صورة الإسلام في أميركا بعد خمس سنوات على 11/9
مقال بقلم: علاء بيومي
الناشر: الجزيرة نت، 11 سبتمبر 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص المقال
أحد أهم الأسئلة المطروحة في الذكرى السنوية الخامسة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 هو كيف أثرت تلك الأحداث وتبعاتها خلال السنوات الخمسة الأخيرة على نظرة الأميركيين تجاه الإسلام والمسلمين
هذا إضافة إلى التساؤل حول طبيعة العوامل التي ساهمت في صياغة تلك النظرة خلال السنوات الخمس التي باتت تفصلنا عن الحدث التاريخي الهام
التحيزات الدفينة
قبل الشروع في إجابة السؤالين السابقين ينبغي أن نذكر أنفسنا بأن صورة الإسلام في أميركا هي نتاج لعوامل ثقافية وسياسية بعيدة الجذور، فعلى المستوى الثقافي تبرز دراسات علم الإستشراق أن الإسلام والمسلمين - والعالم غير الغربي عموما - يعانون كثيرا من التشويه والإجحاف في عقلية المواطن الغربي والأميركي نتيجة لتحيزات دينية وفكرية وثقافية تاريخية دفينة
وعلى المستوى السياسي عانت صورة العربي سياسيا لعقود نتيجة للصراع العربي الإسرائيلي، وعانت صورة المسلمين بأميركا سياسيا منذ وقوع الثورة الإسلامية بإيران في أواخر السبعينات على أقل تقدير، حيث رأي أميركا في الثورة الإيرانية تهديدا لمصالحها الإستراتيجية بالمنطقة تحت شعار إسلامي، هذا إضافة إلى ترشيح عدد متزايد من الأكاديميين والسياسيين الأميركيين للإسلام للعب دور العدو الدولي الجديد للولايات المتحدة بعد سقوط الإتحاد السوفيتي، وهي ترشيحات زادت وتيرتها خلال العقد الماضي، وأصبح ينظر إليها حاليا - من قبل بعض السياسيين الأميركيين - على أنها نبوءات موفقة كان ينبغي الانتباه لها بدرجة أكبر
عموما أحداث سبتمبر والسنوات الخمس الماضية أضافت للتحيزات السابقة الدفينة عدد إضافي من العوامل والمتغيرات التي تركت تأثيرا واضحا على صورة الإسلام والمسلمين بأميركا، والتي نلخصها هنا في خمسة عوامل رئيسية
الجهل كمصدر للتحيز
أولا: مختلف الاستطلاعات التي أجريت عن رأي الأميركيين تجاه الإسلام والمسلمين أوضحت أن ثلثي الأميركيين على الأقل يفتقرون للمعرفة الكافية بالإسلام والمسلمين، وأن الأميركيين الذين يعرفون الإسلام بدرجة كافية أو الذين يمتلكون أصدقاء ومعارف مسلمين يمتلكون أكثر إيجابية تجاه الإسلام والمسلمين، أكثر من ذلك أثبتت الاستطلاعات أن ارتفاع مستوى المواطن الأميركي التعليمي يؤثر إيجابيا على نظرته للإسلام والمسلمين
هذا يعني أن الجهل بصفة عامة والجهل بالإسلام بصفة خاصة يقودان إلى التحيز والعداء، فالجهل يترك المواطن الأميركي فريسة لتحيزات الإعلام ولأجندة الجماعات السياسية ذات المصالح الضيقة ولتقلبات الأحداث الدولية
معتقدات وأزمات وخصائص ديمغرافية
ثانيا: تنتشر مشاعر سلبية عن الإسلام خلال الفترة الحالية في أوساط نسبة لا يستهان بها من الأميركيين تتراوح بين 20-33% في الأوقات العادية، وترتفع إلى 25-40% في أوقات الأزمات
هذه المشاعر السلبية ترتبط بمعتقدات وخصائص ديمغرافية وظروف سياسية معينة، فعلى جانب المعتقدات ترتبط صورة الإسلام السلبية في عقلية المواطن الأميركي بأفكار نمطية معنية على رأسها الإعتقاد بأن الإسلام يحض على العنف وعلى إضطهاد المرأة وعلى كره أبناء الأديان الأخرى والحد من حقوقهم وحرياتهم
وفيما يتعلق بالعوامل الديمغرافية تنتشر الرؤى السلبية عن الإسلام بدرجة أكبر في أوساط أبناء التيار اليميني المحافظ وخاصة كبار السن منهم، ويتركز هؤلاء جغرافيا في ولايات الجنوب والوسط الأميركي وفي المناطق الزراعية والبعيدة عن المدن، في حين يميل أبناء التيار الليبرالي والشباب وسكان المدن للنظر بشكل أكثر إيجابية تجاه الإسلام
وعلى جانب الظروف السياسية هناك إرتباط واضح وقوي بين فترات الأزمات الدولية - خاصة الأزمات المتعلقة بأحداث إرهابية - وبين تردي صورة الإسلام والمسلمين لدى الشعب الأميركي، حيث تؤدى تلك الأحداث لقفزة في التغطية الإعلامية السلبية للإسلام والمسلمين، كما تزيد بوضوح من دعاوي التمييز ضد مسلمي أميركا ومن قابلية الشعب الأميركي للموافقة على تحويل تلك الدعاوى لسياسات أمنية حقيقية
وعلى الصعيد نفسه أثرت بعض سياسات الإدارة الأميركية تجاه العالم الإسلامي – كالحرب على العراق – على صورة الإسلام والمسلمين بأميركا، حيث أثبت إستطلاعات مختلفة أن مؤيدي الحرب على العراق أكثر قابلية للنظر سلبيا تجاه الإسلام والمسلمين، وقد يرتبط هذا بالطبع بالدعاية السلبية التي تصاحب الحروب وما شابهها من السياسات
جماعات سياسية متحيزة
ثالثا: صورة الإسلام في أميركا لا تتشكل في بيئة محايدة، فهناك دور واضح لبعض الجماعات الأميركية النشطة سياسيا وإعلاميا والتي تروج لأجندات سياسية وفكرية متحيزة ضد الإسلام والمسلمين، وعلى رأس تلك الجماعات ثلاثة فرق رئيسية
الفرقة الأولى تضم المحافظين الجدد، وهي فئة يصعب تحديد موقفها من الإسلام والمسلمين لسبب أساسي وهو صعوبة تحديد من ينتمون إليها على الرغم من الكتابات العديدة التي تعريفها، وبصفة عامة يمكن تقسيم هذه الفئة من حيث موقفها من الإسلام والمسلمين إلى ثلاثة تيارات أساسية، أولها تيار عام يضم غالبية أبناء هذه الفئة ويتميز بالتركيز المبالغ فيه على العالم الإسلامي والاندفاع نحو استخدام القوة لتطبيق رؤاهم بخصوص العالم الإسلامي ونحو النظر لبعض الجماعات المسلمة على أنهم عدو أميركا الأساسي، ويمكن القول أن نفوذ هذه الفئة وأفكارها أوجدا جوا من الشك والخوف غير المسبوق تجاه المسلمين، كما أنتجا سياسات ذات تبعات كارثية على صورة الإسلام وعلى رأسها حرب العراق
الفئة الثانية - وهي أقلية ضمن تلك المجموعة - ساندت مساعي الإدارة الأميركية الحالية قصيرة العمر وضعيفة الموارد لدفع قوى الديمقراطية في العالم الإسلامي، ويلاحظ أن هذه الفئة رفعت شعارات تطالب بمشاركة الجماعات الإسلامية في العملية السياسية بالعالم الإسلامي مما أوجد حالة حراك نسبي في الخطاب السائد بواشنطن تجاه ما هو إسلامي لفترة قصيرة، وهذا لا يعني أن تلك الفئة أقل تحيزا تجاه الإسلام والمسلمين، ولكن خطابها الديمقراطي إمتلك أبعادا إيجابية يجب رصدها
الفئة الثالثة تضم بعض الجماعات المتطرفة في مساندة إسرائيل وهي تربط المحافظين الجدد بقوى لوبي إسرائيل التقليدية، ويمكن الإشارة إلى منبر أبحاث الشرق الأوسط والذي يرأسه الباحث الأميركي المتشدد دانيال بايبس كنموذج لتلك الفئة، وهي فئة رافضة لفكرة نشر الديمقراطية، وتروج لأجندة شديدة التطرف مفادها ترويج أسوء الأفكار النمطية عن المسلمين في شكل إنتاج يبدو أنه فكري أو بحثي رصين، ومن تلك الأفكار إضطهاد المسلمين للمرأة وللأقليات الدينية، وحض الإسلام على العنف وكراهية الآخرين
الفرقة الثانية من الجماعات السياسية المتحيزة ضد الإسلام والمسلمين هي جماعات لوبي إسرائيل، ويلاحظ هنا أن بعض الإستطلاعات أثبتت بصفة عامة وجود إرتباط بين مساندة إسرائيل والقابلية للنظر سلبيا تجاه الإسلام والمسلمين، هذا إضافة إلى نشاط اللوبي المذكور في أوقات الأزمات – كحرب لبنان الأخيرة – لقمع أي خطاب إيجابي عن الحقوق المسلمة العربية، كما كشفت دراسات وتقارير متواترة عن جهات مختلفة أن لوبي إسرائيل ينشط بصفة مستمرة وراء الستار لتهميش وعزل مسلمي وعرب أميركا على المستوى السياسي والعام بالولايات المتحدة خوفا من أن يؤدي نفوذهم المتزايد تدريجيا لتوعية الأميركيين بحقيقة ما يجري بالشرق الأوسط ومن ثم إضعاف التأييد الشعبي الأميركي المتآكل لإسرائيل
الفرقة الرئيسية الثالثة هي الجماعات المسيحية المتدينة والتي تشكل نسبة لا يستهان بها من أصوات الحزب الجمهوري تقدر أحيانا بحولي 40%، وترتبط هذه الفئة بالتشويه الذي تتعرض له صورة الإسلام بأميركا على أكثر من مستوى، أولها أن أبناء اليمين الأميركي المحافظ أكثر قابلية للنظر سلبيا للإسلام كما أفادت مختلف الإستطلاعات، كما تشير تقارير مختلفة أن بعض الأفكار والكتابات المنتشرة على نطاق واسع في أوساط اليمين الأميركي المتدين – مثل الكتابات التي تدور حول نبوءات أخر الزمان الإنجليكية – تحتوي على تصورات تضع غالبية المسلمين والعرب في معسكر أعداء المسيح والمسيحية
ثانيا: شنت بعض قيادات اليمين الأميركي المتدين حملة على الإدارة الأميركية بسبب وصفها الإيجابي للإسلام كدين في أعقاب 11-9، ثالثا: أقدمت بعض قيادات اليمين الأميركي المتدين واسعة النفوذ مثل بات روبرتسون وجيري فالويل وفرانكلين جرام على توجيه إساءات مباشرة وقوية للإسلام كدين على أهم وسائل الإعلام الإميركية، رابعا: تلعب وسائل الإعلام اليمينية العلمانية مثل قناة فوكس نيوز والدينية مثل القنوات والإذاعات المسيحية دورا واضحا في ترويج الأفكار الناقدة للإسلام وللمسلمين
مواقف النخب السياسية الأميركية
رابعا: تتميز مواقف النخب السياسية الأميركية تجاه ما يتعرض له المسلمون والعرب من تشويه وتمييز بالتضارب على أقل تعبير، فبينما حرصت أقلية بين النخب السياسية الليبرالية على نقد ظاهرة الإسلاموفوبيا (العداء للإسلام والمسلمين) لم تقدم غالبية أعضاء النخبة السياسية الأميركية حلولا واضحة للتعامل مع تلك الظاهرة أو مع ما يتعرض له المسلمون من تمييز في الولايات المتحدة، بل تسابقت غالبية تلك النخب على تسجيل أهداف سياسية مستغلين مشاعر العداء للإسلام والمسلمين بالمجتمع الأميركي كما حدث في مواقف عديدة مثل حادثة "موانئ دبي" وخلال الحرب الإسرائيلية على لبنان
أما فيما يتعلق بموقف الإدارة الأميركية نفسها فقد حرصت في أكثر من مناسبة على الفصل بين الإسلام ومعتقدات الإرهابيين، ولكنها في نفس الوقت إستخدمت مصطلحات مثل "الإسلام الراديكالي" والإسلام الفاشي" في وصف معتقدات الإرهابيين، وهي مصطلحات غير محددة التعريف تربط بين الإسلام والإرهاب خاصة لدى المواطن الأميركي العادي الذي يفتقر للمعرفة الكافية وللقدرة على فهم المغزى المحدد لتلك المصطلحات
المبادرات المسلمة والعربية لتحسين الصورة
خامسا: فيما يتعلق بموقف المسلمين والعرب في أميركا وخارجها تجاه ما تتعرض له صورة الإسلام والمسلمين من تشويه خلال السنوات الخمسة الأخيرة، يلاحظ بوضوح غياب أي مبادرات كبرى تهدف للتعامل مع هذه الظاهرة من داخل الولايات المتحدة الأميركية نفسها
ففي الوقت الذي أنفقت فيه أميركا مئات الملايين من الدورلات لإنشاء محطات تلفزيون وإذاعات ومطبوعات وبرامج مختلفة لكسب عقول وقلوب المسلمين والعرب في ظل خطط ذات أساس علمي قوي وتوجه سياسي ضعيف ومضطرب، لم يتمكن المسلمون والعرب في أميركا وخارجها حتى الآن من القيام بمبادرات موازية من حيث الحجم أو الهدف أو المدى أو التخطيط العلمي، فمبادرات المسلمين والعرب الأميركيين محدودة بحكم محدودية إمكانياتها، ومبادرات العالم الإسلامي متفرقة بحكم إختلاف جهات تنظيمها، ومحدودة أيضا فحتى الآن لم تطلق أي دولة عربية وإسلامية خطة عامة لتحسين صورة الإسلاميين والمسلمين في أميركا من خلال خطة علاقات عامة وسياسية تطبق على مدى زمني كافي
خاتمة
الضغوط السلبية السابقة لم تمنع من ظهور مبشرات إيجابية على رأسها زيادة رغبة الأميركيين في التعرف على الإسلام والمسلمين، وإعتراف غالبية الأميركيين (الثلثين) بعدم إمتلاكهم معرفة كافية عن الإسلام، واتساع رقعة التعاطف مع المسلمين والعرب في أوساط ليبرالية أميركية دينية وعلمانية مختلفة بما في ذلك جماعات حقوقية كبرى، وأخرى معنية بحقوق الأقليات وبنشر السلام، وتشكل العوامل السابقة فرص إيجابية حقيقية هامة يمكن حصادها لو تم ذلك من خلال جهد عملي منظم يتناسب في حجمه وإمكانياته مع حجمة التحدي الذي تواجهه صورة الإسلام والمسلمين في أميركا حاليا
-----
مقالات ذات صلة
مسلمو وعرب أميركا بين تبعات 11/9 والثورة اليمينية المضادة
الخطاب المسلم الأمريكي السائد
سبل مكافحة الإسلاموفوبيا في البيئة الأمريكية
تفسير جديد لأسباب إنتشار الإسلام بين الأفارقة الأمريكيين
حاضر الهوية المسلمة الأمريكية