Saturday, February 04, 2006

ليست المرة الأولى ... فما العمل؟
بقلم: علاء بيومي

الناشر: جريدة الشرق الأوسط، 2 فبراير 2006

نص المقال

سخرية المذيع الأمريكي بيل هاندل من مصرع مئات الحجاج المسلمين خلال مؤسم الحج المنصرف ليست الأولى من نوعها

ففي الثالث عشر من يناير وزع مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) - وهو أكبر المنظمات المسلمة الأمريكية المعنية بالدفاع عن صورة الإسلام في وسائل الإعلام الأمريكية – ضمن رسائله الإخبارية الإلكترونية مقتطفات من تعليقات نشرت على موقع يعرف باسم جهاد واتش (مراقبة الجهاد) جاء في أحدها ما يلي: "لدي فكرة عظيمة، لماذا لا يحتفل المسلمون بالحج كل عام، بهذا الأسلوب يمكننا أن نرسل المزيد منهم لمقابلة ربهم (الله)"

ومن لا يعرف موقع "جهاد واتش" فيكفي الإشارة إلى ما كتبه هايج فيتزجيرالد نائب رئيس إدارة الموقع على الموقع ذاته في أحد المرات

إذ كتب يقول: "العديد من المؤمنين بمعتقدات مختلفة غريبة أو جديدة على الغرب تمكنوا من أن يندمجوا بنجاح، وأن يصبحوا جيرانا طيبين ومواطنين صالحين مخلصين ... جماعة واحدة فقط، نظام معتقدات واحد فقط، يميز نفسه بظهوره عاجزا عن إيجاد مكان لنفسه (بالغرب)، وهؤلاء هم المسلمون، والإسلام، لو عرف أحدنا حقا ما يحتوي عليه الإسلام ... كيف يمكن بعد ذلك لأي إنسان سوي أن يبقى مسلما؟"

أما بيل هاندل - وهو مذيع بإحدى أشهر إذاعات جنوب كاليفورنيا وتدعى KFI – فقد قدم برنامجا ساخرا في الثاني عشر من يناير سخر فيه من مصرع الحجاج المسلمين خلال رمي الجمرات بموسم الحج الماضي

حيث لم يكتف هاندل بالسخرية من الموت وفقدان أرواح مئات الأبرياء وهم يتعبدون - وهي حادثة هائلة مهيبة لا يمكن أن يتعامل معها أصحاب النفوس السليمة إلا بكل إحترام وحذر - بغض النظر عن خلفية من لقوا مصرعهم - بل إنه تطاول على الإسلام ووصفه بأنه "دين غريب"، كما حاول الإيحاء لمستمعيه بفكرة أن المسلمين معادون للسامية

لذا حث مجلس كير – في بيان أصدره – المسلمين و"أصحاب الضمائر" على الإتصال بالإذاعة المذكورة ومطالبتها بالإعتذار على تصريحات هاندل المسيئة وغير المسئولة ومحاسبته

حيث أشار المجلس إلى أن المذيع نفسه سبق وأن اتهم المسلمين – في شهر مارس 2004 - بممارسة الجنس مع حيواناتهم وبتجنب الاستحمام وبالإنشغال المرضي بقتل اليهود (يبدو أن هاندل نفسه مشغول بشكل مرضي بفكرة أن المسلمين يعادون اليهود)

المؤسف هنا أن تصريحات هاندل ليست الأولى من نوعها من حيث الإساءة للإسلام من قبل وسائل الإعلام الأمريكية خلال السنوات الأخيرة، أو حتى خلال الشهر الماضي

ففي السادس عشر من يناير نشرت صحيفة واشنطن تايمز مقالا لكاتبة تدعى سوزان فيلدس والتي وصفت تكاثر المسلمين وزيارة معدل إنجابهم بأنه نوع من "الشغب الجماهيري" ضد الغرب

وفي الأول من يناير إتهم كاتب مسيحي يدعى هال ليندسي القرآن والحديث "بتعليم العنف"، وذلك خلال برنامج أذاعته قناة فوكس الأمريكية اليمنية

الإهانات السابقة وغيرها من الإساءات التي يتعرض لها الإسلام وأهم رموزه ببعض وسائل الإعلام الأمريكي والأوربية تدفعنا إلى أن نسأل أنفسنا سؤالين هامين، وهما: ما هي أسباب تلك الإساءات؟ وكيف نتعامل معها؟

بالنسبة لأسباب تلك الحملات المغرضة فهي عديدة ومختلفة، وإن كان يمكن تلخيصها في أربعة عوامل رئيسية، العامل الأول هو الجهل، فمختلف الإستطلاعات التي أجريت حول رؤية الأمريكيين للإسلام تدل على أن غالبية الشعب الأمريكي (الثلثين تقريبا) ليس لديها معرفة كافية بالإسلام، وهو ما يجعل هذه الجماهير فريسة سهلة في يد الدعاية المعادية للإسلام بأمريكا والغرب

السبب الثاني هو التحيز التاريخي المدفون بالثقافة الغربية تجاه الأخر الأجنبي بصفة عامة والعربي والمسلم بصفة خاصة، ومن أبرز من فضحوا هذا التحيز البروفيسور العربي الأمريكي الراحل إدوارد سعيد، وذلك من خلال كتاباته عن الإستشراق، حيث رأى سعيد أن تعامل مفكري الغربي مع الأخر الشرقي – بما في ذلك المسلمين والعرب – إنصب في خدمة مؤسسات الإستعمار والإمبريالية الغربية بشكل يساعد هذه المؤسسات على فهم الأخر الشرقي وإخضاعه

وعلى الرغم من إنتهاء العصر الإستعماري إلا أن النظرة الإستشراقية مازالت قائمة وتحكم العديد من السياسات والمواقف الأمريكية تجاه العالمين العربي والإسلامي، وذلك كما يشير كتاب "الإستشراق الأمريكي: أمريكا والشرق الأوسط منذ عام 1945" الصادر في عام 2002 للأكاديمي الأمريكي دوجلاس ليتل

يأتي بعد ذلك دور بعض النخب الأمريكية ذات الأجندات المعادية للمسلمين والعرب بشكل خاص وعلى رأسها بعض قيادات اليمين الأمريكي المتدين والجماعات المتطرفة في مساندتها لإسرائيل

وهنا يجب الإشارة إلى دور تلك الجماعات في تشويه صورة المسلمين والعرب بأمريكا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث كشفت تقارير صحفية أمريكية مختلفة الدور الذي قامت به منظمات مساندة لإسرائيل – من وراء الستار – لتزويد وسائل الإعلام الأمريكية بمعلومات مغلوطة وسلبية عن الإسلام والمسلمين في أمريكا

أما قادة اليمين الديني المتطرف – من أمثال بات روبرتسون وفرانكلين جرام وجيري فالويل – فهم لم يدخروا وسعا لإعلان عدائهم للإسلام بشكل صريح وواضح وفي مناسبات مختلفة، بل أنهم هاجموا الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش لوصفه للإسلام بأنه دين سلام، كما أكد دايفيد فروم كاتب خطابات بوش السابق في أحد كتبه

العوامل السابقة على الرغم من محوريتها لا تعفي المسلمين والعرب أنفسهم من مسئوليتهم عما تتعرض له صورة الإسلام والمسلمين في أمريكا والغرب من تشويه

فهناك جماعات أقلية تسيء للإسلام بإرتكابها أفعال شنيعه – كخطف وقتل الأبرياء – باسم الإسلام

أما الأغلبية المسلمة المتسامحة فمازال صوتها الوسطي غير مسموع لدى المواطن الغربي والأمريكي، وهو ما يدفعنا إلى محاولة الإجابة على السؤال المحوري الثاني بهذا المقال، وهو ما العمل؟

وهنا يجب الإشارة إلى أن المسلمين في أمريكا وخارجها لم يقفوا مكتوفي الأيدي خلال السنوات الأخيرة أمام الحملات المسيئة لدينهم

فهناك مبادرات إيجابية وناجحة عديدة اتخذتها هيئات وشخصيات قيادية مسلمة من شتى أنحاء العالم للدفاع عن صورة الإسلام بالولايات المتحدة والغرب، وقد اتخذت هذه المبادرات صور مختلفة مثل حملات الاتصال بالهيئات الإعلامية المسيئة، وحملات تزويد الأمريكيين بالقرآن الكريم وبكتب موضوعية عن الإسلام، والتبرع لتطوير برامج دراسات إسلامية بأكبر الجامعات الأمريكية، واتخاذ مواقف دبلوماسية رافضة للإساءة للإسلام والمسلمين

ولكن ما يدعو للتأمل في الفترة الحالية هو أن المسلمين بشتى أنحاء العالم وصلوا لمرحلة جديدة من الوعي بخطورة وانتشار ظاهرة العداء للإسلام والمسلمين (الإسلاموفوبيا) بالغرب، كما ظهر في الاهتمام الخاص الذي منحته منظمة المؤتمر الإسلامي - في قمتها الأخيرة بمكة المكرمة - لهذه الظاهرة، كما ظهر أيضا في رد فعل العالم الإسلامي الرسمية والشعبية تجاه إساءة بعض الصحف الأوربية لشخصية الرسول الكريم (ص)

هذه التطورات تدفعنا لاقتراح نوع مختلف - وإن كان غير جديد - للتعامل مع ظاهرة الإسلاموفوبيا، آلا وهو العمل من خلال خطط علاقات عامة - منظمة وعلمية وذات أهداف محددة يسهل قياسها - لتطوير صورة الإسلام بالغرب على أن تبدأ هذه الخطط باستهداف مجتمعات أو فئات معينة داخل أمريكا والغرب يسهل كسب تعاطفها أو تحتاج أكثر من غيرها لفهم صورة الإسلام الصحيحة

المهم هنا أن تتحول الجهود والمبادرات الفردية المتفرقة إلى خطط دعاية وعلاقات عامة منظمة للدفاع عن صورة ديننا الحنيف، فالتحدي الذي نواجهه يحتاج لاستجابة عملية ومدروسة

2 comments:

Anonymous said...

احيك على المقالة الرائعة و الصادقة

Anonymous said...

Dear Sir,

Thank you for your balanced reasonable article. i hope you can publish your articles in American newspapers as well as Arabic ones. I think it is very importnat to be focused on tlaking to the Americans in thier media not in our media.

Best regards,
YA