الشيطان في الثقافة الأمريكية
بقلم: علاء بيومي
الناشر: مجلة المعرفة، 28 فبراير 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص المقال
من يظن أن الحديث عن نظرة الأمريكيين للشيطان أمر سهل فهو مخطئ؟ فقضية الشيطان مسألة في غاية الصعوبة والتعقيد نظرا لأن الشيطان أشبه بميراث بشري عام تتقاسمه مختلف الحضارات البشرية، فهو قضية أساسية مثل الخير والشر والأخلاق يستحيل غيابها عن حياة البشر
كما أن وجود الشيطان في الثقافات ليس ضروريا فحسب وإنما هو محوري أيضا، فالشيطان يرتبط بظواهر ثقافية كبرى ومعقدة كالدين والثقافة والتاريخ تغذي فهم الشعوب له، كما أنه يتطور عبر الزمن وعبر الاحتكاك مع الثقافات المختلفة
هذا يعني أن نظرة الأمريكيين للشيطان معقدة صعبة الفهم، فليس هناك نظرة واحدة واضحة للشيطان بالمجتمع الأمريكي، وإنما هناك نظريات عديدة ومختلفة ومتصادمة أحيانا
لذا نحذر - في بداية هذا المقال - ضد بعض الكتابات التي تتناول الثقافة الأمريكية من منظور تسطيحي متحيز يختزل النظر إلى الثقافة الأمريكية على أنها شر أو خير كامل، فالتحدي الحقيقي هنا هو أن نفهم خبرة الثقافة الأمريكية في التعامل مع الشيطان كنموذج معقد لثقافة بشرية متقدمة سعت للتعامل مع ظاهرة الشيطان – صعبة المراس - وذلك بهدف أن نتعلم دروسها المستفادة
موت الشيطان
إذا أردنا أن نستشعر بشكل سريع ومباشر صعوبة الجدل الأمريكي حول الشيطان فلابد أن نتناول نظرية "موت الشيطان" والتي تمثل – من وجهة نظري – جوهر الجدل الدائر بالثقافة الأمريكية حاليا حول الشيطان
نظرية "موت الشيطان" ليست نظرية فلسفية فقط بل هي ظاهرة يمكن أن يشعر بها المسلم والعربي المقيم في الولايات المتحدة لعدة سنوات، إذ يمكن بوضوح أن يلاحظ هذا المهاجر أن الأمريكيين لا يتحدثون كثيرا عن الشيطان، صحيح أن هناك أفلام أمريكية عديدة تنتمي إلى سينما الرعب المليئة بالمخلوقات المتوحشة القادمة من الأرض والبحر والسماء، وصحيح أيضا أن الأمريكيين يحتفلون كل عام بعيد "الهلاوين" والذي يخصص لطرد الأرواح الشريرة، ولكن في المقابل هذه الأفلام والعادات لا تخرج عن كونها مظاهر جماهيرية يسخر منها الأمريكيون أو يمارسونها من قبل المرح والتلاهي لا من قبل الإيمان بها أو تصدقيها أو إتباعها
وقد يعود هذا إلى طبيعة المجتمع الأمريكي كمجتمع مفتوح ومليء بالفرص بشكل نسبي، هذا إضافة إلى انتشار العديد من القصص التاريخية عن كفاح المهاجرين ونجاحهم في الاستقرار في أمريكا، وهي ظاهرة تعرف أحيانا بالحلم الأمريكي
ولكن الظواهر السابقة تعكس في جزء منه نظرية "موت الشيطان" وهي نظرية قائمة وذات وجود بالفكر الأمريكي وتغطيها دراسات مختلفة
من قتل الشيطان؟
ترى بعض الدراسات أن الحداثة وعصر التنوير قضيا على الشيطان، وذلك لأن التنوير الأوربي العلماني رفض الإيمان بالغيبيات بشكل عام بما في ذلك الآخرة ووجود الإله ووجود الملائكة أو الشيطان، ومن ثم أصبح الحديث عن الشيطان أمر مرفوض
الحداثة وحدها لا تكفي
إلقاء اللوم على الحداثة في قتل الشيطان ليس كافيا، إذ تشير الدراسات المعنية إلى أن الحداثة والتنوير لهما شركاء عديدين في جريمة قتل الشيطان، وهذا يعني أن الصراع على حياة الشيطان أو موته في أمريكا ليس صراع ديني/علماني محض، فالصراع له أبعاد أخرى هامة
أحد هذه الأبعاد هو الفكر الأمريكي في بعض جوانبه المثالية كما تظهر في كتابات مفكرين مثل رالف والدو إمرسون والذي
كفانا ظلما للشيطان
أما السبب الأهم في انتشار نظرية "موت الشيطان" في الثقافة الأمريكية فيرتبط بما أسماه البعض بالجانب الأسود من ثقافة بعض الجماعات المسيحية الأصولية التي لعبت دورا هاما في بناء أمريكا آلا وهي جماعة البيروتين (الأنقياء)، وهم أحد الجماعات البروتستانتينية التي عرفت بتشددها الديني والتي وصفها الكاتب الأمريكي الراحل أرثر ميللر في إحدى اشهر مسرحياته (المحنة) وكيف أن تشدد هذه الجماعة الديني كان يقود إلى حملات جماهيرية غوغائية للتخلص من أنصار الشيطان الذين يعيشون وسط الأنقياء وهم (أنصار الشيطان) في العادة أناس بسطاء وصموا ظلما بمحالفة الشيطان
بمعني أخر أكثر تبسيطا أن ثقافة العثور الوسطى بالمجتمعات الإنجليزية كانت تؤمن بتجسد الشيطان وتحالفه مع أشخاص بعينهم (السحرة والمشعوذين) وأن التخلص من هؤلاء ضرورة للتخلص من الشيطان، وفي كثير من الأحيان كان يستخدم هذا الاعتقاد للإضرار
لماذا يجب أن نبقي الشيطان حيا؟
مشكلة التعامل مع الشيطان لا تنتهي بالإعلان عن موته، وذلك لأن الشيطان سوف يظل حيا يرزق في الثقافة الجماهيرية وفي ثقافة الجماعات الأمريكية المتدينة، كما أن إعلان موت الشيطان ورفض الحديث عنه سوف يقود إلى فجوة معرفية مضرة، وذلك لأن هناك ظاهرة قائمة لا ينكرها أحد وهي ظاهرة الشر، وإعلان موت الشيطان يضعف من قدرة الأمريكيين على التعامل مع ظاهرة الشر الهامة خاصة وأن الشيطان يمثل أحد أهم رموزها، كما أن نظرية موت الشيطان تضعف من قدرة النخبة الأمريكية المثقفة على التعامل مع ظاهرة الشيطان وإيجاد حل لها، لذا تحذر بعض النظريات من وجود هذه الفجوة بالمجتمع الأمريكي ويطالبون بالبحث عن حلول لها
وهنا يجب الإشارة إلى أن الثقافة الجماهيرية الأمريكية بوضعها الحالي عاجزة عن تقديم هذا الحل بسبب
السياسة الدولية والشيطان
بقى لنا أن نشير إلى دراسة متميزة نشرتها دورية أمريكية معنية بالعلاقات الدولية في عام 2002 عن وجود الشيطان بالخطاب السياسي الأمريكي والدولي وتأثير ذلك على السياسات الدولية مع تطبيق خاص لخطاب وسياسات الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر
المقال تحدث في بدايته عن
للإطلاع على النص الكامل للمقال، يرجى زيارة الموقع التالي
http://www.almarefah.com/article.php?id=1041
الناشر: مجلة المعرفة، 28 فبراير 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص المقال
من يظن أن الحديث عن نظرة الأمريكيين للشيطان أمر سهل فهو مخطئ؟ فقضية الشيطان مسألة في غاية الصعوبة والتعقيد نظرا لأن الشيطان أشبه بميراث بشري عام تتقاسمه مختلف الحضارات البشرية، فهو قضية أساسية مثل الخير والشر والأخلاق يستحيل غيابها عن حياة البشر
كما أن وجود الشيطان في الثقافات ليس ضروريا فحسب وإنما هو محوري أيضا، فالشيطان يرتبط بظواهر ثقافية كبرى ومعقدة كالدين والثقافة والتاريخ تغذي فهم الشعوب له، كما أنه يتطور عبر الزمن وعبر الاحتكاك مع الثقافات المختلفة
هذا يعني أن نظرة الأمريكيين للشيطان معقدة صعبة الفهم، فليس هناك نظرة واحدة واضحة للشيطان بالمجتمع الأمريكي، وإنما هناك نظريات عديدة ومختلفة ومتصادمة أحيانا
لذا نحذر - في بداية هذا المقال - ضد بعض الكتابات التي تتناول الثقافة الأمريكية من منظور تسطيحي متحيز يختزل النظر إلى الثقافة الأمريكية على أنها شر أو خير كامل، فالتحدي الحقيقي هنا هو أن نفهم خبرة الثقافة الأمريكية في التعامل مع الشيطان كنموذج معقد لثقافة بشرية متقدمة سعت للتعامل مع ظاهرة الشيطان – صعبة المراس - وذلك بهدف أن نتعلم دروسها المستفادة
موت الشيطان
إذا أردنا أن نستشعر بشكل سريع ومباشر صعوبة الجدل الأمريكي حول الشيطان فلابد أن نتناول نظرية "موت الشيطان" والتي تمثل – من وجهة نظري – جوهر الجدل الدائر بالثقافة الأمريكية حاليا حول الشيطان
نظرية "موت الشيطان" ليست نظرية فلسفية فقط بل هي ظاهرة يمكن أن يشعر بها المسلم والعربي المقيم في الولايات المتحدة لعدة سنوات، إذ يمكن بوضوح أن يلاحظ هذا المهاجر أن الأمريكيين لا يتحدثون كثيرا عن الشيطان، صحيح أن هناك أفلام أمريكية عديدة تنتمي إلى سينما الرعب المليئة بالمخلوقات المتوحشة القادمة من الأرض والبحر والسماء، وصحيح أيضا أن الأمريكيين يحتفلون كل عام بعيد "الهلاوين" والذي يخصص لطرد الأرواح الشريرة، ولكن في المقابل هذه الأفلام والعادات لا تخرج عن كونها مظاهر جماهيرية يسخر منها الأمريكيون أو يمارسونها من قبل المرح والتلاهي لا من قبل الإيمان بها أو تصدقيها أو إتباعها
وقد يعود هذا إلى طبيعة المجتمع الأمريكي كمجتمع مفتوح ومليء بالفرص بشكل نسبي، هذا إضافة إلى انتشار العديد من القصص التاريخية عن كفاح المهاجرين ونجاحهم في الاستقرار في أمريكا، وهي ظاهرة تعرف أحيانا بالحلم الأمريكي
ولكن الظواهر السابقة تعكس في جزء منه نظرية "موت الشيطان" وهي نظرية قائمة وذات وجود بالفكر الأمريكي وتغطيها دراسات مختلفة
من قتل الشيطان؟
ترى بعض الدراسات أن الحداثة وعصر التنوير قضيا على الشيطان، وذلك لأن التنوير الأوربي العلماني رفض الإيمان بالغيبيات بشكل عام بما في ذلك الآخرة ووجود الإله ووجود الملائكة أو الشيطان، ومن ثم أصبح الحديث عن الشيطان أمر مرفوض
الحداثة وحدها لا تكفي
إلقاء اللوم على الحداثة في قتل الشيطان ليس كافيا، إذ تشير الدراسات المعنية إلى أن الحداثة والتنوير لهما شركاء عديدين في جريمة قتل الشيطان، وهذا يعني أن الصراع على حياة الشيطان أو موته في أمريكا ليس صراع ديني/علماني محض، فالصراع له أبعاد أخرى هامة
أحد هذه الأبعاد هو الفكر الأمريكي في بعض جوانبه المثالية كما تظهر في كتابات مفكرين مثل رالف والدو إمرسون والذي
كفانا ظلما للشيطان
أما السبب الأهم في انتشار نظرية "موت الشيطان" في الثقافة الأمريكية فيرتبط بما أسماه البعض بالجانب الأسود من ثقافة بعض الجماعات المسيحية الأصولية التي لعبت دورا هاما في بناء أمريكا آلا وهي جماعة البيروتين (الأنقياء)، وهم أحد الجماعات البروتستانتينية التي عرفت بتشددها الديني والتي وصفها الكاتب الأمريكي الراحل أرثر ميللر في إحدى اشهر مسرحياته (المحنة) وكيف أن تشدد هذه الجماعة الديني كان يقود إلى حملات جماهيرية غوغائية للتخلص من أنصار الشيطان الذين يعيشون وسط الأنقياء وهم (أنصار الشيطان) في العادة أناس بسطاء وصموا ظلما بمحالفة الشيطان
بمعني أخر أكثر تبسيطا أن ثقافة العثور الوسطى بالمجتمعات الإنجليزية كانت تؤمن بتجسد الشيطان وتحالفه مع أشخاص بعينهم (السحرة والمشعوذين) وأن التخلص من هؤلاء ضرورة للتخلص من الشيطان، وفي كثير من الأحيان كان يستخدم هذا الاعتقاد للإضرار
لماذا يجب أن نبقي الشيطان حيا؟
مشكلة التعامل مع الشيطان لا تنتهي بالإعلان عن موته، وذلك لأن الشيطان سوف يظل حيا يرزق في الثقافة الجماهيرية وفي ثقافة الجماعات الأمريكية المتدينة، كما أن إعلان موت الشيطان ورفض الحديث عنه سوف يقود إلى فجوة معرفية مضرة، وذلك لأن هناك ظاهرة قائمة لا ينكرها أحد وهي ظاهرة الشر، وإعلان موت الشيطان يضعف من قدرة الأمريكيين على التعامل مع ظاهرة الشر الهامة خاصة وأن الشيطان يمثل أحد أهم رموزها، كما أن نظرية موت الشيطان تضعف من قدرة النخبة الأمريكية المثقفة على التعامل مع ظاهرة الشيطان وإيجاد حل لها، لذا تحذر بعض النظريات من وجود هذه الفجوة بالمجتمع الأمريكي ويطالبون بالبحث عن حلول لها
وهنا يجب الإشارة إلى أن الثقافة الجماهيرية الأمريكية بوضعها الحالي عاجزة عن تقديم هذا الحل بسبب
السياسة الدولية والشيطان
بقى لنا أن نشير إلى دراسة متميزة نشرتها دورية أمريكية معنية بالعلاقات الدولية في عام 2002 عن وجود الشيطان بالخطاب السياسي الأمريكي والدولي وتأثير ذلك على السياسات الدولية مع تطبيق خاص لخطاب وسياسات الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر
المقال تحدث في بدايته عن
للإطلاع على النص الكامل للمقال، يرجى زيارة الموقع التالي
http://www.almarefah.com/article.php?id=1041