Wednesday, February 08, 2006

رمال الإمبراطورية: الحماسة التبشيرية والسياسة الخارجية الأمريكية
عرض بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، يناير 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص العرض

مؤلف هذا الكتاب هو روبرت مري، الصحفي السابق بجريدة وال ستريت جورنال، وهي أكثر الجرائد اليمينية الأمريكية نفوذا، والرئيس الحالي لوكالة كونجريشينال كوارترلي (فصلية الكونجرس) الإخبارية وهي أهم الوكالات الأمريكية المعنية بتتبع أخبار الكونجرس الأمريكي

كتاب "رمال الإمبراطورية" مكتوب من وجهة نظر أمريكية يمينية تقليدية واضحة، بشكل يجعل الكتاب نموذجا لما يعتري التيار الأمريكي اليميني التقليدي من تناقضات مزعجة في أحيان كثيرة خاصة فيما يتعلق بوجهة نظر أتباع هذا التيار تجاه الأخر غير الأمريكي وغير الغربي بصفة عامة وتجاه المسلمين والعرب بصفة خاصة – كما سنوضح عبر العرض الحالي

هدف الكتاب

يهدف كتاب "رمال الإمبراطورية" بشكل رئيسي إلى تقديم رؤية نقدية للسياسة الخارجية الأمريكية تقوم على فهم الخلفيات الفلسفية والثقافية للسياسات الأمريكية

وفي حقيقة الأمر يقدم الكتاب في الجزء الأول منه – والذي يغطي فصوله الخمسة الأولى – رؤية متميزة للأفكار الفلسفية المحركة للسياسة الأمريكية، والتي يقسمها روبرت مري إلى فكرتين أساسيتين، وهما فكرة "دائرية الحضارة"، وفكرة "التقدم"

فكرة "التقدم" أو النظرة التقدمية للتاريخ – والتي يتناولها المؤلف في الفصل الأول من الكتاب – هي فكرة حديثة كما يرى المؤلف تعود للفكر الأوربي الحديث وخاصة لمفكري الثورة الفرنسية، ويرى المؤلف أن أصحاب فكرة التقدم مالوا في غالب الأمر للنزعات المثالية والإنسانية، حيث أمنوا بقدرة العلوم والتكنولوجيا الحديثة على تغيير طبيعة وظروف الإنسان بشكل يدفع التاريخ إلى التطور الإيجابي بشكل مضطرد، كما أمنوا بقدرة الحكومات والهندسة الاجتماعية - إذا صح التعبير - على تغيير طبيعة الأفراد والمجتمعات إلى الأحسن، لذا مالوا إلى النظر إلى التاريخ البشرى على أنه يسير بشكل تصاعدي نحو الأمام تحت قيادة الحضارة الأوربية الغربية

أما فكرة "دائرية الحضارة" فيمثلها حديثا مفكرون مثل المفكر الألماني أوسلاند سبلنجر والمفكر البريطاني أرنولد تويني، ولكلاهما نظريات حول تطور الحضارات ومسار التاريخ البشري، وهما يميلان إلى النظر إلى التاريخ البشري على أنه يتكون من مجموعة من الحضارات التي صعدت ثم هبطت بفعل عوامل داخلية وخارجية أدت لتردي هذه الحضارات، ومن ثم فهم يرون أن مصير جميع الحضارات مهما بلغت قوتها هو الانهيار، ويرى روبرت ميرى أن فكرة "دائرية الحضارة" أقرب إلى الفكر الغربي في العصور القديمة والوسطى والذي مال إلى النظر إلى الطبيعة البشرية على أنها طبيعة تحتوي على الشر ولا يمكن أن تتخلص منه، وأن الشر موجود في كل العصور ولا يمكن التخلص منه بالتقدم المادي أو الثقافي، وبذلك رفضوا رؤية "فكرة التقدم" المثالية للتاريخ وللطبيعة البشرية

أفكار محركة للسياسة الخارجية الأمريكية

يرى روبرت مري أن للفكرتين السابقتين تبعات فكرية خطيرة على السياسة الخارجية لأي دولة بما في ذلك الولايات المتحدة، حيث يرى مري أن إيمان صناع السياسة بالولايات المتحدة بفكرة التقدم لابد وأن يدفعهم في اتجاه المغامرات السياسة الخارجية غير المحسوبة، وذلك لأن الإيمان بفكرة التقدم من شأنه أن يشعر الساسة الأمريكيين بأن الغرب سوف ينتصر في النهاية، وبأن الغرب قادر على تغيير الشعوب الأخرى وإعادة صناعتها على صورته

ولو أمن الساسة الأمريكيون بفكرة "دائرية الحضارة" لاختلف سلوكهم السياسي، ولكان من الأولى بهم التركيز على شئونهم الداخلية، وتقوية صفهم الداخلي، وحماية حضارتهم من قوى الإنحطاط والإنهيار والتي هي مصير كل الحضارات، ولتجنبوا المغامرات السياسية الخارجية والتي من شأنها إهدار قوة أمريكا الداخلية وتأليب العالم ضدها

وهنا يرى المؤلف أن الفترة التالية لنهاية الحرب الباردة شهدت جدلا فكريا واضحا على الساحة الفكرية السياسية الأمريكية بين مناصري الفكرتين السابقين، حيث يشير مري إلى بعض العلامات الفارقة بهذا الجدل

انتصار نهاية التاريخ على صراع الحضارات

ويستعرض روبرت مري – خلال الفصول من السادس وحتى الثامن من الكتاب – بشكل لا يخلو من تميز - تطور الجدل الفكري حول السياسة الخارجية الأمريكية بعد نهاية الحرب الباردة وعلاقة هذه الجدل ببعض التيارات الفكرية المؤثرة على السياسة الخارجية الأمريكية خلال القرن العشرين، وكيف قاد هذا الجدل لانتصار مناصري "نهاية التاريخ" على مناصري "صدام الحضارات"

إذ يرى أن انتصار أمريكا في الحرب الباردة أعطى القوميين الأمريكيين مزيد من الثقة في أنفسهم، وبدأ رؤساء أمريكا مثل جورج بوش الأب في الحديث عن النظام العالمي الجديد، كما أعطت حرب تحرير الكويت - والتي خاضتها أمريكا بناء على حسابات برجماتية بالأساس – مزيد من الثقة لتيار نهاية التاريخ وسيادة أمريكا العالمية، ويقول مري أن هذه النزعة التدخلية لم تقتصر على القوميين بل أصابت الليبراليين أيضا والذين طالبوا بتدخل أمريكا في حل المشاكل الدولية على أسس إنسانية كما حدث في البوسنة والصومال، وهنا يرى مرى أن هذه التطورات قادت أمريكا بشكل تدريجي للقبول بالنزعة الإمبريالية للمحافظين الجدد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي توجت بغزو أمريكا للعراق، وهو غزو يرفضه روبرت مري بشدة حيث يرى أنه بمثابة إحياء لصدام الحضارات

النزعة الإمبراطورية المثالية

يرى مري أن صعود المحافظين الجدد هو بمثابة انتصار لفكرة نهاية التاريخ المثالية على فكرة صدام الحضارات الواقعية، كما يرى مري أن هذا الانتصار كارثيا خاصة وأنه يقود أمريكا في إتجاه إمبريالي بدعاوي مثالية، فالمحافظون الجدد يريدون أن تسود أمريكا العالم لتعيد تشكيله ونشر الديمقراطية فيه، وخاصة في بلدان الشرق الأوسط وإعادة تشكيلها على صورة الديمقراطية الغربية، ويرى روبرت مري أن هذه الأفكار كارثية لأن الإمبريالية الأمريكية سوف تألب العالم والقوى الكبرى على أمريكا، كما أنها سوف تستنزف موارد أمريكا وتصرفها عن الاهتمام بقضايا الداخل، كما أن نزعة المحافظين الجدد المثالية لإعادة صياغة العالم على صورة الديمقراطية الغربية هي نزعة مصيرها الفشل، لأن العالم – كما يراه مري – من منظور صدام الحضارات – سوف يظل مقسما مختلفا ولن يذوب أبدا في حضارة واحدة


أمريكا في حرب حضارية مع العالم الإسلامي

مشكلة الكتاب – والتي دعتنا إلى الحديث عن تناقضاته المزعجة في مقدمة هذا العرض - هو أنه لم يكتفي عند هذا الحد، بل تعداه لتوصيف الوضع الدولي الراهن من منظور "صدام الحضارات" الذي يؤمن به المؤلف بشكل لا يخلو من نظرة سلبية نحو الإسلام والعالم الإسلامي وخاصة الثقافة العربية الإسلامية

إيمان مرى بأن العالم مقسم إلى حضارات مختلفة متصادمة جعله ينظر نظرة سلبية مليئة بالصور النمطية للإسلام وللثقافة العربية الإسلامية سعيا منه لإثبات أن الثقافة العربية الإسلامية مختلفة عن الثقافة الأمريكية بشكل سلبي لا علاج له، لذا يعد الفصل العاشر من الكتاب – والذي خصصه المؤلف للحديث عن الثقافة العربية الإسلامية بغرض بيان اختلافها الكبير والأبدي عن الثقافة الغربية – فصلا مليئا بالصور النمطية السلبية عن المسلمين والعرب إلى الحد الذي دفع المؤلف إلى القول – مستعينا ببعض الدراسات المتحيزة ضد المسلمين والعرب – بأن النساء العربيات يرضعن بناتهن لعام أو عامين بينما يرضعن أولادهن لثلاثة سنوات، كعلامة على مركزية قضايا الشرف والجنس في الثقافة العربية الإسلامية وعلى أن هذه الثقافة قائمة على التمييز ضد المرأة

كما يقول المؤلف أن "الحداثة تمثل تحدي أكبر للعالم الإسلامي أكثر مما تمثله لأي حضارة أخرى"، وأن الثقافة العربية الإسلامية قائمة على "الحساسيات القبلية، وقوة الشعور بالعار ... ودونية المرأة .. والعداء للآخرين"

كما يتحدث الكتاب في فصوله المختلفة عن أن أمريكا موجودة بالفعل في حرب حضارية مع العالم الإسلامي مستخدما - في بعض الأحيان - عبارات قوية فجة تخلط بين الإسلام كدين والعالم الإسلامي ككيان جغرافي ومجتمعات تمثل هذا الدين، إذ يقول المؤلف في أحد صفحات الكتاب (رقم 230) "نحن (الأمريكيون) حقا في حرب مع الإسلام"، كما يقول أن مع اشتعال الحرب الحضارية بين العالم الإسلامي والغرب سوف يرغم المسلمون عبر العالم على "الإختيار بين ثقافتهم والغرب"، وأن "أقلية سوف تختار الغرب" (ص 234)، وبهذا يضع مري الثقافة الإسلامية في صدام حتمي لا مفر منه مع الثقافة الغربية بدون الحديث عن فرص للتعايش من منظور تعددي يقوم على الإعتراف بالتنوع والسعي لبناء جسور الحوار والتعاون

أما الفصل الثالث عشر والأخير من الكتاب فهو مليء بالأفكار المزعجة عن تصور المؤلف للسياسة الخارجية الأمريكية المفترضة انطلاقا من رؤيته لصدام الحضارات، إذ يدعو مري أمريكا لمزيد من التقارب مع الدول الأوربية لتقوية الصف الغربي في حرب الحضارات، وأن تتحالف أمريكا مع روسيا على أن تحرس الأخيرة حدود الحضارة الغربية الشرقية مع دول أسيا الوسطي المسلمة، وأن تتحالف أمريكا علانية أو سرا مع الحكومات المسلمة الديكتاتورية مادامت هذه الدول راغبة في التحالف مع أمريكا ضد الجماعات الإرهابية، بل يصل الحد بالمؤلف لأن يقول أن "كلما كثر السكان المسلمين (داخل أمريكا) كلما تعاظم التهديد الداخلي"، وأن يقترح الحد من نمو المسلمين في أمريكا

وفي الخاتمة يجب التأكيد على الأزمة التي يعاني منها الفكر المحافظ التقليدي – كما يمثله روبرت مري – ففي الوقت الذي يرفض فيه هذا الفكر النزعة الإمبريالية مفضلا الإنكفاء على الذات، ينخرط هذا الفكر بشكل مؤسف في موقف شديدة العدائية تجاه الأخر العربي والمسلم

للإطلاع على النص الكامل للمقال، يرجى زيارة
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/194D6165-F873-4658-89A9-A406830668C9.htm

No comments: