Saturday, February 18, 2012

في درجة وتبعات اعتماد الجيش المصري على المعونة الأميركية

مقال بقلم: علاء بيومي، يمكن نشر المقال مع النشر إلى مصدره: www.alaabayoumi.com

خلال عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك تعود المصريون على التعامل مع قضايا سياسية هامة بدون نقاش كافي خاصة في ظل سيطرة النظام على ما يكفي من وسائل الإعلام والمؤسسات السياسية لتحويل وجهة النقاش في الاتجاه الذي يريده.  

لذا حرم المصريين من دراسة قضاياهم المختلفة دراسة عميقة ومن فهم تبعات البدائل السياسية المتاحة أمامهم.

لذا عندما يطلق البعض في مصر حاليا دعوات للاستغناء عن المعونة الأميركية - لاقت ترحيبا من بعض الأحزاب والقوى الدينية - لابد وأن نسأل أنفسنا إذا كانت تلك الدعوات قائمة على دراسة مستفيضة للمعونة الأميركية وتأثيرها وسبل وتبعات الاستغناء عنها.
أم أن تلك الدعوات مجرد  رد فعل شعبي غاضب - سرعان ما يتلاشى وينسى - على عقود من السياسة الأميركية غير العادلة في المنطقة والتي قامت على دعم إسرائيل والديكتاتوريات في آن واحد.

الحل هو أن ننظر لتلك الدعوات كفرصة للمطالبة بتوفير أكبر قدر من المعلومات عن المعونة الأميركية لمصر وكيفية إنفاقها ودرجة اعتماد المصريين عليها وخاصة في أوساط الجيش المصري صاحب النصيب الأكبر من تلك المعونة في السنوات الأخيرة.  

ولعل هذا النقاش – إذا تم فتحه بعمق وجدية – يمثل البداية الحقيقية للاستغناء عن المعونة الأميركية، فلكي نحل مشكلة ما علينا أولا أن نفهم طبيعتها وسبل حلها.

فالبداية لا تكون باقتراحات عنترية وحلول نظرية، ولكنها تكون بدراسة دقيقة وموضوعية لطبيعة المشكلة نفسها وسبل علاجها.   

لذا رأينا أن نهتم في المقال الراهن برصد عدد من الحقائق المتعلقة بالمعونة الأميركية لمصر ووجهتها ومدى اعتماد مصر عليها خاصة عسكريا.

فمن المعروف أن أميركا تقدم لمصر منذ نهاية السبعينات حوالي 2 مليار دولار سنويا أو أكثر تم تخفيضا خلال العقد الأخير إلى 1.55 مليار دولار أميركي سنويا يذهب 1.3 مليار منها أو أكثر من 80 % في صورة معونات عسكرية.

وهو ما يفرض التساؤل حول أهمية تلك الأموال للقوات المسلحة المصرية ومدى اعتمادها عليها وكيف تنفق وإلى أي مدى يمكن الاستغناء عنها وبأي سرعة خاصة وأنها تقدم منذ أكثر من ثلاثة عقود.

ويسعفنا في ذلك تقريران صادران عن مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية في واشنطن، صدر أولهما في شهر مارس بعنون "مبيعات ومساعدات الأسلحة الأميركية لمصر"، وصدر الثاني في شهر يونيو لعام 2010 بعنوان "الميزان العسكري العربي الإسرائيلي".


ويوضح التقريران أن المساعدات العسكرية الأميركية لمصر تمثل حاليا ما يعادل ربع أو ثلث ميزانية الدفاع المصرية، فمصر خفضت انفاقها العسكري كنسبة من دخلها القومي بشكل مضطرد منذ نهاية الثمانينات، حتى وصل إلى نسبة تتراوح بين 2.1% و 3.9% من الميزانية المصرية. 

وتمثل المساعدات العسكرية الأميركية لمصر (1.3 مليار دولار سنويا) ما يعادل ربع أو ثلث ميزانية الدفاع المصرية نفسها، والتي تراوحت خلال العقد الأخير بين 3.5 و 4.5 مليار دولار أميركي، وتقول التقارير الأميركية أن مصر من أكثر دول المنطقة اعتمادا على المساعدات العسكرية الأميركية حاليا.

وتوزع تلك المساعدات على شراء أسلحة جديدة وتطوير منظومات أسلحة قائمة وصيانة ودعم أسلحة أخرى، هذا بالإضافة إلى مشاريع إنتاج مشتركة للأسلحة بين مصر وأميركا وخاصة للدبابة الأميركية M1A1 التي بدء مشروع انتاجها المشترك بين مصر وأميركا في نهاية الثمانينات.

وتقول التقارير أن مصر تشتري سنويا ما قيمته مليار دولار من الأسلحة الأميركية وأن ثاني دولة مصدرة للأسلحة لمصر هي الصين والتي تبيع لمصر أسلحة تقدر بحوالي 100 مليون دولار سنويا خلال السنوات الأخيرة وفقا لأحد التقارير، وهذا يعني أن الصين تأتي بعد أميركا كثاني أهم مصدر للسلاح المصري بقارق كبير للغاية.

وهو يعني أيضا أن مصر تعتمد منذ فترة طويلة على الأسلحة الأميركية، فوفقا للتقارير التي بين أيدينا اشترت مصر من أميركا خلال الفترة من 2001 حتى 2008 أسلحة يقدر ثمنها بحوالي 10.4 مليار دولار، واشترت من روسيا خلال الفترة ذاتها أسلحة يقدر ثمنها 800 مليون دولار، ومن الصين أسلحة ثمنها 500 مليون دولار.  


وخلال الفترة من 1997 وحتى 2008 أنفقت مصر 18.6 مليار دولار على استيراد أسلحة جديدة، كانت حصة أميركا منها 15.9 مليار دولار، أو ما يعادل 85% من نفقات واردات الأسلحة المصرية.

ويأتي بعدها الأسلحة الصينية والروسية حيث أنفقت مصر مليار دولار و900 مليون دولار أميركي تباعا على شراء أسلحة من البلدين - وفقا للتقارير الأميركية، وهو ما يعادل نسبة قدرها 5.3% و 4.8% تباعا، وهذا يوضح مدى اعتماد الجيش المصري على السلاح الأميركي خلال العقود الأخيرة.


ويعني أيضا أن أحدث الأسلحة التي تمتلكها الترسانة المصرية من طائرات ودبابات وسفن حربية أميركية الصنع، وأن أميركا زودت إسرائيل بأسلحة أكثر تقدما من نظيرتها المصرية، وأن ترسانة مصر من الأسلحة الروسية القديمة باتت بالية ومتخلفة تكنولوجيا وقد تمثل عبئا في صيانها واستخدامها كما يشير أحد التقارير.

هذا إضافة إلى صفقات السلاح المفتوحة ومشاريع الانتاج العسكري المشتركة التي تنخرط فيها مصر وتعتمد عليها.

أضف إلى ذلك الأعباء التي يتحملها الجيش المصري بسبب حجم البيروقراطية ونفقات التحديث وحجم القوات الكبير وسباق التسلح المستمر في المنطقة بسبب التهديدات الإقليمية المتزايدة.


هذا يعني أن فك الارتباط العسكري بين مصر وأميركا يتطلب الوفاء بعدد من الشروط الهامة.

أولا: وعلى المستوى الاقتصادي تحتاج مصر تحقيق قدر من التنمية الاقتصادية بما  يزيد من حجم الاقتصاد المصري وقدرة مصر على دعم جيشها، فخلال العقد الممتد من عام 1999 وحتى عام 2008 بلغت نفقات إسرائيل العسكرية 101.8 مليار دولار أميركي في حين بلغ الإنفاق العسكري المصري 36.6 مليار دولار أميركي وهو ما يعادل ثلث الإنفاق العسكري الإسرائيلي خلال الفترة ذاتها.

ولو أخذنا في الاعتبار المعونة الأميركية والتي تبلغ 1.3 مليار سنويا، هذا يعني أن مصر أنفقت حوالي 23 – 24 مليار دولار فقط على بناء جيشها من دخلها الخاص خلال الفترة المذكورة، وأن إصلاح الاقتصاد المصري هو البداية الحقيقية لميزانية عسكرية مصرية كافية وقادرة على دعم جيشنا.


ثانيا: تحتاج مصر تحقيق قدر من التطور العلمي والتكنولوجي لضمان إحلال الأسلحة الأميركية بأسلحة وطنية متطورة وقريبة من تكنولوجيا الأسلحة الأميركية قدر الإمكان، وهو يحتاج بدون شك طفرة تعليمية وتكنولوجية يصعب تحقيقها سريعا. 

ثالثا: تحتاج مصر أيضا تغيير تحالفاتها الدولية بما يضمن حصول مصر على تكنولوجيا أسلحة متطورة من دول غير الولايات المتحدة وحلفائها.

وبالطبع لا يتحدث أحد عن نذر حرب مقبلة، ولا نقول أيضا أن التقارير الأميركية وافية للوقوف على حجم وقدرات القوات المسلحة المصرية، ولكن هدفنا بالأساس هو توفير قدر من المعلومات المبدئية عن قضية المعونة الأميركية ودرجة اعتماد مصر عليها خاصة عسكريا وربما التأكيد على أن سنوات حكم مبارك وضعت مصر في ظروف صعبة ومعقدة على مستويات مختلفة لن يتم تخطيها بسهولة.

ونتمنى بكل من يهتم بالقضية أن يساعد على فتح باب النقاش حولها ويطالب بمعلومات كافية ودراسة مستفيضة حتى ننتقل بمصر من مرحلة النقاش العاطفي المسيس التي سادت خلال حكم المخلوع إلى مرحلة دراسة السياسات والبدائل الجادة المتاحة، والتي نأمل أن تسود مصر ما بعد ثورة 25 يناير، والله أعلم.

-----
للاطلاع على النص الكامل للتقارير الأميركي المشار إليها في المقال، يرجى زيارة الوصلات التالية:

No comments: