنه
يمثل تحديا لسيادة وانتشار المعايير الأميركية.
وتقول الدراسة أن النقاش بين مصر وأميركا حول سبل بدء مفاوضات حول عقد اتفاقية
تجارة حرة بين البلدين توقف فجأة في عام 2005 وأن العلاقات الاقتصادية بين البلدين
مازالت تحكمها اتفاقيات في منتصف التسعينيات وأن تلك الاتفاقات لم تأخذ في
اعتبارها كثير من التحولات التي مرت بها مصر أو أميركا أو اتفاقات التجارة
الأميركية المشتركة مع دول العالم.
وتقول أيضا أن الكونجرس بطيء للغاية في الموافقة على اتفاقات التجارة الحرة، وأن
على أميركا البدء مباشرة بفتح باب تطوير اتفاقات التجارة المشتركة مع مصر كعلامة
على حسن نوايا أميركا ورغبتها في توطيد علاقاتها السياسية والاقتصادية مع مصر في
الفترة الحالية وكخطوة على صعيد بدء مفاوضات اتفاقية تجارة حرة بين البلدين.
وتتوقع المؤلفة أن تطرح مصر ضمن أي محادثات تجارية مستقبلية بعض مطالبها
المتعلقة برفع معوقات صادرات النسيج والمنتجات الزراعية الطازجة إلى أميركا، وأنه
يمكن لأميركا فتح باب النقاش حول عدد من القضايا والالتزامات المتعلقة بالملكية
الفكرية وحقوق العمال وقوانين البيئة ضمن النقاشات المتبادلة حول تطوير اتفاقات
التجارة الثنائية بين البلدين.
وتشير الدراسة إلى أن حجم الصادرات المصرية في أميركا خلال عام 2010 بلغ
حوالي 2.3 مليار دولار أميركي، في حين اقتربت الصادرات الأميركية إلى مصر من 7
مليار دولار، وتعد الصادرات الزراعية واللحوم أهم ما تصدره أميركا إلى مصر حيث
تمثل الصادرات الأميركية في هذا المجال ربع الواردات المصرية من الخارج.
يأتي بعدها المعادن والكيمياويات والطعام، حيث تصدر أميركا إلى مصر ما يقدر بنسبة
12.6% و10% و9% من حجم سوق الواردات المصرية من تلك السلع على التوالي.
أما أهم الصادرات المصرية إلى أميركا فهي القطن والأنسجة حيث تصدر مصر إلى
أميركا ما يعادل 1.1% من سوق الواردات الأميركية لتلك السلع، ويأتي بعدها الوقود
بنسبة 0.23%.
ولا ننسى التذكير بأن الدراسة مكتوبة من وجهة النظر الأميركية بالأساس،
وأنها تبحث عن سبل اقتصادية لتحقيق مصالح الولايات المتحدة في مصر، وأن تلك السبل
قد لا تتقابل أو تتعارض بالضرورة مع المصالح المصرية.
وإن عرضنا لتلك الدراسة يأتي من باب إطلاع القارئ المصري على رؤى أميركية جادة
وجديدة قد تؤثر على سياسات الولايات المتحدة تجاه مصر خلال هذه الفترة الهامة، ولطرح
السؤال حول سبل استفادة مصر من تلك الدعوات والمطالب الأميركية لتحقيق مصالحها
الوطنية!؟ والله أعلم.
بقلم: علاء بيومي
----
للإطلاع على النص الكامل للدراسة يرجى زيارة الوصلة التالية:
No comments:
Post a Comment