خطاب حالة الإتحاد أظهر شعور بوش بتبعات سياساته
بقلم: علاء بيومي
الناشر: صحيفة الرياض، 2 فبراير 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص المقال
شعور الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بتبعات سياساته السلبي على الرأي العام الأمريكي بصفة عامة وعلى أبناء حزبه الجمهوري بصفة خاصة كان واضحا جليا خلال "خطاب حالة الإتحاد" الذي ألقاه بوش في الحادي والثلاثين من يناير المنصرف
بوش - الذي اعتاد التحدي ورفض التراجع أو الاعتراف بإخطائه - بدأ خطابه بالحديث عن تواضعه للوقوف أمام مجلسي الكونجرس وبدعوته لتخطي الخلافات الحزبية والعمل مع المعارضة بمنهج يسوده الإحترام المتبادل والنوايا طيبة
أما الفكرة الأكثر تكرار بالخطاب فكانت خوف بوش من إنتشار شعور العزلة وسط الأمريكيين
وبالطبع بوش كان يعني إنتشار العزلة وسط الجمهوريين بالأساس وخاصة التقليديين منهم والذي عارضوا إمبريالية المحافظين الجدد، فالعزلة لا تمثل تحديا أمام أصحاب التوجهات الليبرالية بالولايات المتحدة، فالليبراليون الأمريكيون لا يميلون العزلة، فهم يفضلون المشاركة في السياسات الدولية من خلال المؤسسات والقواعد الدولية والقانونية القائمة
أما اليمين الأمريكي فهو يميل للعزلة بشكل تقليدي، وهو ينظر للسياسة الخارجية من منظور واقعي برجماتي بشكل أساسي، لذا رفض اليمين التقليدي سياسات نشر الديمقراطية التي تبناها المحافظون الجدد، كما أنه بات يشعر بقوة وبرفض واضحين لتبعات حرب العراق المكلفة على أمريكا، ولعل كتاب "رمال الإمبراطورية" (2005) لروبرت ميري – رئيس مركز أبحاث كونجريشنال كوارترلي واسع النفوذ بواشنطن – دليلا واضحا على ذلك
أكثر من ذلك كشف خطاب بوش أن اليمين التقليدي بات يشعر بالعزلة لأسباب أخرى مركبة ومعقدة، من بينها المشاكل التي يتعرض لها الإقتصاد الأمريكي والتي أدت إلى فقدان الأمريكيين للعديد من الوظائف والشركات التي كانت تعد بمثابة أعمدة تقليدية للإقتصاد الأمريكي، الأمر الذي أشعر اليمين الأمريكي بالخوف من المنافسة الدولية والمهاجرين كما أشار بوش في خطابه
شعور بوش بمعاناة اليمين التقليدي وقطاعات أخرى واسعة من الشعب الأمريكي جعلته يركز في حديثه على بعض رموز الوحدة الوطنية والثقافة القومية الأمريكية، مثل الحديث عن الجيش الأمريكي كرمز للوحدة والتضحية والولاء والقيم الأمريكية، وكذلك الحديث عن "تحول صامت" يحدث داخل المجتمع الأمريكي نحو احترام القيم الإجتماعية والثقافية التقليدية
هذا إضافة إلى تجنب بوش تقديم حلولا واضحة وصارمة لبعض المشاكل التي تواجهها إدارته، فعندما تحدث عن نشر الديمقراطية ببعض بلدان الشرق الأوسط إكتفي بوش بالحديث عن أهداف عامة دون الحديث عن سياسات بعينها يمكن من خلالها تنفيذ تلك الأهداف، نفس الشيء تكرر عند حديث بوش عن إيران إذا إكتفي بمطالبة العالم بعدم السماح لإيران بإمتلاك أسلحة نووية
أما المثال الصارخ على هذا الصعيد فهو اقتراح بوش تشكيل لجنة من الحزبين لدراسة إصلاح نظام الضمان الإجتماعي الأمريكي، والمعروف أن نظام المعاشات الأمريكي يواجه تحديات ضخمة تجعله مهددا بالإفلاس، وأن بوش تعهد بإصلاحه في خطاب حالة الإتحاد العام الماضي، ولكنه فشل في تحقيق شيئا خلال عام 2005 في واحدة من أكبر هزائم بوش السياسية الداخلية خلال العام الماضي، لذا فضل بوش هذا العام عدم التحدي، وآثر التقدم بإقتراح تشكيل لجنة لدراسة الأمر
المثير هنا أن بوش أشار إلى عام 2006 عله أنه عام "حاسم"، وبالطبع لن يتمكن بوش خلال العام الحالي من حسم أي من التحديات الداخلية أو الخارجية الكبرى التي تواجه إدارته، فهو لن يتمكن من حل مشكلة العراق أو نشر الديمقراطية بالشرق الأوسط أو تطوير وسائل جديدة للطاقة أو إصلاح نظام التعليم الأمريكي خلال إحدى عشر شهرا
ولكن العام الحالي سوف يظل بالفعل عاما حاسما لبوش، ففي نوفمبر المقبل سوف يدخل الحزب الجمهوري أحد أهم التحديات السياسية التي واجهها خلال السنوات الستة الأخيرة، وبوش يدرك أن فشل أو تراجع حزبه في إنتخابات نوفمبر 2006 الفيدرالية سوف يكون له تبعاته الحاسمة على ولايته الثانية
أخيرا بقى لنا أن نشير إلى بعض الأفكار التي وردت في كتاب "الفرصة: لحظة أمريكا المواتية لتغيير مسار التاريخ" لريتشارد هاس والذي عمل كمدير لتخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية خلال عهد وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول
هاس تحدث في كتاهب عن حاجة أمريكا في هذه اللحظة التاريخة الفارقة في عمر السياسات الدولية لرؤية سياسة شاملة وعميقة قادرة على صياغة فترة المخاض التي يعيشها النظام الدولي منذ نهاية الحرب الباردة وحتى الآن بشكل يضمن الإستقرار العالمي تحت قيادة أمريكية
وقد رأينا تأكيد بوش خلال خطابه على أهمية القيادة الأمريكية للعالم، ولكن خطابه - كما هو حال خطاباته السابقة - خلا من تلك الرؤية وظل منحصرا في عدد محدود من القضايا والأهداف والسياسات التي لا ترقى إلى المستوى الذي تحدث عنه ريتشارد هاس في كتابه كما أكد هاس نفسه في نقده للسياسة الخارجية الأمريكية خلال عهد الرئيس الأمريكي الحالي
الناشر: صحيفة الرياض، 2 فبراير 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص المقال
شعور الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بتبعات سياساته السلبي على الرأي العام الأمريكي بصفة عامة وعلى أبناء حزبه الجمهوري بصفة خاصة كان واضحا جليا خلال "خطاب حالة الإتحاد" الذي ألقاه بوش في الحادي والثلاثين من يناير المنصرف
بوش - الذي اعتاد التحدي ورفض التراجع أو الاعتراف بإخطائه - بدأ خطابه بالحديث عن تواضعه للوقوف أمام مجلسي الكونجرس وبدعوته لتخطي الخلافات الحزبية والعمل مع المعارضة بمنهج يسوده الإحترام المتبادل والنوايا طيبة
أما الفكرة الأكثر تكرار بالخطاب فكانت خوف بوش من إنتشار شعور العزلة وسط الأمريكيين
وبالطبع بوش كان يعني إنتشار العزلة وسط الجمهوريين بالأساس وخاصة التقليديين منهم والذي عارضوا إمبريالية المحافظين الجدد، فالعزلة لا تمثل تحديا أمام أصحاب التوجهات الليبرالية بالولايات المتحدة، فالليبراليون الأمريكيون لا يميلون العزلة، فهم يفضلون المشاركة في السياسات الدولية من خلال المؤسسات والقواعد الدولية والقانونية القائمة
أما اليمين الأمريكي فهو يميل للعزلة بشكل تقليدي، وهو ينظر للسياسة الخارجية من منظور واقعي برجماتي بشكل أساسي، لذا رفض اليمين التقليدي سياسات نشر الديمقراطية التي تبناها المحافظون الجدد، كما أنه بات يشعر بقوة وبرفض واضحين لتبعات حرب العراق المكلفة على أمريكا، ولعل كتاب "رمال الإمبراطورية" (2005) لروبرت ميري – رئيس مركز أبحاث كونجريشنال كوارترلي واسع النفوذ بواشنطن – دليلا واضحا على ذلك
أكثر من ذلك كشف خطاب بوش أن اليمين التقليدي بات يشعر بالعزلة لأسباب أخرى مركبة ومعقدة، من بينها المشاكل التي يتعرض لها الإقتصاد الأمريكي والتي أدت إلى فقدان الأمريكيين للعديد من الوظائف والشركات التي كانت تعد بمثابة أعمدة تقليدية للإقتصاد الأمريكي، الأمر الذي أشعر اليمين الأمريكي بالخوف من المنافسة الدولية والمهاجرين كما أشار بوش في خطابه
شعور بوش بمعاناة اليمين التقليدي وقطاعات أخرى واسعة من الشعب الأمريكي جعلته يركز في حديثه على بعض رموز الوحدة الوطنية والثقافة القومية الأمريكية، مثل الحديث عن الجيش الأمريكي كرمز للوحدة والتضحية والولاء والقيم الأمريكية، وكذلك الحديث عن "تحول صامت" يحدث داخل المجتمع الأمريكي نحو احترام القيم الإجتماعية والثقافية التقليدية
هذا إضافة إلى تجنب بوش تقديم حلولا واضحة وصارمة لبعض المشاكل التي تواجهها إدارته، فعندما تحدث عن نشر الديمقراطية ببعض بلدان الشرق الأوسط إكتفي بوش بالحديث عن أهداف عامة دون الحديث عن سياسات بعينها يمكن من خلالها تنفيذ تلك الأهداف، نفس الشيء تكرر عند حديث بوش عن إيران إذا إكتفي بمطالبة العالم بعدم السماح لإيران بإمتلاك أسلحة نووية
أما المثال الصارخ على هذا الصعيد فهو اقتراح بوش تشكيل لجنة من الحزبين لدراسة إصلاح نظام الضمان الإجتماعي الأمريكي، والمعروف أن نظام المعاشات الأمريكي يواجه تحديات ضخمة تجعله مهددا بالإفلاس، وأن بوش تعهد بإصلاحه في خطاب حالة الإتحاد العام الماضي، ولكنه فشل في تحقيق شيئا خلال عام 2005 في واحدة من أكبر هزائم بوش السياسية الداخلية خلال العام الماضي، لذا فضل بوش هذا العام عدم التحدي، وآثر التقدم بإقتراح تشكيل لجنة لدراسة الأمر
المثير هنا أن بوش أشار إلى عام 2006 عله أنه عام "حاسم"، وبالطبع لن يتمكن بوش خلال العام الحالي من حسم أي من التحديات الداخلية أو الخارجية الكبرى التي تواجه إدارته، فهو لن يتمكن من حل مشكلة العراق أو نشر الديمقراطية بالشرق الأوسط أو تطوير وسائل جديدة للطاقة أو إصلاح نظام التعليم الأمريكي خلال إحدى عشر شهرا
ولكن العام الحالي سوف يظل بالفعل عاما حاسما لبوش، ففي نوفمبر المقبل سوف يدخل الحزب الجمهوري أحد أهم التحديات السياسية التي واجهها خلال السنوات الستة الأخيرة، وبوش يدرك أن فشل أو تراجع حزبه في إنتخابات نوفمبر 2006 الفيدرالية سوف يكون له تبعاته الحاسمة على ولايته الثانية
أخيرا بقى لنا أن نشير إلى بعض الأفكار التي وردت في كتاب "الفرصة: لحظة أمريكا المواتية لتغيير مسار التاريخ" لريتشارد هاس والذي عمل كمدير لتخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية خلال عهد وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول
هاس تحدث في كتاهب عن حاجة أمريكا في هذه اللحظة التاريخة الفارقة في عمر السياسات الدولية لرؤية سياسة شاملة وعميقة قادرة على صياغة فترة المخاض التي يعيشها النظام الدولي منذ نهاية الحرب الباردة وحتى الآن بشكل يضمن الإستقرار العالمي تحت قيادة أمريكية
وقد رأينا تأكيد بوش خلال خطابه على أهمية القيادة الأمريكية للعالم، ولكن خطابه - كما هو حال خطاباته السابقة - خلا من تلك الرؤية وظل منحصرا في عدد محدود من القضايا والأهداف والسياسات التي لا ترقى إلى المستوى الذي تحدث عنه ريتشارد هاس في كتابه كما أكد هاس نفسه في نقده للسياسة الخارجية الأمريكية خلال عهد الرئيس الأمريكي الحالي
No comments:
Post a Comment