هل يناقض الأميركيون أنفسهم في البحرين!؟ قراءة أميركية
في الحادي والعشرين من فبراير ظهرت نسخة محدثة من تقارير خدمة أبحاث الكونجرس
عن البحرين، وهي التقارير التي تعد خصيصا لأعضاء الكونجرس وتحتوي على تلخيصا جيدا
لأحدث السياسات والمواقف الأميركية.
ولا تنشر تلك التقارير علانية أو تتاح للجميع بل يتم تسريبها من خلال مؤسسات
أميركية معنية بمكافحة السرية المحيطة بصناعة القرار السياسي هناك.
التقرير الجديد يستمر في وصف "المعضلة" التي تواجهها أميركا في
التعامل مع الأزمة السياسية الراهنة في البحرين.
فأميركا ترتبط مع البحرين بعلاقة أمنية بالأساس، وهي علاقة هامة لأميركا خاصة
في مواجهة التحدي الإيراني والذي يعتبر تحديا مشتركا يجمع بين أميركا وحكومة
البحرين.
ويقول التقرير أن أميركا تواجه ضغوطا داخلية وخارجية بسبب موقفها من
الاضطرابات السياسية التي تشهدها البحرين منذ فبراير 2011، فشيعة البحرين وبعض
الأصوات داخل أميركا يرون أن أميركا تكيل بمكيالين في التعامل مع الثورات العربية
وأنها لم تقدم الدعم الكافي لشيعة البحرين ومطالبهم بسبب مصالحها الأمنية هناك.
حتى أن أحد أهم قادة المعارضة الشيعية في البحرين أكد في تصريحاته – كما
يشير التقرير - على أن العلاقة الأمنية بين أميركا والبحرين لن تتأثر في حالة
حصولهم على مزيد من النفوذ السياسي – ربما سعيا منهم لتهدئة مخاوف أميركا.
ولكن من الواضح أن التصريحات السابقة لم تؤثر على سياسة أميركا أو تقلل من
حجم التحدي الذي تواجه سياساتها تجاه البحرين لأكثر من سبب.
فأميركا في العادة لا تأخذ وضع القيادة في الربيع العربي، بل هي عادة ما
تأخذ موقف المتردد حتى تتضح الصورة، والوضع في البحرين معقد، فأميركا تمتلك قاعدة
بحرية هامة في البحرين وترتبط مع النظام بروابط أمنية قوية.
ودول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أرسلت قوات إلى البحرين خلال
الأزمة لدعم جهود الحكومة البحرينية الأمنية، وذلك على الرغم من معارضة أميركا
لتلك القوات – كما يدعي التقرير.
والعنف الذي استخدمته الحكومة البحرينية ضد المتظاهرين هناك - والذي
انتقدته أميركا - يقل كثيرا عما استخدم في بلدان العالم العربي الأخرى والتي شهدت
مظاهرات خلال الفترة السابقة، حيث أسفرت مظاهرات البحرين عن مقتل حوالي 30 شخصا
حتى الآن فقط، كما أن الحكومة البحرينية اتخذت بعض الخطوات على طريق الإصلاح
السياسي مثل تقوية دور مجلس النواب البحريني - وهي خطوات لم ترض المعارضة الشيعية.
وقد زادت التوترات في البحرين مخاوف البحرينيين السنة، كما يشير التقرير
حيث يقول أن السنة يخشون من أن المعارضة الشيعية لن ترضى بأقل من حكم البلاد.
في المقابل يشير التقرير إلى كون الشيعة أغلبية في البلاد وإلى أنهم يعانون
من تراجع واضح في حقوقهم السياسية وفي حقوقهم الاقتصادية أيضا.
فمؤسسات الحكم والأمن تسيطر عليه بالأساس العائلة الحاكمة، ونسبة تمثيل
الشيعة في الحكومة البحرينية – حتى قبل الاضطرابات - قليلة ولا تتناسب مع نسبتهم
بين السكان، وتمثيل الشيعة في المؤسسات الأمنية ضعيف أيضا وتمثيلهم في أوساط
النخبة الاقتصادية ضعيف على الرغم من النجاحات التي حققها بعض رجال الأعمال الشيعة
وعلى الرغم من حضورهم الكبير في أوساط الطبقة الوسطى البحرينية.
وقد عبر قادة المعارضة الشيعية تكرارا عن رغبتهم في ملكية دستورية وبرلمان
منتخب بالكامل ويمتلك صلاحيات واسعة، في المقابل تكتفي الحكومة بمنحهم بعض المناصب
الوزارية وبتقوية دور مجلس النواب البحريني المنتخب في مقابل مجلس الشورى المعين خاصة
بعد الأزمة الأخيرة.
ويشير التقرير في أكثر من مكان إلى شعور المعارضة البحرينية بوجود تيارين
متصارعين داخل العائلة المالكة، تيار إصلاحي يقوده ولي العهد وهو يبدو الأكثر قربا
من المعارضة ومن الولايات المتحدة، وتيار محافظ يقود رئيس الوزراء، والذي يواجه
معارضة قوية من المتظاهرين الشيعية.
في مواجهة التحديات السابقة، تقف أميركا موقفا مختلطا، فقد امتنعت عن
مطالبة الحكومة البحرينية بالتخلي عن الحكم كما فعلت مع نظم أخرى خلال الربيع
العربي، واكتفت بمطالبة الحكومة بتطبيق مزيد من الإصلاحات وأدانت انتهاكات حقوق
الإنسان وقمع المتظاهرين – والتي تعد انتهاكات محدودة مقارنة مع الدول العربية
التي شهدت ثورات، وجمدت أيضا بعض المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة المحدودة للبحرين.
فيما عدا ما سبق، لا يبدو الموقف الأميركي على موعد مع تغير كبير – في
الوقت الراهن - إلا إذا قررت أميركا نقل قاعدتها العسكرية الهامة من البحرين إلى
دولة أخرى رشحها التقرير أن تكون الإمارات العربية المتحدة أو قطر.
وحتى لو تخلت أميركا عن القاعدة التي كانت تعمل على توسيعها وتطويرها - من خلال مشروع انطلق في عام 2010 وينتهي في
عام 2015 تقدر قيمته بنصف مليار دولار أميركي تقريبا - تبقى حقيقة هامة وهي دور
دول مجلس التعاون الخليجي نفسها في البحرين وطبيعة الصراع السياسي هناك وبعده
الديني والذي قد يعقد الأمور في حالة اصطفاف سنة البحرين خلف النظام السياسي هناك
في مواجهة المعارضة الشيعية.
هذا يعني أن يستمر - إلى حين - ما يراه البعض – خاصة في أوساط المعارضة
البحرينية - ازدواجية أو تردد في موقف أميركا تجاه ما يحدث هناك، وسوف يحسم الأمر
ظروف عديدة مثل قدرة الحكومة البحرينية على المضي قدما في تطبيق حزمة جديدة من
الإصلاحات السياسية القادرة على إرضاء المعارضة الشيعية أو تحقيق جزء هام من
مطالبها.
وقدرة المعارضة الشيعية نفسها على نزع فتيل أي خلافات طائفية مرتبطة بمشروعها
السياسي، والدور الذي ستلعبه القوى الإقليمية (مجلس التعاون الخليجي وإيران) في
البحرين في التأثير على المشهد الراهن، والله أعلم.
للإطلاع على النص الكامل للتقرير الجديد، يرجى زيارة الوصلة التالية:
No comments:
Post a Comment