Thursday, August 07, 2008

العراق بين قنوط أوباما وصقورية ماكين
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، أغسطس 2008، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص المقال

حرب العراق هي أهم قضايا السياسة الخارجية الأميركية في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة إن لم تكن أهم قضايا الانتخابات على الإطلاق، فقد يرى بعض الأميركيين أن أوضاع الاقتصاد الأميركي المتردية بات أولوية، ولكن الحرب تبقى قضية محورية قادرة على العودة بقوة والتأثير على مسار الانتخابات الرئاسية، ولم لا وحرب العراق كانت السبب الأهم وراء خسارة الجمهوريين لانتخابات 2006، وهي خسارة هزت مؤسسات اليمين الأميركي الحاكم وأشعرت بعض قادته بأفول عصر سيطرة اليمين في أميركا خلال الجيل الراهن

لذا لا يجب أن نتعجب إذا وقف المرشحان الرئيسيان للرئاسة الأميركية باراك أوباما مرشح الحزب الديمقراطي وجون ماكين مرشح الحزب الجمهوري على طرفي نقيض من القضية الهامة، فكل مرشح هو تعبير صادق عن احتياجات وظروف حزبه في المرحلة الحالية، وهذا لا يعني أن مواقف أوباما وماكين نحو العراق لا تتقاطع، فهي تتشابه في مناسبات محدودة هامة ولا تخلو من عيوب ونواقص

الانتخابات التمهيدية

في البدء يجب الإشارة إلى أن حرب العراق لعبت دورا هاما في حصول كلا من باراك أوباما وجون ماكين على ترشيح حزبيهما في الانتخابات الرئاسية، فمن بين المرشحين الديمقراطيين الرئيسيين في الانتخابات التمهيدية وهم جون إدواردز وهيلاري كلينتون وباراك أوباما برز الأخير لكونه المرشح الذي عارض الحرب منذ البداية، أما إدواردز فقد ساند قرار الحرب ثم عبر بعد ذلك عن ندمه، ووقفت هيلاري بجوار قراراها المساند للحرب ورفضت الاعتذار عنه، ويقال أن موقفها هذا كلفها ترشيح الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية الحالية والتي كانت تعتبرها أمرا مقضيا

أما ماكين فهو مرشح حزبه الأبرز في دعم الحرب، فهو أحد الداعين والداعمين لها والمساندين لإستراتيجية زيادة القوات الأميركية بالعراق، حتى يقال أن الإستراتيجية السابقة ارتبطت باسم ماكين وأنه صار أكبر داعميها خارج الإدارة الأميركية حتى ارتبطت باسمه وصار سقوطها سقوطا له ونجاها نجاحا له، لذا يشار إلى أن تردي الأوضاع في العراق في أوائل عام 2007 كاد أن يقضى على أحلام ماكين الرئاسية بسبب تردي الأوضاع في العراق وعدم تمكن إستراتيجية زيادة القوات من العودة بفوائد سريعة في تلك الفترة، حتى أن ماكين ومساعديه فقدوا الأمل في الفوز بترشيح الجمهوريين، ولكي الأوضاع تحسنت نسبيا في العراق خلال الثلث الأخير من عام 2007 فعادت معها أمال ماكين في الوصول إلى البيت الأبيض

قرار الحرب

لذا نحن أمام مرشحين متضادين تقريبا في موقفهما من حرب العراق، وهو تضاد يبدأ من قرار الحرب ذاته والذي عارضه أوباما قبل أن يدخل مجلس الشيوخ الأميركي، حيث رأى أن الحرب غير محددة التكاليف أو العواقب أو الإطار الزمني، وأنها تشتيت لأميركا عن الساحة الأهم للحرب على الإرهاب وهي ساحة حرب أفغانستان

أما ماكين فقد طالب بتغيير النظام العراقي منذ عام 1998 أي قبل أن يصبح جورج دبليو بوش رئيسا، كما طالب ماكين بالحرب قبل أحداث 11-9 وبعدها، حيث رأى ماكين بعد الأحداث أن الحرب جزء من مشروع إعادة بناء الشرق الأوسط وأن العراق بعد غزوه سيصير نواة نشر الديمقراطية والقيم الأميركية في المنطقة وسوف يعيد رسم سياسات العالم العربي ونظمه على شاكلة ترضي أميركا وتحقق أمن إسرائيل

الحرب على الإرهاب

وقد رأى ماكين منذ بداية حرب العراق أنها الجبهة الأولى والمركزية للحرب على الإرهاب، وهي حرب يرى ماكين أنها لابد وأن تنتهي بهزيمة أعداء أميركا هزيمة عسكرية وسياسية مذلة تثبت للعالم من هي أميركا وما هي تكلفة من يعصي الولايات المتحدة قطب العالم الأوحد

لذا يتحدث ماكين عن "الحرب على الإرهاب" بمفهوم عسكري تقليدي بالأساس يقوم على تغيير النظام "الراعية للإرهاب" أو المناهضة لأميركا من خلال العمل العسكري المباشر أو من خلال دعم قوى المعارضة الداخلية بتلك الدول، كما يرى ماكين ضرورة أن تصطف الدول المساندة لأميركا حولها في حلف سياسي عسكري لهزيمة الدول المناهضة لأميركا وحلفائها

أما أوباما فيرى "الحرب على الإرهاب" كنوع من التعاون الدولي لمواجهة الشبكات الداعمة للإرهاب عبر العالم، تعاون به جزء عسكري كما هو الحال في أفغانستان، والتي يرى أوباما أنها الجبهة المركزية للحرب على الإرهاب، وبه جزء بوليسي استخباراتي يتحقق من خلال تعاون الدول مع بعضها في تتبع تنظيم القاعدة والجماعات المساندة له ومصادر تمويله ودعمه، كما يشمل التعاون الدبلوماسي وأخر يتعلق بالدبلوماسية العامة يقوم على تفعيل دور مؤسسات الدبلوماسية والدعاية الأميركية في التواصل مع العالم الإسلامي

تطورات الحرب

والملاحظ هنا أن ماكين يبدو أكثر دراية بتطورات حرب العراق وتفاصيلها مقارنة بأوباما، فقد زار ماكين العراق لأول مرة في أغسطس 2003 أي بعد الحرب بخمسة أشهر وقبل دخول أوباما مجلس الشيوخ الأميركي بأكثر من عام وثلث، كما زار ماكين العراق مرات عديدة منذ ذلك الحين، وتبنى منذ عودته من الزيارة الأولى موقفا ناقدا لإستراتيجية الرئيس جورج دبليو بوش العسكرية في إدارة الحرب، حيث انتقد إستراتيجية وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد بشدة وأعرب تكرارا عن فقدانه الثقة في رامسفيلد، لأن دونالد رامسفيلد – كما رأى ماكين – مصاب بعقدة فيتنام ويخشى الدفع بمزيد من الجنود الأميركيين في العراق خوفا من وقوع خسائر كبيرة وسط الجنود الأميركيين هناك مما قد يحول العراق لفيتنام جديدة، ولكن ماكين المحارب السابق رأى أن إستراتيجية رامسفيلد هي التي ستحول العراق لفيتنام جديدة، لذا طالب بالتعجل في إرسال مزيد من القوات للعراق والإسراع في جهود إعادة الأبناء حتى لا يفقد العراقيون الثقة في أميركا ويتحولون ضدها

أما أوباما فيبدو في ذلك الحين أقل وعيا بتفاصيل الحرب وأقل دراية بتطوراتها وحاجاتها العسكرية مقارنة بماكين الطيار السابق وسليل عائلة من قادة البحرية الأميركية، كما أن أوباما أنفق عامه الأول في مجلس الشيوخ الأميركي (2005) مبتدأ يبتعد عن الأضواء ويعكف على التعلم، لذا تأخرت مبادرات أوباما السياسية الجادة تجاه الحرب - التي عارضها منذ البداية - حتى أواخر عام 2005، كما ظهرت مواقف أوباما عامة مترددة بعض الشيء ففي فترة رأي أوباما ضرورة إعطاء الفرصة للحكومة العراقية الجديدة لإثبات نفسها، ولكن مع تردي الأوضاع في العراق بدأ أوباما في النظر للحرب على أنها حرب مفقود الأمل فيها لا يرجى منها شيئا وأنها باتت تكلفة شاقة يتحملها بالأساس الجنود الأميركيين وتبدد موارد أميركا الاقتصادية والتي تحتاجها أحياء أميركا الفقيرة وتهدر سمعة أميركا ومصداقيتها حول العالم

الحكومة العراقية

والواضح هنا أن أوباما وماكين يتفقان في النظر سلبيا تجاه الحكومة العراقية والسياسيين العراقيين، حيث عبرا في أكثر من موضع عن عدم ثقتهما في الساسة العراقيين، وقد رأى ماكين أن عدم الثقة هذه تعني أن تبقى مسئولية الحرب في العراق على عاتق الجيش الأميركي نفسه، فالحرب هي حرب أميركا، وأميركا وجيشهما هما القادران فقط على تحقيق النصر في هذه الحرب، ودور الجيش العراقي هو دور مساعد فقط

أما أوباما فقد رأى أن الساسة العراقيين ميئوس منهم كالحرب تماما وأنهم لن يتحركوا ويبحثوا عن حلول لمشاكلهم العديدة إلا إذا شرعت أميركا في سحب أو إعادة نشر قواتها خارج العراق

سحب القوات

لذا طالب أوباما بإعادة نشر القوات الأميركية خارج العراق في غضون 16 شهرا منذ أوائل عام 2007، ورفض إستراتيجية زيادة القوات الأميركية بالعراق، ورأى أنها لا جدوى لها، فلا حل لمشكلة العراق دون اتفاق الساسة العراقيين، بمعنى أخر أن حل مشكل العراق سياسي في أيدي الساسة العراقيين وليس عسكري في أيدي القوات الأميركية، لذا رأى أن سحب القوات الأميركية تدريجيا سوف يكون عامل ضغط قوي على الحكومة العراقية والسياسيين العراقيين للعمل على إيجاد حل سياسي لمشاكلهم

والواضح هنا أن أوباما مرن في قضية سحب القوات فهو لا يحدد عدد القوات التي يجب سحبها أو تواريخ سحبها أو سرعة السحب

كل ما يريده هو سحب غالبية القوات في غضون 16 شهرا وفقا لما يقتضيه الواقع بالعراق ويتفق عليه قادة الجيش الأميركي هناك، والإبقاء على عدد غير محدد من القوات لفترة غير محددة لحماية مصالح أميركا ومكافحة الإرهاب وتدريب القوات العراقية

أما ماكين فسحب القوات غير وارد بالنسبة له، فهو يقول أحيانا أنه يأمل في أن يحقق النصر في العراق بنهاية ولايته الأولى كرئيس لأميركا (في حالة فوزه بالرئاسية) في عام 2013، ولكنه يرفض فكرة وضع سقف أو جدول زمني للانسحاب، بل يرى أن مجرد الحديث في الأمر هو دعم للقاعدة ولأعداء أميركا في العراق وفي الشرق الأوسط، دعم يشعرهم بأنهم ألحقوا الهزيمة والخزي والعار بأميركا في العراق وبأنهم قادرين على فعل الشيء نفسه في أفغانستان وفي أي مكان أخر بالعالم، فالانسحاب من العراق هو انهيار للمشروع الأميركي في العراق وفي بناء الشرق الأوسط الجديد وفي إعادة بناء عالم القطبية الأحادية بشكل عام، لذا يقول ماكين بشكل متكرر أن "الحرب على الإرهاب" هي حرب أجيال وأهم تحدي للجيل الأميركي الراهن وأن العراق هي ساحتها الأساسية

الحل الدبلوماسي

لذا يرفض ماكين توصيات "مجموعة دراسة العراق" الصادرة في أواخر عام 2006 والتي تنادي بالبحث عن حل دبلوماسي إقليمي لقضية العراق من خلال تحريك علمية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية والدخول في حوار مع الدول المجاورة للعراق وعلى رأسها سوريا وإيران وطلب دعمها في تحقيق استقرار العراق، وبالطبع يرفض ماكين المهادنة مع إيران أو سوريا ويرى أنها علامة ضعف لا قوة سوف يساء استغلالها، كما يفصل ماكين بين الصراع العربي الإسرائيلي والعراق، فماكين كالمحافظين الجدد يرى أن الصراع العربي الإسرائيلي له أسبابه التاريخية النابعة من موقف العرب الرافض لإسرائيل، وأن عدم استقرار الشرق الأوسط نابع من طبيعة نظم المنطقة غير الديمقراطية

أما أوباما فهو يبدي استعداده للدخول في حوار إقليمي ودولي مباشر حول سبل تفعيل الدبلوماسية الرامية لتحقيق استقرار العراق، وهو أمر يتماشى مع استعداد أوباما للدخول في حوار مباشر مع دول كإيران ومع رغبته أيضا في تفعيل الدبلوماسية الأميركية على ساحة عملية السلام

بين القنوط والصقورية

في الخاتمة لا يخلو موقف أوباما من عيوب، فهو يبدو قانطا من تحسن الأوضاع في العراق مما يدفعه لسحب القوات الأميركية هروبا من المشكلة التي باتت بدون حل لا اعترافا بحق الشعب العراقي في الحرية وبدين أميركا تجاه العراق، وإن كان أوباما قد عارض الحرب منذ البداية وأبدا استعداده لإيجاد حل دبلوماسي يضمن استقرار العراق، أما ماكين فهو صقر من أشرس صقور حرب العراق لن يتواني عن الانقضاض على معارضي الحرب وأعدائها في أميركا وخارجها لو أتيحت له الفرصة ولو بعد حين

مقالات ذات صلة

أحلام أوباما والجيل الأميركي المفقود

من لا يحب جون ماكين

ترويض أوباما

No comments: